موسم الامتحانات

محمد بن إبراهيم النعيم
1438/08/08 - 2017/05/04 08:43AM
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الأخوة في الله
إن كثيرا من أمور الحياة تأتي في مواسم محددة، حتى أصبحت السنةُ مليئة بالمواسم. فموسم العبادة يتكرر في حياة المسلم كل يوم وكل أسبوع وكل سنة، وهناك موسم زراعة، وموسم حصاد، وموسم شتاء، وموسم صيف، وموسم طفولة، وموسم فتوة، وموسم رجولة، وموسم شيخوخة، وهكذا الحياةُ مواسم.
فمن استغل كل موسم يمر عليه كان من المفلحين، ومن سها عنه أو فرط فيه ذاق وبال تفريطه.
ونحن في هذه الأيام نمر على أحد هذه المواسم، إنه موسم يخص أبنائنا الطلاب، هو موسم الامتحانات والتي يقال فيها: (عند الامتحان يُكرمُ المرء أو يهان).

لقد قرعت الامتحانات الأبواب على الطلاب واهتم لها الكثير وحمل همها كافة الأسرة.
فالطلاب الجادون يعيشون أياما عصيبة، حالة تأهب واستنفار، لو سألتهم عنها لقالوا أنها أبغض أيامهم إليهم، وبهذه المناسبة أحب أن أشاركَ إخواني الطلاب لأقدمَ لهم بعض الفوائد والاقتراحات، وأجيبَ على بعض التساؤلات، وأوضحَ بعض الأخطاء التي يقع فيها البعض في موسم الامتحانات في خمس وقفات:

الوقفة الأولى: أدعية الكرب: يسأل بعض الطلاب: هل يوجد بعض الأدعية أو الآيات التي يمكن أن يقولها الطالب وقت الامتحان؟ أو عند استلام ورقة الأسئلة لتسهيل أو تفريج همه؟ في الحقيقة لا يوجد أدعية بهذه الطريقة وبهذا التسلسل ولكن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من الدعاء في معظم أوقاته لأن الدعاء سلاح المؤمن.
وقد علَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل شدائد الأمور بعدة أمور منها: الإكثار من الصلاة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- الذي جعلت قرة عينه في الصلاة إذا حزبه أمر، أو أشغله أمر قام إلى الصلاة يدعو الله تعالى أن يفرجه ويسهله.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا استصعب عليه أمرا قال: (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا)، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه علَّم أسماء بنت عميس رضي الله عنها كلمات تقولها عند الكرب حيث قال لها:(ألا أعلمك كلمات تقولينها عند الكرب؟ الله، الله ربي لا أشرك به شيئا) رواه أبو داود.

فعليك أخي الطالب بكثرة التضرع إلى الله وتكرار دعاء موسى عليه الصلاة والسلام رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
وعليك بتحري أوقات إجابة الدعاء وهي كثيرة ومنها: بعد الآذان لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، ومنها أثناء السجود حيث قال -صلى الله عليه وسلم- (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه الإمام مسلم.

ومنها دعاء الوالدين فاستغله ما داما على قيد الحياة فإن دعاء الوالد خاصة مستجاب حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوةُ الوالد لولده ).
وأما إذا كانا قد توفيا فهما الذيْنِ بحاجة إلى دعائك واستغفارك لهما، وإن كنت أخي الطالب فَطِناً فلا تكتفي بالدعاء لنفسك بالنجاح، وإنما اطلب من أحد زملائك في الدراسة أن يدعو لك بظهر الغيب، وافعل معه مثل ذلك لكي تضمن الإجابة حيث قال -صلى الله عليه وسلم- (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين و لك بمثل) رواه الإمام مسلم. ‌

ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الطلاب أنهم قد يدعون على أنفسهم بالعمى أو نحو ذلك من حيث لا يشعرون، حيث أن بعضهم هداهم الله ممن ينوي الغش في الامتحان يدعو الله أن يعمي بصر المراقب عنه أو أن يشغله بنفسه عنه ونحو ذلك، وما علم هذا المغفل أن المسلم إذا دعا على أخيه وكان لا يستحق ذلك، رجعت عليه الدعوة أو اللعنة؟
فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا نازعته الريح على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلعنها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا تلعنها فإنها مأمورة مسخرة، وأنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت عليه) رواه أبو داود والترمذي.
ولذلك يخطي في المقابل بعض المراقبين حين يتساهلون في مراقبتهم خوفا من دعاء الطلاب أو ذويهم عليهم؛ لأنهم يؤدون عملا هو واجب عليهم فلا ينبغي أن يخافوا دعاء أحد، لأنه من دعاء على شيء ليس له بأهل رجعت عليه، فكأنما دعا على نفسه.

الوقفة الثانية: تعرف إلى الله في الرخاء: فيجب على المسلم أن يعرف ربه في الرخاء ليعرفه في الشدة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء).
فإنه يوجد كثير من الناس وخصوصا الطلاب في هذا الموسم بدءوا يعرفون الله عز وجل، وبدءوا يدخلون المساجد ويحافظون على الصلاة، وأمروا آباءهم لإيقاظهم لصلاة الفجر وهدفهم في ذلك المذاكرة، وليس من صفات المؤمن أن لا يعرف ربه إلا إذا تأزمت عليه الأمور كحال الكافر والمنافق.

وإن سؤال الله عز وجل ورجاءه عند الشدة فقط والغفلة عن ذلك في الرخاء، إنما هو من سِمة المشركين، قال تعالى: هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [يونس:22-23]. يقول ابن مسعود –رضي الله عنه-: إن العبد إذا كان يدعو الله في الرخاء ثم نزلت به شدة فدعا الله قالت الملائكة: يا رب هذا صوت معروف فيشفعون فيه، فإذا كان لا يدعو من قبل، ودعا زمن الشدة قالت الملائكة: يا رب هذا صوت غير معروف، فلا يشفعون فيه!

لذلك نجد بعض الناس لا يعرف ربه إلا إذا أتت عليه مشكلة، أو ألمَّ به مرض، فيبدأ في الصدقة والنذر والتضرع، ويقدم المواثيق لله على الاستمرار على الطاعة إن هو فرَّج عنه كربه، ولكن سرعان ما ينكر الجميل وينقض العهود عندما يفرج الله عنه.
وقديما قال الشاعر:
صلى وصام لأمر كان يطلبه، فلما انقضى الأمرَ لا صلى ولا صاما.

لقد عاب الله عز وجل على أقوام كان هذا سلوكهم فقال عنهم وإذا مسَّ الإنسان الضرُ دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما، فلما كشفنا عنه ضُره مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضرٍ مسَّه، كذلك زُين للمسرفين ما كانوا يعملون.
ومن العجيب أن يستمر هؤلاء الطلاب مع الله يلجئون إليه في أزمتهم وبعد ذلك انتهاء الامتحانات ينقضون العهود وينسون ربهم، وتهجر المساجد وينصرف الجميعُ يولون الدُبُر، وتعودُ بيوتُ الله سيرتها الأولى، تنتظر موسما آخر كي يعود إليها روادها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والبعضُ الآخر ينكر فضل الله عليه، فتراه يدعوا الله ويلحُ ويتضرع في الدعاء ليوفقه في أزمته وامتحانه، فإذا نجح في الامتحان وحقق الله مراده، قال: هذا بفضل مذاكرتي وجدي وذكائي ونسي فضل الله عليه، قال تعالى عن أمثال هؤلاء {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

لذلك يجب على الطالب إذا نجح بتوفيق الله أن يذكر فضل الله عليه ولا يجحد نعمته، وليقل نجحت بفضل الله تعالى ولطفه ولإعانته لي على المذاكرة ونحو ذلك.

الوقفة الثالثة: ظاهرة النذر، فبعض الناس إذا مرت عليه أو على أبنائه أيام الامتحانات قدم العروض والنذور لله (خصوصا من الأمهات) فنسمع من يقول علي نذر إذا نجح ابني صيام كذا يوم، أو تصدقت بكذا أو ضيفت أو ذبحت كذا ذبيحة وغير ذلك، يظن يفعله هذا أنه يتقرب إلى الله عز وجل.
فهذا النوع من النذور لا يجوز، وقد نهى عنه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- حيث روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النذر. وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر، وإنما يُستخرجُ بالنذر من البخيل) متفق عليه.

ولسان حال هذا النذر والمسمى بنذر المجازاة أو المعاوضة، كأنك تقول: يا رب إذا وفَّقتني أو وفقت ابني في الامتحان سأتصدق أو سأصوم كذا يوم، أما إذا لم توفقه في الامتحان فلن أصوم ولن أتصدق، وهذا هو حال البخيل فإنه لا يُخرج من ماله شيئا إلا بعوض.

ولكن قد يسأل سائل فيقول: كيف نجمع بين مدح الله تعالى للموفين نذورهم في قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وبين نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن النذر؟ قال العلماء: بأن النذر منهي عنه، خاصة نذر المجازاة، وأن أفضل النذر هو النذر غير المعلق على شيء، كمن يعافى من مرض ثم يقول بعد شفاءه: لله علي أن أصوم أو أتصدق بكذا شكرا لله على أن شفاني، وليس أن يقول: إذا شفيتني سأصوم أو سأتصدق. والقول الآخر أن النذر بصورة عامة منهي عنه، ولكن إذا نذرت يجب عليك الوفاء، وهنا أثنى الله تعالى ومدح من وفَّى بنذره، وليس من نذر ابتداءً. فدعوا النذر يا عباد الله ولا تكلفوا أنفسكم شيئا لم يكلفكم الله به.

الوقفة الرابعة وقت المذاكرة: على الطلاب استغلال أفضل أوقات المذاكرة وهو بعد صلاة الفجر، وقد دعا -صلى الله عليه وسلم- بالبركة لمن استغل هذا الوقت حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- مستجاب، قال النووي في شرحه على هذا الحديث: يُسن لمن له وظيفة من نحو قراءة أو علم شرعي وتسبيح أو اعتكاف أو صنعة: فعله أول النهار وكذا نحو سفرٍ وعقدِ نكاحٍ وإنشاء أمر لهذا الحديث.

فيا أيها الطلاب استغلوا ساعات النهار الطويلة، فناموا مبكرين واستيقظوا مبكرين لاستغلال أوقات الفجر المباركة وابتعدوا عن إطالة السهر وعن كثرة المنبهات كالشاي والقهوة فكل ذلك يؤثر سلبا على الحفظ والفهم.
فبعض الطلاب يلجئون إلى السهر والمواصلة لتوفير أكبر قدر ممكن من الوقت أو إلى استخدام بعض المنشطات والحبوب المسهرة، فلنحذر من ضررها فقد تسبب خللا في الأعضاء.

معشر الآباء علينا في هذا الموسم القصير والعصيب على أبنائنا، أن نراعي نفسيتهم، ونوفر لهم الجو المناسب للتحصيل والمذاكرة داخل البيت، فلا نكثر السهر، ولنوقف قليلا الزيارات العائلية والضيافات حرصا على عدم إشغالهم فيما يبعدهم عن دروسهم.

كما ينبغي علينا رفع معنوياتهم وتجنب السخرية منهم أو تعييرهم بفشلهم ورسوبهم في سنوات ماضية.
والحذر كل الحذر من الدعاء عليهم حيث نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا ساعة يُسال فيها عطاءُ فيستجاب لكم) رواه مسلم عن جابر –رضي الله عنه-.
والوقفة الخامسة والأخيرة ينبغي على الطلاب أن يحذروا من رمي الكتب الدراسية في الشوارع والقمامات بعد الفراغ منها فإن معظمها مليء بالآيات والأحاديث النبوية وإن لله حرمة، ولكتابه حرمة ولسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكتب العلم حرمة عظيمة، ألا فاتقوا الله في كتاب الله، اتقوا الله في الآيات، فالقرآن أعظم وأجل وأكرم من أن يرمى في الطرقات، أو تقطع أوراقه للامتحانات، فإياكم وامتهان كتاب الله فمن امتهن شيئًا من كتاب الله فإن الله يهينه، ولربما ينتقم منه في دينه أو دنياه أو آخرته.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرا، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله وارفقوا بأبنائكم وبناتكم، ها هي أيامهم قد أقبلت، وهمومهم قد عظمت، فخذوهم بالعطف والحنان واشملوهم بالمودة والإحسان، وأعينوهم على هموم الاختبار والامتحان يكن لكم في ذلك الأجر عند الكريم المنان، أحسنوا إلى الأبناء والبنات وخففوا عنهم في التبعات ويسروا عليهم يسر الله عليكم الأمور، أعينوهم على ما هم فيه، وقوموا بواجبهم عليكم، علموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم، فبعض الآباء غير مبال وغير آبه بحال أبناءه، فلا يدري عن الامتحانات، ولا يهمّه أنجح أبناؤه أم رسبوا، فهؤلاء نقول لهم: الله الله في هذه الذريّة الضعيفة، عيشوا مشاعِرهم، وأدخلوا السرور عليهم، وفروا لأبنائكم وبناتكم الجو المناسب للمذاكرة، واسهروا معهم، وأشعروهم بقربكم منهم، وادعوا لهم بالتوفيق والنجاح، وليسمعوا منكم هذا الدعاء ليفرحوا وترتفع معنوياتهم.
وليحرص الطلاب على دروسهم، وعلى كل طالب فرط في الماضي أن يتدارك الوقت المتبقي ويحرص على دروسه.
فمن أتعب نفسه قليلا في هذه الأيام المعدودة سيذوق حلاوة النجاح ويرتاحُ سنة كاملة، ومن تقاعس فيها سيذوق مرارة الرسوب ليس طوال العام فحسب، وإنما طوال حياته، كلما تذكر ذلك.

فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، هكذا قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقديما قال الشاعر:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى اهدنا إلى طاعتك وانصرنا على أعدائك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم وأصلح ولاة المسلمين وأطفئ نور المفسدين، اللهم زينا بالعلم وجملنا بالتقوى وألبسنا لباس العافية، اللهم وفق الطلاب والطالبات لما تحبه وترضاه، اللهم يسر أمورهم وشرح صدورهم وأصلح نفوسهم ووفقهم في امتحاناتهم، اللهم إنا نعوذ بك من كل عمل يخزينا ومن كل أمل يلهينا ومن كل فقر ينسينا ومن كل غنى يطغينا. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا محاربته واجتنابه. اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك. اللهم اقذف في قلوبنا رجاك واقطع رجائنا عمن سواك. اللهم أشغل أوقاتنا بطاعتك واصرفنا عن معصيتك. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين كيدا فاجعل كيده في نحره. اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين منهم سالمين. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان. اللهم كن معهم ولا تكن عليهم وانصرهم على من بغى عليهم.ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
المشاهدات 1279 | التعليقات 0