موعظة عامة
حسام الحجي
الْحَمْدُ للهِ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَإليهِ يُرْجَعُونَ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّ عِبَادُهُ وَمَا يُعْلِنُونَ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوْا اللَّهَ، وَخَافُوا عِقَابَهُ وَاحْذَرُوا سَخَطَهُ وَاخْشَوْا يَوْمًا تَقِفُونَ فِيهِ لِحِسَابِهِ، ﴿وَاتَّقوا يَومًا تُرجَعونَ فيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفسٍ ماكَسَبَت وَهُم لا يُظلَمونَ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَعَ الْحَيَاةِ مَوْتًا، وَإِنَّ مَعَ الدُّنْيَا آخِرَةً، وَإنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا، وَإنَّ لِكُلِّ حَسَنَةٍ ثَوَابًا، وَلِكُلِّ سَيِّئَةٍ عِقَابًا، وَإنَّلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابًا، مَنِ انْقَطَعَ إِلَى الدُّنْيَا وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَمَنْ أَحْسَنَ فِي مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَفَاهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَحْسنَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُعَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ: أَقْبِلُوا عَلَى مَا كُلِّفْتُمُوهُ مِنْ إِصْلَاحِ آخِرَتِكُمْ، وَأَعْرِضُوا عَمَّا ضُمِنَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ، وَلَا تَسْتَعْمِلُوا جَوَارِحَ غُذِّيَتْ بِنِعَمِ اللَّهِ فِيالتَّعَرُّضِ لِسَخَطِهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَاجْعَلُوا شُغْلَكُمْ بِالْتِمَاسِ مَغْفِرَتِهِ، وَاصْرِفُوا هِمَمَكُمْ إِلَى التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ، أَلا وَإِنَّكُمْ فِي يَوْمِ عَمَلٍ لَيْسَ فِيهِحِسَابٌ، وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا فِي يَوْمِ حِسَابٍ لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لِيُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ يُبْغِضُ، وَلَا يُعْطِي الْآخِرَةَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْكَانَ قَبلَكُمْ بِالشُّحِّ، وإِيَّاكُمْ وَالتَّجَبُّرَ وَالاعْتِدَاءَ، فَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجبَّرَ وَاعْتَدَى، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَوَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ بَغَى وَطَغَى، وَنَسِيَ الْمَبْدَأَ وَالْمُنْتَهَى.
يَا ابْنَ آدَم: عِنْدَكَ مَا يَكْفِيكَ وَأَنْتَ تَطْلُبُ مَا يُطْغِيكَ، لَا بِقَلِيلٍ تَقْنَعُ وَلَا بِكَثِيرٍ تَشْبَعُ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ مُعَافًى فِي بَدَنِكَ، آمِنًا فِي سِرْبِكَ، عِنْدَكَ قُوتُيَوْمِكَ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَكَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
يَا ابْنَ آدَم: اعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ: مِنْ أَيْنَ جَمَعَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟
وَعَنْ عُمُرِهِ: فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ: فِيمَ أَبْلَاهُ؟.
وَإِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ طَالِبَتَانِ مَطْلُوبَتَانِ، فَطَالِبُ الْآخِرَةِ تَطْلُبُهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا تَطْلُبُهُ الْآخِرَةُ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَوْتُ بِعُنُقِهِ، أَلاوَإِنَّ السَّعِيدَ مَنِ اخْتَارَ بَاقِيَةً يَدُومُ نَعِيمُهَا عَلَى فَانِيَةٍ لَا يَنْفَكُّ عَذَابُهَا.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَيَا فَوْز الْمُسْتَغْفِرِينَ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ وَبَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ تَسْعَدُوا، وَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّدَقَةِتُرْزَقُوا، وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ تُرْحَمُوا، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ تُنْصَرُوا.
الْعُمْرُ مَحْدُودٌ، وَلَنْ يُجَاوِزَ أَحَدٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَبَادِرُوا الْعَمَلَ قَبْلَ نَفَادِ الْأَجَلِ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ مُحْصَاَةٌ وَلَنْ يُهْمَلَ مِنْهَا صَغِيرٌ وَلَاكَبِيرٌ، فَأَكْثِرُوا لِلَّهِ صَالِحَ العَمَلِ.
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مَنْ فِي الدُّنْيَا ضَيْفٌ وَمَا بِيَدِهِ عَارِيَّةٌ، وَإِنَّ الضَّيْفَ مُرْتَحِلٌ وَالْعَارِيَّةُ مَرْدُودَةٌ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا عَرْضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّوَالْفَاجِرُ، وَإنَّ الْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَظَرَ لِنَفْسِهِ؛ وَاسْتَعَدَّ لِآخِرَتِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ الْتِوَاءٍ لَا دَارُ اسْتِوَاءٍ،وَمَنْزِلُ تَرَحٍ لَا مَنْزِلُ فَرَحٍ، مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا لَمْ يَفْرَحْ لِرَخَاءٍ فِيهَا، وَلَا يَحْزَنُ لِشَقَاءٍ فِيهَا، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا دَارَ بَلْوَى وَالْآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ التَّوْفِيقَ لِحُسْنِ الْعَمَلِ وَحُسْنِ الْخِتَامِ.