موعظة بليغة لتحريك القلوب مناسبة لنهاية العام
مريزيق بن فليح السواط
1434/12/26 - 2013/10/31 18:58PM
الحمدُ الله منشئِ الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور، المتفردِ بتقدير الأقدار وتصريفِ الأمور، يعلمُ خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، احمدُه سبحانه وهو الغفور الشكور، واشهدُ أن لا اله إلا اللهُ وحدة لا شريك له العالمُ بالخفايا وبواطن الأمور، واشهد إن نبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم البعث والنشور
أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، فالتقوى عليها المُعوّل، وعليكم بما كان عليه سلفُ الأمة والصدرُ الأول، اشكروا ربكم على ما أولاكم من الإنعام، واقصروا الأماني والآمال، فما أطال عبدٌ الأملَ إلا أساء العمل "يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله أن الله خبير بما تعملون"
عباد الله:
تصرمتِ الأعوامُ عاما بعد عام، وتعاقبتِ الليالي والأيام "يُقلب اللهُ الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الإبصار" فتبصروا واعتبروا، و تأملوا وتفكروا، في أعماركم وأعمالكم وحوادث زمانكم، أما تُشاهدون مواقعَ المنايا بينكم، وحلولَ الآفاتِ والرزايا بكم أو بغيركم، فاحذروا أن تقْدُموا على ربكم بقلوب عاطلة، وأعمال باطلة، وظهور للأوزار حاملة.
أيها المسلمون:
بعدَ أيام قلائل تَنْخرمُ أوقات العام، وتتصرم منه الليالي والأيام، فيخسرُ كل واحدٍ منا عاما كاملا من رصيد عُمُرة الذي لا يعلم كم بقي منه إلا الله "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت"
ثلاثمائةٍ وأربعةٌ وخمسونَ يوما مرت كمر السحاب، وذهبت ذهاب السراب، حوت أمالا وآلاما، وصحةً وأسقاما، وذنوبا وآثاما "وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفةً لمن أرادَ أن يذَّكر أو أرادَ شُكورا".
ثلاثمائةٍ وأربعةٌ وخمسونَ يوما ونحن نسيرُ إلى القبور في الليل والنهار، واليقظة والمنام "حتى إذا جاء أحدَهمُ الموتُ قال رب ارجعون لعلِّ أعملُ صالحا فيما تركت كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلا يوم يبعثون".
ثلاثمائة وأربعةٌ وخمسونَ يوما ذهبت بما أودعنا فيها من أعمال، وما اجترحنا من أقوال وأفعال، حفظت في كتابنا، وسجلت في صحائفنا "وَوُضِعَ الكتابُ فترى المُجرمينَ مُشفقينَ ممّا فيه ويقولونَ يا ويلَتَنَا مالِ هذا الكتابِ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يَظلمُ ربُّك أحدا".
الشهور والأعوام، والليالي والأيام، مواقيت الأعمال، ومقادير الآجال، تنقضي جميعا، وتمضي سريعا، والليل والنهار يتعاقبان لا يَفْتُران،.يُقربان كل بعيد، ويَبْنيان كل جديد، والسعيد لا يَركنُ إلى الخُدَع، ولا يغتّرُ بالطمع، فكم من مُستقبلِ يوم لا يستكملُه، وكم من مُؤملٍ لغد لا يُدركه "ولن يؤخر اللهُ نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون".
رحيل الأيام والأعوام ذكرى وموعظة لقلوب المؤمنين، أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، كتبَ الله عليها الفناء!! فكم من عامر عمّا قليل يخرب، وكم من مُقيم عمّا قليل يرحل، والدنيا تصلح جانبا بفساد جانب، وتسُرُّ صاحبا بمسائة صاحب، فالركونُ إليها خطر، والثقةُ بها غرر، أمانيُّها كاذبة، وأمالُها باطلة، عيشها نكد، وصفوها كدر، والمرء منها على خطر، الدنيا أيامٌ معدودة، وأجالٌ مكتوبة، وأنفاسٌ محدودة، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا!! وإن سرت أياما أسأت أشهرا وأعواما!! "ياقوم إنما هذه الحياةُ الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار".
جعل الله ما على الدنيا من أموالٍ وأولادٍ فتنة للناس ليَبْلوهم أيهم أحسن عملا "اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم" ونهى سبحانه عن النظر إلى ما في أيدي الناس لأن ذلك مدعاةٌ إلى الركون إلى الدنيا والانشغال بها عن الدار الآخرة "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى" مر النبي صلى الله عليه وسلم على شاةٍ ميتة فقال لأصحابه: "أترون هذه الشاة هينة على أصحابها"؟؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله فقال: "والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء".
تلكم هي الدنيا التي شُغلَ بها كثير من الناس!! فراحوا يتهافتون على جمعها، ويتنافسون في اكتنازها، ويتمارُون أيهم أكثر مالا وولدا بها قال تعالى: "زُيّن للناس حبُّ الشهوات من النساءِ والبنينَ والقناطيرٍ المقنطرةٍ من الذهبٍ والفضةٍ والخيلٍ المسومةٍ والأنعامٍ والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا" فسمى الله ما فيها "متاع" كما يتمتع الصبي بالحلوى لكنّ النعيم المُقيم، والفوز العظيم في الآخرة ولذلك قال بعد أن ذكر متاع الدنيا وزينتها "قل أؤنبئكم بخير من ذلكم" أي من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث!!! "للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد".
عباد الله:
كم رأينا في هذه الحياة من بنا وسكن غيرُه، وجمعَ وأكل ورثته، وتعبَ واستراح من جاء بعده، دخل أبو الدرداء رضي الله عنه الشام، فقال يا أهل الشام: اسمعوا قول أخ ناصح. فاجتمعوا عليه فقال: مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون!! وتجمعون ما لاتأكلون!! إن الذين كانوا من قبلكم بنوا مَشيدا،وأملوا بعيدا، وجمعوا كثيرا، فأصبح .أملُهم غرورا، وجمعهم ثبورا، ومساكنهم قبورا!!!
المرءُ يرغبُ في الحياةِ**وطُول عيشٍ قد يَضرُّه
تفنى بشاشتُه ويبقى بعد**حلوِّ العيشِ مُرّه
وتسوئُه الأيامُ حتى** ما يرى شيئا يسُرّه
فيا عبد الله استدرك العمر ذاهبا، وقم في الدجى مناديا، وقف على الباب تائبا، وأحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى . "قل يا عباديَ الذين أسرفُوا على أنفسهم لا تَقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".
الحمد الله على إحسانه.....
أيها المسلمون:
بالأمس بدأت السنة محملة بالأيام والليالي، مثقلة بالساعات والدقائق والثواني، فمرت أيامها تباعا، وتصّرمت ساعاتها سرعا، وهاهي السنة تكاد تخلع ثيابَها، وتُلقي بخمارِها وجلبابِها، لتُعلن لنا بكل صراحة ووضوح أننا كنّا بكثرة الأيام عند بدايتها مُغترين، وبحبال التسويف في أولها متعلقين، كم من شخص أمّلَ أملا في أخر هذه السنة فمضى وترَكه، وكم من عاجز ألهته الأماني حتى أوقعه الشيطانُ في حبائله وشَركه، جاهل من يغتر بالشباب!! وأحمق من يتمسك بالتراب!! وواهم من يتعلق بالسراب!! ما أسفه من أطغته قوته وما أجهل من أنسته صحته ويا خسارة من ألهته دنياه عن أخرته!!.
عباد الله:
ها أنتم تودعون عاما قد انقضى، وجزءً من العمر قد مضى، قد تولت لحظاته، وبقيت تبعاته، وإن لكل شئ بداية ونهاية وعامنا هذا قد أوشك على الاقتراب، وآذن بالرحيل وولّى الأعقاب، وهذا الرحيل يتركُ في النفوسِ عظيم الحُزن، وبالغ الأسى عن جزءٍ من العمر قد انقضى، وتصرم ومضى، في غير طاعة للمولى، وربما في مُقارفة بعض الذنوب واتباع الهوى، هذا العام ولى مدبرا، ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من أعمال، ما عُمل من خير محفوظ وما عُمل من شر مسطور يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويُحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد" سيرى كل عاملٍ عملَه "أحصاة الله ونسوه والله على كل شيء شهيد"
لقد أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم بخمس خصال في الاعتناء بها، واغتنام زمنها صلاح الدنيا، وسعادة الآخرة فقال عليه الصلاة والسلام "اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" عاش نوح عليه السلام 1870 سنة وعند وفاته جلس إلى آتباعه والمؤمنون به فقالوا يا نبي الله صف لنا هذه الحياة؟؟ قال: والله ما لدنيا الا كقصر له بابان دخلت مع أحداهما وخرجت مع الآخر. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كراحل استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"
المؤمن العاقل بين مخافتين، بين أجل مضى لا يدري ما لله صانع فيه، وبين أجل قد بقيَّ لا يدري ما لله قاضٍ فيه، وليس بعد الموت من مُستعتب!! ولا بعد الدنيا دار، إلى الجنة أو النار، قال عليه الصلاة والسلام: "ما من يومٍ ينشق فجره إلي نادَ منادِ من الله: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني بصالح العمل فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
العمر ثمينٌ ينبغي أن يصان، غالٍ ينبغي أن يحفظ، كما نحفظ الغالي من أموالنا، والنفيس من ثروتنا حتى لا تسرق!!! فكذالك العُمُر ينبغي أن يحفظ!! فلا يُضيّع في البطالة، وأعمال السفه والهوى والجهالة " لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُره فيما أفنَاه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمِه ماذا عمل فيه، وعن مالِه من أين اكتَسَبه وفيما أنفقَه".
عباد الله:
ذهب عامكم شاهد عليكم فهيئوا زادا كافيا، وأعدو جوابا شافيا، استكثروا في أعمالكم من الحسنات، وتداركوا ما مضى من الهفوات، وبادروا فرصة الأوقات، قبل أن يفجئكم هادم اللذات، ذكر الذهبي رحمه الله: أن رجلا رأى أخا له في المنام بعد موته، فقال له: كيف أنتم يا أهل القبور؟؟ قال: والله ما عندنا ألّا الحسرة والندامة!! علمنا ولم نعمل، وتعملون ولا تعلمون!! والله لركعةٌ أو ركعتان، أو تسبيحةٌ أو تسبيحتان أحب إلى أهل القبور من الدنيا وما فيها.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، فالتقوى عليها المُعوّل، وعليكم بما كان عليه سلفُ الأمة والصدرُ الأول، اشكروا ربكم على ما أولاكم من الإنعام، واقصروا الأماني والآمال، فما أطال عبدٌ الأملَ إلا أساء العمل "يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله أن الله خبير بما تعملون"
عباد الله:
تصرمتِ الأعوامُ عاما بعد عام، وتعاقبتِ الليالي والأيام "يُقلب اللهُ الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الإبصار" فتبصروا واعتبروا، و تأملوا وتفكروا، في أعماركم وأعمالكم وحوادث زمانكم، أما تُشاهدون مواقعَ المنايا بينكم، وحلولَ الآفاتِ والرزايا بكم أو بغيركم، فاحذروا أن تقْدُموا على ربكم بقلوب عاطلة، وأعمال باطلة، وظهور للأوزار حاملة.
أيها المسلمون:
بعدَ أيام قلائل تَنْخرمُ أوقات العام، وتتصرم منه الليالي والأيام، فيخسرُ كل واحدٍ منا عاما كاملا من رصيد عُمُرة الذي لا يعلم كم بقي منه إلا الله "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت"
ثلاثمائةٍ وأربعةٌ وخمسونَ يوما مرت كمر السحاب، وذهبت ذهاب السراب، حوت أمالا وآلاما، وصحةً وأسقاما، وذنوبا وآثاما "وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفةً لمن أرادَ أن يذَّكر أو أرادَ شُكورا".
ثلاثمائةٍ وأربعةٌ وخمسونَ يوما ونحن نسيرُ إلى القبور في الليل والنهار، واليقظة والمنام "حتى إذا جاء أحدَهمُ الموتُ قال رب ارجعون لعلِّ أعملُ صالحا فيما تركت كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلا يوم يبعثون".
ثلاثمائة وأربعةٌ وخمسونَ يوما ذهبت بما أودعنا فيها من أعمال، وما اجترحنا من أقوال وأفعال، حفظت في كتابنا، وسجلت في صحائفنا "وَوُضِعَ الكتابُ فترى المُجرمينَ مُشفقينَ ممّا فيه ويقولونَ يا ويلَتَنَا مالِ هذا الكتابِ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يَظلمُ ربُّك أحدا".
الشهور والأعوام، والليالي والأيام، مواقيت الأعمال، ومقادير الآجال، تنقضي جميعا، وتمضي سريعا، والليل والنهار يتعاقبان لا يَفْتُران،.يُقربان كل بعيد، ويَبْنيان كل جديد، والسعيد لا يَركنُ إلى الخُدَع، ولا يغتّرُ بالطمع، فكم من مُستقبلِ يوم لا يستكملُه، وكم من مُؤملٍ لغد لا يُدركه "ولن يؤخر اللهُ نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون".
رحيل الأيام والأعوام ذكرى وموعظة لقلوب المؤمنين، أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، كتبَ الله عليها الفناء!! فكم من عامر عمّا قليل يخرب، وكم من مُقيم عمّا قليل يرحل، والدنيا تصلح جانبا بفساد جانب، وتسُرُّ صاحبا بمسائة صاحب، فالركونُ إليها خطر، والثقةُ بها غرر، أمانيُّها كاذبة، وأمالُها باطلة، عيشها نكد، وصفوها كدر، والمرء منها على خطر، الدنيا أيامٌ معدودة، وأجالٌ مكتوبة، وأنفاسٌ محدودة، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا!! وإن سرت أياما أسأت أشهرا وأعواما!! "ياقوم إنما هذه الحياةُ الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار".
جعل الله ما على الدنيا من أموالٍ وأولادٍ فتنة للناس ليَبْلوهم أيهم أحسن عملا "اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم" ونهى سبحانه عن النظر إلى ما في أيدي الناس لأن ذلك مدعاةٌ إلى الركون إلى الدنيا والانشغال بها عن الدار الآخرة "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى" مر النبي صلى الله عليه وسلم على شاةٍ ميتة فقال لأصحابه: "أترون هذه الشاة هينة على أصحابها"؟؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله فقال: "والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء".
تلكم هي الدنيا التي شُغلَ بها كثير من الناس!! فراحوا يتهافتون على جمعها، ويتنافسون في اكتنازها، ويتمارُون أيهم أكثر مالا وولدا بها قال تعالى: "زُيّن للناس حبُّ الشهوات من النساءِ والبنينَ والقناطيرٍ المقنطرةٍ من الذهبٍ والفضةٍ والخيلٍ المسومةٍ والأنعامٍ والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا" فسمى الله ما فيها "متاع" كما يتمتع الصبي بالحلوى لكنّ النعيم المُقيم، والفوز العظيم في الآخرة ولذلك قال بعد أن ذكر متاع الدنيا وزينتها "قل أؤنبئكم بخير من ذلكم" أي من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث!!! "للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد".
عباد الله:
كم رأينا في هذه الحياة من بنا وسكن غيرُه، وجمعَ وأكل ورثته، وتعبَ واستراح من جاء بعده، دخل أبو الدرداء رضي الله عنه الشام، فقال يا أهل الشام: اسمعوا قول أخ ناصح. فاجتمعوا عليه فقال: مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون!! وتجمعون ما لاتأكلون!! إن الذين كانوا من قبلكم بنوا مَشيدا،وأملوا بعيدا، وجمعوا كثيرا، فأصبح .أملُهم غرورا، وجمعهم ثبورا، ومساكنهم قبورا!!!
المرءُ يرغبُ في الحياةِ**وطُول عيشٍ قد يَضرُّه
تفنى بشاشتُه ويبقى بعد**حلوِّ العيشِ مُرّه
وتسوئُه الأيامُ حتى** ما يرى شيئا يسُرّه
فيا عبد الله استدرك العمر ذاهبا، وقم في الدجى مناديا، وقف على الباب تائبا، وأحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى . "قل يا عباديَ الذين أسرفُوا على أنفسهم لا تَقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".
الحمد الله على إحسانه.....
أيها المسلمون:
بالأمس بدأت السنة محملة بالأيام والليالي، مثقلة بالساعات والدقائق والثواني، فمرت أيامها تباعا، وتصّرمت ساعاتها سرعا، وهاهي السنة تكاد تخلع ثيابَها، وتُلقي بخمارِها وجلبابِها، لتُعلن لنا بكل صراحة ووضوح أننا كنّا بكثرة الأيام عند بدايتها مُغترين، وبحبال التسويف في أولها متعلقين، كم من شخص أمّلَ أملا في أخر هذه السنة فمضى وترَكه، وكم من عاجز ألهته الأماني حتى أوقعه الشيطانُ في حبائله وشَركه، جاهل من يغتر بالشباب!! وأحمق من يتمسك بالتراب!! وواهم من يتعلق بالسراب!! ما أسفه من أطغته قوته وما أجهل من أنسته صحته ويا خسارة من ألهته دنياه عن أخرته!!.
عباد الله:
ها أنتم تودعون عاما قد انقضى، وجزءً من العمر قد مضى، قد تولت لحظاته، وبقيت تبعاته، وإن لكل شئ بداية ونهاية وعامنا هذا قد أوشك على الاقتراب، وآذن بالرحيل وولّى الأعقاب، وهذا الرحيل يتركُ في النفوسِ عظيم الحُزن، وبالغ الأسى عن جزءٍ من العمر قد انقضى، وتصرم ومضى، في غير طاعة للمولى، وربما في مُقارفة بعض الذنوب واتباع الهوى، هذا العام ولى مدبرا، ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من أعمال، ما عُمل من خير محفوظ وما عُمل من شر مسطور يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويُحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد" سيرى كل عاملٍ عملَه "أحصاة الله ونسوه والله على كل شيء شهيد"
لقد أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم بخمس خصال في الاعتناء بها، واغتنام زمنها صلاح الدنيا، وسعادة الآخرة فقال عليه الصلاة والسلام "اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" عاش نوح عليه السلام 1870 سنة وعند وفاته جلس إلى آتباعه والمؤمنون به فقالوا يا نبي الله صف لنا هذه الحياة؟؟ قال: والله ما لدنيا الا كقصر له بابان دخلت مع أحداهما وخرجت مع الآخر. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كراحل استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"
المؤمن العاقل بين مخافتين، بين أجل مضى لا يدري ما لله صانع فيه، وبين أجل قد بقيَّ لا يدري ما لله قاضٍ فيه، وليس بعد الموت من مُستعتب!! ولا بعد الدنيا دار، إلى الجنة أو النار، قال عليه الصلاة والسلام: "ما من يومٍ ينشق فجره إلي نادَ منادِ من الله: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني بصالح العمل فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
العمر ثمينٌ ينبغي أن يصان، غالٍ ينبغي أن يحفظ، كما نحفظ الغالي من أموالنا، والنفيس من ثروتنا حتى لا تسرق!!! فكذالك العُمُر ينبغي أن يحفظ!! فلا يُضيّع في البطالة، وأعمال السفه والهوى والجهالة " لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُره فيما أفنَاه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمِه ماذا عمل فيه، وعن مالِه من أين اكتَسَبه وفيما أنفقَه".
عباد الله:
ذهب عامكم شاهد عليكم فهيئوا زادا كافيا، وأعدو جوابا شافيا، استكثروا في أعمالكم من الحسنات، وتداركوا ما مضى من الهفوات، وبادروا فرصة الأوقات، قبل أن يفجئكم هادم اللذات، ذكر الذهبي رحمه الله: أن رجلا رأى أخا له في المنام بعد موته، فقال له: كيف أنتم يا أهل القبور؟؟ قال: والله ما عندنا ألّا الحسرة والندامة!! علمنا ولم نعمل، وتعملون ولا تعلمون!! والله لركعةٌ أو ركعتان، أو تسبيحةٌ أو تسبيحتان أحب إلى أهل القبور من الدنيا وما فيها.
المشاهدات 4521 | التعليقات 3
قد تكون مناسبة مع نهاية العام ويجد فيه الخطيب بعض ما يحتاجه في الوعظ والتذكير
كتب ربي أجرك شيخ مريزيق بن فليح السواط وإن كانت جمع من الغير فقد أحسنت الاختيار وتفرست في المناسب وتقمصت الأفضل فلله درك وجعلها في رصيد حسانتك.
مريزيق بن فليح السواط
جمعت هذه الموعظة من خطب متعددة لمشائخ فضلاء وحرصت ع تغليب جانب الوعظ واختيار عبارات تقرع القلوب وتستدر الدموع لا سيما ونحن نجد قسوة من قلوبنا وقحطا في دموعنا فعسى أن تنفع قائلها قبل سامعها وتذيب قسوة قلوب خفت نور الإيمان فيها.
تعديل التعليق