نعمة الأمن والاستقرار

بسم الله الرحمن الرحيم ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[. إخوة الإيمان والعقيدة ... إنَّ من أسماء الله الحسنى الواردة في كتابه ]الْمُؤْمِنُ[ فالمؤمن من معانيه التي اشتُقَّ منها الأمانُ، فهو الذي يَهَبُ عبادَه المؤمنين الأمنَ في الدنيا، بالطمأنينة والأُنْس الذي يجدونه في قلوبهم بفعل الإيمان به -سبحانه- وتوحيده، وكذلك هو الذي يُؤَمِّن لجميع خَلْقِه كلَّ ما يَأْمَنُ بقاءَ حياتهم إلى أجلهم المحتوم؛ بتوفير رزقهم ودفع الغوائل عنهم. وإنَّ من مطالب الحياة الطيبة الأمنُ والأمانُ، فكيف يعيش المرءُ في حالة لا يجد فيها أمنًا ولا استقرارًا، وكيف يطيب عيشُه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع، حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقَّق الاطمئنانُ والسكونُ، والرخاءُ والازدهارُ، وبه تستقيم المصالح وتُحفَظ الأنفسُ، وتصان الأعراضُ والأموالُ وتأمن السُّبُلُ وتقام الحدودُ، وبفقده تضيع الحقوقُ، وتتعطَّل المصالحُ، وتحصل الفوضى، ويتسلَّط الأقوياء على الضعفاء، ويحصُل السلبُ والنهبُ، وسَفْكُ الدماء وانتهاكُ الأعراض، إلى غير ذلك من مظاهر فَقْد الأمن للمجتمع. الأمن نعمة عظمى، ومِنَّة كبرى، لا يُدرِك قيمتَه ولا يستشعر أهميتَه إلا مَنْ تجرَّع غصةَ الحرمان منه، واصطلى بنار فقده، فوقَع في الخوف والقلق، والذعر والاضطراب والفوضى والتشريد والضياع، فكم من غريب فقَد موطنَه، وكم من شريد غاب عن أهله وعشيرته، وكم من منكوب تائه لا يعرِف له مأوى، ولا يشعر بطمأنينة ولا استقرار. فالأمن مطلبٌ في حياة الإنسان؛ ولأهميته وعظيم مكانته دعا الخليلُ إبراهيمُ -عليه السلام- لأهل مكة فقال ]رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ[ فقدَّم طلبَ الأمن على طلب الرزق؛ لأن الأمن ضرورة، ولا يتلذَّذ الناس بالرزق إِلا بوجود الأمن. بل نجد في القرآن تلازُمًا وثيقًا بين الأمن ورغد العيش من جهة، وبين الخوف والجوع من جهة أخرى، قال تعالى مُنكِرًا على قريش ما اعتذروا به عن عدم اتباع الهدى ]أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[ وقال سبحانه في بيان مِنَّتِه وفضلِه عليهم ]الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ[. والله تعالى وعَد المؤمنينَ بأن يجعل لهم بدلًا من الخوف الذي يعيشون فيه أمنًا واطمئنانًا، وراحة في البال، وهدوءً في الحال، إذا عبدوه وحدَه واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[. وكان من دعائه ﷺ (اللهم اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وآمِنْ رَوْعَاتِي). والأمن -أيها الإخوة- هو الهدف النبيل الذي تنشده المجتمعاتُ، وتتسابق إلى تحقيقه الشعوبُ، قال ﷺ (مَنْ أصبَحَ آمِنًا في سِرْبِهِ، معافًى في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا). معاشرَ المسلمينَ .. إذا اختلَّ نظامُ الأمن، وزُعزعت أركانُه واختُرق سياجُه فلا تسأل عن الآثار الوخيمة التي تحدُث نتيجةَ ذلك؛ من الفتن العاصفة، والشرور المتعاظمة؛ إذ لا يأتي فقدُ الأمن إلا بإثارة الفتن العمياء، والجرائم الشنعاء، والأعمال النكراء، ومن هنا فالأمن في الإسلام مقصدٌ عظيمٌ، شرع له من الأحكام ما يحميه ويحفظ سياجَه، ويمنع المساسَ بجنابه، أوجَب الشرعُ حفظَه، وحمى حماه، وحدَّ الحدودَ وشرَع التعذيرات؛ للحيلولة للنَّيْل منه، بل إن الإسلام حرَّم كلَّ فعل يُخِلُّ بالأمن والاطمئنان والاستقرار، وحذَّر مِنْ كلِّ عمل يبثُّ الخوفَ والرعبَ والاضطرابَ، من منطلق حرصه على حفظ هذه النعمة الجليلة. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب وخطيئة، وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم.     الحمد لله ذي الفضل والإحسان، جعَل الأمنَ مقرونًا بالإيمان، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الكريم المنَّان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلَّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا. معاشر المؤمنين ... اتقوا الله حق التقوى، واشكروه ولا تكفروه، فنحن في بلاد قامت على التوحيد والسنة، وقبلته دينًا ومنهجًا ودستورًا، كما قبلته أجيال الأمة على مر القرون، يٌسلِمُه سَلَفُهم إلى خَلَفِهم، وعلماؤهم إلى متعلميهم، نافين عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين. وتذكروا – يا عباد الله – ما كان عليه أسلافُكم في هذه الجزيرة العربية إلى عهْدٍ قريب من جهل وفقر وذلة وهوان وتناحر وتدابر وتفرق واختلاف .. حتى منَّ الله على أهلها بمن وحَّد على يديه كلمتَها وجمع شمْلَها، وأعزَّ الله به شأْنَها، فاجتمعت القلوب بعد الفرقة، واتحدت الكلمة بعد الاختلاف ورفرفت راية التوحيد والسنة واالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتشرت دروس العلم، وأخرج الله كنوز الأرض، وبسط أمنَه على أرجائها مُدُنًا وقُرَى وصحاري وقفاري. حتى أصبح بلادُنا مضرب المثل في الأمن والاستقرار، مما لم تظفر به أمة من الأمم التي تملك السلاح والقوة المادية، بفضل من الله ثم بفضل تمسُكِها بدينِها واجتماعِ كلمَتِها ووحدةِ صفِّها، وتضافرِ جهودِ أفرادِها متمثلة بقول الله تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[. إن المؤمن الصادق لا يرضى بأن تُمَسَّ بلد الإسلام بسوء؛ فضلا عن أن تكون بلاد الحرمين، بل يقف معاديًا متصدِّيًا لكل من يريد التطاولَ على قِيَمِها وثوابتها، أو يسعى في إشاعة الفوضى فيها، أو الاستجابة لمن يريد زعزعة الاستقرار والإخلال بأمنها، ولا غرابة في ذلك؛ فالمحافظة على الأمن والاستقرار في مجتمعنا عبادة نتقرَّب بها إلى الله -عز وجل-، وهي مسئولية الجميع، فلا بد من تكاتُف الجهود في هذا المجال؛ للتصدي لمن يحاول الإخلال بأمن البلاد والعباد، والوقوف أمام كل دعوة تهدِّد الأمنَ، وتُزعزع الاستقرارَ، فلا هناء في عيش بلا أمن، ولا سعادة في مال بلا استقرار، وإن الله -عز وجل- قد أنعَم على العباد بنعم كثيرة وافرة، وأوجب عليهم واجبات متعددة؛ فمن ذلك أمْنُهم الذي يجب أن يحفظوه، ويعملوا على استدامته وبقائه، وعدم انتهاك ما يخل به، ويُذهب آثارَه المحمودةَ. ألَا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على البشير النذير والسراج المنير، كما أمركم اللهُ -تعالى- فقال ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[. اللهم انصر مَنْ نصَر الدينَ، واخذل مَنْ خذَل المسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم احفظ بلاد الحرمين، ومقدَّسات المسلمين، من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن عبث العابثين، وكيد الكائدين، وعُدوان المعتدين. اللهم إنَّا نسألكَ أن تجعل بلادَنا في أمن وأمان وعافية، اللهم اجعلها آمنةً مطمئنةً، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، وعمل برضاك يا ربَّ العالمين، اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم كن لإخواننا المجاهدين المرابطين على الثغور وحماة الحدود، اللهم كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدا وظهيرا، اللهم استر عوراتهم، وآمِنْ روعاتهم، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم، يا ذا الجلال والإكرام.
المرفقات

1645777537_نعمة الأمن والاستقرار.docx

1645777545_نعمة الأمن والاستقرار.pdf

المشاهدات 555 | التعليقات 0