موسى ويوم عاشوراء : مختصرة
أبو ناصر فرج الدوسري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: ففي هذا الشهر الحرام وفي اليوم العاشر من محرم أنجى الله موسى عليه السلام وأصحابه من فرعون وقومه.
وقد تكرر ذكر قصتهم في القرآن، فهي أكثر القصص تكراراً في كتاب الله، وهذا يدل على كثرة فوائدها وما فيها من العبر.
فقد ابتُليَ بنو إسرائيل بظلم فرعون، قال تعالى ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ﴾
فماذا كان يفعل فرعون ببني اسرائيل؟
كان يقتل أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم, يأخذهن للخدمة, قال تعالى ﴿وَإِذ أَنجَيناكُم مِن آلِ فِرعَونَ يَسومونَكُم سوءَ العَذابِ يُقَتِّلونَ أَبناءَكُم وَيَستَحيونَ نِساءَكُم وَفي ذلِكُم بَلاءٌ مِن رَبِّكُم عَظيمٌ﴾
إن فرعون لما طغى وكذَّب رسول الله موسى عليه السلام , وسفك الدماء , وادعى أنَّه إله قومه في جرأة عظيمة على الله تعالى لم يبلغها أي إنسان, ونفى أن يكونَ يعلمُ إلهاً غيرَه لهم: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي﴾
وتدبّر – يا عبدالله – ما الذي أُمر به موسى قومه؟
﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
فهؤلاء قوم موسى ابتلاهم الله بفرعون الكافر الذي ادعى أنَّه إله وقَتَّل أبناءهم وأخذ بناتهم خادمات، ومع ذلك ما أمروا بقتاله وذلك لضعفهم، بل أمروا بالصبر والتوكل على الله والدعاء والصلاة ، وفي الآية دليل على أن الصلاة من أسباب تفريج الكربات.
وقد دل على ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
عباد الله: عندما امتثل بنو إسرائيل ما أمر الله به كانت العاقبةُ الطيبةُ
إذ نصرهم على عدوهم نصراً عظيما: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فأهلكَ فرعونَ وقومَه في يوم عاشوراء فصامه اليهود شكراً لله على نجاة موسى وقومهِ وغرقِ فرعونَ وقومهِ.
وكذلك أنعم الله عليهم بأن جعلهم يسكنون أرض الشام: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾
وتدبر قوله تعالى في الآية ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ يعني لأنهم صبروا على ما ابتلوا به من ظلم حاكمهم فرعون.
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا مِنْ قِبَلِ سُلْطَانِهِمْ صَبَرُوا مَا لَبِثُوا أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى السَّيْفِ فَيُوكَلُوا إِلَيْهِ ، وَوَاللَّهِ مَا جَاءُوا بِيَوْمِ خَيْرٍ قَطُّ ، ثُمَّ تَلا: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾. انتهى.
عباد الله: إنَّ مصير الطغاة والجبابرةِ والظلمةِ والمفسدين في الأرض, إنما هو الهلاك, فلقد أهلك اللهُ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما وأهلكَ عاداً الأولى, وثمودَ فما أبقى, وأغرقَ قومَ نوح, وأنَّ اللهَ جلَّ في علاه سيُهلك كلَّ من سار على ما سار عليه أولئك المكذبون الطواغيتُ المجرمون, فكلَّما زاد طغيانهم وإفسادهم كلما قرُب هلاكم وزوالُهم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله الله رب العالمين وأن محمد الصادق الأمين، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: لقد علمنا أننا نصوم يوم عاشوراء لأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون، ونصومه إتباعاً لنبينا ﷺ وطمعنا في قبول الأجر والثواب من الله عز وجل، قال ﷺ: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ).
وهذا التكفير للذنوب خاص بصغائر الذنوب ولا يشمل كبائر الذنوب ولا يكون إلا لمن صام على الوجه المأمور به شرعا وهو أن يحفظ صيامه مما يحرم كالغيبة والكذب ونحوهما من جميع الذنوب لقوله ﷺ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) .
فدل هذان الحديثان على أن الصيام الذي لا يحفظه صاحبه من المعاصي يكون ناقصا وربما لا يكون فيه أجر أبدا ومثل هذا لا يكفر سنة قبله.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ : (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ). فَمَاتَ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا فَصِيَامُ عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: أَدْنَاهَا أَنْ يُصَامَ وَحْدَهُ ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِي عَشَرَ مَعَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ويوم عاشوراء غداً السبت فاحرصوا عباد الله على صيام هذا اليوم واحتسبوا الأجر عند الله تعالى.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعظم الله لكم بها أجرا.
قَالَ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعليك اللهم بمن انتقص من قدر صحابة رسولك أو رمى زوجاته بما لم يكن فيهن.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ تقْوَاكَ ومخافتَكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.
اللّهمّ إنّا نسألك أن تؤلِّفَ بين قلوب المسلمين، اللّهمّ اجمع كلمتهم على الحقِّ يا رب العالمين، اللّهمّ اجمع كلمتهم على الكتاب والسنة، اللّهمّ ألِّف بين قلوبهم، ووحِّد صفوفهم، واجمع كلِمَتهم على الحقّ يا ربّ العالمين، اللّهمّ ثبّت أقدامهم وانصرهم على عدوّك وعدوّهم يا ربّ العالمين.
اللّهمّ انصر دينك وكتابك وسنّةَ نبيّك وعبادك المؤمنين، اللّهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمّر اللّهمّ أعداءَك أعداء الدين .
ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.