موسى عليه السلام قصة وعبرة *مختصرة* 12/1/1443هـ

محمد آل مداوي
1443/01/11 - 2021/08/19 08:54AM

الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين، ولا عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِين، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهُ الأَمِين، صَلَّى اللهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتَّابِعين، وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.. أما بعد: أيها المسلمون:

فأوَّلُ ما يُوْصَى به: تقوَى اللهِ في السرِّ والنَّجْوَى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ)

أيها المسلمون: في قَصَصِ الأنبياءِ عِبرةٌ وعِظَة، هي نورٌ للسَّائرين، وثَبَاتٌ للمُؤمنين: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)

ولمَّا اسْتُضعِفَ المسلمونَ بِمكَّةَ وأُوذُوا، وتَكبَّرَ المُشرِكونَ؛ أنزَلَ اللهُ عَلى المُسْلِمينَ سُورَةً تُقَرِّرُ أنَّ هُنَاكَ قُوَّةً وَاحِدَةً في الوُجُود، هِيَ قُوَّةُ اللهِ الذي لَهُ الخَلقُ وَالأَمْر؛ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (طَسِم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ).

 

في تلكَ الظُّرُوفِ وُلدَ مُوسى عليهِ السَّلامُ، وهَا هِيَ أُمُّهُ حَائِرَةٌ خَائِفَةٌ عَليه، عَاجِزَةٌ عَن حِمَايَتِه.. فألقَى اللهُ في رَوْعِهَا الإيمَانَ والأَمَانَ: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، فغَدَا اليَمُّ بأمْرِ اللهِ مَلْجأً آمِنًا، احتَضَنَ الرَّضِيعَ وحمَاهُ مِنْ كلِّ سُوءٍ.. (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)

وَهَلْ يُخشَى عَليهِ إلَّا مِن آلِ فرعون؟! ولَكنَّ إرَادَةَ اللهِ تَتَحدَّى فِرْعَونَ وُطْغيَانَه، بل ويقذِفُ اللهُ محبَّةَ موسَى في قلبِ امْرَأةِ فرعون: (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). وهل يجرُؤُ مخلوقٌ أنْ يمَسَّ بِسُوءٍ مَن أرادَ اللهُ له السَّلامةَ والنجاةَ؟!.

وجاؤوا لموسى بالمراضِع، فعافَهُنَّ، وتقدَّمَت أختُه تَعرِضُ أنْ تأتي لهم بمُرضِعَةٍ، فقَبِلُوا، فجاءَتْ بأمِّ موسى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ). وَعْدُ اللهِ لا يَتَخَلَّف، ومَنْ أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله، فاستَبْشِروا؛ فمَنْ تعَلَّقَ بخالقِه وتوكَّلَ عليهِ معَ الأخْذِ بالأسباب؛ فإنَّه لا ييأسُ مِنْ رَوْحِ الله؛ بل تزيدُه الشَّدائدُ قوَّةً وأملاً.

وأمرَ اللهُ موسى أنْ يذهبَ إلى فرعون: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) ، فيَتَجَرَّدُ مُوسَى مِنْ حَوْلِهِ وقوَّتِه، ويَنْطَرِحُ بينَ يَدَيْ ربِّه: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا). قال الله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).

فزادَ فرعونُ طُغيانا، (فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى) ، وحَضَرَ السَّحَرةُ، مُتآمِرينَ على موسى، مُعتمِدينَ على عِزَّة فرعون.. وفي هذا الحَشْدِ المَهِيب يُوصِي ربُّ موسى موسَى عليه السلام: (لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى) ، لا تخَفْ؛ لأنك الأعلى منهجًا، والأكرمُ خُلُقًا، والأعزُّ عقيدةً.

فرأى السَّحَرَةُ آياتِ الله ومُعجِزاتِه: (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) فحَوَّلَهُمُ الإيمانُ الصادِقُ مِن سَحَرَة، إلى شُهدَاءَ بَررة.. وهَدَّدَهُم فرعونُ، فكانَ جوابُهم: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).

بارك الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:

ولمَّا وَصَلَ الاستِكبارُ غايتَه؛ اقتربَتْ لحظَاتُ النَّصر؛ ففي اليومِ العاشِرِ مِن شَهْرِ الله المُحرَّم؛ أمَرَ اللهُ موسَى ومَنْ معَهُ بالخروجِ باتِّجَاه البَحر، فلَمَّا عَلِمَ فرعونُ سيَّر جيشًا عَظِيمًا لمُلاحَقَتِهم، حتَّى تيقَّنَ أصحَابُ موسى بالهلاك؛ فالبَحْرُ أمامَهُم، وفرعونُ وجُنْدُه خَلْفَهُم: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)

فلمَّا رأى فرعونُ الهلاكَ وأدركَهُ الغرَقُ: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائيل وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، وهيهَات (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ، ويأتي الحُكمُ مِن الله: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)

فكانَ اليومُ العاشرُ مِنْ مُحرَّم؛ يومًا مَشْهُودًا مِنْ أيَّام الله، فيهِ أنْعَمَ اللهُ على موسى ومَنْ معه، فصَامُوهُ شُكرًا لله، وصَامَهُ نبيُّنا محمدٌ r وقال لليَهُود: "نحنُ أحَقُّ بموسى منكم"، وأخبَرَ r أنَّ صِيامَ هذا اليومِ يُكفِّر السنةَ الماضية.

فهنيئًا لمن صامَ يومَ الأمسِ اقتداءً بسُنَّةِ رَسُولِ الله r، ورجاءَ تكفيرِ الذُّنوب. واعلموا -عبادَ الله- أنَّكم لا زِلتُم في شَهرٍ مُحرَّم، للصيَامِ فيه مَزِيَّةٌ وفضل.. فاتَّقوا الله، وعَظِّموا ما عظَّمَ الله، واحذَروا أنْ تَبْتدِعوا في دِينِ اللهِ ما لَم يأذَنْ به الله.

ثم أكْثِرُوا -عبادَ الله- مِنَ الصَّلاةِ والسَّلامِ علَى رَسُولِ اللهِ في كُلِّ وَقتٍ وحِينٍ، وأكْثِرُوا مِنْهَ في هذا اليَومِ الجُمُعَة، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، اللهم وعُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين، يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه وولي عهده لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وأصلح لهم البطانة، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.

اللهم احفظ رجالَ أمننا، وانصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم احفظهم بحفظك التام، واكلأهم بعينك التي لا تنام، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المرفقات

1629363250_خطبة_12_1_1443_موسى_عليه_السلام_قصة_وعبرة.docx

المشاهدات 1305 | التعليقات 0