نصائح لاغتنام شهر المرابح خطبة قديم من روائع خطب البدير بتصرف

عبدالرحمن اللهيبي
1444/09/02 - 2023/03/24 05:31AM
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ، الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؛ يُفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَيَشْمَلُهُمْ بِعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَيَسَعُهُمْ بِبِرِّهِ وَرَحَمَاتِهِ، لَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ عَطَاؤُهُ. لَا تُعْجِزُهُ حَاجَةٌ، وَلَا تُثْقِلُهُ مَسْأَلَةٌ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، نحمدُه وَنَشْكُرُهُ عَلَى شَرِيعَةٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَنِعَمٍ تَابَعَهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أفضلُ زاد، وأحسنُ عاقبةً في أخرى ومعاد، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أيها الصائمون، أنتم في شهرِ المرابحِ برحماته وبركاته وعطائه وهباته, شهرٌ عظيم لا تُعدَّ نفحاتُه، ولا تحصى خيراته، ولا تستقصى مكرماته، غرَس في قلوب الصالحين الإيمان والتقى ، فلا تَرى في المساجد إلا عابداً يركع، وقارئا يرتّل ويخشع، يرقُّ قلبه ويدمع، بآيات تجلو الهم والصدى، وتزيل الغم والعشى، فاحمدوا الله يا مسلمون أن بلَّغكم، واشكروه على أن أخَّركم إلى رمضان ومكَّنكم، فكم من طامع بلوغَ هذا الشهرِ العظيمِ فما بلَغَه، وكم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه، فاجأه الموت فما أفلته. أيها المسلمون، ها نحن في رمضان قد بلغناه .. وكم حبيب لنا فقدناه، أدركناه.. وكم قريب لنا في القبر أضجعناه، يا صائمون، رحيلُ من رحل عنا والله إنه لنذيرٌ لنا ، وهذا الموت منا قد دنا، والرحيل قرُب منا ولا زاد عندنا، فالعملَ العمل قبل أن لا توبةً تُنال، ولا عثرةً تُقال، ولا يُفدى أحد هناك بمال فأقبلوا على ربكم، وأروا الله في هذا الشهرِ خيراً من أنفسكم، تقول عائشةُ رضي الله عنها: كان رسول الله  يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره. أخرجه مسلم أيها المسلمون، هذا شهر الخير والقبول ، هذا شهر العتق والجود، فيا خسارة أهلِ الغفلة والرقود ويا ندامةَ أهلِ الإعراض والصدود، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ يرويه عن ربه عز وجل قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة)) أخرجه البخاري. يا عبد الله، هذا أوان الجد إن كنت مجداً، هذا زمان الاجتهاد في العبادة إن كنت لله عبدا، هذا الشيطان صُفد فكَبّ، وباب الخير مفتوحٌ لمن أحب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا كانت أول ليلة من رمضان صفّدت الشياطينُ ومردةُ الجن، وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك في كل ليلة)). أيّها الصائمون، أنتم في شهر الغفران المرتجَى والعطاءِ والرّضا ، أنتم في شهر الصّفحِ الجميلِ والعفوِ الجليل، شهرِ الرحمات وإقالةِ العثرات وتكفيرِ السيّئات، فليكُن شهرُكم هذا بدايةَ مَولدِكم وأوانَ توبتكم وتباشيرَ فجركم , يا إخواني إن ربكم غفور رحيم كريم يفرح بتوبتكم وهو الغني عنكم, فبالله عليكم يا مسلمون من لم يتُب في زمنِ الخيرات والهبات فمتى يتوب؟! مَن لم يرجِع في زمَن الرحمات فمتى يؤوب؟! فكم من مذنبٍ مسرف طال أرقُه واشتدَّ قلقُه وتفطر قلبه وعظُم كمَدُه ، تقيدُه أغلال المعصية، وتعتصِره كآبَة الخطيئة ، يتلمَّس من ربه نسيمَ رجاءٍ، يشرِق عليه بنورِ التوبةِ والإنابة؛ لتنجلِي بها وحشةُ القلب وظلمةُ الصدور، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله  يقول: ((قال الله تعالى: يا ابنَ آدم، إنّك ما دعوتني ورجَوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا ابنَ آدم، لو بلغَت ذنوبُك عَنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك..  يا ابنَ آدم، إنك لو أتيتني بقرابِ الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرةً) فتب يا عبد الله من كل إثم أو حرام ، تب من العقوق وقطيعة الأرحام ، تب من ترك الصلاة والتقصير في الفرائض إن كنت فيها مفرطا ، وتب من الربا إن كنت مرابيا وتب من الزنا إن كنت له مسافحا تب من الغيبة إن كنت في أعراض فاريا ، تب من سماع المعازف وألحان الشيطان ، تب من مشاهدة الأفلام الهابطة والصور العارية والمسلسلات الماجنة تب من النظر للسافرات والمتبرجات تب من التدخين والشيشة … تب فربك يفرح بك، ويحب توبتك، وقد بسط يده إليك لتتوب إليه فهو العفو الكريم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ها هو مناديه يناديك في هذا الشهر المبارك وهو الغني عنك يقول لك: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، فيا له من ربٍّ كريم ، وخالقٍ رحيم، أكرمنا بعفوِه، وغشَّانا بحِلمِه ومغفرتِه وجلَّلنا بسِتره، وعمنا بفضله , وفتح لنا بابَ توبته. يعفو ويصفَح وبتوبةِ عبدِه يفرَح، أليس هو من يقول عن نفسه في كتابه الكريم غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا أيّها المسلمون، إلى من يلجَأ المذنِبون؟! وعلى من يعوِّل المقصِّرون؟! وإلى أين يفرون والمرجِع إلى الله يومَ المعادِ،  ((يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ)) ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ))       يا أسير المعاصي، وكلنا وربي كذلك، هذا شهر جليل يُفَكّ فيه العاني، ويعتق فيه الجاني، ويُتجاوَز فيه عن العاصي، فبادر الفرصة، ولا تكن ممن أعرض أبى، وصم أذنه وانجفى , وخرج من رمضان ولم ينل فيه الرحمة والغفران والمنى، فقد صَعَدَ رسول الله  المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين)) فقيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين!! فقال : ((إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، قلت: آمين)) . فأقبِلوا يا صائمون على ربكم بتوبةٍ ناصحة وإنابة صادقة وقلوبٍ منكسرة وجِباه خاضِعة ودموعٍ منسكِبة. لعل الله يقبلكم ويرحمكم أقول قولي هذا ...       أيها الصائمون، احذروا ما أعدّه لكم أهلُ القنوات والانحلال، ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة، ومسلسلات مخِلّة، يَسْتَهْزِئُونَ فيها بِالْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ وتشويه أتباعه وَالتنفير من دُعَاتِهِ، ويا لله العجب من هؤلاء الفجار الذين لا تزداد سخريتهم بالدين وطعنهم في محكماته واستهزائهم بالمصحين إلا في رمضان، وَفِي كُلِّ رَمَضَانٍ يَعْرِضُونَ سُخْرِيَاتٍ جَدِيدَةً، في الوقت الذي لَنْ تَجِدَ لهم سُخْرِيَةً وَاحِدَةً مِنْ الشواذ والملحدين أو من شَعَائِرِ اليهود والنصارى الضالين التي امتلأت بالفضائح كتبهم وفاضت بها طقوسهم أو من شعائر عباد البقر وتمرغهم بروثها وبرازها أو من شعائر أهل الضلال من الروافض رَغْمَ كَثْرَةِ الشَّعَائِرِ الباعثة للسخرية فِي دِينِهِمْ مِنْ جَرْحِ الرُّؤُوسِ بِالسِّيُوفِ، وَضَرْبِ الصُّدُورِ بِالسَّلَاسِلِ، وَإِدْمَاءِ رؤوس الْأَطْفَالِ،   أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّهُ لَا غرابة من المنافقين أَنْ يَسْتَهْزِئُوا في قنواتهم بشعائر الدين، فَلَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ. كَيْفَ وَمَرَاجِلُ الغيظ تَغْلِي بِهَا قُلُوبُهُمْ مِنِ مشاهد الخير والفضيلة، وودوا لو شاع في الناس الانحلالُ والخمور وفشا في النساء التبرجُ والسفور، وودوا لو اندثرت مشاهد الخير والفضيلة وانتشرت مشاهد التعري والرذيلة، وَلَكِنَّ اللَّوْمَ كُلَّ اللَّوْمِ عَلَى مُؤْمِنِينَ صَائِمِينَ قَائِمِينَ ولكتاب ربهم تالين قَدْ رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بمشاهدة تلك البرامج الَّتِي تَحَادُّ اللهَ فِي شَرْعِهِ، وَتَسْتَهْزِئُ بشعائر دينه، كَيْفَ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْحَاضِرَ كَالمُسْتَهْزِئِ ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾. فيا مطلقي البصرَ في مشاهد العري والسفور ومسلسلات السخرية ومحرمات المنظور، ها أنتم اليوم في سيد الشهور، فحَذَارِ حذار من انتهاك حرمتِه، وتدنيس شرفه، وانتقاص مكانته، فوالله ما صام رمضان على مراد الله من قلب بصره في الشاشات يتابع الأفلام والمسلسلات ويستمع إلى الأغاني والقينات والله ما صام رمضان على مراد الله من أطلق لسانه في غيبة إخوانه المسلمين والوقيعة في أعراضهم والله ما صام رمضان على مراد الله من يتكسب بالحرام ويأكل الحرام ويغش المسلمين, فهذا رسولكم  يقول: ((من لم يدع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) أخرجه البخاري فيا أيها الصائمون، إن أولى ما قُضِيت فيه الأوقات وصُرفت فيه الساعات في هذه الأيام المعدودات والليالي المباركات هو تلاوة الآيات البينات وتدبر ما فيها من العبر والعظات، وقد كان جبريل عليه السلام يَلقى رسول الله  في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. متفق عليه. أيها المسلمون، هذا شهر الإنفاق، والبذل والإشفاق، فيا أهل اليسار والغنى، تذكروا الأكبادَ الجائعة، تذكروا أهلَ الخصاصة والخماصة، ممن يعانون عُدما، ويعالجون سقَما، أعينوهم واكسوهم وعالجوهم وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ وأغيثوا الجائع والمضطر، وأنفقوا وأوسعوا، ولا توكوا فيوكي الله عليكم، ولا تحصوا فيحصي الله عليكم قال : ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان)) , وكان رسول الله  أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام. أيها الصائمون، إن مما يؤسِف الناظر ويُحزن الخاطر ظاهرةً مقيتة وعادة قبيحة سرت في صفوف بعض المسلمين، ألا وهي ظاهرة الإسراف في المآكل والمشارب وخاصة في شهر رمضان، ويرمى الكثير من فائض الطعام في النفايات مع المهملات والقاذورات في حينَ أن هناك أكباداً جائعة وأُسرًا ضائعة تبحث عما يسدّ جوعَها ويُسَكِّن ظمأها. فاتقوا الله عباد الله، فما هكذا تُشكر النعم، وتستدفَع النقم، وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ  
المشاهدات 1105 | التعليقات 0