نِعْمَةُ الْأَمْنِ (مناسبة للتعميم) 1443/2/10هـ

يوسف العوض
1443/02/07 - 2021/09/14 11:33AM

الخطبة الأولى


الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مضلَّ لَه وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾وبعد ،، 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : الْأَمْنُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُثَيْمِين رَحِمَهُ اللَّهُ : " مِنْ فَوَائِدِ الْآيَة أنَّ الْأَمْنَ فِي الْأَوْطَان مِنْ أَكْبَرِ النِّعَم لِقَوْلِه : ﴿ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ " ، ولأهمية الْأَمْنِ فِي حَيَاةِ العِبَادِ وَالبِلاَدِ ، فَقَدْ دَعَا خَلِيلُ اللَّهِ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، لِمَكَّة بِأَنْ تَكُونَ بلدًا آمنًا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾وقد اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ، فَأَصْبَحَت مَكَّةُ مكانًا آمنًا ، تُجبَى لَهُا ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا ﴾ وَلَقَد امْتَنَّ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى قُرَيْشٍ بِهَذِه النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ *إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ *فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ  ﴾ .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : فَالْأَمْن نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَنْ رَأَى الْبِلَادِ الَّتِي سُلِبَ مِنْهَا الْأَمْنُ وحلَّ بدلًا عَنْه الْخَوْفُ عَرَفَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي جَعْلِ بَلَدِه آمنًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ ﴾ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :" امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِحُرْمَةِ الْأَمْن ، وَأَنَّهُم فِي أَمْنٍ ، وَسَعَةِ رِزْقٍ ، وَالنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ يتخطفون ، وَيَخَافُون" .


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ أَسْبَابِ اسْتِمْرَار الْأَمْنِ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ قَالَ الْعَلَّامَةُ العثيمين : " مِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ ، سَبَبٌ لِاسْتِمْرَار الْأَمْن وَلِزَوَالِ الْخَوْفِ ، إذَا كَانَ هُنَاكَ أمنٌ سَابِقٌ فَهُوَ يَسْتَمِرُّ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ خَوْفٌ فَإِنَّهُ يَزُولُ لِقَوْلِه : ﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ " ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ ﴾ قال الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :" الْأَمْنُ مِنْ الْمَخَاوِفِ فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ مُطلقًا لَا بَشرَكٍ وَلَا بِمَعَاصِي حَصَلَ لَهُمْ الْأَمْنُ التَّامّ " .

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمَن أَهَمِّ الْأَسْبَابِ لِزَوَال الْأَمْن :


أولاً : مَعْصِيَةُ اللَّهِ ، فَالْأَمْنُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَعَاصِي اللَّهِ ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُثَيْمِين رَحِمَهُ اللَّهُ : " الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ : ﴿ أَتُتْرَكُونَ ﴾ لِلتَّحْذِيرِ ، يَعْنِي : أَتَظُنّونَ أَنّ تَتْرُكُوا ؟ لَا، فَلَن تُتْرَكُوا ، فَهُو لِلنَّفْي المُتضمنِ لِلتَّحْذِيرِ ".


ثانياً : وَعَدَمُ شُكْرِ النِّعَمِ يَذهبُ بالْأَمْنِ ، وَيَجْلِبُ الْخَوْفَ ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّـهِ فَأَذاقَهَا اللَّـهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كَانُوا يَصنَعونَ ﴾ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُالرَحْمَن السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :" وَهَذِه الْقَرْيَةُ هِي : مَكَّةُ الْمُشَرَّفَةُ ، الَّتِي كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنّةً ، كَانَتْ بَلَدُةً لَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ وَلَا شَجَرٌ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَسَّرَ لَهَا الرِّزْقَ ، يَأْتِيهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَجَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُم يَعْرِفُون أَمَانَتَه وَصَدْقَهُ يَدْعُوهُمْ إلَى أَكْمَلِ الْأُمُورِ ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْأُمُورِ السَّيِّئَةِ ، فَكَذَّبُوه ، وَكَفَرُوا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فأذاقَهم اللهُ ضِدِّ مَا كَانُوا فِيهِ ، وَأَلْبَسَهُم لِبَاسَ الْجُوعِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الرَّغَدِ ، وَالْخَوْفَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ صَنِيعِهِم وَكُفْرِهِم ، وَعَدَمِ شكرِهم ، ﴿ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّـهُ وَلـكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ ﴾ .


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَإِذَا فَقَدَ النَّاسُ الْأَمْنَ عَاشُوا فِي قَلَقٍ وَخَوْفٍ ، ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَوَادِثِ سَنةِ [699هـ] : " اُشْتُهِرَ أَنَّ التترَ يُرِيدُونَ دُخُولَ دِمَشْقَ فانزَعَجَ النَّاسُ لِذَلِكَ وَخَافُوا خَوفًا شَديدًا ، وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا وَالْهَرَبَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، وَأَيْنَ الْفِرَارُ؟ ولات حِينَ مَنَاصٍ! ، وَلَزِمَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَكَانَت الطُّرُقَاتُ لَا يُرَى بِهَا أَحَدٌ إلَّا الْقَلِيلُ ، وَالْجَامِعُ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ إلَّا الْيَسِيرُ ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَكَامَلُ فِيه الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَمَا بَعْدَهُ إلَّا بِجَهْدٍ جَهِيدٍ ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ فِي ضَرُورَةٍ يَعُودُ سَريعاً ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ قَد أَذَاقَهُمْ اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ".
 
الخطبة الثانية
 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ . . . أَمَّا بَعْدُ :

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إنَّ فَقِدَ بَعْضِ الْبِلَادِ لِلْأَمْنِ ، ووقوعَها تَحْتَ مِظِلّةِ الْخَوْفِ لَهْو عِبْرَةٌ لِغَيْرِهَا ، أَنْ تَحْذَر أَنْ يَقَعَ بِهَا مَا وَقَعَ لِغَيْرِهَا ، فَسُنَن اللَّهِ لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَغَيَّرُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا ﴾ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : "سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ الَّتِي لَا تُبَدِّلُ وَلَا تُغَيُّرَ ، إنَّ كُلَّ مِنْ سَارَ فِي الظُّلْمِ وَالْعِنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ تَحِلَّ بِهِ نِقْمَتُه وتُسلَبَ عَنْه نِعْمَتُه "

فبأسُ اللَّهِ قَدْ يَأْتِي فَجْأَةً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا بَياتًا وَهُم نائِمونَ * أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا ضُحًى وَهُم يَلعَبونَ * أَفَأَمِنوا مَكرَ اللَّـهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الخاسِرونَ ﴾ .

اللَّهُمّ إنِّا نعوذُ بِك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِك ، وَتَحَوَّلِ عَافِيَتِك ، وفُجاءة نَقِمَتِك ، وَجَمِيعِ سَخَطِك .

 

المرفقات

1631679789_إيماننا،، أمننا.pdf

المشاهدات 1770 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


مستفادة