نســــوا الله فأنســـــاهم أنفســــــــــــــــــهم

محمد بن سليمان المهوس
1441/10/24 - 2020/06/16 21:08PM
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70 – 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر : 18-19].
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «إِذَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ؛ فَإِمَّا خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، وَإِمَّا شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ».
فَاللهُ -تَعَالَى- فِي هَذِهِ الآيَةِ يَأْمُرُ عِبَادَهُ بِتَقْواهُ سُبْحَانَهُ، وَيَنْهَى أَنْ يَتَشَبَّهَ عِبَادُهُ الْمُؤمِنُونَ بِمَنْ نَسِيَ اللهَ مِنْ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وَالْحِرْمَانِ الَّذِينَ نَسُوا اللهَ بِتَرْكِ تَقْوَاهُ وَغَفَلُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، بَلْ نَسُوا الْحَقِيقَةَ الَّتِي لأَجْلِهَا أَوْجَدَهُمُ اللهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
نَسُوا اللهَ، وَأَقْبَلُوا عَلَى حُظُوظِ أَنْفُسِهِمْ وَشَهَوَاتِهَا، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ بِنَقِيضِ عَمَلِهِمْ، بِأَنْ أَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ؛ أَيْ: أَنْسَاهُمْ مَصَالِحَهَا، وَمَا يُنْجِيهَا مِنْ عَذَابِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا يُوجِبُ لَهُمُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ، وَكَمَالَ لَذَّتِهَا وَسُرُورِهَا وَنَعِيمِهَا، فَأَنْسَاهُمُ اللهُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ جَزَاءً لِمَا نَسِيَهُ وَأَعْرَضَ عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرِهِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ وَوَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَنْ نَسِيَ اللهَ تَعَالَى؛ حَيْثُ أَنْسَاهُ اللهُ مَصَالِحَ نَفْسِهِ مُضَيِّعًا لَهَا، قَدِ انْفَرَطَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْخَيْرِ عَلَيْهِ، فَلا يَتَوَجَّهُ لأَمْرٍ فِيهِ خَيْرٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إِلاَّ وَجَدَ بَابَهُ مُغْلَقًا دُونَهُ أَوْ مُتَعَسِّرًا عَلَيْهِ؛ نَاهِيكَ عَنِ الظُّلْمَةِ الَّتِي يَجِدُهَا حَقِيقَةً فِي قَلْبِهِ؛ يُحِسُّ بِهَا كَمَا يُحِسُّ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ إِذَا ادْلَهَمَّ، فَتَصِيرُ ظُلْمَةُ الْمَعْصِيَةِ وَالْغَفْلَةِ لِقَلْبِهِ كَالظُّلْمَةِ الْحِسِّيَّةِ لِبَصَرِهِ فِي الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلاَلاَتِ، حَتَّى يَقَعَ بِمَا وَصَفَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَالَ الْمُؤْمِنِ وَالْفَاجِرِ مَعَ الذُّنُوبِ، فَقَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
لأَنَّهُ نَسِيَ رَبَّهُ وَمَعْبُودَهُ، فَهَانَتْ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ وَصَغُرَتْ فِي قَلْبِهِ، فَتَتَابَعَتْ، حَتَّى عَلاَ الرَّانُ قَلْبَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففون: 14]، فَسُبْحَانَ اللهِ! كَمْ أَهْلَكَتْ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ مِنَ الْخَلْقِ! وَكَمْ أَزَالَتْ مِنْ نِعْمَةٍ، وَجَلَبَتْ مِنْ نِقْمَةٍ! فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-؛ فَالتَّقْوَى صَلاَحٌ لِلْعَبْدِ وَجِمَاعٌ لِلْخَيْرِ وَالأَجْرِ، وَهِيَ الْجَامِعَةُ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، الْكَافِيَةُ لِجَمِيعِ الْمُهِمَّاتِ، الْجَالِبَةُ لِكُلِّ مَصَالِحِ الْعَبْدِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَةِ نِسْيَانِ اللهِ وَالْغَفْلَةِ عَنْ طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ: مَحْقَ الْبَرَكَةِ فِي عُمْرِ الْعَبْدِ وَرِزْقِهِ، وَضَيَاعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَسُقُوطَ جَاهِهِ وَمَنْزِلَتِهِ وَكَرَامَتِهِ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ؛ فَعَلَى قَدْرِ طَاعَةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ تَكُونُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَسِيَ رَبَّهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَعَصَاهُ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ؛ فَأَسْقَطَهُ مِنْ قُلُوبِ عِبَادِهِ، فَعَاشَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَمْحُوقَ الْبَرَكَةِ، خَامِلَ الذِّكْرِ، سَاقِطَ الْقَدْرِ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ﴾ [طه: 24-26].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
المرفقات

نسوا-الله-فأنساهم-أنفسهم

نسوا-الله-فأنساهم-أنفسهم

المشاهدات 1452 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا