نعمة الأمن وأسبابها

خطبة جمعة عن : نعمة الأمن وأسبابها         كتبها : خالد بن خضران العتيبي   الجمش- الدوادمي
 

الخطبة الأولى :

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينُه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :

أما بعد :

عبادَ اشكروا اللهَ على نعمهِ الكثيرة فبالشكر تدوم النعم قال تعالى ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) وإن من نعمِ اللهِ العظيمةِ على عباده نعمةُ الأمنِ وهذه النعمةُ كلُ مخلوقٌ يطلبُها ويحرصُ عليها حتى الحيوانات فهي تهربُ من المكانِ المخوفِ إلى المكانِ الآمنِ .

  وإذا اختلَ الأمنُ تعطلت جميعُ الحقوقِ الحقُ الذي لله فلا الجُمَع تقام ولا الجماعاتِ في المساجدِ وكذلك الحقُ الذي للنفسِ فلا نومَ ولا طعامَ و لا جماعَ  والحقُ الذي للغير فلا يستطيعُ الإنسانُ أن يصلَ أقربَ الناسِ إليه بزيارةٍ أو نفقةٍ أو غيرِ ذلك من حقوقِ الغير .

واللهُ سبحانه وتعالى ذكَّر كفارَ مكةَ بنعمةِ الأمنِ وأمرهم أن يقابلوها بعبادته وحده لا شريكَ له يقول تعالى (  ِلإِيلَافِ قُرَيْشٍ ( 1 ) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ ( 2 ) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ( 3 ) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ( 4 ) )

ودعا إبراهيمُ عليه السلام لأهلِ مكةَ بنعمةِ الأمنِ قال تعالى ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (البقرة : 126 )

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ [أي في نفسه ] مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»: [أخرجه الترمذي وهو حديث حسن ]

وهذا الأمنُ عبادَ الله نحنُ نعيشُهُ وللهِ الحمدُ في هذه البلادِ ولا بد من التذكيرِ بأسبابه لإننا إذا لم نثبت على أسباب الأمن فإنه يزول والله سبحانه وتعالى ((  إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (الرعد : 11 )   والأمن ضده الخوف وأنواع الأمن كثيرة منها : الأمنُ النفسي ، والأمنُ الأسري ، والأمن الاقتصادي ، والأمن الاجتماعي ، والأمن الفكري ، والأمن السياسي إلى غيرِ ذلك من أنواعِ الأمن .

فمن أسبابِ الأمنِ :  توحيدُ اللهِ  قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام : 82 ) أي لم يخلطوا إيمانَهم بشرك فلهم الأمنُ وأما المشركُ فلا أمانَ له بل يعيشُ الخوفَ والقلقَ قال تعالى ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجن : 6 )

فلنحرصْ عبادَ الله على تعلم التوحيد والحذر من الشرك بجميع أنواعه فالتوحيد من أعظم أسباب الأمن .

ومن أسباب الأمن : شكر الله سبحانه وتعالى وتسخير النعم فيما يرضيه قال تعالى

 (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (النحل : 112 ) فهذه القرية كفرت بنعم الله فبدل الله حالها لجوع وخوف والعياذ بالله .

ومن أسباب الأمن العظيمة : تقوى الله سبحانه وتعالى يقول تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف : 96 ) فالله الله عبادَ الله بالحرص على طاعة الله والحذر من الذنوب والمعاصي ومن ابتلي بشيء منها يستر على نفسه ويتوب إلى ربه ولا يجاهر بالذنوب فالمجاهرة لا يُعافي الله أصحابها ففي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين )

ومن أسباب الأمن التناصحُ فيما بيننا ونشرُ الخير والتحذيرُ من الشر حتى لا تغرقَ السفينةُ ففي صحيح البخاري عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "ا

و إذا قوي عند الناس الوازعُ الديني لم يعتدوا على بعض في الدماء والأموالِ والأعراضِ لأنهم يراقبون الله سبحانه  وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ ولا يشربُ الخمرةَ حِينَ يشربُها وهو مؤمنٌ ولا يسرقُ حين يسرقَ وهو مؤمنٌ )

أسال الله سبحانه وتعالى أن يديمَ علينا النعمَ وأن يحفظَ ولاةَ أمرِنا وأن يوفقَهم لكلِ خير وأن يُجنبَنا الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطن .

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :

عبادَ اللهَ من أسبابَ الأمنَ اجتماعُ الكلمةِ على إمامٍ واحدٍ يُسمعُ له ويطاعُ في غيرِ معصيةِ الله فهذه البلادُ من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها تجتمع على إمامٍ واحد ولنعلمَ أن مصالحَ العبادِ الدينيةِ والدنيويةِ لا تتمُ إلا بوجودِ إمامٍ يُسمعُ له ويطاعُ في غير معصيةِ الله ويُذكر عن عمرَ بن عبد العزيز أنه قال ( لا إسلامَ إلا بجماعةٍ ولا جماعةَ إلا بإمامةٍ ولا إمامةَ إلا بسمعٍ وطاعة )

فلو لم يكن هناك وليٌ للأمر يُسمع له ويُطاع في غير معصية الله لكانت الأمور فوضى .

ولنعلمْ أن السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية الله وتحريم الخروج عليه أصل من أصول أهل السنة والجماعة وجاءت النصوص الكثيرة المتواترة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ  ) (النساء : 59 )

وفي البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ»

وحتى ولو كان ولي الأمر ظالماً أو حصل منه شيء من المنكرات فالواجب الصبر وبذل النصيحة له بالطريقة التي جاءت بها السنة ففي صحيح مسلم  سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»،

في صحيح البخاري عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ»

وفي صحيح البخاري  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»

ولنحذر عباد الله من الدعوات الخارجية التي هي امتداد لدعوة الخوارج وإن زخرفوها ولنا عظة وعبرة بكثير من الدول التي استجابت لهذه الدعوات ما الذي حصل فيها من الفُرقة والفتن والعياذ بالله فنسأل الله أن يديم علينا نعمة التوحيد ونعمة اجتماع الكلمة وأن يصلح ولاة أمرنا وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتحثهم عليه وأن يجنبهم بطانة السوء .

 

 

 

المشاهدات 447 | التعليقات 0