﴿نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤ﴾

عبدالرحمن بن محمد التميمي
1443/07/23 - 2022/02/24 20:37PM
﴿نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤ﴾ 24/7/1443هـــ الحمد للهِ الكريمِ الحليمِ، هو الأوَّلُ والآخرُ، والظاهرُ والباطنُ، وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على فضلِهِ وخيْرِه العَميمِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ربُّ السموات وربُّ الأرضِ ربُّ العرشِ العظيمِ، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، هدانا بأمرِ الله إلى صراطٍ مستقيمٍ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.أَمَّا بَعدُ: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ “ عباد الله: في موقف لا نظير له إذ لم يسبقه إليه السابقون ولا يدركه بمثله اللاحقون سطر لنا القرآن عن موسى عليه السلام مشهدا عظيما غاب عنه الشيطان وجلله برحمته الرحمن: فحين أكرم الله موسى عليه السلام بالرسالة وخصه بكلامه سأل موسى ربه أن يشرك معه أخاه في أعظم ما وهب وأشرف ما أعطي فقال: ﴿وَٱجۡعَل لِّی وَزِیرࣰا مِّنۡ أَهۡلِی ۝٢٩ هَـٰرُونَ أَخِی ۝٣٠ ٱشۡدُدۡ بِهِۦۤ أَزۡرِی ۝٣١ وَأَشۡرِكۡهُ فِیۤ أَمۡرِی﴾ ذاكرا حاجته لأخيه في إعانته معترفا بفضله مثنيا عليه: ﴿وَأَخِی هَـٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّی لِسَانࣰا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِیَ رِدۡءࣰا یُصَدِّقُنِیۤ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ﴾ قال بعض السلف: ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيًا. فكان موسى عليه السلام فاتحة خير لأخيه هارون، فصارا أخوين في النسب والدين والرسالة، وقد امتن الله عليهما بذلك، وجعلهما قدوة لمن بعدهما، وخلد ذكرهما في العالمين، فكانت هذه الأخوة الحميمة والخصال العظيمة أرقى شيء بقي ﴿وَبَقِیَّةࣱ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَـٰرُونَ﴾   وحين ذهب موسى لميقات ربه قَالَ: ﴿لِأَخِیهِ هَـٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِی فِی قَوۡمِی وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِیلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾   لكنهم خالفوا موسى وهارون فأخبر تَعَالَى نَبَيَّهُ مُوسَى بِمَا كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْحَدَثِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعِبَادَتِهِمُ الْعجلَ الَّذِي عَمِلَهُ لهم ذلك السَّامِرِيُّ وحِينَ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَرَأَى مَا قَدْ حَدَثَ فِيهِمْ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، فَامْتَلَأَ عِنْدَ ذَلِكَ غَيْظًا وَأَلْقَى مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنَ الْأَلْوَاحِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وَشَرَعَ يَلُومُ أَخَاهُ فناداه هارون عليه السلام نداء متلطف فقَالَ: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ﴾  نسبه إلى الأم مع كونه أخاه لأبيه وأمه؛ استعطافًا له وترقيقًا لقلبه ولم يقابل غيظه بغيظ مثله ولا فظاظة أقوال ولم يكل التهم ولا سعى لرد اعتبار بل شرع يبرر لأخيه ذاكرا ضعفه في غيابه عنه وكيدهم له:   ﴿إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِی وَكَادُوا۟ یَقۡتُلُونَنِی فَلَا تُشۡمِتۡ بِیَ ٱلۡأَعۡدَاۤءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِی مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ وبطيب نفس قبل موسى لأخيه عذره ودعا ربه فقال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ وهكذا الإخوة العظماء بنفوسهم وأخلاقهم يحسنون الظن فيما بينهم، ويقبلون الأعذار، ويقولوا التي أحسن فتمر خلافاتهم عابرة لا تترك أثرا في نفوسهم بل يرجون لبعضهم مغفرة الكريم ورحمته. عباد الله: وإذا حضر الشيطان بين الإخوة غلب الحسد والغيرة القلوب فطاشت الأحلام ولقد قص الله علينا في القرآن ما كان من إخوة يوسف عليه السلام معه حين كادوه وكانوا أهلَ دينٍ ومِن بيتِ نُبُوَّة لكنها نزغات شياطين قابلها يوسف ببر وإحسان. في كيد إخوة يوسف له لم يكن السبب ميراثا لم يقسم أو عقارات وكنوز إنما كانت مشاعر وأحاسيس أفسدتها سيئات الظنون: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ولهذا الظن والسبب اليسير تمالأ الإخوة بأزٍ من الشيطان حتى فقالوا: ﴿ٱقْتُلُوا۟ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ وجاء إبليس بحيلته فزين لهم تقديم العزم على التوبة قبل الوقوع في الذنب تسهيلاً لفعله في نفوسهم، وإزالة لشناعته، وتنشيطاً من بعضهم لبعض: ﴿وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صَٰلِحِينَ﴾ وهنا جاء أكبرهم مستِجْلبًا لِشفَقتِهم عليه، مستِعْظمًا قَتله فقال: ﴿لَا تَقۡتُلُوا۟ یُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ ومضوا جميعا عازمين على فعلتهم فرحين بكيدهم وجمعهم ومكرهم ويوسف بضعفه وقلته وحسن طويته لا يملك من أمره شيئا لكن الله تولى أمره،ومكن الله له في الأرض حتى صار حفيظًا على خزائن مصر: ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ أما اخوته فساءت أحوالهم وقدر عليهم رزقهم فذهبوا إلى مصر للأقوات طالبين فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون، ويدخل إخوة يوسف عليه في مصر للمرة الثالثة يدخلون وفي حديثهم انكسار لم يعهد في أحاديثهم من قبل، وشكوى من المجاعة تدل على ما فعلت بهم الأيام: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَیۡهِ قَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡعَزِیزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَـٰعَةࣲ مُّزۡجَىٰةࣲ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَیۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَیۡنَاۤإِنَّ ٱللَّهَ یَجۡزِی ٱلۡمُتَصَدِّقِینَ﴾ فيحزن يوسف لإخوته ويأسى لحالهم _وهم الذين كادوه فما رحموه_ فيعود بهم إلى الماضي البعيد الذي يعرفونه وحدهم، ولم يطلع عليه أحد إلا الله: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ بادرهم بالعذر قبل أن يجيبوه ونسب الخطيئة لزمان جهالتهم فيجللهم الخزي والخجل وهم يواجهونه محسنًا إليهم وقد أساؤوا، حليمًا بهم وقد جهلوا، كريمًا معهم وقد لئموا ومهما يكن من غي وسفه، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، والرجوع إلى الرشد فلاح: ﴿قَالُوا۟ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَیۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَـٰطِـِٔینَ﴾ اعتراف بالخطيئة، وإقرار بالذنب، يقابله يوسف_عليه السلام_ بالصفح والعفو وإنهاء الموقف المخجل، شيمة الرجل الكريم: ﴿قَالَ لَا تَثۡرِیبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡیَوۡمَۖ یَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ احِمِینَ﴾ لا مؤاخذة لكم ولا تأنيب اليوم، فقد انتهى الأمر من نفسي ولم تعد له جذور، والله يتولاكم بالمغفرة وهو أرحم الراحمين   بارك الله لي ولكم .................             الخـطبة الثـــــــــــــانية: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد: عباد الله: وبعد أن أعلى الله ليوسف شأنه ومكنه أمام أبويه واخوته وفي سياق ذكره نعمة ربه عليه أعرض عليه السلام عن التفاصيل وأعرض عن اللوم والعتاب وأنهى القضية وأغلق ملفها بالكلية حين جعل ذلك كله مجرد نزغات شيطان: ﴿وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِیۤ إِذۡ أَخۡرَجَنِی مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَاۤءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤ إِنَّ رَبِّی لَطِیفࣱ لِّمَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ ۤ﴾ فكان في ذلك حفظ للكرامات وترميم للعلاقات ونسيان للماضي الأليم. ألا ما أبر يوسف عليه السلام بإخوته: أعطاهم حين منعوه، ووصلهم حين قطعوه، وعفا عنهم بعد إذ ظلموه، وتلك جماع الأخلاق. جمعها يوسف عليه السلام في أحسن قصص، وجعلها رايات للسائرين، ومنارات للعارفين، ومقامات تنفع العامل بها إلى يوم الدين. عبادالله: ما أعظم الحسد في إفساده وداد الإخوان، وما أقبح الولوج في طاعة الشيطان، اليوم كثير ممن تجمعهم قرابة أو أخوة نسب خلافاتهم على شبر وشبرين وتكال لأجل ذلك التهم وينسى الفضل وتقطع الرحم وتتابع الشتائم وتنكر الحقوق.   وأكثر خلافات الإخوة تتعاظم ويطول أمدها حين يسوسها الحساد وحين يبرم فتلها بعض النساء ويشد حبالها بعض الأبناء. وأعقل العقلاء من صان لأخيه مكانته وحفظ له وإن خالفه مودته وربى على توقيره بنيه وزوجته. اللهم أصلح ذات بيننا واسلل سخيمة نفوسنا واغفر لنا ووالدينا ولإخواننا والمسلمين وصلوا وسلموا............    
المرفقات

1645735035_﴿نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤ﴾.docx

المشاهدات 1648 | التعليقات 1

تصحيح الآية

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)