نداء للنبلاء

حسن الخليفة عثمان
1438/01/03 - 2016/10/04 21:12PM
خلاصة هذا المقال: أن العالم بكافة أرجائه بحاجة إلى هدنة سلام شاملة، تنبع من ضمير حي، أرَقته أنهارُ الدماء، وقضّ مضجعه فُحشُ المظالمِ، وإهدارُ قيمةِ وكرامةِ الانسان، هدنةٍ تهيء المناخَ الملائمَ للحوار بين الجميع، وتتيحُ الفرصةَ للجميع لتقويمِ مسارِه وسياساتِه، واتخاذِ ما يلزمُ من تغييرٍ في ضوءِ النتائجِ التي يتوصل إليها، بعيداً عن الضغوطِ والإملاءات المحرجة، كما تتيح الفرصةَ للمؤسسات الدولية والوطنية العادلة لبسط الأمن والأمان الذي يعيد الثقة للشعوب، ويضع حدا للعدوان وانتشار الإرهاب، ويُمهدُ الطريق لاستعادةِ روحِ الإخاءِ، واستئنافِ رحلةِ الإعمارِ والبناء.
لستُ في حاجةٍ أن أذكّر بأن كلامنا هذا ليس موجهاً إلى الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على عقيدة الإسلام تحت شعار الهوية، التي باتت ثغورُها الملتهبةُ داخل عواصمِ وفنادقِ أوروبا، تحت قصفِ الوجباتِ الساخنة، وهديرِ الكاميراتِ وزخاتِ التصريحات، كما إنه لن يجد أذناً صاغية عند الحريصين على استمرار الأوضاع القائمة التي صنعت مراكزَ جاهٍ ونفوذٍ ومالٍ وحققت مكتسباتٍ بات الحفاظ عليها -فيما يبدو- مرهوناً باستمرار الصراع في صورته الحالية.
كما إن من لوازم الدعوة إلى هذه الهدنة: الإحاطةَ الدقيقةَ بالأخطار المحدقة بالعالم؛ سواءٌ على الصعيد البيئي، وما يواجهه من أخطار كالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري، أو الصعيدِ البشري، وما يعانيه البشرُ من كوارثَ ومجاعاتٍ، وصراعاتٍ دمويةٍ لا تتوقف آثارها عند بقاعها التي تندلع فيها؛ وإنما تُخلّف ملايين النازحين واللاجئين الذين قدرت الأممُ المتحدةُ عددَهم في العالم بـ65 مليون شخص من بينهم 21 مليون لاجئ فروا من الاضطهادات والفقر والنزاعات. كما يأتي على رأس الأخطار التهديدُ السافرُ لأرضِ الحرمينِ وقبلةِ المسلمينِ من منطلقِ حساباتٍ شيطانيةٍ وثأريةٍ ضالة.
وفي ضوء ما سبق ينبغي أن نشير إلى أن صلاحَ العالمِ الاسلامي طريقُ إلى صلاحِ العالمِ وصلاحَ العالمِ العربيِ طريقُ إلى صلاحِ العالمِ الاسلاميِ وصلاحَ مصرَ وقوتَها هو الطريقُ إلى إصلاحِ الوطنِ العربيِ؛ هذا ما استقر عليه رأيُ الكثيرِ من أهلِ الرأيِ والحكمةِ، وأشار إليه شيخُ المفكرين الشيخُ محمد الغزالي رحمه الله.
وحتى تاريخه يمكننا أن نقول أن المشهد في مصر من وجهة نظري لن يُحسم إلا بسنن الله الماضية التي تجري بأحكامها على جميع الذين ذهبوا بعيدا بين ظالم لا يُصغي سمعاً إلا لمن هو أشدُ منه بطشاً وأعزُ نفرا، وبين مظلومٍ يرى في مظلمته مسوغاً يبيح له الكذبَ على الجميع، والانسلاخَ من أولياتِ المبادئِ والقيمِ للوصول إلى مآربه أو الخروج من مأزقه!
والظلمُ والكذبُ لم تنجُ لهما يوما قافلةٌ؛ مهما حلّقت في السماء طائراتها، أو توسعت على الأرض دباباتها، أو علت بالمأثورات صيحاتُ رجالها؛ أبى اللهُ إلا أن يذل الظالمين ويصدق الصادقين.
كما إن أولئك الذين يراهنون على استغلال الانفجارات الشعبية في بعض البلدان العربية لتحقيق ما عجزوا عن الوفاء به مما قطعوه مِرارا لجماهيرهم وأتباعهم من وعود سابقة لم يفوا بوعد واحد منها؛ إنما يمنّون أنفسهم بأماني نعتقد أن حظها من الصواب والمنطق لا يدعونا إلى الالتفات إليه في ضوء ما تعلمناه من الفقه والأمر الرباني في التغيير القاضي بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وما الشأنُ الليبيُ عن ذلك ببعيدٍ؛ فاستمرارُ عدمِ الاستقرارِ، والصراعُ الدمويُ القائمُ بما يعمّقُ الجراحَ، ويزيدُ المراراتِ، وأعدادَ الثكالى والأيامى واليتامى، ويُعقّد الحلولَ، ويسُدُ الأفقَ أمام عودةِ السلامِ والوئامِ ليس من مصلحة أولئك الحريصين على إزكاء نار الصراع هناك، رغبةً في افناءِ الشعبِ الليبيِ للسيطرةِ على آبارِ النفطِ والثرواتِ.
وهكذا كلما أرسلت البصرَ إلى بُقعةٍ من بقاعِ العربِ أو المسلمينِ في سوريا واليمن وغيرهما ارتدَ إليك البصرُ باكيا وهو حزين..
إننا ندعو سماسرةَ الحروبِ، وعشاقَ الفوضى، ومشعلي الفتن: أن يُجيلوا النظر في الحياةِ مرةً أخرى؛ في ضوء ما خلّفته أيديهم من ضحايا، وظلمٍ، ونشرٍ للكراهيةِ والأحقادِ بين الشعوب، فلعلهم يهتدون إلى مسارٍ آخرَ يستثير في النفوس قيمَ الصفحِ والعفوِ والتغافرِ، ويسترُ العيوبَ، ويُحسنُ الخواتيمَ، ويُخلّدُ الأثر، ويرفعُ الذكر، ويُعلّم الذين أسرفوا على أنفسهم ألا يقنطوا من رحمة الله، ويجعلُ منهم أئمةً في الخيرِ والنورِ والسلامِ.
لقد كانت مقالتنا السابقة عن ضرورة التصدي للعدوان بكافة صوره ومنهجية الكذب والعنصرية: نداءً للحكماء، واليوم ندعو إلى هدنةٍ شاملةٍ تمثلُ واحةً تفيء في ظلها الإنسانيةُ إلى خيرها وجمالها ونبلها، فهل من مجيب للنداء؟ وهل يتداعى لأجله النبلاء؟
المرفقات

1161.doc

المشاهدات 792 | التعليقات 0