نعمة الأمن والتحذير من سفك الدماء

إبراهيم الحدادي
1436/03/17 - 2015/01/08 07:32AM
نعمة الأمن ، والتحذير من سفك الدماء


الخطبة الأولى
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد ,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم المزيد ،،

أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، فمن اتَّقى ربَّه رشَد، ومن أعرضَ عن مولاه عاش في كمَد .

عباد الله : مطلب كٌلِ أمة ، وغاية كل دولة ، أن تعيش في أمن وأمان واستقرار ، ولأجل هذه الغاية جندت الجنود ، ورصدت الأموال ، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب.

نعمة الأمن كانت .. أولَ دعوةٍ لأبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، حينما قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وارزق أهله من الثمرات) .. فقدّم إبراهيم نعمة الأمن ، على نعمة الطعام والغذاء ، لعظمها وخطر زوالها .

إن نعمة الأمن ، هي منة الله على هذه الأمة المباركة المرحومة ، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ويتخطف الناس من حولهم).

إن نعمة الأمن ، تشكل مع العافية والرزق ، الملكَ الحقيقيَ للدنيا .. فعن عبيد الله بن محصنٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) . رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن

أيها المسلمون : وفي رحاب الأمن ، يأمنُ الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم .. ويعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله..وتطمئن النفوس ، لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً،واسأل العراق وغيرَ العراق تجدْه على هذه الحقيقة شاهداً .

إن أمراً هذا شأنه،ونعمةً هذا أثرها ، لجديرةٌ بأن نبذِل في سبيلها كلَّ رخيص ونفيس،

الأمن والإيمان قرينان،فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان.. قال تعالى : (ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يَلْبِسُوٓا۟ إِيمَـٰنَهُم بِظُلْمٍ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)

إن الأمن الذي نعيشه في بلاد الحرمين و نتفيؤ ظلاله،إنما هو منحة ربانية، ومنة إلهية مربوطة بأسبابها ومقوماتها، والتي من أعظمها،إقامة شرع الله، وتنفيذ حدوده ، وتحقيق عقيدة التوحيد ومناصرتها والدعوة إليها. قال تعالى : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).

عباد الله : توحيد الله والإيمان به ، والتخلص من خوارم العقيدة ، ومجانبة البدع والخرافات .والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والالتفاف حول العلماء وولاة الأمور من أعظم مقومات تلكم النعمة نعمة الأمن وأمان .

والمعاصي والأمنُ لا يجتمِعان،فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النقم،قال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ( [الأنفال:53]، وما نزل بلاءٌ إلاَّ بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي من دخله كان من الآمنين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخـطبة الثانية :

الحمدُ لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

عباد الله : توالَت النصوص وتتابَعَت التشريعات تحفظُ للإنسان دمَه، وتحرِمُ رُوحه وحقَّه في الحياة مُسلمًا كان أم كافرًا؛ بل إن أعظم ذنبٍ -وهو الشرك- أجمعَت الأمة على أن لمن اقترَفَه توبة منه -وهو الإسلام والتوحيد-، في حين أن القاتل اختلف أهلُ العلم فيه هل له توبةٌ أو لا؟! إلى هذا الحد بلغ الخطرُ في التعرُّض للإنسان قتلاً كان أم جرحًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل دمٍ عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموتُ كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمِّدًا". أخرجه أبو داود، وقال الحاكم: صحيحٌ الإسناد، وأخرجه النسائي أيضًا.
وقد كان ابن عباس وجمعٌ من الصحابة -رضي الله عنهم- يرون أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدًا.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لن يزال المسلمُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا". رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسَه فيها: سفكَ الدم الحرام بغير حِلِّه". رواه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يُقضَى بين الناس في الدماء". أخرجه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكبرُ الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس...". الحديث.

وفي كتاب ربنا يقول جل وعلا: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68، 69].

أيها المسلمون : القتالُ وسفكُ الدماء بين الأمة هو ما خشِيَه النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها، فقال: «لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضربُ بعضُكم رِقابَ بعض»؛ متفق عليه.

ولما كانت هذه البلاد - بحمد الله - مُحكِّمةً لشرع الله، مُستنيرةً بآراء العلماء؛ عمَّ في أرجائها - بفضل الله - الأمنُ والرخاء، وخابَت فيها ظنون الأعداء، وتلاحَمَت فيها يدُ المحكوم مع الحاكم.

وهناك عباد الله شرذمة قليلون يعيثون في الأرض فسادا وإفسادا سمعون لقوم آخرون ، فلنحذرهم ولنقف يدا واحدة ضد كل من يعبث بأمن واستقرار بلادنا ويفرق كلمتنا ...

وماحصل من اعتداء غاشم على رجال الأمن في منطقة الحدود الشمالية واستشهاد عدد من رجال الأمن ، فساد وإفساد في البلاد وسفك دم حرام لا يبت إلى الإسلام بصلة ..

فاتقوا الله تعالى عباد الله واحذروا من الأفكار المسمومة والمذاهب الهدامة لدينكم وعقيدتكم وأمنكم ..



بتصرف وترتيب من بعض الخطب
المشاهدات 2536 | التعليقات 0