(نبذة يسيرة عن حياة علامة اليمن محمد بن عبد الوهاب الوصابي رحمه الله)

الفريق العلمي
1436/08/07 - 2015/05/25 07:13AM
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم

(نبذة يسيرة عن حياة علامة اليمن محمد بن عبد الوهاب الوصابي رحمه الله)

(نسخة منقحة ومزيدة)

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -أما بعد: فهذه نبذة يسيرة ذكرت فيها –بفضل الله- عشر خصال من خصال الخير مما عرف به شيخنا ووالدنا علامة اليمن ومفتيها العالم المربي المحدث الفقيه الزاهد الصبور أبي إبراهيم محمد بن عبد الوهاب الوصابي –رحمه الله- أقول فيها مستعينا بالله:

أولا: السبق في الدعوة إلى الله ونشر التوحيد والسنة في ربوع اليمن، فقد قضى في سبيل الدعوة عمرا ودهرا وتحمل في سبيل ذلك المشاق والمتاعب والشدائد من بداية شبابه حتى وفاته –رحمه الله- فقد كان خروجه إلى اليمن للدعوة إلى الله قريبا من خروج شيخه الإمام المجدد الوادعي -رحمه الله- فقد كان خروج العلامة الوصابي -رحمه الله- عام (1398هـ) وهو في نحو الثانية والعشرين من عمره، بعد أن تلقى العلم في (مكة) و (المدينة) سبع سنين، وكان خروج شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- عام (1399هـ)

فقام الشيخان –رحمهما الله- سويا بتجديد ما اندرس من معالم التوحيد والسنة وبمحاربة الشركيات والبدع المتلاطمة التي خيمت على البلاد اليمنية هنا وهناك منذ مئات السنين، يصعدان الجبال ويهبطان الأودية هنا وهناك في طرق جبلية فرعية وعرة من أجل نشر السنة والتوحيد وتخليص الناس من العقائد المنحرفة، العلامة الوصابي يقود السيارة والإمام الوادعي راكب بجواره، كما صنعا هذا في رحلتهما إلى (وصاب) حدثنا العلامة الوصابي بذلك.

فالعلامة الوصابي من أول إن لم يكن أول من ناصر الإمام الوادعي –رحمهما الله- وساعده وشد عضده في الدعوة إلى الله ونشر السنة في أرجاء اليمن، في الوقت الذي كان الإمام الوادعي –رحمه الله- فريدا أحوج ما يكون إلى المناصرة والمؤازرة، ثم بسبب تفرغ الإمام الوادعي –رحمه الله- للعلم والتعليم تخرج على يديه المشايخ والعلماء الآخرون، وانتشرت السنة في أرجاء اليمن –بفضل الله-

وقد كان الإمام الوادعي -رحمه الله- يعرف هذا المعروف والمناصرة له من العلامة الوصابي –رحمه الله- فكان يجله إجلالا عظيما وكان بينهما من تبادل الاحترام والتقدير البالغ الشيء العظيم، فالمودة بينهما وما زالا سويا يطلبان العلم في (المدينة النبوية)

ومن ذلك أن العلامة الوصابي كان إذا وصل (دار الحديث بدماج) ترك له الإمام الوادعي جميع الدروس العامة بعد الظهر وبعد العصر وبين مغرب وعشاء، وربما استمر العلامة الوصابي اليومين والثلاثة والإمام الوادعي جالس بين يديه من جملة الطلاب تقديرا له وإجلالا يستمع لتلك الدروس والفتاوى القيمة المدعمة بالدليل والبرهان.

وكان الإمام الوادعي -رحمه الله- في رحلاته الدعوية كثيرا ما يحيل الإجابة عن الأسئلة على العلامة الوصابي –رحمه الله- ويبقى الشيخ من جملة المستمعين، بل قال ذات مرة في الدرس العام: «لو أنصفت الحكومة اليمنية لجعلته مفتياً لليمن».

ونصح في (أسئلة بريطانيا) بالرجوع إلى كبار العلماء وسمى ابن باز والألباني والعباد والوصابي.

وقال في (تحفة المجيب) (210): «وكما قلنا قبل، مكاتبة كبار العلماء: مثل الشيخ الألباني والشيخ ابن باز، ومن كان على شاكلتهما مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب».

ووصفه بقوله: «محمد بن عبد الوهاب: شيخ التوحيد والحديث والفقه والأخلاق الفاضلة والزهد والورع، وهو المربي الرحيم، وهو الداعي إلى جمع كلمة المسلمين، المحذر من الحزبية المساخة، وهو الصبور على الفقر والشدائد، وهو الحكيم في الدعوة، يحب سلف الأمة، ويبغض المبتدعة كل بقدر بدعته».

كما أن العلامة الوصابي –رحمه الله- كان هو النائب عن الإمام الوادعي في (دار الحديث بدماج) في الفترة التي مكثها هناك من عام (1408هـ إلى 1412هـ) ودرس في خلالها (الرسالة) للشافعي، و (الدراري المضية) للشوكاني، و (شرح الطحاوية) لابن أبي العز.

ثانيا: اهتمام العلامة الوصابي –رحمه الله- العظيم بالتوحيد الذي هو أصل الأصول، وأوجب الواجبات، وأفرض الفرائض وأعظمها، ودعوة الأنبياء والرسل، ومهمتهم الكبرى ووظيفتهم العظمى التي بعثهم الله من أجلها.

فقد كان العلامة الوصابي –رحمه الله- كثير العناية بالدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشركيات والبدع، التي كانت قد خيمت على كثير من البلاد اليمنية منذ مئات السنين، من دعاء الأموات والذبح والنذر لهم من دون الله، والذهاب إلى السحرة والمشعوذين وتعليق الحروز والتمائم، إلى غير ذلك من الخرافات والشركيات، التي كان يصول بها دعاة الشرك والخرافة في المجتمع لا تكاد ترى لهم رادع، ولا لأنوفهم جادع، ولا لبدعتهم كاشف أو قارع.

فاهتم العالمان الجليلان الوادعي والوصابي –رحمهما الله- غاية الاهتمام بهذا الجانب العظيم من جوانب الإسلام، تأليفا وتعليما ووعظا وإرشادا، فبالنسبة للعلامة الوصابي –رحمه الله- فمحاضراته في هذا الباب بالعشرات إن لم تكن بالمئات، يجوب بها القرى والمدن والأرياف هنا وهناك، بل وأوصى في وصيته–رحمه الله- أهل السنة بالاهتمام بالتوحيد، فهو داعية التوحيد وحامل رايته حقا.

وبهذا الجهد العظيم المبارك في نصرة التوحيد من العلامة الوصابي –رحمه الله- رفع الله به راية التوحيد وقمع به الشركيات والخرافات وكثيرا من رؤوس البدعة والدجل والشعوذة والخرافة غاية القمع، وصاروا في غاية من الذلة بفضل الله، بعد أن كانوا هم القادة والسادة، وبالأخص في بلاد تهامة التي كانت مرتعا خصبا لشتى أنواع الشركيات والخرافات بسبب تمكن الدعوة الصوفية القبورية منها.

كما نفع الله بكتاب العلامة الوصابي القيم (القول المفيد في أدلة التوحيد) ونصر به التوحيد لا سيما في اليمن نصرا ونفعا عظيما جدا، وقد قرئ كاملا على سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله- فأعجب به وأوصى بطبعه مجانا، غير أنه حال بين تنفيذ هذا الأمر بعض الناس –هداهم الله- حدثنا بذلك العلامة الوصابي –رحمه الله-

وهذا الكتيب القيم من الكتب المقررة في (دور الحديث السلفية في اليمن) يدرسه الطلاب البادئون في الطلب ويحفظه الكثير منهم عن ظهر قلب، ويقوم طلبة العلم بتدريسه لعامة الناس حين خروجهم للدعوة إلى الله هنا وهناك، ولو لم يكن للشيخ من الحسنات الجارية بعد موته إلا هذا الكتاب النافع المبارك لكان كافيا، كيف ومؤلفاته القيمة بلغت نحو الثمانين مؤلفا!

ثالثا: شدة اتباعه للسنة وتمسكه بالدليل وبعده عن التقليد، فقد كان العلامة الوصابي –رحمه الله- من المعروفين بقوة الاتباع للسنة وتحري الدليل فيما نحسبه والله حسيبه، وذلك ظاهر عليه في لباسه ومعاملته وتصرفاته، ودروسه ونصائحه الكثيرة في الحث على التمسك بالسنة ناطقة بذلك –رحمه الله-

ولم يكتف بذلك حتى جعل الحث على التمسك بالسنة في وصيته –رحمه الله- ومواقفه في هذا كثيرة، ومن ذلك قوله في محاضرة له: السنة أن يكون المهر (500) درهم، بما يعادل (5000) ريال يمني، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وأهل السنة يكونون في المقدمة، وأنا ولله الحمد قد طبقت هذا في بناتي (5000) ريال، أقول له هذا هو المهر، ... نطبق السنة ونحرص على أن نكون سنيين بالقول وبالعمل، وهذا يعتبر دعوة، التطبيق العملي دعوة إلى الخير وبركة والله)

مع أن هذا المبلغ زهيد جدا فالمهور في اليمن تصل في بعض البلدان إلى نحو المليون، لكن هكذا حب التمسك بالسنة واقتفاء آثار رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-

وقد شهد للعلامه الوصابي –رحمه الله- بهذه المنقبة الجليلة وبغيرها من المناقب شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- بقوله عنه في تقديمه لكتابه المبارك (القول المفيد): «امتيازاته:

1-محبته الشديدة للسنة.

2-اهتمامه بالعقيدة.

3-الفهم الصحيح في استنباط الفوائد.

4-البغض الشديد للحزبية المقيتة التي فرقت المسلمين.

5-إذا ظهر له الحق عض عليه بالنواجذ، ولا يبالي بمن خالفه كائنا من كان، وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم.

6-محبته الشديدة للسنة وكراهيته للمبتدعة.اهـ

والتمسك بالسنة والبعد عن التقليد والعض على الدليل بالنواجذ مزية لعلماء السنة في اليمن من زمن قديم، قال الإمام الشوكاني –رحمه الله- في كتابه "البدر الطالع“ (2/83) عن علماء اليمن: «ولو لم يكن لهم من المزية إلا التقيد بنصوص الكتاب والسنة وطَرْح التقليد، فإن هذه خصيصة خَصَّ الله بها أهل هذه الديار في الأزمنة الأخيرة، ولا توجَد في غيرهم إلا نادراً». اهـ

رابعا: لقد أكرم الله على مَرِّ التاريخ علماء أهل السنة المتجردين للدليل العاملين بعلمهم بقوة البصيرة والفرقان العظيم بين الحق والباطل، فهم أكثر الناس صوابا وأدقهم نظرا وأدركهم للفتن وخباياها.

فالمؤمن كما قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- كالمرآة الصافية تبدو فيها غرر الحقائق على ما هي عليه، فلا تكاد تخطئ له فراسة "الروح“ (ص539).

وقد كان العلامة الوصابي –رحمه الله- ممن أعطاه الله بصيرة نافذة من أول وهلة في الفتن والأحداث الدخيلة على الدعوة السلفية، وهذا يدل على صفاء سريرته ورسوخ علمه فيما نحسبه والله حسيبه، قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: «فمفاسد البدع لا يقف عليها إلا أرباب البصائر، والعميان ضالون في ظلمة العمى، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور» "مدارج السالكين“ (1/224)

وروى الإمام ابن سعد –رحمه الله- في "الطبقات“ (7/166) بإسناد صحيح عن الإمام الحسن البصري –رحمه الله- أنه قال: «إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل».

وقد وصف الإمام الوادعي-رحمه الله- العلامة الوصابي –رحمه الله- بأنه (محنك خبير بالحزبية) (تحفة المجيب) (189)

وصدق الإمام الوادعي –رحمه الله- فقد جاءت فتنة السرورية المتمثلة في جمعيتي الحكمة والإحسان وكان العلامة الوصابي –رحمه الله- من أول من تفطن لهذه الفتنة وحذر منها، حتى شهد له الإمام الوادعي –رحمه الله- بقوله: «قد نفع الله به وهزم به البدع كلها، فدوخ الحزبيين، ودوخ أيضا المبتدعة والصوفيين، والحمد لله، وهكذا أيضا السروريين وأصحاب جمعية الحكمة فضحهم –أسأل الله أن يبارك فيه- داعية حكيم، فهو الذي تنبه لهم قبلي جزاه الله خيرا» شريط "أسئلة أهل تهامة“.

وقد حصل للعلامة الوصابي –رحمه الله- مع السرورية صولات وجولات يطول المقام بذكرها، حتى سعى عقيل المقطري لمحاكمته في المحكمة، ولما علم الإمام الوادعي -رحمه الله- بذلك غضب جدا وأخرج في ذلك شريطا دعا فيه على المقطري ثلاثا بأعلى صوته، بقوله: «قطر الله دمه، قطر الله دمه، قطر الله دمه، أيريد أن يحاكم أبا إبراهيم!!!».

وبعد وفاة الإمام الوادعي –رحمه الله- ظهرت فتن كثيرة ومن أشهرها فتنة أبي الحسن ثم فتنة الحجوري وكان أعظم من تصدى لهما وكشفهما من أول وهلة من علماء أهل السنة في اليمن بكل قوة ومتانة ذاكم الجبل الأشم والصخرة الصماء التي تتحطم عليها زجاج الشبهات، الذي شرق به المبتدعة في اليمن، الوالد العلامة الوصابي –رحمه الله-

فقد أخرج في أبي الحسن ثلاث رسائل كشفت حقيقة فتنته للناس، ولم يكتف بذلك حتى طاف عدة محافظات لجمع كلمة أهل السنة والتحذير من الفرقة التي سببتها فتنة أبي الحسن وينقض في هذه الرحلة أصول أبي الحسن الفاسدة بكلام علمي رصين متين كأنه الدر والياقوت! يدل على رسوخه في علم الكتاب والسنة، يرافقه في هذه الرحلة بقية مشايخ أهل السنة في اليمن –حفظهم الله- ويا لله ما أعظم بركة تلك الرحلة وما أعظم نفعها لدعوة أهل السنة وأجمعها لكلمتهم! وكم له من الجهود في جمع كلمة أهل السنة والتأليف بين قلوبهم، ولن يضيع الله هذه الجهود المباركة وأمثالها للعلامة الوصابي –رحمه الله- سدى، بل الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: (ونكتب ما قدموا وآثارهم)

خامسا: الفهم الدقيق النافذ، فقد كان –رحمه الله- ذا فهم قوي وفقه عجيب وجمع للشوارد وشتات المسائل في مكان واحد! فهو في هذا الباب خريت ماهر –رحمه الله- ومن سمع فتاواه وحضر مجالسه ودروسه واستنباطاته القيمة ومواقفه السديدة في الفتن عرف هذا، وقد شهد له الإمام الوادعي –رحمه الله- بقوله عنه –رحمه الله-: «مؤلفاته ودروسه تدل على فهم دقيق دقيق جداً» "غارة الأشرطة“ (1/228).

كما أنه كان يتمتع بقوة الذاكرة، فتجده يذكر أحداثا وقصصا لها عشرات السنين ربما قد نسيها أصحابها، وهو يذكرها –رحمه الله-

سادسا: شجاعته في الصدع بكلمة الحق في النوازل وغيرها دون أن يخاف في الله لومة لائم، وهذه هي الشجاعة كما قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: الشجاعة ثبات القلب عند النوازل "الفروسية“ (ص 129)

فقد كان العلامة الوصابي –رحمه الله- في هذا الباب مقداما شجاعا، فقد كان يتكلم في الفتن والنوازل بكل شجاعة وإقدام، بما يقربه إلى الله دون أن يخاف في الله لومة لائم! في الوقت الذي أحجم غيره عن الكلام فيها، فرحمه الله ما أقوى جأشه! وما أثبت جنانه!

ويصدع بكلمة الحق والدعوة إلى التوحيد في أوساط جحافل الصوفية القبورية الذين يستحل بعضهم دماء أهل السنة!

ويأتي–رحمه الله- إلى (دماج) يلقي النصائح والدرر على الحاضرين بكل قوة وثبات قلب بما فيهم شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- قائلا: أنصح الشيخ الوالد بكذا وكذا. وهكذا دواليك.

وقد شهد للعلامة الوصابي –رحمه الله- بهذه المنقبة شيخه الإمام الوادعي –رحمه الله- حيث قال في صدد ذكر مميزات العلامة الوصابي: إذا ظهر له الحق عض عليه بالنواجذ، ولا يبالي بمن خالفه كائنا من كان.

سابعا: إجلاله البالغ العظيم للعلماء، وتربيته لطلاب العلم على ذلك، فقد كان كثير الإشادة بعلماء أهل السنة والجماعة السابقين منهم واللاحقين وبيان محاسنهم والدفاع عنهم والإرشاد إليهم، سواء كان ذاك العالم يمنيًا أم نجديًا أم حجازيًا أم شاميا لا فرق عنده في ذلك.

وبالأخص من العلماء المعاصرين، علماء الأمة الأربعة واللجنة الدائمة والفوزان والعباد والمدخلي ومن نحا نحوهم من علماء أهل السنة، -رحم الله ميتهم وحفظ حيهم- مثنيا عليهم كثيرا بالاسم، مغترفا من نصائحهم وفتاواهم، وناصحا بالسير على طريقتهم والالتفاف حولهم، وقبل وفاته بأيام أخرج منشورا أثنى فيه على ثلة من خيار العلماء المعاصرين –حفظهم الله-

وكان ارتباطه –رحمه الله- بكبار العلماء من زمن قديم من بداية شبابه، فسماحة الإمام ابن باز –رحمه الله- هو الذي عقد للعلامة الوصابي –رحمه الله- بزوجته الأولى، وحضر وليمة هذا العرس.

وكان الإمام الوادعي –رحمه الله- يعلم الناس في (المدينة النبوية) صلاة رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويقوم العلامة الوصابي آنذاك بالصلاة وسط الحلقة لتعليمهم الصلاة عمليا.

كما كان العلامة الوصابي –رحمه الله- شديدا على الذين يتطاولون على العلماء كثير التقريع والتوبيخ لهم، وأشرطته في هذا الباب كثيرة جدا بحمد الله، بل وعقد بعض الدورات بأكملها حول هذا الأمر، وقد لقي من الأذى وتطاول السفهاء من أجل هذا الأمر ما لقي –رحمه الله-

ثامنا: حرصه الشديد على طلب العلم وتقييد الفوائد، فهو حريص جدا على طلب العلم واقتناص الفوائد، فقد رحل عام (1404هـ) إلى محدث العصر الإمام الألباني –رحمه الله- وألقى عليه مائة سؤال، لم يكن الجواب عنها في كتب الإمام الألباني –رحمه الله- أجابه عنها الإمام الألباني –رحمه الله- في (أربعة أشرطة أو خمسة)

كما كان يتتبع دروس ومجالس هذا الإمام إذا نزل إلى السعودية، وبالمقابل كان الإمام الألباني –رحمه الله- يحترم العلامة الوصابي –رحمه الله- ويقدره، ففي بعض المجالس في مدينة (جدة) جعل الإمام الألباني –رحمه الله- يقدم التمر للعلامة الوصابي –رحمه الله- ويقول له: كل يا شيخ محمد هذا تمر برني.

ومن تواضع العلامة الوصابي –رحمه الله- وحرصه على العلم أنك تجد عنده القلم والدفتر لتقييد الفوائد من المشايخ هنا وهناك عند ذهابه للحج أو العمرة، لا يأنف من ذلك ولو كان المتحدث دونه في العلم! ويوصي طلابه بذلك.

تاسعا: التواضع الجم الذي كان يتحلى به، فالعلامة الوصابي –رحمه الله- رغم ما كساه الله به من المهابة والسمت، لكنه ذو تواضع وانبساط جم وخلق رفيع وبالأخص لطلاب العلم، فيما نحسبه والله حسيبه، تجده يتحدث مع الزائر ومع عامة الناس بكل بساطة ولين وبشاشة، يسأل الزائر عن كذا وكذا بما يناسب حاله! وعن وفلان وفلان وبالأخص من القائمين بالدعوة يتفقد أحوالهم، ويسأل عن الدعوة في بلاد الزائر، ويوصيه بالسلام على فلان وفلان وبالأخص من القائمين بالدعوة والمناصرين لها، ويحل إشكالاتهم التي يطرحونها عليه ويبعث إليهم بالنصائح والتوجيهات، إلى غير ذلك، والأخبار عنه في هذا كثيرة -رحمه الله-

وهو بهذا شبيه بشيخه سماحة الوالد الإمام ابن باز –رحمه الله- فقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد-وفقه الله- في كتابه "جوانب من سيرة الإمام ابن باز“ (ص 261-262) عن الإمام ابن باز –رحمه الله-:كثرة السؤال عن أهل العلم: فكان كثير السؤال عنهم، والاتصال بهم؛ فإذا جاءه-على سبيل المثال-أحد من الأردن سأله عن الشيخ الألباني، وإذا جاء أحد من أهل المدينة سألهم عن الشيخ عبدالمحسن العباد، أو الشيخ حماد الأنصاري، أو الشيخ عمر فلاتة –رحمهما الله- وغيرهم من أهل العلم في المدينة.

وإذا قدم عليه أحد من أي بلد سأله عن أهل العلم الذين يعرفهم سماحته، أو يسأله عن أهل العلم الموجودين عندهم.

وكذلك الحال بالنسبة لمن يأتون من خارج البلاد؛ حيث يسأل عن أهل العلم، ويوصي بنقل السلام إليهم، وربما حمل من يأتيه رسالة إليهم، وربما سألهم: من عندكم من أهل العلم، وما نشاطهم في العلم والدعوة؟

وكان يأخذ عنواناتهم، ويراسلهم، ويوصيهم بالعناية بالدعوة إلى الله، ويقول: نحن مستعدون للتعاون معكم بما يخدم الدعوة. اهـ

عاشرا: صفة الورع من الصفات العظيمة التي عرف بها العلامة الوصابي –رحمه الله- فقد كان ذا ورع عظيم فيما نحسبه والله حسيبه، فقد رفض الدنيا بحذافيرها واختار أن يعيش على الحالة التي هو التي عاش عليها دون أن يدنس دعوته بشيء من حطام الدنيا كما صنع غيره من أصحاب الجمعيات، ولو أراد الدنيا لأغدقوها عليه، لكنه رفضها وركضها برجله بل وحذر من ممن باع عقيدته من أجلها –رحمه الله- ويقول –رحمه الله-: معاذ الله أن نبيع ديننا بدنيانا للجمعيات أو لغيرهم كما فعل أبو الحسن.

وهكذا ورعه ومراقبته لله في باب التصحيح والتضعيف، فقد سمعته -رحمه الله- ذات مرة في دماج في بداية طلبي للعلم هناك يذكر أنه انقطع عن التأليف أربع سنوات يستخير ويدعو ويحج في كل عام منها ويدعو الله سبحانه وتعالى أن يختار له ما فيه الخير هل يميل في التصحيح والتضعيف إلى التساهل أم إلى التشدد! –لأنه كان عنده تشدد في هذا الباب- قال وكلما لقيني الشيخ مقبل خلال هذه المدة يقول لي: ماذا عندك يا أبا إبراهيم؟ فأقول له: دعني وربي، قال: ثم بدا لي بعد ذلك أن أميل إلى التساهل شيئا ما.

سبحان الله! ما أعظمه من ورع ومراقبة لله عز وجل! وبهذا الورع العظيم وأمثاله رفع الله شأن العالم الجليل -رحمه الله- وبارك الله في دعوته وجعل لكلامه ونصائحه وفتاويه الثقل الكبير والوقع العظيم في قلوب أهل السنة.

وختاما: قد مات هذا العالم الجليل بعد مرض عضال ألم به وأنهك بدنه، ونرجو أن هذا تطهير له من الذنوب ورفع لدرجاته عند علام الغيوب سبحانه وتعالى، وقد ثبت عند ابن ماجه وغيره عن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى العبد على حسب دينه».

وقد أكرم الله هذا العالم الجليل قبل وفاته بأن يسر له أمر العلاج في وقت حرج تيسيرا عظيما، فقد سخر له من الأمراء من تعاونوا معه ويسروا له سبل العلاج، جعل الله ذلك في ميزان حسناتهم، ثم قبل وفاته ودخوله في الغيبوبة تيمم للصلاة –رحمه الله- ثم أغمي عليه فلم يفق حتى انتقل إلى ربه سبحانه وتعالى، في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، بتاريخ (10/رجب1436هـ) عن إحدى وستين عاما، وصلي عليه في مسجد السلام في (الرياض) وشهد جنازته جمع غفير من الصالحين وطلاب العلم.

وبعد وفاته رئي على وجهه النور والنضارة والإشراق كأنه مبتسم كما شهد بذلك غير واحد ممن شاهده من الثقات، كما رؤيت له بعض البشارات الطيبة والرؤى الحسنة.

وختاما: هذه نصيحة أوجهها لطلاب الوالد العلامة الوصابي –رحمه الله- النجباء، أن يقوموا بنشر علمه وبالأخص المكنوز في أشرطته، وذلك بتفريغها ثم ترتيبها كاملة ونشرها بعد ذلك، فهذا أعظم ما نبر به الشيخ–رحمه الله- بعد وفاته، وقد لمسنا في هذه الآونة الأخيرة اهتماما طيبا بنشر فتاوى وعلوم الشيخ –رحمه الله- القيمة عن طريق الواتس اب، ورأينا فيها الدرر القيمة، فليواصلوا في هذا العمل الجليل القيم، محتسبين الأجر من الله تعالى.

والطالب النبيل الذي يخلفه العالم قد يكون نفعه لشيخه أعظم من كثير من أقاربه ممن لم يبلغ هذه المنزلة، فكيف وهناك من أقارب الشيخ وأبنائه من هو أهل للقيام بهذا العمل الجليل! فهم أولى بهذا العمل والبر بالشيخ من غيرهم، قال الإمام ابن جماعة –رحمه الله-: «واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم بخيري الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه؛ ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم، ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر».

وعلى كل حال هذه رؤوس أقلام فقط عن بعض المزايا المتعلقة بوالدنا العلامة الوصابي –رحمه الله- وإلا فله مناقب كثيرة لم أذكرها هنا كالزهد والصبر والحكمة في الدعوة والتربية وغير ذلك من الخصال الحميدة البارزة فيه، وقد بلغنا أن بعض طلابه الأفاضل الملازمين له قام بكتابة ترجمة له، أسأل الله أن ييسر له القيام بحقها وإخراجها في صورتها اللائقة بها، حتى يستفيد منها طلاب العلم وتكون نبراسا يستفيدون منه في حياتهم -بإذن الله-، فأخبار العلماء الربانيين كما قال بعض العلماء: جند من جنود الله يثبت بها قلوب أوليائه، وقد قال الله لنبيه –عليه الصلاة والسلام- (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)

وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه/ نورالدين السدعي، (15/ رجب/1436هـ)[/align]
المشاهدات 1652 | التعليقات 0