نعمة إدراك العشر، ووصايا لاغتنامها
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَلْنَشْكُرِ اللهَ تَعَالَى أَنْ بَلَّغَنَا هَذِهِ العَشْرَ المُبَارَكَةَ وَالمَغْنَمَ العَظِيمَ، وَالفُرْصَةَ الثَمِينَةَ؛ فَمَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ.
لِنُعَظِّمْ هَذِهِ الأَيَّامَ، وَلْنَعْمُرْهَا بِالطَّاعَاتِ فَرَائِضِهَا وَنَوَافِلِهَا وَلْنَجْتَنِبِ المَنْهِيَّاتِ مُحَرَّمَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا.
اِحْفَظُوا - حَفِظَكُمُ اللهُ - جَوَارِحَكُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ، أَدُّوا حُقُوقَهُ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ.
كُلُّ عِبَادِةٍ أَمْكَنَكُمْ فِعْلُهَا؛ فَسَارِعُوا وَسَابِقُوا وَلَا تَتَأَخَّرُوا وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ؛ فَاجْتَنِبُوهَا وَلَا تَقْتَرِبُوا.
أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ تَسْبِيحًا، وَتَحْمِيدًا، وَتَكْبِيرًا وَتَهْلِيلاً وَاسْتِغْفَارًا، وَقِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ؛ فَالذِّكْرُ مِنْ أَيْسَرِ الأَعْمَالِ، وَأَفْضَلِهَا، وَأَزْكَاهَا؛ وَإِذَا كَانَ فِي المَوَاسِمِ الفَاضِلَةِ؛ كَانَ خَيرًا عَلَى خَيرٍ.
أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ؛ اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً، أَقْبِلُوا بِقُلُوبِكُمْ، وَأَلِحُّوا فِي دُعَائِكُمْ، وَأَيْقِنُوا بِالإِجَابَةِ؛ وَلَا تَعْجَلُوا. مَنْ أَسَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالذُّنُوبِ فَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ، وَلْيَسْأَلْهُ المَغْفِرَةَ: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر 53
مَنِ ابْتُلِيَ بِالضُّرِّ فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللهِ: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } النمل 62
مَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ؛ مَنْ أَرْهَقَتُهُ الدُّيُونُ؛ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ السُّبُلُ؛ الْجَأْ إِلَى اللهِ؛ فَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وَهُوَ: { الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } الذاريات 58
سَلُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - كُلَّ حَوَائِجِكُمْ؛ فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَرِيبٌ؛ يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَاهُ؛ وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ...) وَفِي آخِرِ الحَدِيثِ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُــصُ
الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ... ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ مَضَى مِنْ عَشْرِنَا مَا مَضَى؛ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ خَيْرَاتِهَا الكَثِيرَ؛ مَنْ أَحَسَنَ فَلْيَسْتَمِرَّ؛ وَمَنْ فَرَّطَ فَلْيَتَدَارَكْ.
وَإِنَّ أَمَامَنَا يَومُ عَرَفَةَ؛ يَومُ إِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ، وَ: ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَيَومُ عَرَفَةَ هُوَ يَومُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ؛ فَيُعْتِقُ اللهُ مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ فَلِذَلِكَ صَارَ اليَومُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِهِمْ؛ مَنْ شَهِدَ المَوْسِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي العِتْقِ وَالمَغْفِرَةِ يَومَ عَرَفَةَ. ا هـ
جَاءَ فِي صِيَامِهِ قَولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَلْنَحْرِصْ عَلَى صِيَامِ ذَلِكَ اليَومَ، وَلْنَتَوَاصَ بِصِيَامِهِ؛ فَإِنَّ: ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ: وَأَمَامَنَا مِنَ الخَيْرَاتِ فِي عَشْرِنَا: يَومُ العِيْدِ فَلْنَحْرِصْ عَلَى إِقَامَـةِ صَلَاةِ العِيدِ مَــعَ الجَمَاعَةِ وَلْنَأخُذْ لَهَا
زِينَتَنا؛ بِالاغْتِسَالِ وَالطِّيبِ وَلُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ.
عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَـــسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ).
يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ الأُضْحِيَةَ. ا هـ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أمَّا بَعدُ: فتَعَاهَدُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - فِي هَذِهِ العَشْرِ وَفِي غَيرِهَا قُلُوبَكُمْ؛ اِعْتَنُوا بها أَشَدَّ العِنَايَةِ؛ اِحْرِصُوا عَلَى صَلَاحِهَا وَسَلَامَتِهَا؛ فَإِنَّهُ تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ؛ وَإِنَّ فَسَادَهَا خَسَارَةٌ فَادِحَةٌ.
لَا تَغْفَلْ أَخِي المُسْلِمُ عَنِ العِنَايَةِ بِقَلْبِكَ؛ فَبِصَلَاحِهِ يَصَلُحُ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ وَبِفَسَادِهِ يفَسُدُ الْجَسَدُ كُلُّهُ.
اِجْتَهِدْ غَايَةَ جُهْدِكَ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَعُودُ عَلَى قَلْبِكَ بِالطَّهَارَةِ وَالسَّلَامَةِ وَالصَّلَاحِ، وَاحْذَرْ أَشَدَّ الحَذَرِ كُلَّ عَمَلٍ يَعُودُ عَلَيهِ بِالرَّانِ وَالسَّوَادِ وَالفَسَادِ.
وَإِذَا وَقَعْتَ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ فَبَادِرْ بِالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّوبَةِ فَإنَّ مِنْ أسْبَابِ سَلَامَةِ القُلُوبِ وَصَلَاحِهَا: الإِكْثَارُ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ وَالاسْتِغْفَارُ مِنَ الخَطِيئَاتِ؛ يَقُولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وَمِنْ أسْبَابِ سَلَامَةِ القُلوبِ وَصَلَاحِهَا: دُعَاءُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا لِهَذَا القَلْبِ؛ بِطَهَارَتِهِ وَثَبَاتِهِ عَلَى الدَّينِ، وَحِفْظِهِ مِنَ الزَّيْغِ: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } آل عمران 8
وَكَانَ مِنْ دُعَاء النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1687342486_نعمة إدراك العشر، ووصايا لاغتنامها.pdf
1687342497_نعمة إدراك العشر، ووصايا لاغتنامها.docx