نعمة الأمن واجتماع الكلمة *موافقة لتعميم الوزير* 10-2-1443

محمد آل مداوي
1443/02/09 - 2021/09/16 10:34AM

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يَهدِه الله فلا مُضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرا.. أما بعدُ عبادَ الله: فأُوْصِي نَفْسِي وإيَّاكُم بتقوَى الله، اتَّقوا اللهَ وأَطِيعُوه، والْهَجُوا بحَمْدِهِ وشُكْرِه، فقد هَدَاكُم حِينَ ضَّلَ غَيرُكم، وعافَاكُم وقد ابتُلي سِوَاكُم، وأعطَاكُم وقد حُرِمَ أمثَالُكم (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

أيُّها المسلمون: سَخَّرَ اللهُ لَكُم مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا)] قال بَعْضُ السَّلَفِ: "آتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، وَمَا لَمْ تَسْأَلُوهُ".

وقالَ رَسولُ اللهِ r: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا).

فاللهُمَّ لكَ الحَمْد؛ ما أَصْبَحَ بِنَا مِنْ نِعْمَةٍ أو بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لك.. لكَ الحَمْدُ عَدَدَ خَلْقِك، ورِضَا نَفْسِك، وزِنَةَ عَرشِك، ومِدَادَ كَلِمَاتِك.. لكَ الحَمْدُ كمَا يَلِيقُ بجَلالِ وَجْهِك، وعَظِيمِ سُلْطَانِك.

لَا يُدْرِكُ قَدْرَ النِّعَمِ إلَّا مَنْ فَقَدَهَا، أو جَرَّبَ مَا يُعَانِيْهِ فَاقِدُوهَا مِنَ الجُوعِ وَالخَوفِ والاضْطِرَابَات، ونَقْصِ الأمْوَالِ والأَنْفُسِ والثَّمَرَات.

والنِّعَمُ -عبادَ الله- لا تَدُوْمُ إلَّا بِشُكْرِ اللهِ جَلَّ في عُلاه، قالَ تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وقال تعالى: (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ). وقال جَلَّ وعلا: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)

ومِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ على عِبَادِهِ بعدَ تَوْحِيدِهِ بالعِبَادَةِ، وإِفْرَادِهِ بالطَّاعَة: نِعْمَةُ العَافِيَة، ونِعْمَةُ الأَمْنِ، واجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ، ووِحْدَةِ الصَّف..

كَثَّرَنا سُبحَانَهُ بنِعْمَتِهِ بعدَ القِلَّة، وأغنَانا بعدَ العَيْلَة، وجَمَعَنا بعدَ الفُرْقَة، وقوَّانَا بعدَ الضَّعْف، وآمَنَنا بعدَ الخَوْف.

جَمَعَنا تحتَ رايَةٍ وَاحِدَة، وخَلْفَ قِيادَةٍ واحِدَة، وهيَ واللهِ نِعْمَةٌ وأيُّ نِعْمَةٍ!، امتَنَّ بها سُبحَانَهُ على عِبَادِهِ: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وحَرَمَ قَوْمًا هَذهِ النِّعْمَةَ؛ فجَعَلَهُم عِبرَةً وعِظَة: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).

وَفِي قَوْمِ سَبَإٍ عِبْرَةٌ حِيْنَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ؛ فَأَعْرَضُوا وَجَحَدُوْا، ولم يَشْكُرُوا، فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِم، قالَ تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).

ومِنْ أَعْظَمِ أسبَابِ دَوَامِ هَذهِ النِّعَم: امتِثَالُ أَمْرِ المولى جَلَّ وعَلا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، وفي حَديثِ عُبادَةَ بنِ الصَّامتِ t قال: دَعَانا رسولُ الله r، فبَايَعنَاهُ، فقالَ فيما أَخَذَ علينا: السَّمْعُ والطَّاعةُ في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرِنا ويُسْرِنا، وأَثَرَةٍ علينا، وألَّا نُنَازِعَ الأمرَ أَهْلَه، وقال: (إلَّا أنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِندَكُم مِنَ اللهِ فيهِ بُرهَان).

في طَاعَةِ وُلَاةِ الأمْرِ؛ تَنْتَظِمُ شُؤونُ الحيَاةِ، وتتَّحِدُ الكَلِمَةُ، وتَسْتَقِرُّ الأَوْطَانُ، وتَقْوَى الصِّلَةُ بينَ الأفراد، وتُحفَظُ الهَيْبَةُ، ويَتَفرَّغُ النَّاسُ للعِبَادَةِ والعَمَلِ، والبِنَاءِ والتَّعمِير.. يقول الحافظُ ابنُ رجبٍ رحمه الله: "وأمَّا السَّمْعُ والطَّاعَةُ لِوُلاةِ أُمُورِ المسلمينَ فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنيا، وبها تَنْتَظِمُ مصَالِحُ العِبَادِ في مَعَاشِهم، وبها يَسْتَعِينُونَ على إظْهَارِ دِينِهم وطَاعَةِ ربِّهم".

اللهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجَلالِ والإكرَام؛ آمِنَّا في أوْطَانِنا، واجْعَلنا شَاكِرينَ لِنِعَمِك، مُثْنِينَ بها عليك، قَابِليْهَا، وأَتِمَّها علينا يا ربَّ العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:

فاتَّقوا اللهَ فيما أَمَر، وانتَهُوا عمَّا نهَى عنهُ وزَجَر.. لا تَسْتَعِينُوا بالعَطايا على الخَطايا، وأَحْسِنُوا جِوَارَ النِّعَم؛ تَحْفَظُوا النِّعمَ الموجُودَة، وتَجلِبُوا النِّعَمَ المفقُودة، وتَسْتَدِيمُوا عَطاءَ اللهِ وكرَمَهُ وجُودَه؛ فما أدبَرَتْ نِعمَةٌ بعدما أقبَلَتْ، ولا رُفِعَتْ مِنَّةٌ بعدما نزَلَتْ، ولا سُلِبَتْ كرَامَةٌ بعدما مُنِحَتْ؛ إلا بسببِ عَطايا ما شُكِرَتْ، أو بسببِ خَطايا فُعِلَتْ، والنِّعَمُ إذا شُكِرَتْ قرَّتْ، وإذا كُفِرَتْ فرَّتْ، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

ألَا فاتقوا الله عباد الله.. احْفَظُوا أَمْنَكُم ووِحْدَتَكُم، ووطنَكُم واسْتِقْرَاركُم. أَنْجِزُوا لِرَبِّكُمْ ما أَمَر؛ يُنْجِزُ لكُمْ رَبُّكُم ما وعد، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

ثم صلّوا وسلِّموا على نبيّكم محمّد r، فقد أمركم بذلك ربّكم جل وعلا فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ r، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وهيئ لهم البطانةَ الناصحة الصالحة التي تدلُّهم على الخير وتعينهم عليه.

اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارَها، ووفِّق قادتها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.. اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم، وسدِّدْ سهامَهُم، واكبِتْ أعداءَهم، وانصرهم على القومِ الباغين يا رب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا أو أراد بلاد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاكشف سِرَّه، واهتِكْ سِترَه، وأبْطِلْ مَكْرَه، واكفنا شرَّه، واجعله عبرة، يا رب العالمين.

(ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار) .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

 

المرفقات

1631788454_خطبة_10_2_1443_نعمة_الأمن_واجتماع_الكلمة.pdf

المشاهدات 2748 | التعليقات 0