نسائم العشر، ووجوب زكاة الفطر

د عبدالعزيز التويجري
1442/09/23 - 2021/05/05 21:09PM

الخطبة الأولى: نسائمُ العشرِ الأواخر         25/9/1442ه
الحمد لله على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.  أما بعد:
 فاتقوا الله ربكم واشكروا له: ((ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً))
أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ، قال قال النَّبِيِّ r " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "
أعمال كبار جسام ، تتحقق في رمضان ، من أراد ظل العرش فاليعلق قلبه في المساجد ، لا في برامج تُلهي  ومتاعٌ للحياة يُغري .
في هذه الليالي والأيام يخلو قلبُ المؤمن فيدعوا ربه أو يقرأ آية أو يسمعها فيرق قلبه وتسبل دمع عينه فيراه ربه فيجازيه بظل عرشه .
تتفتح أمام المسلم قنوات الإنفاق ومشاريع البذل ، فتمتد يده بالصدقة والتحويل في وجوه الخير ، فيكافئه ربه بظل عرشه.
يتعرض القلب للشهوات وتعرض امام عينه مناظر الحرام فيغض بصره ويحجب عينه ويقول إني أخاف الله ، فيجازيه الله بظل عرشه.
تشتهر أندية ويتسابق الضعفاء للمحبة في سبيل الشيطان ، فيصطفي قلبان ويجتمع جسدان على كتاب الله ومن أجل ذات الله ، فلايفرق بينهما إلا الموت ، فيجازيهم ربهم بان يجمعهم في ظل عرشه.
لا غروا أن ترى شيخا قد شابت لحيته في عبادة الله وطاعته ، ولكن التحدي أن ترى شابا تتقاذفه امواج الفتن وتتعرض له المغريات وتنفتح له زينة الحياة الدنيا ، فيرفظها ويقبل على ربه ويعلق قلبه في عبادة الله . فيجازيه الله أن يظله بظل عرشه .
عباد ليل إذا جنَّ الظلام بهم       كم عابد دمعه في الخد أجراه
كن كالصحابة في زهد وفي ورعٍ     القوم هم، ما لهم في الناس أشباهُ
عُباد الصحابه شباب في مقتبل العمر .. ابن عمر ابن السابعة عشرة من عُمرِه يَقَول عنه النَّبِيُّ r: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا .
عبدالله بن عمرو بن العاص الشاب اليافع قال: والله لَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ، فَقَالَ له رَسُولُ اللهِ r: «فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ» متفق عليه.
  قومٌ إذا ذُكرَ الرحمنُ منْ وجلٍ  **  لاَنُوا وَإِنْ شَهِدُوا يَوْمَ الْوَغَى صَعُبُوا
  غُرُّ الوجوهِ مصاليتٌ إذا نزلوا  **   عَنِ السُّرُوجِ مَحارِيْبَ التُّقَى رَكِبُوا
ما أروع القلوب إذا تعلقت بخالقها .. ما أجمل الأجساد إذا انصبت لبارئها.. ما أحلى العيون إذا متعت بكلام ربها .. ما أعذب اللسان إذا كان يسبح بجلال الله وعظمته ..
تحسس البيوت هذه الليالي ، تسمع لها دوي بالقرآن ، وهمس بتسبيح ذي الجلال والإكرام .. نساءٌ وشبابٌ تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً الله ورضونا .. يقطعون الليل تسبحا وقرآنا .. تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا .
فيارب لا تخيب رجائهم وحقق لهم من الخير اضعاف ماتمنوه واصرف عنهم عن الشر أضعاف ما حذروه
أترون أن الكريم الرحيم يذهب دموع الخاشعين سدى , أو تظنون باللطيف الخبير يخيب آمل المحسنين .. أو يضيع تعب العابدين  إن ربنا لغفور شكور.. فأحسنوا الظن بربكم فقد قال ربنا تبارك وتعالى ( أنا عند ظن عبدي بي فاليظن عبدي ماشاء .. نظن برنا خيرا  ورحمته وسعة كل شي، ومن ضاقت عنه رحمة الله في فقد خسر خسرنا مبينا ..
أستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرّحيم.
 
 
 
 
 
 
الخطبة الثانية : الحمد لله ذو المن والعطا يغفر الذنب ويجيب الدعاء ، وصلى الله وسلم على الرسول المجتبى وعلى أله وصحبه ومن اقتفى وسلم تسليما كثيرا    أمّا بعد:.
فتعرضوا لربكم في هذه العشر الباقيات، فإن فيها ليلة مباركة ، مباركة في كل شي، مباركة برزقها، مباركة بعطائها، مباركة بخيرها وما فيها من الرحمة والمغفرة . من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقد من ذنبه ، فالصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
ثم اعلموا أن من واجبات هذا الشهر إخراج زكاة الفطر في نهايته قبل العيد بيوم أويومين ، وهي صاع من طعام تجب على الذكر والأنثى الصغير والكبير من المسلمين . طهرة للصائم من الغو والرفث،  وطعمة للمساكين .. ومن الأفضل والاكمل ، أن تشتريها بنفسك وتحضرها إلى بيتك وتعرضها أمام أبنائك وأهلك ليتربوا عليها ويستشعروا عبوديتها ، وأن تبحث عن مستحقيها . فهي ليست عبئ تتخلص منها إنما هي شعيرة إسلامية وصورة روحانية .. ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ........
اللهم اعز دينك وانصر أوليائك ..

المشاهدات 1631 | التعليقات 0