نعمة الأمن وبعض أسباب حفظه

مبارك العشوان
1436/04/02 - 2015/01/22 21:53PM
إن الحمد لله...ورسوله، أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.اتقوا الله، واذكروا أنكم تتقلبون في نعمه تعالى ليلكم ونهاركم، ففي الحديث أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
عباد الله: الأمن والاستقرار من أعظم النعم، يوم أن يأمنَ المرء على دينه، وعلى نفسه، وعلى عرضه، ويأمن على عقله وعلى ماله؛ مع الأمن يهنأ العيشُ، مع الأمن يتفرغ الناس لعبادة ربهم ويتلذذون بها، مع الأمن يتجهون لمصالح دينهم ودنياهم.
وليس من أحد؛ فردا ولا مجتمعا ولا دولة إلا وهو ينشد الأمن ويسعى حثيثاً لتحقيقه؛ إذ الأمن من أولى مطالب الحياة، بل هو ضرورة من ضروراتها، ولهذا جاء في القرآن والسنة مقروناً بالطعام والشراب اللذان لا حياة لأحد بدونهما، وربما قدم عليهما كما دعا الخليل عليه السلام:{ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ }البقرة126 وقال تعالى ممتنا بالأمن: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }العنكبوت67 وقال تعالى: { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }قريش 3 - 4.
الأمن عباد الله نعمة وحق النعم أن تشكر، فمتى قام العباد بشكر الله عليها أدامها عليهم، وزادهم أمناً واستقرارا وطمأنينة، ومتى جحدوها وتنكروا لمعطيها جل وعلا، وبدلوا نعمته كفراً وبارزوه بالمعاصي؛ حلت بهم نقمه عز وجل، ونزلت بهم النوازل، واختل أمنهم، وأحيط بهم من كل مكان، قال تعالى: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112 لا سبيلَ أيها الناس إلى تحقيق الأمن للأشخاص والمجتمعات والدول إلا بدين الإسلام الذي اختاره الله لعباده، لا طريق إلى الكرامة والعز، ولا أمَلَ في التمكين والنَّصْرِ، ولا وقاية من العُقوبَات؛ إلاّ بالرُّجوعِ حق الرجوع إلى الدِينِ، إلا بالتَّسْليمِ التامِّ له، إلا بالعض بالنواجذ عليه، والعمل بتعاليمه، وتحكيمه في كل صغيرة وكبيرة؛ ومن تأمل حال العرب قبل الإسلام وبعده عرف ذلك، قال تعالى:{ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}الأنفال26. قال قتادة بن دِعَامة السَّدوسي رحمه الله: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذُلا وأشقاه عَيْشًا، وأجوعه بطونًا، وأعراه جلودا، وأبينه ضلالا، مكعومين على رأس حجر، بين الأسدين فارس والروم، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّيَ في النار يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قَبِيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس. وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم مُنْعِم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله تعالى. أ هـ
عباد الله: من حقق الإيمان بالله عز وجل وتخلص من شوائب الشرك صغيره وكبيره، من وحد الله وآمن به حق الإيمان، من لم يخلط إيمانه بشرك فهو الآمن المهتدي كما قال ربنا جل وعلا : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } الأنعام82 وقال سبحانه: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور55 .
وكما جعل الله الأمن في الإيمان فقد جعل الخوف في الشرك قال تعالى في سورة الجن: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }الجن6.
ثم اعلموا عباد الله: أن الإيمان والعمل الصالح كما يحققان الأمن من مخاوف الدنيا فكذلك يحققان الأمن من مخاوف الآخرة وأهوالها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30 وقال سبحانه:{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ } الحجر 45 ـ 46 . وقال سبحانه:{ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ }النمل89 وقال تعالى: { لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ }الأنبياء 103 وقال تعالى:{ أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ }فصلت 40 وقال تعالى:{ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }سبأ 37
جعلني الله وإياكم من عباده المؤمنين الآمنين، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم، ....هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:
الحمد لله .. أما بعد: فإن من أعظم مقومات الأمن اجتماع الكلمة والالتفاف حول العلماء، وطاعة ولاة الأمر، والتحاكم إلى الشريعة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء59 من مقومات الأمن قيام الراعي بحقوق رعيته وقيامهم بحقه، من السمع والطاعة في غير معصية الله ورسوله ولو أصاب الإنسان منهم ما أصابه؛ روى الإمام مسلم من حديث حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ كَيْفَ؟ قَالَ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ).
ومن حقوق الراعي على رعيته مناصحته ففي الحديث: ( الدين النصيحة ) ولتكن بالحكمة.
أما حقوق الرعية على ولاتهم: فمسؤولية كبرى، وأمانة عظمى ومن أهمها: الحكم فيهم بشرع الله عز وجل، وإقامة العدل وإزحة الظلم في الدماء والأعراض والأموال، وأن لا يستغلوا سلطتهم لتنفيذ أهوائهم، وألا يشقوا على رعاياهم ويحَمِّلوهم ما لا يطيقون، فقد صح الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارفُقْ بِهِ ) رواه مسلم .
وإذا قام كل من الراعي والرعية بما وجب عليهم، فليبشروا حينئذ باستتباب الأمن، وشيوع المحبة، ووحدة الكلمة، والقوة والمهابة في نفوس الأعداء؛ وإن فرطوا في ذلك سُلط بعضهم على بعض؛ الولاة بأنواع الظلم وإهمال الحقوق، والرعية بالمخالفة والتمرد والسب والبغض ونشر الفوضى.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ لهذه البلاد وسائر بلاد المسلمين أمنهم وإيمانهم، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم.
اللهم انصر إخواننا المسلمين في سوريا وفي كل مكان.
اللهم احقن دماء إخواننا في مصر، اللهم احقن دماء إخواننا في مصر، اللهم احقن دماءهم. برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم املأ مصر وسوريا وفلسطين وسائر بلاد المسلمين أمنا وإيمانا وطمأنينة.
اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد...مجيد، وبارك... مجيد.
عباد الله: اذكروا الله العظيم...
المشاهدات 1643 | التعليقات 0