مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم 1131463هــ
محمد سعيد الهاشمي
1436/03/10 - 2015/01/01 17:19PM
مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم
1131436 هــ
فعندما غابت شمس النبوات عن الكرةِ الأرضية اشتدّ الظلام وعظم الضلال وازداد الشر وانحرفت العقول وانطمست البصائر وبات الناس كما قال الله تعالى: (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) الأنعام: 74
يعبدون أهواءهم، ويحتكمون لِشهواتهم، ويأكلون ضعيفهم، لا عدالة تقام ، ولا عرض يصان .
تصور عبد الله أنك تعيش في مجتمع يعظّم الأصنام وينتهك الحرمات ويتمادح بالمظالم وتغشاه الحروب والعداوات لأسباب تافهة ، قد اجتاحته براثن الجاهلية، فألقته في مستنقع من الكبرياء والسفه والاعوجاج.
في مثل هذا المجتمع تشحّ العقول الزكية، وعنه تختفي الفطر السليمة، فلا توحيد خالص ، ولا استقامة صحيحة.
وما إن يظهر الرجل المستقيم والعقل الزكي إلا وينال منه، ويُسخر به، ويتعجب له ومن منهاجه.
روى البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العُطاردي وهو يصوِّر سخافة الوثنيّة التي كانت تعيشها الجاهلية قبل الإسلام ويقول: (كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخيرَ ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جَثوةً من تراب، ثم جئنا بالشاة فبالت عليه، ثم طفنا به).
وهكذا فإن كل مجتمع كافر يخلو من نور النبوة مصيره إلى الضياع والهلاك ، فلا يُستغرب تدينه بالباطل وتعلقه بالسفه وركضه وراء الشهوة وتخييم النكاد والتطاحن بين أهله وأفراده.
فكان العالم قبل الإسلام شقاء في شقاء ودمارًا في دمار، يحتاج إلى مصلح يضيء له نور السعادة، ويفتح له منافذ النجاة، فكان من رحمة الله تعالى أن شعّت من غار حراء نسمة مباركة ، تجللت بالهدى والنور، وتحلت بالخير والسماحة ، وكانت فاصلاً بين دهر غصّ بالشرور والموبقات ودهر مُلئ بالأفراح والمسرات.
وُلدت الحياة ميلادًا جديدًا من غار حراء الذي أعلن بزوغ النبوة وإشراق خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فتنسمت الحياة ، وأشرقت التلال واستنار الكون.
لقد كانت بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم رحمة بعد ظلماء، وجمعًا بعد شتات، وحياة بعد ممات، وفرجًا بعد كرب ومأساة ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء: 107
وكانت منةً على أهل الإيمان، زكت نفوسهم، ورفعت أقدارهم، وأصلحت حياتهم وشؤونهم، )لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ )آل عمران: 164
أيها الإخوة الكرام، في هذا الشهر شهر ربيع الأول وُلد رسولنا صلى الله عليه وسلمفكان مفتاح الخيرات والبركات للبشرية جمعاء، وأيقن أهل الإيمان برسالته وبفضله وعظمته، وجعله الله تعالى حجة على العالمين وقدوة للناس أجمعين، يهتدون بهديه ويستنون بسنته.
فنسخ الله به كلَّ الشرائع، نسخ الله بشريعته كلَّ الشرائع، وألزم الخلقَ طاعتَه، وحكم على من خرج عن شريعته بالخسارة في الدنيا والآخرة: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ) ال عمران:85
ويقول صلى الله عليه وسلم : ((لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار))
لأن الله جل وعلا ختم برسالته كلَّ الرسالات، (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيّينَ ) . الاحزاب :40
أيها المسلم، ولنبينا صلى الله عليه وسلم علينا حقوق كثيرة، فمن أعظم حقه الإيمان به، أن نؤمن به، ونصدق رسالته، ونعتقد أنه عبد الله ورسوله، أرسله الله إلى الخلق كلهم.
ومن حقه علينا أن نسمع ونطيع له، فإن طاعته طاعة لله، (مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ ) النساء:80
وطاعته سبب للهدى، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ) النور:54
ومن حقه علينا أن نحكِّم سنته، ونتحاكم إليها، ونرضى بها، وتطمئن بها نفوسنا، وتنشرح لذلك صدورنا، (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيما ) النساء :65
وإذا أمر بأمر أو حكم بحكم نقبله وليس لنا خيرة في ذلك، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) الاحزاب :36
إن طاعته سبب لدخول الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى))، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى )
أيها المسلم، إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوانُ الإيمان، محبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة الصادقة، بأن تحبَّه محبةً فوق محبة نفسك التي بين جنبيك، قال عمر: يا رسول الله، والله إنك لأحب الناس إليَّ إلا نفسي، قال: ( لا والله، حتى أكون أحب إليك من نفسك )، قال: لأنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: (الآن يا عمر)
وأخبر صلى الله عليه وسلمأن محبته محبة فوق محبة الولد والوالد فقال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده)
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن العبد لا ينال كمال الإيمان حتى يحب هذا النبي محبة فوق محبة الأهل والناس أجمعين، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله والناس أجمعين )
أيها المسلمون، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم ( ماذا أعددت لها) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت).
فابشروا وأمّلوا، فإن المحبة من أكبر دوافع العمل والترك، ودليل المحبة الإتباع ,وأحب الناس إليه من أمته من كان متبعاً لسنته سائراً عليها بعيداً عن البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان .
لأن الأصلُ في عباداتنا أن تكون خالصةً لله، وأن تكون على وفق ما دل الكتاب والسنة عليه، فكل عبادة نتعبَّدها لا أصل لها في سنة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها عبادة باطلة؛ لكونها غيرَ موافقة لسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن أصحابه الكرام أقرب الناس إليه، عاشوا معه وعرفوا هديَه، وعرفوا عبادتَه، فكل عبادة ما تعبَّدوها فلنعلم أنها عبادة على غير هدى، إذ لو كانت عبادة حقاً لكانوا أولى الناس بها، )وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) . التوبة : 100
بارك الله لكم في القران ..............
الخطبة الثانية
أيها الإخوة الكرام، بكى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا :ما يبكيك يا رسول الله ؟قال: اشتقت لإخواني قالوا: اولسنا إخوانك يا رسول الله قال: لا انتم أصحابي اما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني.
بكى الرسول صلى الله عليه وسلم شوقا لنا ونحن لا نبكى شوقا له , إن من الوفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم اتباع سنته والسير على نهجه لا بليلة تُحيا في السنة ، لم يكن تعظيمه بدق الطبول واختلاط الجنسين، ولم يكن تعظيمه بتقريب الموائد وإيقاد الأنوار وتلميع المنازل والاستراحات، فكل ذلك لون من البدع المنكرة التي لا تُرضى ولا تُطاق .
إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يكون باتباع سنته والسير على نهجه والذبّ عن شريعته،
وذلك حبه والتعلق به، قل لهم يا محمد (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)ال عمران :31محبة النبي صلى الله عليه وسلم هي العمل بسنته ونشر دينه والتخلق بأخلاقه، وكثيرون يشهدون هذه الأعياد وهم أبعد ما يكونون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ربما كان بعضهم منابذا للسنة، وآخر لا يقتدي بها، وآخر يحضر للفرح والرقص والسرور، وآخر للأكل وملء البطون، ثم يدّعون بعد ذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه .
ومن هؤلاء من لا يقيم الدين، ولا يشهد الجماعات، ويأكل المحرمات، ويباشر الشهوات، والله المستعان.
يا مسلمون، عظموا رسول الله باتباع دينه ونشر سنته والتعلق بآثاره وشمائله، وكونوا كالسلف الصالح، أحبوا رسول الله وما غلَوا فيه، نشروا دينه، وحرسوا سنته، واهتدوا بهديه، وأتوا محاسنه، واجتنبوا مكارهه، فكانوا خير الأصحاب لخير نبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم.
وكان الأئمة المقتدون بهم على هديهم؛ يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم بتباعه والحرص على سنته وأقواله.
يقول الإمام الشافعي رحمة الله: إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط.
ويقول الإمام أحمد رحمه الله: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة .
ويقول سفيان الثوري رحمه الله: إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل .
فهكذا يا مسلمون تكون المحبة والتعظيم ويكون العمل والإتباع. (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الاحزاب :21
المرفقات
626.doc