نبي الله آدم عليه السلام: ( قصة وعبر )

مبارك العشوان
1436/04/09 - 2015/01/29 22:19PM
إن الحمد لله...أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: لقد أنزل الله تعالى كتابه هداية للناس، ليدبروا آياته ويعملوا بأحكامه، ويتعظوا بمواعظه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمـُؤْمِنِينَ } يونس 57 أنزل الله تعالى فيه الأوامر والنواهي والأخبار؛ وموقف المسلم: امتثال الأمر، واجتناب النهي وتصديق الخبر والاتعاظ به؛ ومن أخبار القرآن رحمــــكم الله: ما قصَّ الله تعالى فيه عن أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
وقد أودعت في قصصهم أنفس الدروس وأعظم العبر، فقد اصطفاهم الله من سائر خلقه، وفي معرفة سيرهم: تنبيه على أهمية الاقتداء بهم، فهم قدوة في إخلاصهم ودعوتهم وجهادهم وصبرهم، قدوة في أخلاقهم وتعاملهم؛ ولهذا لما ذكرهم الله تعالى في سورة الأنعام؛ قال: { أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } الأنعام90 وحديث اليوم عباد الله: عن قصة نبـــي الله آدم عليه السلام، والتي تكررت في القرآن الكريم كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ، فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة 30ـ 39 فضَّل الله تعالى آدم عليه السلام وكرَّمه؛ خلقه بيديه، وعلمه أسماء الأشياء كلها، خلقه من تراب، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وخلق منه زوجه, وأمر الملائكة بالسجود له، سجود تحية وتكريم، لا سجود عبادة؛ فامتثل الملائكة أمر ربهم فسجدوا لم يتخلف منهم أحد إلا إبليس امتنع عن السجود، فقال الله تعالى له: { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ }الأعراف 12-13 منعه الكبر والحسد والكفر والعناد فأخرجه الله من الجنة صاغرا ذليلا مدحورا، وأسكن آدم وزوجه الجنة ورزقهما فيها من الطيبات يأكلان من حيث شاءا ويتمتعان بما أرادا، قال تعالى: { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى }طه 118- 119 فضمن تعالى له استمرار الطعام والشراب، والكسوة، والماء وعدم التعب والنصب. ونهاهما تبارك وتعالى عن شجرة أن يقرباها، وحذرهما جل وعلا من عدوهما إبليس: { إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }طه 117 بدأت عداوة إبليس لآدم وزوجه وذريتهما، وهي عداوة مستمرة إلى يوم القيامة، فطلب إبليس أن يؤخره الله إلى يوم القيامة؛ فأجابه تعالى إلى ما سأل، لحكمة يريدها جل وعلا ولا مُعَقِّبَ لحكمه:{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ، قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكــِرِينَ }الأعراف 14-17 وسوس إبليس لآدم وزوجه ليأكلا من الشجرة فيقعا فيما نهاهما الله عنه، ولم يزل بهما، يزين لهما ويغريهما { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى }طه120{ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } الأعراف20 ويقسم إنه لمن الناصحين؛ قال قتادة: حلف بالله لهما حتى خدعهما. وقد يخدع المؤمن بالله. وكان بعض العلماء يقول: من خادعنا بالله خدعنا. ، أكل آدم وزوجه من الشجرة: { فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا...}الأعراف 22 انكشفت عوراتهما، وكانت مستورةً عن أعينهما، فأخذا ينزعان من ورق أشجار الجنة ويلصقانه عليهما ليسترا عوراتهما.عند ذلك: {...نَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ، قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ، قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }الأعراف 22-25 بادرا بالتوبة إليه سبحانه فتاب عليهما وأمرهم جميعا: آدم وحواء وإبليس أن يهبطوا إلى الأرض، ومن ذلك الوقت إلى يوم القيامة وعداوة الشيطان مستمرة لآدم وذريته، فعليهم أن يأخذوا منه حذرهم ويتخذوه عدوا: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر 6
أعاذني الله وإياكم من الشيطان الرجيم وبارك لي ولكم ...

الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فإن في قصة آدم عليه السلام دروسا وعبرا وإن من أهمها: بيان فضل الملائكة، وثناء الله عليهم بأنه تعالى أمرهم بالسجود فسجدوا كلهم. والملائكة عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم.
كما أن في القصة: بيان خطر المعصية، ومخالفة أوامر الله جل وعلا ؛ فتنبه أخي المسلم لهذا وكن سامعا مطيعا ممتثلا لأوامر الله ورسوله مجتنبا لنواهيه.
وفي قصة آدم عليه السلام بيان خطورة الكبر، وبيان عقوبة المتكبرين؛ فقد كان جزاء إبليس على كبريائه اللعن والطرد من الجنة ذليلاً مهانًا. والكبر صفة ذميمة، ما كانت في أحد إلا أبغضه الله تعالى وأبغضه الخلق قال تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }النحل23 وجاء الوعيد الشديد للمتكبرين ففي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ... ) رواه مسلم.
وفي هذه القصة بيان عداوة إبليس لآدم عليه السلام، وعداوته لذريته، والتحذير من مكائده ومكره وخداعه، قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأعراف27
وفي القصة بيان فضل التوبة: العمل الذي يفرح الله تعالى به ويحبه من عباده ويجازي عليه أعظم الجزاء: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة 222. ألا فالزم التوبة أخي المسلم فهي الطريق لمغفرة الذنوب، وهي طريق أبيك آدم وطريق سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ ذكرها الله تعالى عنهم في
مواضع كثيرة من كتابه، وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من التوبة والاستغفار ويحث عليها ففي الحديث: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم.
وفي قصة آدم عليه السلام: بيان أهمية حفظ العورات، قال القرطبي رحمه الله: وفي الآية دليل على قبح كشف العـورة وأن الله أوجب عليهما الستر، ولذلك ابتدرا إلى سترها.
وقد فرط الناس في هذا كثيرا، وتهاونوا كثيرا، وبالأخص النساء فأصبحن يلبسن القصير والضيق والشفاف، وامتلأت الأسواق بالعاري من اللباس، وقد جاء في الحديث الصحيح الوعيد الشديد على ذلك، ففي صحيح مسلم أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه مسلم.
فاتقوا الله عباد الله فيما تلبسون وفيما تلبسه نساؤكم وما تُلبسون أبناءكم، قوموا بما حملتم من الأمانة فسوف تسألون عنها يوم القيامة .
ثم صلوا وسلموا...
المشاهدات 2109 | التعليقات 0