نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ..

عبدالله محمد الطوالة
1442/05/10 - 2020/12/25 13:50PM

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ تفرَّدَ عزًّا ومجداً وجلالاً، وتقدَّسَ بهاءً وسنَاءً وجمالاً، وتوحَّدَ عظمةً وكبرياءً وكمالاً، تباركَ ربُنَا سبحانهُ وتعالى ..

 سبحانَ من عنتِ الوجـوهُ لوجهـهِ .. ولـهُ سجـدنا أوجــهاً وجِـبـاهُ ..

 سبحانَ من ملأَ الوجودَ أدلةً .. ليُبِينَ ما أخفى بما أبداهُ ..

 وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، ولا ربَّ سواه ..

 يا ذا الجلالِ وذا الجمالِ وذا الهُدى .. يا مُنعمًا عمَّ الوجودَ نداهُ ..

 شمِلتْ لطائِفُهُ الخلائِقَ كُلَّها .. ما للخلائِقِ كافِلٌ إلَّا هو ..

 وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولهُ ومصطفاهُ .. ذاكَ البشيرُ النَّذيرُ الهادِي لأمتهِ .. خيرُ البريةِ أقْصاهَا وأدْناهَا ..

 وكلُّ وصْفٍ للنبيينَ فهو لهُ .. كأنَّما وزِعتْ فِيهِمْ سَجَاياهُ ..

 ما نالَ فضْلَهُ ذو فضْلٍ سِواهُ ولا .. سَامَى فَخَارهُ ذو فَخْرٍ ولا ضَاهَى ..

 اللهم فصلِّ وسلَّمَ وباركَ وأنْعِمْ عليهِ، وعلى آله وصحبهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً لا يتناهَا ..

 أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرُ الهدي هديُ محمدِ بن عبدالله، ورأسُ الحكمةِ مخافةُ الله، وخيرُ الأمورِ عوازِمُها، وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها، وخَيرُ الصَّدَقَةِ أَخْفاهـا، وخَيرُ الْهِمَـمِ أَعْلاهـا، وخيرُ ما أُلقي في القلب اليقينُ، وخيرُ الغنى غنى النفس، وخيرُ الزادِ التقوى، وخيرُ العلمِ ما قارنهُ العمل، وخيرُ العملِ ما صَاحبهُ الإخلاص: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ..

 معاشر المؤمنين الكرام: سيضل الحقُّ والباطلُ في صراعٍ دائمٍ إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}، وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} ..

 وتبعاً لذلك فسيضلُ الخلافُ قائماً بين أهلِ الحقِّ وأهلِ الباطلِ، قال جلَّ وعلا: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} .. والحكمةُ من ذلك بيَّنها سُبحانهُ بقوله: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}، وقال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ..

 بل إن دين الإسلامِ العظيم مبنيٌ على مُخالفة أهلِ الكتابِ من اليهود والنصارى، وكثيرةٌ جداً هي النصوصُ الصريحةُ الصحيحةُ التي تنصُ على ذلك .. كقوله : "خالفوا المشركين"، "خالفوا اليهود"، "خالفوا أهل الكتاب"، "من تشبهَ بقومٍ فهو منهم" .. "من تشبه بقومٍ حُشرَ معهم" .. "ليس منا من تشبهَ بغيرنا" ..

 وفي أعظم سورِ القرآن الكريم، سورة الفاتحة، التي يقرأها المسلم كل يومٍ مِراراً وتكراراً: تأصيلٌ لهذه المسألةِ المهمة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وقال جلَّ وعلا: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ..

وقال تعالى عن اليهود والنصارى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}، وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ}، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ..

وفصَّل القرآنُ كثيراً في قضيةِ الولاءِ والبراءِ، وعلاقةِ المسلمِ بالكافر، وأن الأصلَ فيها التَّباعُدُ والتَّنافُر، تأمَّل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}، وقوله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقولهُ سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} .. وغيرها وغيرها من التوجيهات الواضحةِ القوية، والارشادات الوقائية، والإجراءات الاحترازية ..

كُلُّ ذلك لكي لا يُصابَ المسلمُ بعدوى الميل والتأثُرِ بشيء من أحوال أهلِ الكفرِ والضلالِ التعبدية ..

ولكي يضل المسلمُ مُتميزَاً بشخصيتهِ الإسلامِية المستقلةِ عن سائرِ الأُممِ والمللِ, والطوائِفِ والنِّحل ..

فنحن يا عباد الله: أُمَّةٌ لها خصائِصُها الفريدة، ومميزاتها التي تُميزها عن غيرها عبادةً وعقيدة ..

نعم أيُّها المؤمنون الكرام: لقد رفعَ اللهُ قدْرَ هذه الأُمَّةِ وشرَّفها، واختارها واصطفاها، وجعلها خيرَ أُمَّةٍ أُخرجت للناس، وجعلها أُمَّةَ النبيِّ الخاتم المبعوثٍ رحمةً للعالمين ، في الحديث الصحيح: "جُعلت أُمتي خيرُ الأمم" .. وفي الحديث الآخر قال : "أنتم تُوفون سبعين أُمَّةً، أنتم خيرُها وأكرمُها على الله تبارك وتعالى" .. وجاء في حديثٍ صحيح: "أُمَّتي هذهِ أُمَّةٌ مرحُومة"، وفي حديثٍ آخر صحيح: "نحنُ الآخِرونَ السابقونَ يوم القيامة" .. وفي الحديث الآخر: "إنَّ أُمَّتي يُدعونَ يوم القيامةِ غُراً مُحجلين من آثار الوضوء" .. إنها أُمَّةٌ الخَيارِ والعدلِ والوسطية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} ..

أُمَّةُ الدعوةِ والتواصِي بالحقِّ .. أُمَّةُ الحنيفيةِ السَّمحةِ .. أُمَّةُ اليُسرِ ورفعِ الحرج .. أُمَّةُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر ..

أُمَّةٌ مرحومةٌ من العذاب، محفوظةٌ من الهلاك، تمرض, لكنها لا تموت، تغفو, لكنها لا تنام، تخبو, لكنها لا تنطفئي ..

أُمَّةُ الحضارةِ والريادة .. أُمَّةُ القيادةِ والسيادة .. أُمَّةُ التاريخ والجغرافيا ..

أُمَّةُ البيتِ العتيق، والكعبةِ المشرفةِ، والمشاعر المقدسة، والروضة الشريفة .. أُمَّةُ الشفاعةِ والحوضِ والكوثر ..

أُمَّةُ الحديث والاسناد, أُمَّةُ القياسِ والإجماع .. أُمَّةٌ لا تجتمع على ضلالة، أُمَّةٌ هي الأقلُ عملاً والأكثرُ أجراً .. تُؤجرُ على الحسنةِ بعشرِ أمثالها إلى سُبعمائِة ضعفٍ إلى اضعافٍ كثيرةٍ .. وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ..

أُمَّةُ القرآنِ ورمضانُ وليلةُ القدر .. أُمَّةُ الحج والعيدين والجمعة ..

أُمَّةُ السلام والسحور .. أُمَّةُ الأذانِ والوضوء والتأمين والصفوفِ المستقيمةِ في الصلاة ..

أُمَّةُ الركوع والسجود، جُعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً .. {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ..

أُمَّةٌ هم شُهداءُ اللهِ في الأرض، وهم الشهداءُ على الأممِ يومَ القيامة، أُمَّةُ السبعون ألف الذين يدخلون الجنَّة بلا حسابٍ ولا عذاب، وأول الأمم جوازاً على الصراط، وأول الأمم دخولاً للجنة، وهم أكثرُ أهل الجنَّة عدداً وأوسعهم مكاناً، في الحديث الصحيح: "أن أهل الجنَّة عشرون ومائة صفٍّ، هذه الأمة منها ثمانون صفًّا"، وصحَ عنه أنه قال: "أنتم نِصفُ أهل الجنة" ..

فعجباً لأمَّةٍ هي خيرُ الأُممِ وأكرمِها على الله، عجباً لأمَّةٍ أعزها اللهُ بالإسلام ثم يهوِي بعضُ أفرادِها إلى دركاتِ الذِّلةِ والتَّبعيةِ، فيقلدون أُمَّةَ الضلالِ واحفادَ القردةِ والخنازيرِ، وعُبَّادِ العِجلِ وقتلةِ الأنبياءِ، يسيرون خلفهُم حذو القُذةِ بالقُذة، فيمرون بهم على المزابلِ والمستنقعات، ويُدخِلُونهم جُحورَ العَفنِ والآفات، ويُزينون لهم الشُبهاتِ والشهوات، وكم في ذلك من الضعفِ والدُّونية، ومسخِ الشخصية: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} ..

تأمل أيُّها المسلِم قولَ اللهِ تعالى في حقِّ المصطفى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} ..

وتأمل أيضاً قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} ..

ليتيقنَ المسلمُ بعد ذلك أنهُ لن يجني من الشوك العِنب، وأنهُ كلما اقتربَ من أهل الكفرِ والضلالِ حسياً أو معنوياً فهو على خطرٍ عظيمٍ، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ..

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

 

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه ....

أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، اولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب ....

معاشر المؤمنين الكرام: علمنا مما سبق أن علاقة المسلم بالكافر علاقةٌ حساسةٌ، ضبطَ القرآنُ الكريم والسنةُ المطهرة حُدودها بكل دقة، ورغمَ أنَّ عمومَ الأدلةِ الشرعيةِ تأمرُ بحُسنِ التعامل مع غير المسلم، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .. إلا أن التهاونَ في هذه العلاقةِ، وتجاوزِ ما قرَّرهُ الشرعُ فيها من أمور العبادات والعقائد، كالمودةِ والمحبةِ ومُشاركتهم في شيءٍ من شعائرِ دِينهم فإنها مسألةُ إيمانٍ وكفر ..

وقد سُئلُ الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله: عن حُـكم تهنئة الكفار بعيد (الكريسميس) ولو مجاملةً أو حياءً أو إحراجاً ..

فأجاب رحمه الله: تهنئةُ الكفار بعيد (الكريسميس) أو غيره من أعيادهم الدينية حرامٌ بالاتفاق، كما نقلَ ذلك ابن القيّم رحمه الله في كتابه أحكام أهلِ الذِّمةِ، حيث قال: وأمَّا التهنئةُ بشعائر الكفرِ المختصةِ به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومِهم، فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، ونحو ذلك، فهذا إن سلِمَ قائلهُ من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن تُهنئهُ بسجوده للصليب بل ذلك أعظمُ إثماً عند الله، وأشدّ مَـقتاً من التهنئةِ بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثيرٌ ممن لا قدر للدِّين عنده يقعُ في ذلك، ولا يدري قُبح ما فعل، فمن هنّـأ عبداَ بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كـُـفْرٍ فقد تعرّضَ لِمقت الله وسخطه .. انتهى كلام ابن القيم ..

ويواصلُ الشيخُ ابن العثيمين فتواه فيقول: وإنما كانت تهنئةُ الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم، لأنَّ فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورِضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بالكفر لنفسه، فيَحرمُ على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئَ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، قال تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} .. وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} .. وتهنئتهم بذلك حرامٌ, سواءٌ كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .. وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُردُ على ذلك، لأنها أعيادٌ لا يرضاها اللهُ تعالى، نُسِخت بقوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .. وإجابةُ المسلم دعوتهم بهذه المناسبةِ حرامٌ، وهو أعظمُ من التهنئةِ ..

وكذلك يَحرمُ على المسلمين التّشبّهُ بالكفار بإقامةِ الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى والطعام، أو تعطيلِ الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي : "مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم" .. فكل مَنْ فَعَل شيئاً من ذلك فهو آثمٌ، سواءٌ فَعَلَهُ مُجاملةً أو تَودّداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب ..

كما أجاب سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم تهنئة الكفار بأعيادهم أو مشاركتهم فيها فقال رحمه الله:

تهنئة الكفَّار بأعيادهم مُشافهةً، أو عن طريق الهاتف أو بكروت المعايدة، كُلَّ هذا مُنكرٌ لا يجوز، لا في بلاد الإسلام، ولا في غير بلاد الإسلام، لا يُهنِّئهم بأعيادهم، ولا يُشاركهم فيها، ولا يُعينهم عليها؛ لأنَّ هذا إعانةٌ على الباطل ..

فاتَّقوا الله عباد الله: واعتزّوا بدينكم، واحذروا سخطَ ربِّكم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} .. {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} ..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..

اللهم صل ..

المشاهدات 1137 | التعليقات 0