نَاشِئَةُ اللَّيْلِ ( 1442/6/2هـ )

يوسف العوض
1442/05/28 - 2021/01/12 11:37AM

الخطبة الأولى : 

أيُّها المُؤمِنون : قَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ ) . رواه التِرمذي وحسنَّه الألبانِي .

قَوْلُه (فإنه دَأْبُ الصالحين) أَي عَادَتُهُم وَشَأْنُهُم ، وقَوْلُه (وهوٌ قُرْبَةٌ إلَى ربِّكم) أَيْ مِمَّا يُتقٓرّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وقَوْلُه (ومٓكفٓرٓة للسيئات) أَيْ إنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ تكفيرٌ لِلسَّيِّئَات ، وقَوْلُه (ومنهاة عَن الإثم) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (ومنهاة للإثم) أَي يَنْهَى عَنْ ارْتِكَابِ الإثْمِ ) .  

وروى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللهُ عًنهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ) . وحَسَّنَهُ الأَلبَانِي في صَحِيحِ التِرمِذي .

 

ولعلَّك أَخِي المُؤمنُ قَرَأْتَ وَسَمِعْتَ مِرَارًا وَصِيَّةَ الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم : (عليكم بِقِيَامِ اللَّيْلِ ؛ فإنّه دَأْب الصّالحين قَبْلَكُم ، وَقُرْبَهُ إلَى ربّكم ، وَمُكَفِّرَةٌ للسيّئات ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ ، وَمَطْرَدَةٌ للدّاء عَن الجسد) ، لكنْ لعلّه قَد تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِك وَأَنْتَ تَقْرَأُ أَوْ تَسْمَعُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، أنّ قِيَامَ اللّيلِ قُرْبَةٌ يختصُّ بِهَا الصّالحون الَّذِين قَطَعُوا أَشْوَاطًا طَوِيلَة عَلَى طَرِيقِ الصّلاح ، وَهَذَا مِنْ حُجَج النّفس الَّتِي تَهْوَى الرّاحةَ وَتَمِيلُ إلَى التملّص مِن التّكاليف والقربات،لأنّ آيَاتِ الحثِّ عَلَى قِيَامِ اللّيل فِي الْقُرْآنِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ المزمّل : (  يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً ) كَانَتْ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ عَلَى النبيّ عَلَيْه الصّلاة والسّلام ، بَل إنّ قِيَام اللَّيل شُرع قَبْلَ فَرْضِ الصّلواتِ الْخَمْسِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أنّه كَانَ مَفْرُوضًا عَلَى النبيِّ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلّم وَأَصْحَابِهِ فِي بِدَايَةِ الدَّعوة ، ثمّ نُسِخَ الْوُجُوبُ إلَى السُنيِّة بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا إنْ دلَّ عَلَى شَيْءٍ فإنّما يَدلُّ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ وَأَثَرِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي غَفَلَ عَنْهَا أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الزّمان ، وَغَفَلُوا عَنْ ثَمَرَاتِهَا الَّتِي مِنْ أَعْظَمِهَا تَثْبِيتٌ الْقُلُوبِ ، وَشِفَاءُ الْأَنْفُسِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَبْدَان . 

أيُّها المُؤمِنون : إنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ وَقُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يُدْرِكُهَا إلَّا مَنْ عَلِمَ حَقَارَةَ الدُّنْيَا ، وَأَنَّهَا مَتَاعٌ زَائلٌ حَقِيرٌ ، ولمن سَمِعَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَٰقَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَٰعٌ وَإِنَّ ٱلْآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَرَارِ ) ، فَبَاعَ دُنْيَاه الْفَانِيَةَ بأخراه الْبَاقِيَةِ .

يَقُول الْعَلَّامَةُ ابْنُ سَعْدِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ قَولهِ تَعَالى:( إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْـًٔا وَأَقْوَمُ قِيلاً ): أيٍْ الصَّلَاةُ فيه بَعْدَ النَّوْمِ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ مقصودِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، يَتَوَاطَأ عَلَى الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ،وَيَفْهمُ مَا يَتْلُو مِنْ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ بِخِلَافِ النَّهَارِ لِكَثْرَةِ الشَّواغلِ) انْتَهَى . 

الخطبة الثانية :
أيُّها المُؤمِنون : رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : (هل مِنْ تَائِبٍ فأتوبَ عليه) ، وَفِي أُخْرَى : (من الَّذِي استرزقني فأرزقَه،مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فأكشفَ عنه) ، زَادَ مُسْلِمٌ : (حتى يَنْفَجِرَ الفجرُ) . 

أَتَسْمَعُون نِدَاءَ الرَّحْمَنِ ، أَتَسْمَعُون نِدَاءَ الْمَلِكِ الديّاَنِ ، أَتَسْمَعُون أَمِ الْقُلُوبُ غَافِلَةٌ لَاهِيَةٌ ، مَنْ الَّذِي يُنَادِي عَلَى عِبَادِهِ إنَّهُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ ، إنَّه جَابرُ المُنكسرين ، ومُعينُ الذَّليلين ومُقيلُ المُتعثِّرين 
أيُّها المُؤمِنون : اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ يُبَيِّنُ أنَّهُ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْقِيَامَِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ ، ذلكَ أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ لِسُكُون الْقَلْبِ وَعَدَم اِنْشِغالِه بِغَيْرِه ، وَيُشَوِّقُهُم لِلِقَائِه وَقُرْبهِ وَمُنَاجَاتِه ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى طَلَبِ فَضْلِه وجُودِهِ قال تعالى :( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( مَنْ قَامَ بعَشْرِ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ منَ الغافلينَ، ومَنْ قامَ بمائةِ آيَةٍ كُتِبَ منَ القانتينَ،ومَنْ قامَ بألفِ آيةٍ كُتِبَ منَ المُقَنْطَرِينَ ) رواه أبو داود وحسَّنه ابنُ حَجرٍ لشَواهدِه.

 

 

 

المشاهدات 840 | التعليقات 0