موضوع : (التوفيق) هل من مراجع أو خطب حول الموضوع؟
عبداللطيف العبداللطيف
فهل من عناصر مقترحة، وهل من مراجع حول الموضوع؟
المشاهدات 11171 | التعليقات 17
وهذه خطبة لأحد الإخوة في مصر حملها من هنا :
http://www.4shared.com/file/225189838/47cffdeb/___online.html
شكر الله لك ياشيخ علي لكن احتاج الى صياغة الموضوع ليكون خطبة تشتمل على تعريف التوفيق واسباب الحصول عليه وثمراته وآثاره
ومن الطبيعي أن يعمل الخطيب على هذه المعلومات ويجتهد في تحويلها وصياغتها صيغة خطابية وهذا العمل معدود من الإضافات المهمة في المكتبة الخطابية.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسالك الهدى والسداد.
هنا موضوع ( كيف نكون أهلا لتوفيق الله ) :
http://saaid.net/book/10/3354.doc
كذلك هناك أمر آخر وهو أن يطرح الله في الإنسان البركة (واجعلني مباركا أينما كنت)
يا باغي البركة للشيخ عبد المحسن القاسم
ملخص الخطبة: 1- البركة من الله تعالى. 2- فضل البركة. 3- الرسل والدعاة إلى الله مباركون. 4- القرآن الكريم كتاب مبارك. 5- من أسباب البركة. 6- البركة في الأسرة والمرأة والولد. 7- الرجل المبارك. 8- مجالس الذكر. 9- المال المبارك. 10- البركة في المأكل والمشرب. 11- أوقات فاضلة. 12- أماكن مباركة. 13- الفضيلة الدائمة. 14- ما يرفع البركة. 15- مفاسد محق البركة.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التّقوى، فتقوَى الله نورُ البَصائِر، وبها تحيَا القلوبُ والضمائر.
أيّها المسلمون، يسعَى الخلائقُ في هذِه الحياةِ بِألوانٍ منَ الأعمالِ شَتّى، يضمَحلّ منها ما كان في معصية الله وسخَطِه، ويزهو ما كان في مرضاتِ الله وطاعتِه، قالَ سبحانه: فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأرْضِ[الرعد:17].
وكلُّ شيءٍ لا يَكونُ للهِ فبركتُه مَنزوعَة، والربُّ هوَ الذي يُبارِك وَحدَه، والبركةُ كلُّها مِنه، وهوَ سبحانَه تبارَك في ذاتِه، ويباركُ فيمن شَاءَ من خلقِه، قالَ جلّ وعلا: وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزخرف:85]. وكلُّ ما نُسِب إليهِ فهوَ مبارَك، واسمه تعالى مباركٌ تُنال معَه البركة، قال عزّ وجلّ: تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإِكْرَامِ [الرحمن:78].
والله جلّ وعَلا برَحمته يأتي بالخيرَات، وبفضَله يضاعِف البركات، وليسَت سَعةُ الرّزق والعَملِ بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكن سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه.
بالعمَل المبارَك يُكتسَب الذّكرُ الجميل في الحياة وجزيلُ الثوابِ في الآخرة، به طهارةُ القلبِ وزكاةُ النفس وعلوُّ الخلُق.
والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثيرٍ إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عَن بركةِ الله، حتى الأنبياء والرّسل يطلبونها من خالقِهم، يقول النبيّ : ((بينما أيّوبُ يغتسِل عُريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهَب، فجعل أيّوب يحتثي في ثوبِه، فناداه ربّه: يا أيّوب، ألم أكن أغنيتُك عمّا ترى؟! قال: بلَى وعزّتِك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك)) رواه البخاري[1].
والرّسُل والدّعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودَعوتهم إلى الخيرِ والهدَى، قال عيسَى عليه السلام: وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31]. ونوحٌ عَليهِ السّلام أُهبِط ببركاتٍ من الله: قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ [هود:48]، ودعا نوحٌ عليه السلام ربَّه بالمنزلِ المبارَك: وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ [المؤمنين:29]. وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله، قالَ تعالى: وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيًّا مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ [الصافات:112، 113]، وبارَك فيه وفي أهلِ بيته، قال عزَّ وجلّ: رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ [هود:73]، قالَ ابن القيّم رحمه الله: "هذا البيتُ المبارَك المطهَّر أشرَفُ بيوت العالم على الإطلاق، فلَم يأتِ بعدَ إبراهيمَ نبيٌّ إلاَّ من أهلِ بيتِه، وكلُّ من دخَل الجنّةَ من أولياء الله بعدَهم فإنما دخَل من طريقهم وبدعوَتهم"[2]. ودعَا نبيّنا ربَّه بالبركَة في العطاءِ في قولِه عليه الصلاة والسلام: ((وبارِك لي فيما أعطيتَ)) رواه الترمذي[3].
وتحيّة المسلمِين بينهم عندَ اللّقاء طلبُ السّلام والرّحمة والبركة.
أيّها المسلمون، القرآنُ العظيم كثيرُ الخيراتِ واسِع المبرّات، كتابٌ مبارَك محكَم، فَصلٌ مهيمِن، أنزله الله رحمة وشِفاءً وبيانًا وهُدى، قال سبحانَه: وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـٰهُ [الأنبياء:50]. وسورَةُ البقرة سورَة مبارَكة، مأمورٌ بتعلّمها، قالَ عليه الصلاة والسلام: ((تعلَّموا سورةَ البقرةِ، فإنّ أخذَها برَكَة، وتركَها حَسرة، ولا تستطيعُها البطَلَة)) أي: السّحرة. رواه أحمد[4].
وسَعة الرِّزق وبركةُ العمُر في صِلةِ الرحِم، يقول المصطَفى : ((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه ويُنسَأ له أثرِه فليصِل رحمه)) رواه البخاري[5].
والصادقُ في البيع والشِّراءِ والمعاملات مبارَكٌ له في الكَسب، مترادفٌ عليه الخير، يقول النبي : ((البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما)) متفق عليه[6].
ولحرصِ الإسلامِ على الأسرةِ وحلولِ البركةِ فيها وعليها مِن أوّل نشأتها شُرِع الدّعاء للزوجين بالبركة عندَ النكاح، يقول أبو هريرةَ رضي الله عنه: كانَ النبيّ إذا رفّأ الإنسانَ إذا تزوّج قالَ له: ((بارَك الله لك، وبارك عليك، وجمَع بينكما في خير)) رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح"[7]. وأوفرُ الزَّوجاتِ بركةً ما قلّت المؤونةُ في نكاحها، والزواجُ السّعيد ما صاحَبَه اليسرُ والتّسهيلُ، يقول المصطَفى : ((أعظمُ النّساءِ بركةً أيسرُهنّ مؤونة)) رواه أحمد[8]. والزوجَةُ المبارَكة هِي المطيعةُ لله القائمةُ بحقوق زوجها في غيرِ معصيةِ الله. والولدُ المبارَك هو النّاشئ على طاعةِ ربِّه، المستمسِك بسنّة نبيِّه عليه الصلاة والسلام، الصائنُ لنفسِه عنِ الذنوب والعِصيان.
وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شُرِع إفشاءُ السلام على أهله رجاءَ البركة، يقول أنَس رضي الله عنه: قال لي رسول الله : ((يا بنيّ، إذا دخلتَ على أهلِك فسلّم، تكُن بركةً عليكَ وعلى أهلِ بيتك)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"[9].
والرجلُ المبارَك هوَ الذي يُنتفَع به حيثُما حلّ، وإذا قرُبَ العبد من ربّه بورِك في وقتِه وعمِل أعمالاً كثيرةً في زمنٍ يسير. أبو بَكر الصديق رضيَ الله عنه قبلَ صلاة الفَجر عادَ مريضًا وتبِع جنازةً وأطعَم مِسكينًا وأصبح صائمًا، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قالَ رسول الله : ((مَن أصبَح مِنكم اليومَ صائمًا؟)) قال أبو بَكر: أنا، قال: ((فمَن تبِع منكم اليومَ جنازَة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعمَ منكم اليومَ مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عادَ مِنكم اليومَ مرِيضًا؟)) قال أبو بكرٍ: أنا، فقال رسولُ الله : ((ما اجتَمَعت في امرِئ إلا دخل الجنة)) رواه مسلم[10].
وخير الصُّحبةِ صُحبةُ الصّالحين، وأزكى المجالسِ مجالسُ الذّكر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، ((فتقول الملائكة لربّها: فيهم فلانٌ ليسَ مِنهم، وإنما جاءَ لحاجةٍ، قال: همُ الجلساءُ لا يشقَى بهم جليسُهم)) متفق عليه[11]. فهذا مِن بركَتهم على نفوسِهم وعلى جليسهم.
والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه وبُذِل في طُرقِ البرّ والإحسانِ ابتغاءَ مرضاتِه، ومَن قنِع بربحٍ حلال قليلٍ وتحرّى الصدقَ في معاملاتِه ظهرتِ البركة في مالِه وفي أولادِه، قال النبيّ : ((من أخَذه بحقّه ووضعَه في حقِّه فنِعمَ المعونَة)) رواه البخاري[12].
وسرورُ الدّنيا وبهجةُ زينتِها لا تتِمّ إلا بكسبٍ حَلال، والمالُ يكثُر عددُه بالبذلِ والعطاءِ في الخيرات، قال المصطَفى : ((ما نقصَت صدقةٌ مِن مال)) رواه مسلم[13]، وقالَ عليه الصلاة والسلام: ((أنفِق يُنفَق عليك)) رواه البخاري[14]. ومَن أخَذ ما أُعْطِي بتعفُّف وغِنى بنفسٍ من غَير مسألةٍ ولا استشرافٍ له بالقلب بورِك له فيه، قال : ((مَن أخَذه بطيبِ نفسٍ منه بورِك له فيه، ومَن أخذَه بإشرافِ نفسٍ له لم يبَارَك له فيه)) رواه ابن حبان[15].
والبركةُ يتحرّاها العَبدُ في مَأكلِه في يومِه وليلتِه، فالطّعامُ المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسطِ الصحفَة، وذكرتَ اسمَ الله عليه، قال عليهِ الصلاة والسلام: ((البركةُ تنزل وسطَ الطّعام، فكُلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وَسطه)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"[16].
وأمَر رسول الله بلَعقِ الأصَابعِ والصّحفة بعدَ الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال: ((إنّكم لا تَدرون في أيِّها البركَة)) رواه مسلم[17].
وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرّق نزعٌ لها، يقولُ وحشيّ بنُ حرب: قالوا: يا رسولَ الله، إنّا نأكُل ولا نشبع، قال: ((فلعلّكم تفترِقون))، قالوا: نعَم، قال: ((فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارَك لكم فيه)) رواه أبو داود[18].
وسيّد المياه وأنفعُها وأبركُها ماءُ زمزم، قال عليهِ الصّلاة والسلام: ((إنها مبارَكة، إنها طَعامُ طُعم)) رواه مسلم[19].
أيّها المسلمون، اصطَفى الله مِن الدّهرِ أزمنةً، ومِن البقاعِ أمكنَة، خصّها بالتَّشريف والبرَكة، فليلةُ القدر ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدرِ عظيمةُ المكانةِ، إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ [الدخان:3]، وأوّلُ النهارِ بعد صلاةِ الفجرِ زمنُ غنيمةٍ مبارك ووقتُ نزولِ الأرزاق وحلولِ البركات، أقسَم الله به في كتابِه بقولِه جلّ وعلا: وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير:17، 18]، والنّبيّ دعا بالبركةِ في بُدُوِّ الصَّباح، قال عليه الصلاة والسلام: ((اللهمَّ بارِك لأمّتي في بُكورها))[20]. والنومُ بين صلاةِ الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم.
وبيتُ الله الحرامِ مبارَك، ليسَ في بيوتِ العالمَ أبرَك منه ولا أكثرَ خيرًا ولا أدوَم ولا أنفعَ للخلائق، قال جلّ وعلا: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ [آل عمران:96].
ومدينةُ المصطَفى مدينةٌ مبارَكة، الصلاةُ في مسجِدِ النبيِّ عن ألفِ صَلاةٍ فيما سِواه، وصاعُها ومُدُّها مبارك فيه، وتمرُ عاليَتها شِفَاء، يقول النبيّ : ((اللهمّ بارِك لنا في مدِينتِنا، وبارِك لنا في صاعِنا ومُدِّنا)) رواه مسلم[21]، وفي لفظٍ له: ((اللهمّ اجعَل مَع البركة بركتين))[22]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اللهمَّ اجعَل بالمدينة ضِعفَي ما جَعلتَ بمكّة من البرَكة)) متفق عليه[23]. قال النّوويّ رحمه الله: "الظاهرُ أنَّ البركةَ حصَلت في نفسِ المكيل، بحيث يكفي المدُّ فيها مَن لا يكفيه في غيرها، وهذا أمرٌ محسُوسٌ عند مَن سَكنها"[24].
وبارَك الله في مواطنَ مِن أرضه كما في قوله تعالى: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا [الإسراء:1].
والفضيلة الدائمةُ في كلِّ زمانٍ ومكَان في الإيمانِ والعملِ الصّالح، وأيّ مكانٍ وعمَل كانَ أعونَ للشّخص كانَ أفضلَ في حقِّه، يقولُ سلمان رضي الله عنه: (إنَّ الأرضَ لا تقدِّس أحدًا، وإنما يقدِّس الرجلَ عملُه)[25].
أيّها المسلمون، إذا أظهَر العِبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات، وكلّما قلّتِ المعاصِي في الأرضِ ظهرَت فيها آثارُ البركة من الله، وانتشارُ المعاصِي وفشوُّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبرَكات، قال جلّ وعلا: وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقًا لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا [الجن:16، 17].
وللمَعصيةِ أعظمُ تأثيرٍ في محقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل، يقولُ النبيّ : ((وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يصيبه)) رواه ابن ماجه[26]، قال ابن القيّم رحمه الله: "وبالجملةِ فالمعصيةُ تمحَق بركةَ الدين والدنيا ممّن عصى الله، فلا تجد بركةً في عمُره ودينِه ودنياه"[27].
ولا يُنال ما عندَ الله إلا بطاعتِه، والسعادةُ في القربِ منَ الله، وبالإكثارِ من الطاعات تحُلّ البركات، وبالرّجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].
بارَك الله لي ولكُم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم.
[1] صحيح البخاري: كتاب التوحيد (7493) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] جلاء الأفهام (ص309).
[3] سنن الترمذي: كتاب الصلاة (464) عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (1/199، 200)، وأبو داود في الصلاة (1425)، والنسائي في قيام الليل (1745، 1746)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1178)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وصححه ابن الجارود (272، 273)، وابن خزيمة (1095)، وابن حبان (945)، والحاكم (4800)، والنووي في الأذكار (86)، وهو في صحيح سنن أبي داود (1263).
[4] مسند أحمد (5/249، 251، 254، 257) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وهو عند مسلم في الصلاة (804). وفي الباب عن بريدة رضي الله عنه.
[5] صحيح البخاري: كتاب الأدب (5986) عن أنس رضي الله عنه، وهو عند مسلم أيضا في البر (2557).
[6] صحيح البخاري: كتاب البيوع (2079، 2082، 2110، 2114)، صحيح مسلم: كتاب البيوع (1532) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
[7] سنن الترمذي: كتاب النكاح (1091)، وأخرجه أيضا أحمد (2/381)، وأبو داود في النكاح (2130)، وابن ماجه في النكاح (1905)، وصححه ابن حبان (4052)، والحاكم (2745)، والنووي في الأذكار (356)، وصححه الألباني على شرط مسلم في آداب الزفاف (102).
[8] مسند أحمد (6/145) عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أيضا النسائي في الكبرى (5/402)، والبيهقي في السنن (7/235)، وصححه الحاكم (2/ 178)، ووافقه الذهبي، وفي سنده ابن سخبرة لا يدرى من هو، ولذا ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1117).
[9] سنن الترمذي: كتاب الاستئذان (2698)، وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط (5991) في حديث طويل، وصححه ابن القيم في زاد المعاد (2/382)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1608).
[10] صحيح مسلم: كتاب الزكاة (1028).
[11] صحيح البخاري: كتاب الدعوات (6408)، صحيح مسلم: كتاب الذكر (2689) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[12] صحيح البخاري: كتاب الرقاق (6427) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأخرجه أيضا مسلم في كتاب الزكاة (1052).
[13] صحيح مسلم: كتاب البر (2588) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[14] صحيح البخاري: كتاب التوحيد (7496) عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: ((قال الله تعالى: أَنفق أُنفق عليك))، وهو عند مسلم في كتاب الزكاة (993).
[15] صحيح ابن حبان (3220، 3402، 3406) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، وهو عند البخاري في الرقاق (6441)، ومسلم في الزكاة (1035).
[16] سنن الترمذي: كتاب الأطعمة (1805) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (1/270، 300، 343، 345، 364)، وأبو داود في الأطعمة (3772)، والنسائي في الكبرى (6762)، وابن ماجه في الأطعمة (3277)، وصححه ابن حبان (5245)، والحاكم (7118)، وصححه الألباني على في الإرواء (1980).
[17] صحيح مسلم: كتاب الأشربة (2033) عن جابر رضي الله عنه.
[18] سنن أبي داود: كتاب الأطعمة (3764)، وأخرجه أيضا أحمد (3/501)، وابن ماجه في الأطعمة (3286)، والحاكم (2500)، وصححه ابن حبان (5224)، وحسن إسناده العراقي في تخريج الإحياء (2/6)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (664).
[19] صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة (2473) عن أبي ذر رضي الله عنه.
[20] أخرجه أحمد (3/417، 431، 432، 4/384، 390)، وأبو داود في الجهاد (2606)، والترمذي في كتاب البيوع (1212)، والنسائي في الكبرى (8833)، وابن ماجه في التجارات (2236) عن صخر الغامدي رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن"، وصححه ابن حبان (4754، 4755)، وهو في صحيح الترغيب (1693).
[21] صحيح مسلم: كتاب الحج (1373) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[22] صحيح مسلم: كتاب الحج (1374) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[23] صحيح البخاري: كتاب الحج (1885)، صحيح مسلم: كتاب الحج (1369) عن أنس رضي الله عنه.
[24] شرح صحيح مسلم (9/142)، وانظر: فتح الباري (4/98).
[25] أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الأقضية (1500)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (1/205)، وفي إسناده انقطاع.
[26] سنن ابن ماجه: كتاب الفتن (4022) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (5/277، 280، 282)، وأبو يعلى (282)، والطبراني في الكبير (2/100)، وصححه ابن حبان (872)، والحاكـم (1814، 6038)، ووافقه الذهبي، وقال البوصيري في الزوائد: "سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث فقال: حسن"، إلا أن في إسناده رجلاً مجهولاً، ولذا ضعفه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (1/236-238).
[27] الجواب الكافي (ص56).
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانِه، والشّكرُ له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه، وسلّم تسليمًا مزيدًا.
أمّا بعد: أيّها المسلمون، محقُ البركةِ يجلِب قلّةَ التّوفيقِ وفسادَ القَلب، وأنفعُ الأشياءِ أبركُها، ومَن بارَك الله فيه وعليه فهو المبارَك، ولا تُرتَجَى البركة فيما لم يأذَن به الشّرع الحكيم. وبالأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر تزكو النفس وتصلُح الأحوال وتحلّ البركات على المجتمعات. ومن التزم الصدقَ في البيانِ أُلقِيت الحكمةُ على لسانه والسدادُ في أفعالِه. ومَن أخذ المال بغير حقِّه بارَ نفعُه، قال النبيّ : ((ومن أخذه بغير حقِّه كانَ كالذي يأكل ولا يشبَع)) رواه البخاري[1].
والرِّبا عَديمُ النفعِ ماحِقٌ للمالِ [جالبٌ] للهمّ، يجري آكلُه خلفَ سَراب، قال سبحانه: يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ [البقرة:276].
والحلِف منفقةٌ للسِّلعة ممحِقٌ للكَسب، ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال، قال : ((اللهمَّ أعطِ ممسكًا تلفًا)) رواه البخاري[2].
فالزَم جانبَ العبوديّة والاقتداء، وابتعِد عن المحرّمات والشّبهات في المالِ وغير المال، يبارَك لك في الأخذ والعطاء.
ثمّ اعلَموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكَم التنزيل: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
[1] صحيح البخاري: كتاب الرقاق (6427) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأخرجه أيضا مسلم في كتاب الزكاة (1052).
[2] صحيح البخاري: كتاب الزكاة (1442) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا من دعاء الملك، وأخرجه أيضا مسلم في كتاب الزكاة (1010).
الرجل المبارك مرسال بن عبد الله المحمادي
ملخص الخطبة
1- مباركة الله تعالى لعيسى عليه السلام. 2- معنى البركة. 3- بركة الرسول . 4- من بركات عمر بن عبد العزيز. 5- عبد الله بن المبارك رجل مبارك. 6- سبب قلة البركة. 7- أسباب البركة.
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 30، 31]، فيخبر عيسى عن نفسه بأن الله تعالى قد جعله مباركًا، أي: باركه فزاده الله في كلّ شيء. وفي هذه الآيات دليل على أن الله واهب البركة ومصدرها، ومعنى وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ أي: معلمًا للخير، داعيًا إلى الله، مرغبًا في طاعته، فهذه من بركة الرجل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة.
عباد الله، إن للوحيَين دورًا كبيرًا في توجيه سلوكنا، فمن اهتدى وامتثل الشرع فلا نشك أبدًا بأنه رجل سيباركه الله، وسيكون ممن ينفع الله به البلاد والعباد، والبركة هي هبة من الله يهبها لمن حقّق شروطها، وليست بابًا مفتوحًا لكل أحد، فإذا توفرت فيك الشروط فهنيئًا لك فأنت رجل مبارك، والبركة قد تعم كل شيء، وتكون في المال والولد والوقت والعمل والإنتاج والزوجة والعلم والدعوة والدار والعقل والجوارح، ولهذا كان البحث عن البركة ضروريًا، فكان النبي يدعو في قنوته: ((وبارك لي فيما أعطيت)).
وكما هو معروف أن عمر العبد هو مدة حياته، ولا حياة لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، ولذا كانت المعصية سببًا لمحق بركة الرزق والأجل، ولهذا شرع ذكر الله عند الأكل والشرب واللباس والركوب والجماع، لما في مقارنة اسم الله من البركة، وذكر الله يطرد الشيطان فتحصل البركة، وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة، فإنّ الله وحده هو الذي يبارك، والبركة كلها منه سبحانه، وكلّ ما نسب إليه مبارك، فكلامه مبارك، ورسوله مبارك، والعبد المؤمن النافع لخلقه مبارك، وبيته الحرام مبارك.
أنت ـ أيها المؤمن ـ لو تدبرت النصوص الشرعية لوجدتها داعية لك إلى بذل الخير للغير؛ ليباركك الله ويبارك لك فينتفع منك الآخرون. وأول المباركين هو رسولنا محمد ، فحينما أخذته حليمة السعدية لترضعه أصبحت دابتها أسرع الدواب بعد أن كانت هزيلة ضعيفة؛ لأنها كانت تحمل على ظهرها أفضل الخلق ، أما البهائم العجاف التي كانت تملكها حليمة السعدية فأصبحت تدر لبنًا كثيرًا ببركة محمد ، وحينما جاءت الرسالة بدأت بركاته تنهال على الناس، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يذهبون بصبيانهم إلى النبي ليباركهم ويدعو لهم ويمسح عليهم. ومن بركاته تكثير الماء وتكثير الطعام، فيأكل الصحابة الطعام ويخرجون والطعام كما هو، ومن بركته أنه كان يداوي مرضى الصحابة رضي الله عنهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما كان مع النبي في الغار فلدغته عقرب فتفل النبي على المكان الملدوغ فبرئ أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا علي رضي الله عنه في يوم خيبر أصابه الرمد في عينيه فتفل النبي في عيني علي فقام وكأنه ليس به شيء، وهذا صحابي آخر يأتي إلى الرسول في إحدى الغزوات وقد خرجت عينه فذهب، يأتي وعينه في يده إلى الرسول ، فأخذها النبي بيده الشريفة ورد عينه في مكانها، فعادت أحسن مما كانت، فهذا هو نبينا الذي باركه الله، وقد مات وبقيت البركة في طاعته والتمسك بسنته ، وإننا لنرجو من الله أن يرزقنا شفاعة نبيه يوم القيامة.
أيها المسلمون، ومن المباركين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فقد كان حكمه عدلاً وعلمه بحرًا وخلقه حسنًا وعقله كمالاً وسمته جيدًا وسياسته حكيمة ونفسه زكية ولربه قانتًا خاشعًا، ومن بركة عمر في حكمه أن المال فاض بأيدي الناس فاغتنى الناس حتى أن الغنيّ يبحث عن فقير ليعطيه المال ويتصدّق عليه فلا يجد فقيرًا، فلا يبرح أن يرجع بماله، فقد كان عمر بن عبد العزيز رجلاً مباركًا في كل شيء؛ في عدله وعلمه وعبادته وصيامه وقيامه وذكره لله تعالى، ثم تأتي ساعة الفراق فيموت وهو يتلو القرآن عند قوله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]. ومن بركته أن فترة خلافته كانت سنتين وخمسة أشهر فقط، فعمّ العدل أنحاء الدولة الإسلامية، واغتنى الناس في فترة وجيزة.
ومن الناس المباركين عند الله ابن المبارك، بارك الله له فأحبه الجميع، فقد كان عالمًا مجاهدًا عابدًا صادعًا بالحق، وما من خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك. كان رجلاً مباركًا في ماله لأنه لم يكن يدخره لنفسه، بل كان يشكر الله على ما أعطاه فينفق على الناس، فكان إذا سافر مع مجموعة يطلب منهم أن يضعوا أموالهم معه، فيجمعونها عنده فيضعها في صندوق وينفق عليهم من أفضل أنواع الطعام ويلبسهم أفضل اللباس ويطلب منهم أن يشتروا لأهليهم، وبعد العودة يقيم لهم مأدبة ثم يخرج لكل واحد منهم ماله في منديله كما وضعه، لقد كان يتاجر ولكن للإنفاق على أهل العلم والعبادة، لقد كان مسخَّرًا لخدمة الناس ومساعدتهم، فكان يفك المحبوس على المال ويطلب من الدائن أن لا يخبره المحبوس ولا يعلم الناس بذلك إلا بعد موته رحمه الله.
أيها المسلمون، إن حياتنا اليوم قد ملأها التعقيد المادي لدرجة أنه أثّر على توحيدنا وطاعتنا ويقيننا بالله، فأصبح الناس يفعلون المعاصي بكثرة، فذهبت البركة من حياتنا، فترى المرء يقبض راتبه ثم لا يلبث أن يأتي منتصف الشهر إلا وليس عنده منه شيء، هل حاسبنا أنفسنا لماذا؟! ألا يمكن أن يكون تقصيرنا في علاقتنا بالله سببا لزوال هذه البركة؟! كان الفضيل يقول: "إني لأرى أثر معصيتي على خلق زوجتي ودابتي". فهذا الاعتقاد نتيجة لقوة إيمانهم، أما نحن فأمورنا كلها مادية، وليسأل كل منا نفسه عند حصول مشكلة لنا: ماذا ينقدح في أذهاننا ابتداءً؟ هل نربط بين المشكلة وبين تقصيرنا في حق الله؟ للأسف الواقع يخالف ذلك تمامًا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...
الخطبة الثانية
أيها المسلم، كيف تكون مباركًا؟ سؤال مهم، والجواب عنه يحتاج إلى أوقات طويلة، ولكن سأذكر بعض الأمور السريعة التي تجعلك مباركًا:
أولاً: دعاؤك الله بأن يباركك ودعاء الناس لبعضهم البعض، فقد كان الرسول يدعو للناس بالبركة، وعلمنا ذلك في مناسبات عديدة، فعندما يطعمك أخوك المسلم تقول له: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم، وعندما يتزوج المسلم تدعو له بالبركة: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير... وغير ذلك.
ثانيًا: البكور بأداء الأعمال وبخاصة صلاة الفجر، فتبدأ يومك بعبادة الله بصلاة مهمة، فعندها يبارك الله لك في كل شيء، ومن ذلك الرزق، قال : ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).
ثالثًا: البعد عن المال الحرام بشتى أشكاله وصوره؛ فإنه لا بركة فيه ولا بقاء.
رابعًا: المداومة على الاستغفار لقوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12].
خامسًا: الإيمان الصادق بالله والبعد عن الذنوب الفردية والجماعية، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].
سادسًا: الشرب من ماء زمزم، فهو ماء مبارك، وماء زمزم لما شرب له، فكان ابن حجر يشربه ليكون من الحفاظ، فكان له ما أراد، فما هي دعوتك عندما تشرب من ماء زمزم؟
سابعًا: التقرب إلى الله تعالى بالعبادات.
ثامنًا: البعد عن الشحّ والشره في أخذ المال، فقد قال النبي : ((فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع)).
تاسعًا: الصدق في التعامل بيننا عندما نتبايع، قال : ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لها في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)).
أيها المسلمون:، هذا الذي سمح به الوقت، أسأل الله أن يبارك لنا جميعًا في أنفسنا وفي أعمارنا وفي أوقاتنا وفي أعمالنا وفي زوجاتنا وفي أبائنا وفي أولادنا وفي أمهاتنا، وأن يبارك لنا في أموالنا وبيوتنا وبلادنا وبلاد المسلمين وفي حياتنا كلها، وأن يبارك لنا في كل ما أعطانا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
وهنا خطبة عن (البركة) أيضًا :
http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=8436
وهنا خطبة ( اللهم بارك في الأعمار )
http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=9803
علي الفضلي
س6/ ما الفرق بين الهداية والتوفيق عند أهل السنة وهل بينهما عموم وخصوص بيّنوا لنا ذلك؟
ج/ الهداية لفظ يشمل الدلالة على ما فيه أو ما الحاجة إليه أنت محتاج إلى طريق تحتاج إلى من يهديك الطريق، تحتاج في مسألة إلى إيضاح تحتاج من يهديك في هذه المسألة فأصل الهداية الدلالة بها دلالة وإيضاح.
في القرآن العظيم
...[النوع الأول الهداية الغريزية] (113) وهي هداية المخلوق إلى ما فيه بقاؤه وحسن معاشه، والدليل على هذه المرتبة قوله جل وعلا ?الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى?[طه:50]، يعني هداه إلى ما فيه مصلحته في دنياه، إلى آخر ذلك.
فالله جل وعلا هدى الرضيع كيف يلتقم الثدي ويحتاج إليه، وهدى الطائر لمصلحته، وهدى الحيوان إلى مصلحته، إلى آخر ذلك.
النوع الثاني الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد؛ دلالة وإرشاد من آخر لما فيه المصلحة مصلحة العبد في دنياه أو في آخرته أو فيهما معا، وهذه هي الأكثر في القرآن الهداية بهذا المعنى، وهي هداية الدّلالة والإرشاد، وهي التي جاءت في مثل قوله جل وعلا ?وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ?[الرعد:7]، يعني دال يدلّهم على الطريق.
الثالث هداية التوفيق وهي أخص من الأولى؛ يعني أخصّ من التي قبلها، هداية التوفيق وهذه خاصة بالله جل وعلا، وهو الذي يوفّق ويُلْهِم، فالرسل هداة بمعنى أنهم يدلون ويرشدون؛ لكن هداية التوفيق هذه من الله جل جلاله، ?وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ?[هود:88]، هذا حصر التوفيق من الله جل وعلا دون ما سواه، لهذا نفاها ربنا جل وعلا عن نبيه ( بقوله تعالى ?إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ?[القصص:56]، فنفى عنه الهداية في هذه الآية وجعلها لله جل وعلا مع إثباتها لنبيه عليه الصلاة والسلام في قوله جل وعلا في آخر سورة الشورى ?وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ?[الشورى:52-53].
فالنبي ( يهدي ولا يهدي، يهدي بمعنى أنه يدل ويرشد ويعلم إلى آخر هذه المعاني، ولا يهدي بمعنى هداية التوفيق لا يوفّق بل الذي يوفق ويعين العبد ويصرف عنه السوء، ويعينه على الطاعة ويصرف عنه الشياطين حتى يهتدي؛ بمعنى حتى يستقيم على أمر الله، هذا رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه.
الهداية الرابعة التي في القرآن هي التي جاءت في سورة محمد وهي هداية أهل النار للنار وهداية أهل الجنة للجنة، فهداية أهل الجنة للجنة في قوله جل جلاله ?وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ(4)سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ?[محمد:4-5]، هذه الهداية وقعت بعد القتل، وما بعد القتل الهداية إلى أيّ شيء؟ هداية إلى الجنة لهذا قال بعدها ?سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ(5)وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ?[محمد:5-6]، قال العلماء: يهديهم يعني إلى صراط وإلى طريق الجنة، وهداية أهل النار إلى النار كقوله في سورة الصافات ?فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ(23)وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ?[الصافات:23-24].
إذن تبين من هذا أن التوفيق مرتبة من مراتب الهداية، والذّي يتصل بالإيمان بالقضاء والقدر وفعل العبد من هذه المراتب المرتبتان الثانية والثالثة -هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والإلهام-، ولذلك شاع عند العلماء أن الهداية قسمان:
* هداية دلالة وإرشاد.
* وهداية توفيق وإلهام.
لأن هذين النوعين هما اللذان نحتاج إليها في أعظم المسائل المتعلقة بالهداية وهي مسألة القضاء والقدر والهداية والضلال، أما الهداية العامة، وهداية أهل الجنة للجنة وهداية أهل النار للنار هذه متفق عليها معلومة عند الجميع.
المسألة التاسعة: في معنى إضلال الله جل وعلا من أضل، وهدايته من هدى.
إذا كنا نقول إن الإنسان غير مجبور على الضلال وغير مجبور على الهدى، فما معنى قوله ?يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ?(95) وهذا من احتجاجات الجبرية ما معنى ?وَمَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ?[الأنعام:39]، ما معنى ?مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَد?[الكهف:17]، ما معنى ?مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدي?[الأعراف:178] ما معنى ?مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُم فِي طُغْيَانِهِم يَعْمَهُونَ?[الأعراف:186]، ونحو ذلك من الآيات التي فيها لفظ الإضلال والاهتداء لله جل وعلا وفق مشيئته سبحانه وتعالى وإرادته.
هذه المسألة ضل فيها الناس ومن أجلها ضلت الجبرية والقدرية، وهي مرتبطة في بيانها بمسألة التوفيق والخذلان، فالله جل وعلا علق الإضلال بمشيئته وعلق الهداية بمشيئته، ونعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فما شاء الله جل وعلا خلقه، الذي يشاؤه سبحانه وتعالى أن يكون فإنه يكون، والذي يشاء الله جل علا ألا يكون فإنه لا يكون.
إذا كان كذلك فإن حدود الهداية وحدود الضلال نتيجة لأشياء، ولذلك جاء لفظ التوفيق والخذلان في النصوص، جاء لفظ التوفيق في القرآن في قوله تعالى ?وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ?[هود:88]، ونحو ذلك فالله جل وعلا يوفّق من يشاء ويخذل سبحانه وتعالى من يشاء.
ما معنى وَفَّقَ وخَذَلَ؟ وما صلتها بـ(يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء)؟ إذا تبين لك معنى التوفيق والخذلان فإنه سيتبين لك بوضوح معنى أن الله جل وعلا يضل من يشاء ويهدي من يشاء سبحانه وتعالى.
التوفيق عند أهل السنة والجماعة وإمداد الله جل وعلا بعونه، إمداد الله جل وعلا العبد بعونه؛ يعني بإعانته وتسديده وتيسير الأمر وبذل الأسباب المعينة عليه.
فإذن التوفيق فضل لأنه إعانة، وأما الخذلان فهو سلب التوفيق هو سلب الإعانة؛ يعني التوفيق إعطاء وكرم، وأما الخذلان فهو عدل وسلب؛ لأن العبد أعطاه الله جل وعلا القُدَر، أعطاه الصفات، أعطاه ما به يحصل الهدى، أعطاه الآلات، يسر له، أنزل عليه الكتب، فلذلك هو بالآلات التي معه قامت عليه الحجة؛ لكن الله جل وعلا ينعم على من يشاء من عباده بالتوفيق فيعينهم ويسدّدهم ويفتح لهم أسباب تحصيل الخير، ويمنع من شاء ذلك فلا يسدده ولا يعينه ولا يفتح له أسباب الخير بل يتركه ونفسه، وهذا معنى أنه جل وعلا يخذل؛ يعني لا يعين يترك العبد وشأنه ونفسه.
ومعلوم أنّ العبد عنده آلات يحصِّل بها الأشياء لكن هناك أشياء ليست في يده، هناك أشياء لا يمكن له أن يحصلها، فهذه بيد من؟ بيد الله جل وعلا؛ لأنّ الإنسان مرتبط قدرُه بأشياء كثيرة من الأسباب التي تفتح له باب الخير، مثل مثلا أن يكون ذا أصحاب أو أن ييسَّر له أصحاب يعينونه على الخير، مثل أن لا يكون في طبعه الخلقي مزيد شهوة إما شهوة كبر من كبائر القلوب أو من كبائر البدن، هذه الأشياء موجودة فيه خلْقا خارجة عن اختياره وتصرفه، فالله جل وعلا يوفق بعض العباد بمعنى يعينهم، فيعينهم على الأمر الذي يريدونه إذن فتح له باب خير وأراده فيحس العبد أنه أُعين على ذلك، إذا أراد فعل أمر ما من الخير يسر الله جل وعلا له أسبابا تعينه ففتح له طريق الخير.
وآخر لا، حضرته الشياطين وغلبته على مراده وأطاعها؛ لأنه لم يزوَّد بوقاية بإعانة بتوفيق يمنعه من ذلك.
فإذن صار عندنا أن مسألة إضلال الله جل وعلا مَن يشاء هو بخذلان الله جل وعلا للعباد.
وهداية الله جل علا من يشاء بتوفيق الله جل وعلا بعض العباد.
يعني أعان هذا وترك ذاك ونفسه، كونه جل وعلا أعان هذا هو بمشيئته، فإذن من يشأ الله يضلله يعني يسلب عنه التوفيق فيخذله فينتج من ذلك أن الله جل وعلا سلب عنه إعانته، سلب عنه تسديده، سلب عنه الأسباب أسباب الخير، سلب عنه غلق أبواب الشر من الكفر وما دونه فإنه يكون ضالا وضلاله هو بفعل نفسه؛ لأنه وكلّ إلى نفسه لكن الله جل وعلا لم يمن على هذا بمزيد توفيق.
فإذن مسألة الإضلال في كلام أهل السنة والجماعة عدل، ومسألة الهداية فضْل، ولهذا أعظم الفضل والنعمة والإحسان نعمة التوفيق، الذي هو في الحقيقة نعمة الهداية.
فإذن نقول: إنّ ربنا جل وعلا من على عباده المؤمنين فوفّقهم أعانهم سددهم هيأ لهم الأسباب التي توصلهم إلى الخير، حبّب لهم العلم، حبّب لهم الجهاد، حبّب لهم الحكمة، حبّب لهم الأمر والنهي، حبّب لهم أهل الخير إلى آخره، حبّب لهم كتابه مثل ما جاء.
وهذا التوفيق درجات أيضا ففي الهداية يكون فتح باب، وبعض الناس إذا انفتح له باب التوفيق نفسه فيها قُبح فتنازعه للشر فيكون بين هذا وهذا، وآخر نفسه فيها خير فمن الخير الذي معه أنه ينتقل منه توفيقا إلى توفيق أعظم منه حتى يصل بسبب عمله لأن الله جل وعلا ينعم عليه بتوفيق زائد ثم بتوفيق زائد ثم بتوفيق زائد، مثل ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره «وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه -يعني وُفِّق في سمعه- الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» هذا كله توفيق، مزيد إعانة في هذه الجوارح، الجوارح هذه هي التي عليها الحساب والتي يحاسب العبد على ما صنعت جوارحه.
إذن فحقيقة إضلال الله جل وعلا من شاء ليست جبرا، وهداية الله جل وعلا من شاء سبحانه وتعالى ليست جبرا، وإنما العبد عنده آلات وأمر بالتكليف وعنده الآلات، ولو كانت جبرا لصارت التكاليف -بعث الرسل، إنزال الكتب، الأمر والنهي، الجهاد- لكان كل ذلك عبثا، والله جل وعلا منزّه عن العبث؛ لأن العبث سلب الحكمة وشر والله جل وعلا الشر ليس إليه، لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته جل وعلا ?لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ(17) بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ?[الأنبياء:17-18]، والله سبحانه وتعالى منزه عن العبث يضل جبرا ويسلب العبد الاختيار بالمرة ثم يحاسبه وينزل عليه الكتب ويرسل الرسل ويأمره بالتكاليف كيف يكون ذلك؟ يكون كالغريق الذي يقال له(96) إياك أن تبتل بالماء وهذا العياذ بالله هو حقيقة قول الجبرية الذين قال قائلهم:
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له إيّاكَ إيّاك أن تبتلّ بالماء
وهذا ينزه عنه الحكيم الخبير جل جلاله، فمن عرف صفات الله جل وعلا وعلم حكمته، فإن القول بالجبر في حقيقة الأمر إبطال للتكاليف أو رجوع إلى أفعال الله جل وعلا بأنها لعب ولا حكمة فيها ولا تُوافق الغايات المحمودة، والله جل وعلا منزه عن ذلك.
(باب قول الله تعالى ?إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ?[القصص:56])، (لَا) هنا نافية، وقوله (تَهْدِي) الهداية المنفية هنا هي هداية التوفيق والإلهام الخاص والإعانة الخاصة، هي التي يُسميها العلماء هداية التوفيق والإلهام، ومعناها أنّ الله جل وعلا يجعل هداية التوفيق، معناها أن الله جل وعلا يجعل في قلب العبد من الإعانة الخاصة على قَبول الهدى ما لا يجعله لغيره، فالتوفيق إعانة خاصة لمن أراد الله توفيقه، بحيث يقبل الهدى ويسعى فيه، فجعل هذا في القلوب ليس إلى النبي (؛ إذ القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، حتى من أحب لايستطيع عليه الصلاة والسلام أن يجعله مسلما مهتديا، فمِن أنفع قرابته له أبو طالب ومع ذلك لم يستطع أن يهديه هداية توفيق، فالمنفي هنا هو هداية التوفيق.
والنوع الثاني من الهداية المتعلقة بالمكلف هداية الدلالة والإرشاد، وهذه ثابتة للنبي ( بخصوصه، ولكل داع إلى الله ولكل نبي ورسول، قال جل وعلا ?إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ?[الرعد:7]، وقال جل وعلا في نبيه عليه الصلاة والسلام ?وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)صِرَاطِ اللَّهِ?[الشورى:52-53]، (لَتَهْدِي) يعني تدل وترشد إلى صراط مستقيم بأبلغ أنواع الدلالة وأبلغ أنواع الإرشاد، الدلالة والإرشاد المؤيَّدان بالمعجزات والبراهين والآيات الدالة على صدق ذلك الهادي وصدق ذلك المرشد.
فإذن الهداية المنتفية هي هداية التوفيق، وهذا يعني أن النفع وطلب النفع في هذه المطالب المهمة يجب أن يكون من الله جل وعلا، وأن محمدا عليه الصلاة والسلام مع عِظم شأنه عند ربه وعِظم مقامه عند ربه وأنه سيد ولد آدم وأنه أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وأشرف الأنبياء والمرسلين إلا أنه لا يملك من الأمر شيئا عليه الصلاة والسلام.
فبَطَل -إذن- تعلق القلوب في المطالب المهمة في الهداية وفي المغفرة وفي الرضوان وفي البعد -بعد الشرور- وفي جلب الخيرات إلا بالله جل وعلا فإنه هو الذي تتعلق القلوب به جل وعلا خضوعا وإنابة ورغبا ورهبا وإقبالا عليه وإعراضا عما سواه سبحانه وتعالى.
انتهى من شرح الطحاوية.
تعديل التعليق