موقف المسلم من الاحترازات الطبية ضد وباء كورونا
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( موقف المسلم من الاحترازات الصحية ضد وباء كورونا ) 18/7/1441
أما بعد فيا أيها الناس : إن الله سبحانه رحيم بعباده ، يقدر لهم الخير ، ويلطف بهم كما قال عن نفسه سبحانه ( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء) ، ولربما قدّر الله على العبد شيئا من المكاره التي يكون ظاهرها العنت والتعب للعبد ، وباطنها الرحمة والخير ، فالله سبحانه يربي خلقه على ماينفعهم ، فلا يفتح لهم الخيرات باستمرار فيبطروا ، ولا يكتنفهم بالبلاء والعذاب فيهلكوا .
عباد الله : نسمع بما حل بنا وبمن حولنا من انتشار مرض كورونا ، ونرى ما قامت به الدولة مشكورة ممثلة في وزارة الصحة من الاحترازات الطبية ، التي تتوافق مع شرع الله ، ولهذا أحب أن أنبه على أمور يتجلى فيها موقف المسلم من هذه الحادثة :
أولا ، ماقامت به الدول بشكل عام هو ما توصي به المنظمات الطبية العالمية ، وهو ما يتوافق مع الشرع المطهر ، من فعل السبب ، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث الشريد بن عمرو الثقفي قال : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقد بايعناك .
وبهذا يتجلى لنا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عزل المريض عن الأصحاء ، وعن التوقي من مخالطة المريض مرضا معديا ، لأنه ينتقل بقدر الله .
وكما ورد في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول على أرض فيها الطاعون أو الخروج منها ، فهذا هو الحجر الصحي الآن .
وغيرها من الأدلة التي تدل على هذا
فالواجب على المسلم التمشي بهذه التعليمات ، طاعة لولي الأمر ثم حفاظا على صحة الآخرين ، وأن لا يكون المرء أنانيا ، يهتم بمصالحه فقط ، ويعرض الآخرين للخطر ، فتلاحظون كم عطل هذا المرض من عمل وكم قطع من عبادة ، فلابد من مكافحته بما شرع الله .
ولهذا من كان قادما من بلد منتشر فيه المرض فالواجب عليه أن يطبق الحجر الصحي لمدة أربعة عشر يوما ، حتى ولو كان لا يشعر بأعراض المرض ، فلربما تتأخر في الظهور ولربما يكون ناقلا لها ولا تضره ، فينقل المرض لأهله ومن حوله فيأثم بذلك .
ثانيا :الرضى بقدر الله فمن أصيب بالمرض فليحتسب ، وليصبر وليعلم أنه كفارة للمؤمن ، وكذا من أصابته خسارة في ماله فليصبر فهذا من البلاء المأجور عليه صاحبه .
ثالثا : التوكل على الله وعدم الخوف والهلع ، فنسمع ونرى من البعض لما علقت الدراسة ، وفرضت الاحترازات ، أصابه الهلع ، ومما يدل على ذلك نفاد الكمامات والمعقمات من الصيدليات ، مع أن أهل الاختصاص لم يوصوا بها إلا لمن كان مصابا أو يخالط مصابين ، ولنعلم أنه لن يصاب أحد بهذا المرض إلا بتقدير الله الذي لا مفر منه ، فليس كل مخالط للمريض سيصاب ولو لم يحتط ، قال تعالى ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )
ثالثا : عدم نقل الإشاعات وترويع الناس ، فهذا من الكذب والترويع المنهي عنه ، والواجب أخذ الأخبار من مصادرها الأصلية .
رابعا : الأخذ بالأسباب من الشرع بل هو من التوكل على الله ، ولا يجوز للمسلم أن يتركها ويقول أنا متوكل على الله ، لأنه خالف الشرع بذلك فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ( لا يورد ممرض على مصح ) أي لا يدخل صاحب الإبل إبله المريضة على الإبل الصحيحة .
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) فهذا كله وغيره يؤكد وجوب الأخذ بالأسباب ، كالأكل من أجل الحياة ، والزواج من أجل إنجاب الولد ، وهكذا الدنيا كلها .
اللهم ارفع عنا البلاء وجميع بلاد المسلمين يارب العالمين ، أقول قولي هذا .............
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : يقول سبحانه ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) وقال ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )
وكما قال العباس بن عبد المطلب ( مانزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة )
فالواجب على الناس إذا نزلت بهم الأوجاع والأوبئة أن يلجأوا إلى الله ويبتهلوا إليه ، ويتوبوا من ذنوبهم ، علهم أن يرحموا ، فيزول عنهم البلاء ، كما قال سبحانه عن قوم يونس ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ، لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) فعلى المسلم أن يأخذ بالأسباب ، ولا يُفْرِط في الأخذ بها بحيث يعتقد أنها تدفع عنه المرض بنفسها ، بل يعتقد أن الأمر كله لله ، وأن ما قدره الله فلا راد له .
كما عليه أن يحصن نفسه بالأذكار الشرعية التي علمناها النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي من الأسباب الواقية بإذن الله .
كما عليه أن يسارع بالتوبة ، والرجوع إلى الله ، وأن لا يؤتى الناس من قبله ، فإن الحيوانات تلعن عصاة بني آدم ، لما يُمنعون من الرزق بسبب معصيتهم ، ولنكثر من الاستغفار ، ونلجأ إلى الله أن يرفع عن الأمة هذا البلاء .
اللهم اكشف عنا وعن الأمة هذا البلاء يارب العالمين