نداء لإغاثة إخواننا في فلسطين.

عبد الله بن علي الطريف
1445/04/19 - 2023/11/03 11:16AM

نداء لإغاثة إخواننا في فلسطين. 19/4/1445هـ              موافقة للتعميم

أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.. واعلموا أن الله ورسوله قد حثا على الصدقة في كل آن، وجعلا الإنفاق ابتغاء مرضاة الله من أعظم الأعمال..

ولقد ضرب الله تعالى للمنفقين ابتغاء مرضاته مثلًا عظيمًا رائعًا فقال: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265].بأن نفقتهم مضاعفة وعملهم لا يبور أبداً؛ بل يتقبله الله ويكثره وينميه، ويضاعفه سبحانه إلى سبعمائة ضعف، فقد قال عز من قائل: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261]. قال سعيد بن جبير: "في سبيل الله يعني في طاعة الله".. ويقول سبحانه: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ‌وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: 276] 

قال الشيخ السعدي: (يمحق الله الربا) أي: يذهبه ويذهب بركته ذاتًا ووصفًا، فيكون سببًا لوقوع الآفات فيه ونزع البركة عنه، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادًا له إلى النار (ويربي الصدقات) أي: ينميها وينزل البركة في المال الذي أخرجت منه وينمي أجر صاحبها وهذا لأن الجزاء من جنس العمل، فإن المرابي قد ظلم الناس وأخذ أموالهم على وجه غير شرعي، فجوزي بذهاب ماله، والمحسن إليهم بأنواع الإحسان، ربه أَكْرَمُ منه، فيحسن عليه كما أحسن على عباده (والله لا يحب كل كفار) لنعم الله، لا يؤدي ما أوجب عليه من الصدقات، ولا يسلم منه ومن شره عباد الله (أثيم) أي: قد فعل ما هو سبب لإثمه وعقوبته.. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. واختار الرَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمثل بالفَلُوِّ َوالفَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يزِيدُ زِيَادَةً بَيِّنَة في فترة نموه؛ فَكَذَلِك الصَّدَقَة نتاج الْعَمَل، فَإِذا كَانَت من حَلَال لَا يزَال نظر الله إِلَيْهَا حَتَّى تَنْتَهِي بالتضعيف إِلَى أَن تصير التمرة كالجبل.

أيها الإخوة: الصدقات إحسان وعبادة لله إذا تصدق الإنسان بشيء من ماله فإن لله تعالى يضاعف له هذه الصدقة في ثوابها وأجرها هذا من الجانب الأخروي.. وفي الدنيا ينزل البركة فيما بقي من ماله كما صح عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ اَنْهُ قَالَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ.." رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.. أما ما يجري على بعض الألسنة من زيادة: "بل تزده" فهذه زيادة لا صحة لها كما قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، وقال أيضاً: "يعني أن الصدقات لا تنقص الأموال كما يتوهمه الإنسان، وكما يَعِدُ به الشيطان، فإن الشيطان كما قال الله عزّ وجلَّ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة:268]". والبخيل الشحيح يخشى الفقر فتصعب عليه الصدقة متجاهلا قوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُم مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39] وجاهلا أو متجاهلا قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). [البقرة:245]، وقول الملائكة صباح مساء: "اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا".

وهكذا تسطع الحقيقة المشاهدة المؤكدة أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، وذَكَرُوا فِي الزِيَادَةِ وَجْهَيْنِ:

أَحَدهمَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيُدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّات فَيَنْجَبِرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة، وَهَذَا مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وَالْعَادَة.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُه، كَانَ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتِّبِ عَلَيْهِ جَبْرًا لِنَقْصِهِ، وَزِيَادَةً إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَة.

وقال الشيخ السعدي: "فالصدقة لا تنقص المال؛ لأنه لو فرض أنه نقص من جهة، فقد زاد من جهات أُخر؛ فإن الصدقة تبارك المال، وتدفع عنه الآفات وتنميه، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب الزيادة أموراً ما تُفْتَحُ على غيره؛ فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة؟! فالصدقة لله التي في محلها لا تُنْفِدُ المالَ قطعاً، ولا تُنْقِصُهُ بنص النبي ﷺ، وبالمشاهدات والتجربات المعلومة".

أيها الإخوة: تصدقوا من وُجْدِكُم، ولا يقولن أحدكم إن القليل لا يفيد ولا يقبل، بل إن القليل إلى القليل يصبح كثيراً بتوفيق الله تعالى، ومع صدق النية يبارك الله فيه، أما قبوله فهو إلى الواحد الأحد، الجواد الكريم، الذي يجزي على القليل وينميه.

بل ربما سبق القليلُ الكثيرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ". قَالُوا: يَا رَسولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: "رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا" رواه النسائي وابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وحسنه الألباني. وفي رواية: "فَتَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا وَآخَرُ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِهَا مِائَةَ أَلْفٍ".

وبين رسول الله أفضل الصدقة حين جاءه رَجُلٌ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ وفي رواية عند مسلم: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ الرسولُ ﷺ: "أَمَا -وَأَبِيكَ- لَتُنَبَّأَنَّهُ. أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ -وفي رواية: وأنت صَحِيحٌ شَحِيحٌ- تَأْملُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ" رواه البخاري ومسلم. قالَ شَيْخُنا محمد العثيمين رحمه الله: في الحَدِيثِ دَلِيْلٌ على أنَّ الإنْسَانَ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُبَادِرَ بِالصَدَقَةِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَه الْمَوْتُ، وأَنْهُ إِذَا تَصَدَّقَ في حَالِ حُضُورِ الأَجَلِ كَان ذلك أَقل فَضْلاً مِما لو تَصدَّقَ وهو صَحِيْحٌ شَحِيحٌ.

والصدقة من أعظم أسباب دخول الجنة؛ فَعَنِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ السَّدُوسِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُبَايِعُهُ، فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ: "أشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُصَلِّي الْخَمْسَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ فَلَا أُطِيقُهُمَا: الزَّكَاةُ؛ فَوَاللَّهِ مَا لِي إِلَّا عَشْرُ ذَوْدٍ هُنَّ رِسْلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ، وَأَمَّا الْجِهَادُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، فَأَخَافُ إِذَا حَضَرَنِي قِتَالٌ خَشَعَتْ نَفْسِي فَكَرِهْتُ الْمَوْتَ، فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ وَحَرَّكَهَا، وَقَالَ: "لَا صَدَقَةَ وَلَا جِهَادَ!؛ فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟" فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ.. روَاهُ البيهقي وأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَاللَّفْظُ لِلطَّبَرَانِيِّ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وَرِجَالُ أَحْمَدَ مُوَثَّقُونَ.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المنفقين ابتغاء مرضاته وأن يتقبل منا إنه جواد كريم.. أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: والصدقة سبب لدفع البلاء عن الأمة قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إنَّ للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دَفْع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناس.

وقال رحمه الله: في الصدقة فوائدُ ومنافعُ لا يُحصيها إلا اللهُ، فمنها: تقي مصارِعَ السُّوء، وتدفع البلاءَ حتى إنها لتدفع عن الظالم.

قال الشيخ السعدي رحمه الله: الصدقاتُ يجتمع فيها الأمران: حصولُ الخير، وهو: كثرة الحسنات والثواب والأجر، ودفْعُ الشرِّ والبلاء الدنيويِّ والأخروي، بتكفير السيئات.

أيها الإخوة: ومن أعظم ما يرجى لتفريج الكربات ورفع الشدائدِ في الدنيا والفوزِ والنجاةِ من أهوال القيامة القيام بحق الإخوة في الدين التي ذكرها الله تعالى بقوله: (إنما المؤمنون إخوة)، الصدقة لتنفيس كربهم وقضاء حاجاتهم ففي فلسطين إخوان لنا مستهم البأساء والضراء هدمت بيوتهم وجرفت مزارعهم وطرقهم وأبيدت معظم بُنى بلادهم التحتية منع عنهم الماء والكهرباء وقتل النساء والأطفال والشيوخ فكم من ملهوف وجائع وخائف وجريح وطريد، لقد مارس اليهود معهم أبشع أنواع الأذى وأشد الحصار.. ولأجل هذا فقد دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان سددهما الله ووفقهما لمد جسور الإغاثة لهم عبر منصة ساهم" وقد فتحوا مجال التبرع لهم لعموم المواطنين والمقيمين؛ للمساهمة في علاج المصابين وسد حاجة المحتاجين ورفع الضرر عن المتضررين والمنكوبين كعادة هذه البلاد المباركة منذ تأسيسها، فالله الله أيها الإخوة مدوا أيدكم بالعطاء ولو قل، ومنصة ساهم أقل مبلغ تقبله خمس ريالات..

ومن مزايا التصدق عبر المنصة تتحقق فيها صدقة السر وهي من أفضل الأعمال وسبب في أن يظل الله المتصدق بظله يوم القيامة ففي الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «سَبْعَةٌ ‌يُظِلُّهُمُ ‌اللهُ ‌فِي ‌ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وذكر منهم: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ» قال الإمام النووي رحمه الله: صدقةُ التطوع السِّرُّ فيها أفضلُ؛ لأنه أقربُ إلى الإخلاص وأبعدُ من الرياء.

وبعد أحبتي: من أجمل وأجمع ما قيل في فضل الصدقة ما ذكره ابن القيم رحمه الله فقد قال: "في الصدقة فوائدُ ومنافعُ لا يُحْصِيها إلا اللهُ، فمنها: أنها...تُطفئ الخطيئةَ، وتحفظ المال، وتجلب الرزق، وتُفرِح القلبَ، وتُوجِب الثقةَ بالله، وحُسْنَ الظنِّ به، وتُرغِمُ الشيطان، وتُزكِّي النفسَ وتُنمِّيها، وتُحبِّبُ العبدَ إلى الله وإلى خَلْقِه، وتستُر عليه كلَّ عيبٍ، وتزيد في العمر، وتستجلب أدعيةَ الناس ومحبَّتَهم، وتدفع عن صاحبها عذابَ القبر، وتكون عليه ظِلًّا يومَ القيامة، وتشفع له عند الله، وتهوِّن عليه شدائدَ الدنيا والآخرة، وتدعوه إلى سائر أعمال البِرِّ فلا تستعصي عليه." وفقنا الله لطاعته ومرضاته.

المشاهدات 3107 | التعليقات 0