نعمة الأمن ومقوماته
منديل الفقيه
1434/06/17 - 2013/04/27 18:55PM
نعمة الأمن ومقوماته
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الإيمان وأسبغ علينا فضله بالأمن في الأوطان وزادنا من خيره بصحة الأبدان فله الحمد على ذلك حمدا كثيرا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : اتقوا الله عباد الله تأمنوا أيها المسلمون : إن الأمن نعمة من أعظم النعم وأكبرها بل قد امتن الله به على أهل مكة حين قال (( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * لَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ )) وعن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا " الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني . إن الأمن مطلب نبيل تنشده وتهدف إليه المجتمعات وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية بكل إمكاناتها . بل هو مطلب حتى لمن يريد أن يعبد الله فتسقط بعض الواجبات عن الخائف والأمن ضرورة ماسة لكي يعيش الناس في استقرار وراحة بال والشعوب جميعا شرقيها وغربيها مؤمنها وكافرها تريد الأمن وتسعى إليه والأمن ضد الخوف وهو سكون القلب وذهاب الروع والرعب والبلد الآمن هو البلد الذي اطمأن به أهله ، إن طلب الأمن مقدم على طلب الغذاء لأن الخائف لا يتلذذ بالغذاء ولا يهنأ باللوم ولا يطمئن في مكان لأجل ذلك دعا الخليل ربه لمكة حرسها الله فقال (( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ )) فدعا بتوفير الأمن قبل توفير الرزق بل إن الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها - وهي الدين والعقل والنفس والعرض والمال – لا يمكن حمايتها وحفظها إلا بالأمن لأنه إذا اختل الأمن ضاعت الأديان وهتكت الأعراض وسلبت الأموال وأزهقت النفوس وانتشرت الجرائم وكثر المفسدون في الأرض وعظم شر المفسدين في الأرض وقطاع الطرق وشربت الخمور وغير ذلك من فظائع الأمور فكل ذلك يحصل إذا اختل الأمن . فالأمن مطلب ضروري لكل البشر ولكن ما هي الوسائل والمقومات التي يتحقق بها الأمن ؟ هل الأسباب المادية تحقق الأمن ؟ هل تأمين الثغور وكثرة العدد والعتاد تكفي لجلب الأمن ؟ هل ترك الحرية للناس ليعملوا بما تهواه نفوسهم وتهيئة وسائل الترفيه لهم كافٍ في حصول الأمن لهم ؟ أسئلة أجيب عليها بكل وضوح كلا إن كل ما ذكر من أسباب مادية لا تكفي وحدها لتحقيق الأمن وإن كانت إحدى الوسائل لتحقيقه .
إن مقومات الأمن الحقيقية فيما يلي:
إن أعظم مقومات الأمن الإيمان والتقوى فهما السبب الأكبر لجلب الأمن والاستقرار أمن القلوب وأمن الأبدان وأمن الأوطان (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) فحيثما وجد الإيمان وجد الأمن ، وإذا ما فقد الناس الإيمان والتقوى فقد فقدوا الأمن وإذا ما ضعف الإيمان والتقوى في النفوس ضعف الأمن وصدق من قال :
إذا الإيمـان ضاع فلا أمان ٌ ولا دنيا لمـن لم يحي دينـا
ومن رضي الحياة بغير دين ٍ فقد جعـل الفنـاء لها قرينا
فالإيمان والأمن قرينان وخير شاهد على ذلك هو حالة العرب خاصة والعالم عامة قبل مجيء الدين والإيمان فقد كانوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وكانت الجزيرة العربية مسرحا للفتن والاضطرابات والسلب والنهب وتقوم فيها الحروب لأتفه الأسباب فلما جاء هذا الدين وانتشر الإيمان ودخل الناس في دين الله تحولوا إلى مجتمع مثالي يسوده الأمن ويحكمه الوحي وتوجهه العقيدة الصحيحة ومن ثم تحولت العداوة إلى محبة والقطيعة إلى أخوة والشح والأثرة إلى إيثار ومواساة وأصبح حالهم كما قال الله (( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))
((وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)) بل هذه البلاد المباركة قبل مدة ليست بالطوية كانت تعيش حالة الفوضى والخوف والتناحر والحروب القبلية المنتشرة فيها هنا وهناك ولكن لما من الله عليها بدعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب والتي أعاد الناس فيها إلى الإيمان والتقوى واستجاب الناس لتلك الدعوة المباركة وناصروها توفر لهم الأمن وقامت لهم دولة لا تزال مضرب المثل في توفر الأمن وانخفاض نسبة الجرائم مما يدل دلالة واضحة على أن الدين المتمثل في الإيمان والتقوى هو الذي يوفر الأمن للناس .
ومن مقومات الأمن استشعار مراقبة الله والشعور بأن الله مطلع على العبد في السر والعلن وأنه يجازي العباد على تصرفاتهم وأعمالهم فكلما همَّ العبد بفعل جريمة وتذكر مراقبة الله انكف عنها خوفا من الله فتحقق الأمن للناس .
ومن مقومات الأمن صلاح العقيدة بالتعبد لله وحده وترك عبادة ما سواه فهو بدوره يجعل الناس إخوة متحابين لا يعتدي أحد على أحد ولا يسطو بعضهم على بعض (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )) .
ومن مقومات الأمن إقامة الصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وكذلك إيتاء الزكاة لأن فيها مواساة للفقراء والمحتاجين وتزرع المحبة والألفة في القلوب وقل مثل ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو سبب هام في تحقيق الأمن لأن فيه أخذا على يد السفيه ومنعا له من ملابسة الإجرام (( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )) .
ومن مقومات الأمن اجتماع الكلمة والسمع والطاعة لولاة الأمور والتحاكم إلى شرع الله (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) ومن هنا فقد حرم الإسلام الخروج على ولي الأمر وشق عصا الطاعة لما يترتب على ذلك من المفاسد والشرور واختلال الأمن وحدوث الفوضى وتفرق الكلمة بل ربما وصل الحال إلى ذهاب النفوس والأموال وانتهاك الأعراض كما هو مشاهد من حولنا .
ومن مقومات الأمن شكر الله على نعمه والاستعانة بها على طاعته وصرفها فيما يرضيه سبحانه لأن كفر النعم سبب لحلول الخوف والجوع كما قال الله تعالى (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )) وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وهو الذي قال (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ))
ومن مقومات الأمن إقامة الحدود التي شرعها الله ردعا للمجرمين وقطعا لدابر فسادهم وزاجرا لغيرهم أن يفعلوا فعلهم فقد شرع الله قتل القاتل وقطع يد السارق وقتل وصلب أي قطع الأيدي والأرجل من خلاف لقطاع الطرق ورجم الزاني المحصن وجلد غير المحصن والقاذف وشارب الخمر والمسكر كل ذلك لأجل حفظ الأمن وليذوق المعتدي مرارة العقوبة كما أذاق المجتمع مرارة الخوف والعدوان .
ومن مقومات الأمن محاربة القنوات الفاسدة التي تبث السوء والفحشاء وتشكك المسلمين في عقائدهم وتنشر كل ما ما يخل بالدين بل إنها تهون مسألة العرض وتجعل المتابع لها يتمرد على دينه وأخلاقه الكريمة وآدابه الحسنة وتحرضه على أن يخرج عن مثل وعادات مجتمعه ومألوفاته (( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا )).
أيها المسلمون : خلاصة القول أن الإسلام هو الذي يحقق الأمن في البلاد وبغيره لا أمان ولا نجاة وإنما هو الرعب والخوف وضياع الأمن بل إن الإسلام هو الذي يحقق الأمن حتى في الآخرة (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ))(( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم،
نعمة الأمن ومقوماته
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : اتقوا الله واعلموا أن الأمن ضرورة وتحقيقه مطلب وأن الإسلام الحق هو الذي يحققه فعلينا أن نربي أولادنا عليه ففي ذلك أمن البلاد والعباد وإن علينا جميعا تقع مسؤولية الحفاظ على الأمن فالبلد بلدنا وأمنه أمننا ولا أظن عاقلا يرضى بخراب بيته وضياع أمن مجتمعه فلنحافظ على أمن بلدنا ولنكن جميعا عيونا ساهرة على الأمن حتى نعيش في طمأنينة واستقرار قال الحجاج بن يوسف لخريم بن خليفة المرّي ما العيش؟ قال: الأمن ، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. فلنكن يدا واحدة ضد كل من تسول له نفسه العبث بأمن هذا البلد ونشر الرعب والفوضى في أرجائه وأنحائه صلوا وسلموا على رسول الله ......
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الإيمان وأسبغ علينا فضله بالأمن في الأوطان وزادنا من خيره بصحة الأبدان فله الحمد على ذلك حمدا كثيرا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : اتقوا الله عباد الله تأمنوا أيها المسلمون : إن الأمن نعمة من أعظم النعم وأكبرها بل قد امتن الله به على أهل مكة حين قال (( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * لَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ )) وعن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا " الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني . إن الأمن مطلب نبيل تنشده وتهدف إليه المجتمعات وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية بكل إمكاناتها . بل هو مطلب حتى لمن يريد أن يعبد الله فتسقط بعض الواجبات عن الخائف والأمن ضرورة ماسة لكي يعيش الناس في استقرار وراحة بال والشعوب جميعا شرقيها وغربيها مؤمنها وكافرها تريد الأمن وتسعى إليه والأمن ضد الخوف وهو سكون القلب وذهاب الروع والرعب والبلد الآمن هو البلد الذي اطمأن به أهله ، إن طلب الأمن مقدم على طلب الغذاء لأن الخائف لا يتلذذ بالغذاء ولا يهنأ باللوم ولا يطمئن في مكان لأجل ذلك دعا الخليل ربه لمكة حرسها الله فقال (( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ )) فدعا بتوفير الأمن قبل توفير الرزق بل إن الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها - وهي الدين والعقل والنفس والعرض والمال – لا يمكن حمايتها وحفظها إلا بالأمن لأنه إذا اختل الأمن ضاعت الأديان وهتكت الأعراض وسلبت الأموال وأزهقت النفوس وانتشرت الجرائم وكثر المفسدون في الأرض وعظم شر المفسدين في الأرض وقطاع الطرق وشربت الخمور وغير ذلك من فظائع الأمور فكل ذلك يحصل إذا اختل الأمن . فالأمن مطلب ضروري لكل البشر ولكن ما هي الوسائل والمقومات التي يتحقق بها الأمن ؟ هل الأسباب المادية تحقق الأمن ؟ هل تأمين الثغور وكثرة العدد والعتاد تكفي لجلب الأمن ؟ هل ترك الحرية للناس ليعملوا بما تهواه نفوسهم وتهيئة وسائل الترفيه لهم كافٍ في حصول الأمن لهم ؟ أسئلة أجيب عليها بكل وضوح كلا إن كل ما ذكر من أسباب مادية لا تكفي وحدها لتحقيق الأمن وإن كانت إحدى الوسائل لتحقيقه .
إن مقومات الأمن الحقيقية فيما يلي:
إن أعظم مقومات الأمن الإيمان والتقوى فهما السبب الأكبر لجلب الأمن والاستقرار أمن القلوب وأمن الأبدان وأمن الأوطان (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) فحيثما وجد الإيمان وجد الأمن ، وإذا ما فقد الناس الإيمان والتقوى فقد فقدوا الأمن وإذا ما ضعف الإيمان والتقوى في النفوس ضعف الأمن وصدق من قال :
إذا الإيمـان ضاع فلا أمان ٌ ولا دنيا لمـن لم يحي دينـا
ومن رضي الحياة بغير دين ٍ فقد جعـل الفنـاء لها قرينا
فالإيمان والأمن قرينان وخير شاهد على ذلك هو حالة العرب خاصة والعالم عامة قبل مجيء الدين والإيمان فقد كانوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وكانت الجزيرة العربية مسرحا للفتن والاضطرابات والسلب والنهب وتقوم فيها الحروب لأتفه الأسباب فلما جاء هذا الدين وانتشر الإيمان ودخل الناس في دين الله تحولوا إلى مجتمع مثالي يسوده الأمن ويحكمه الوحي وتوجهه العقيدة الصحيحة ومن ثم تحولت العداوة إلى محبة والقطيعة إلى أخوة والشح والأثرة إلى إيثار ومواساة وأصبح حالهم كما قال الله (( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))
((وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)) بل هذه البلاد المباركة قبل مدة ليست بالطوية كانت تعيش حالة الفوضى والخوف والتناحر والحروب القبلية المنتشرة فيها هنا وهناك ولكن لما من الله عليها بدعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب والتي أعاد الناس فيها إلى الإيمان والتقوى واستجاب الناس لتلك الدعوة المباركة وناصروها توفر لهم الأمن وقامت لهم دولة لا تزال مضرب المثل في توفر الأمن وانخفاض نسبة الجرائم مما يدل دلالة واضحة على أن الدين المتمثل في الإيمان والتقوى هو الذي يوفر الأمن للناس .
ومن مقومات الأمن استشعار مراقبة الله والشعور بأن الله مطلع على العبد في السر والعلن وأنه يجازي العباد على تصرفاتهم وأعمالهم فكلما همَّ العبد بفعل جريمة وتذكر مراقبة الله انكف عنها خوفا من الله فتحقق الأمن للناس .
ومن مقومات الأمن صلاح العقيدة بالتعبد لله وحده وترك عبادة ما سواه فهو بدوره يجعل الناس إخوة متحابين لا يعتدي أحد على أحد ولا يسطو بعضهم على بعض (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )) .
ومن مقومات الأمن إقامة الصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وكذلك إيتاء الزكاة لأن فيها مواساة للفقراء والمحتاجين وتزرع المحبة والألفة في القلوب وقل مثل ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو سبب هام في تحقيق الأمن لأن فيه أخذا على يد السفيه ومنعا له من ملابسة الإجرام (( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )) .
ومن مقومات الأمن اجتماع الكلمة والسمع والطاعة لولاة الأمور والتحاكم إلى شرع الله (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) ومن هنا فقد حرم الإسلام الخروج على ولي الأمر وشق عصا الطاعة لما يترتب على ذلك من المفاسد والشرور واختلال الأمن وحدوث الفوضى وتفرق الكلمة بل ربما وصل الحال إلى ذهاب النفوس والأموال وانتهاك الأعراض كما هو مشاهد من حولنا .
ومن مقومات الأمن شكر الله على نعمه والاستعانة بها على طاعته وصرفها فيما يرضيه سبحانه لأن كفر النعم سبب لحلول الخوف والجوع كما قال الله تعالى (( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )) وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وهو الذي قال (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ))
ومن مقومات الأمن إقامة الحدود التي شرعها الله ردعا للمجرمين وقطعا لدابر فسادهم وزاجرا لغيرهم أن يفعلوا فعلهم فقد شرع الله قتل القاتل وقطع يد السارق وقتل وصلب أي قطع الأيدي والأرجل من خلاف لقطاع الطرق ورجم الزاني المحصن وجلد غير المحصن والقاذف وشارب الخمر والمسكر كل ذلك لأجل حفظ الأمن وليذوق المعتدي مرارة العقوبة كما أذاق المجتمع مرارة الخوف والعدوان .
ومن مقومات الأمن محاربة القنوات الفاسدة التي تبث السوء والفحشاء وتشكك المسلمين في عقائدهم وتنشر كل ما ما يخل بالدين بل إنها تهون مسألة العرض وتجعل المتابع لها يتمرد على دينه وأخلاقه الكريمة وآدابه الحسنة وتحرضه على أن يخرج عن مثل وعادات مجتمعه ومألوفاته (( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا )).
أيها المسلمون : خلاصة القول أن الإسلام هو الذي يحقق الأمن في البلاد وبغيره لا أمان ولا نجاة وإنما هو الرعب والخوف وضياع الأمن بل إن الإسلام هو الذي يحقق الأمن حتى في الآخرة (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ))(( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم،
نعمة الأمن ومقوماته
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : اتقوا الله واعلموا أن الأمن ضرورة وتحقيقه مطلب وأن الإسلام الحق هو الذي يحققه فعلينا أن نربي أولادنا عليه ففي ذلك أمن البلاد والعباد وإن علينا جميعا تقع مسؤولية الحفاظ على الأمن فالبلد بلدنا وأمنه أمننا ولا أظن عاقلا يرضى بخراب بيته وضياع أمن مجتمعه فلنحافظ على أمن بلدنا ولنكن جميعا عيونا ساهرة على الأمن حتى نعيش في طمأنينة واستقرار قال الحجاج بن يوسف لخريم بن خليفة المرّي ما العيش؟ قال: الأمن ، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. فلنكن يدا واحدة ضد كل من تسول له نفسه العبث بأمن هذا البلد ونشر الرعب والفوضى في أرجائه وأنحائه صلوا وسلموا على رسول الله ......
المشاهدات 4276 | التعليقات 2
أشكر للأخ الطيب بن أحمد عشاب إعجابه وأسأل الإخلاص والقبول وأن ينفع بها
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق