نعمة التوحيد واجتماع الكلمة ووحدة الصف
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ؛ أَمَرَ عبادَه بالإيمانِ بِه، وتوحيدِه، ونبذِ الشركِ والبعدِ عنه، وحثَّهم على الاعتصامِ بالكتابِ والسنةِ والبعدِ عن التشتَّتِ والفرقةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم ورضي اللهُ عن صحابتِه الأخيارِ. أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ؛{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
أيُّها المؤمنونَ: التوحيدُ من أجله خَلقَ اللهُ الخلقَ، وهوَ فطرةُ اللهِ التي فطرَ النَّاسَ عليهَا، ومِنْ أجلهِ أَخَذَ اللهُ الميثاقَ على بني آدمَ، ومن أجلهِ أَرْسلَ الرسلَ، وأنزلَ الكتبَ، وهو شرطٌ في النَّصرِ والتَّمكينِ، وشرطٌ في الأمنِ والاهتداءِ، وشرطٌ في قبولِ الأعمالِ، وشرطٌ في الشفاعةِ، وشرطٌ في دخولِ الجنةِ والنجاةِ من النارِ، وهو حقُّ اللهِ على العبيدِ، ويُكفِّرُ الذنوبَ، وأوَّلُ ما يُسألُ عنهُ العبدُ في قبرِه.
لقد تكفلَ اللهُ جلَّ وعلا لأهلِ التوحيدِ بالفتحِ والنصرِ والعزِّ والشرفِ، وحصولِ الهدايةِ والتيسيرِ والتسديدِ في الأقوالِ والأفعالِ، وربُّنَا جلَّ وعلا يدافعُ عنِ الموحِّدينَ، ويمنُّ عليهم بالحياةِ الطَّيبةِ في الدنيَا، والسعادةِ الأبديةِ في الآخرةِ.
فهنيئًا للموحدينَ، فلهمُ الشرفُ العظيمُ والفوزُ الكبيرُ.
عبادَ اللهِ: لقد أدركَ سلفَ الأمةِ معنى التوحيدِ والوحدةِ، فكانوا كالجسدِ الواحدِ، تحطَّمتْ على توحيدِهم ووحدتِهم ورابطتِهم جميعُ المكائدِ والمؤامراتِ، مستجيبينَ في ذلكَ لأمرِ ربِّهم جلَّ وعلا: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..}[آل عمران: 103]، قالَ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: «عليكُم بالجماعةِ فإنَّها حبلُ اللهِ الذي أَمَرَ بهِ وإنَّ ما تكرهونَ في الجماعةِ والطَّاعةِ خيرٌ ممَّا تحبونَ في الفرقةِ».
أيُّها المؤمنونَ: إنَّ لزومَ الجماعةِ واجبٌ، وهوَ من مسلَّماتِ الدينِ، وقد تقرَّرَ عندَ أهلِ السنةِ والجماعةِ في معتقدِهم أنَّ الجماعةَ حقٌ وصوابٌ، والفرقةَ زيغٌ وعذابٌ.
كما تقرَّرَ عندهم أنَّ الطَّاعةَ لوليِّ الأمرِ واجبةٌ، وأنَّ الخروجَ عليهِ أمرٌ محرمٌ، وهوَ من أخطرِ الأشياءِ لما يترتَّبُ عليهِ من المفاسدِ العظيمةِ التي تَلحقُ الأفرادَ والمجتمعَ، فالسمعُ والطَّاعةُ لولاةِ الأمرِ أصلٌ منْ أصولِ العَقيدةِ عندَ المسلمينَ، إذْ بالسمعِ والطَّاعةِ تَنتظمُ مصالحُ الدينِ والدنيَا معًا، وبالافتياتِ عليهم قولاُ أو فعلاً فسادُ الدينِ والدنيَا، وقد عُلمَ بالضرورةِ من دينِ الإسلامِ أنَّه لا دينَ إلا بجماعةٍ، ولا جماعةَ إلا بإمامةٍ، ولا إمامةٍ إلا بسمعٍ وطاعةٍ، وصدقَ اللهُ العظيمُ {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين} [الأنفال:46].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالميَن، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الكريم، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنِّ بلادَنَا تسيرُ على ما سارَ عليهِ سلفُ هذهِ الأمةِ من توحيدِ اللهِ، وإخلاصِ العبادةِ له، واجتماعِ الكلمةِ، ووحدةِ الصفِّ، وتعملُ على تقويةِ هذا الجانبِ وتقفُ بحزمٍ وقوةٍ ضدَّ كلَّ من يسعى إلى خلخلةِ الصفِّ وتفريقِ الكلمةِ، فقد أَنَعمَ اللهُ على هذهِ البلادِ فوَّحدَ أهلَها بعد الفرقةِ، وأطعمهُم بعدَ الجوعِ، وأمَّنهُم بعد الخوفِ، وأصبَحتْ بلادنَا منارًا للعلمِ والمعرفةِ.
واستخلفَ اللهُ عبادَه الموحدينَ فيهَا كما استخَلفَ الذينَ من قبلِهم، ومكَّنَ لهم دينَهم الذي ارتضَى لهم، وأبدلَهم من بعدِ خوفِهم أمنًا، يعبدونَه لا يشركونَ به شيئًا، وفتحَ اللهُ لعبادِه في بلادنَا خزائنَ الأرضِ لعلهُم يشكرونَ، وانطلقتْ الدعوةُ الصافيةُ للتوحيدِ من هذِه البلادِ المباركةِ إلى مشارقِ الأرضِ ومغاربِها وهذَا كلُّه بفضلِ اللهِ وكرمِه على بلادِ التوحيدِ.
عبادَ اللهِ: إنَّ حبَّنا الصادقَ لوطنِنا يظهرُ واضحًا جليًّا فيمَا يقومُ به كلُّ واحدٍ منَّا منْ بذلٍ وعطاءٍ، وجُهدٍ وبناءٍ، واحترامٍ للأنظمةِ الموضوعةِ لحفظِ الأمنِ، ونَشرِ العدلِ.
إنَّ المواطنةَ الحقَّةَ تتحقَّقُ في حِفظِ مقدَّراتِ ومُكتسباتِ البلادِ والمساهمةِ الفاعلةِ في البناءِ والنماءِ، والدفاعِ عن الوطنِ بكلِّ وسيلةٍ متاحةٍ، فاحمدُوا اللهَ على نعمةِ التوحيدِ، واشكروه على نعمةِ اجتماعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفِّ، وكونُوا يدًا واحدةُ مع ولاةِ الأمورِ في السَّمع ِوالطَّاعةِ وحفظِ أمنِ البلادِ، وإبعادِ كلِّ شرٍّ عنهَا، واعتبروا بما حوَلَكم من البلادِ التي يشيعُ فيهَا الظلمُ والفوضَى، ولا يَأمنُ الناسُ على أرواحِهم وأعراضِهم وممتلكاتِهم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والنبيِّ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 8 /2/1442هـ