مَوعِظَةٌ { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }

مبارك العشوان 1
1445/05/03 - 2023/11/17 04:09AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ -  حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

اِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَأَصْلِحُوا لَهُ أَقْوَالَكُمْ، وَأَعْمَالَكُمْ  وَنِيَّاتِكُمْ، اِتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَتَأَهَّبُوا لِرَحِيلِكُمْ وَانْتِقَالِكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى هَذِهِ الدَّارَ: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }الرحمن26

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }آل عمران 185{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }القصص 88

عِبَادَ اللهِ:  جَاءَ ذِكْرُ المَوْتِ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرًا؛ وَفِي ذِكْرِهِ مَوْعِظَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمَنَافِعُ لِلْعِبَادِ كَثِيرَةٌ.

فَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ لَا يَغْفَلَ عَنْ ذِكْرِ المَوْتِ؛ بَلْ يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِهِ؛ يُذَكِّرُ نَفْسَهُ وَيُذَكِّرُ غَيْرَهُ؛ لَا لِيَحْزَنَ وَيَفْزَعَ، أَوْ يُحْزِنَ النَّاسَ وَيُفْزِعَهُمْ؛ وَلَكِنْ لِيَسْتَعِدَّ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ.

يُكْثِرُ ذِكْرَ المَوْتِ؛ لِيَكُونَ بَاعِثًا لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ، وَزَاجِرًا عَنْ الشُّرُورِ وَالمُحَرَّمَاتِ.

يُكْثِرُ ذِكْرَ المَوْتِ؛ لِيُنَبِّهَ الْقُلُوبَ مِنْ غَفْلَتِهَا، وَيُوْقِظَهَا مِنْ رَقْدَتِهَا.

وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ آثَرَ البَاقِيَةَ عَلَى الفَانِيَةَ.

مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ؛ عَلِمَ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا مَتَاعُ فَلَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا دَارَ عَمَلٍ فَاغْتَنَمَهَا؛ عَلِمَ أَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ فَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا.

وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ هَانَتْ عَلَيهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا.

عِبَادَ اللهِ: لِيَتَذَكَّرْ أَحَدُنَا أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّهُ بَعْدَ المَوْتِ سَيُرَدُّ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجمعة 8]

لِيَتَذَكَّرْ أَحَدُنَا أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ المَوتُ فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } [ ق  19]  وَقَالَ تَعَالَى: { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلـُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[ المنافقون 11]

لِيَتَذَكَّرْ أَحَدُنَا أَنَّ المَوْتَ إِذَا حَضَرَ لَا يُنْجِي مِنْهُ فِرَارٌ، وَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ حُصُونٌ، وَلَا تَقِفُ أَمَامَهُ جُنُودٌ، وَلَا تُقْبَلُ عَنْهُ فِدْيَةٌ؛ قَالَ تَعَالَى: { أَيْنَمَـا تَكُـونُواْ يُدْرِكـكُّمُ الْمَـوْتُ وَلَـوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }النساء 78  وَقَالَ تَعَالَى: { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب 16

وَقَالَ تَعَالَى: { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } آل عمران ١٥٤ 

عِبَادَ اللهِ: لِنَعْتَبِرْ بِمَنْ تَخَطَّفَهُمُ المَوْتُ مِنْ حَوْلِنَا.

لِنَعْتَبِرْ بِكَثْرَةِ مَنْ نُصَلِّي صَلَاةَ الجِنَازَةِ عَلَيْهِمْ، مِنْ كِبَارِ وَصِغَارٍ  وَأَصِحَّاءَ وَمَرْضَى، مَوْتَى بِحَوَادِثَ، وَمَوْتَى عَلَى فُرُشِهِمْ.

لِنَعْتَبِرْ بِهَذَا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - وَلْنَتَذَكَّرْ يَومًا نُوَدِّعُ فِيهِ دُنْيَانَا وَنُوْدَعُ فِيهِ فِي قُبُورِنَا، وَنُقْبِلُ فِيهِ عَلَى آخِرَتِنَا، وَنُلَاقِي فِيهِ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا بِأَعْمَالِنَا.

فَاللهَ اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - فِي العَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ الصَّادِقَةِ.

حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وَتَأّهَّبُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ عَلَى اللهِ.

{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ  } [الحاقة 18]

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَتَذَكَّرُوا أَنَّ المَوْتَ وَفِرَاقَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ بِدَايَةُ حَيَاةٍ أُخْرَى؛ وَهِيَ حَيَاةُ البَرْزَخِ.

وَبَعْدَ البَرْزَخِ؛ الحَيَاةُ الآخِرَةُ؛ الحَيَاةُ البَاقِيَةُ.

يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ،  مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } [غافر  38 - 40]

نَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ مِنْ فَضْلِهِ.

أَلَا فَأَكْثِرُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - ذِكْرَ المَوْتِ، وَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ، وَاسْعَوا فِي نَجَاةِ أَنْفُسِكُمْ، وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِكُمْ وَفَكَاكِهِمْ مِنَ عَذَابِ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم  6]

وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَـلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ  وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1700183344_مَوعِظَةٌ { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }.pdf

1700183359_مَوعِظَةٌ { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }.docx

المشاهدات 861 | التعليقات 0