مواهب الجليل من أخبار الخليل

عبدالله المهنا
1432/04/23 - 2011/03/28 19:02PM
مواهب الجليل من أخبار الخليل


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئآت أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى فإن تقوى الله أقوم وأقوى واحذروا المخالفات فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
أيها المسلمون:
في محيط هذا البحر المتلاطم من الأعلام والشخصيات الدينية والسياسية والرياضية والمالية وغيرها.. تتعدد القدوات وتتنوع القناعات بأشخاص هم من بني آدم لحماً ودماً ولكنهم لا يحملون المباديء والعقائد التي تؤهلهم لأن يقتدى بهم, ويسعى الإعلام بمظاهره البرّاقة ووسائله المزوقة لإبراز الشخصيات على أنحاء منوعة لإقناع الناس بهم وتحبيبهم إلى الجماهير, ولكن المقة من الله.
ويبقى القرآن الكريم الوحي الإلهي هو المصدر الأقوى والمؤثر الأعلى لأنه الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
لقد أبرز الله تعالى في وحيه المبارك عدداً من الرموز والشخصيات والقدوات ليكونوا أسوة للناس لما وهبهم الله تعالى من الصفات التي تؤهلهم لأن يقتدى بهم فقال الله تعالى حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).
ولما ذكر عدداً من أنبيائه ورسله قال: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) فهؤلاء هم القدوات وهم الشخصيات التي تستحق الحب والموالاة ، لأن الله زينهم بالإيمان وكملّهم بالصفات الكريمة والأخلاق الجميلة .
أيها المسلمون :
من القدوات الكبار في تاريخ الدنيا رجلٌ عظيم أثنى الله تعالى عليه كثيراً في القرآن لما تمتع به من الأخلاق والأوصاف الكريمة ، ذلكم هو الشخصية الثانية في العالم بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، هو الإمام والأمة ولو كان وحيداً .
وإليكم شيئاً من سيرته وأوصافه ليتذكر الجيل قدواتنا الكبار يوم أن شُغل الناس بالتافهين وتعلقت قلوبهم بالفاسقين.
إنه إبراهيم خليل الله .
ولد إبراهيم عليه السلام في غوطة دمشق في قرية يقال له ( برزة ) في جبل قاسيون.
اسمه إبراهيم ومعناه بالسريانية (أب رحيم ).
كنية أبو الضيفان.
أولاده إسماعيل وإسحاق.
كان من وصفه أنه رجل طويل , وفي حديث الرؤيا قال صلى الله عليه وسلم : (فانطلقنا فأتينا روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط.. قال : وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ) رواه البخاري.
وأما شبهه فهو أشبه الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم ) رواه البخاري.
وقال : ( أنا أشبه ولد إبراهيم ) رواه البخاري .
وأما زوجته فهي سارة وقد كانت من أجمل النساء ، فلما انتقل إبراهيم من العراق وأراد دخول مصر كان فيها ملك ظالم يأخذ النساء الحسان فقال له زبانيته : إن ههنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس .
وفي حديث الإسراء لما ذكر صلى الله عليه وسلم يوسف عليه السلام قال ( إنه أعطي شطر الحسن ) زاد أبو يعلى ( أعطي يوسف وأمه شطر الحسن ) يعني سارة. الفتح 6/452.
وكانت سارة عقيماً لا تلد فتسرى إبراهيم بهاجر الأمة التي أعطاها الملك الظالم لسارة فأهدتها إلى إبراهيم فحملت هاجر وولدت إسماعيل عليه السلام أبو العرب كلهم.
ولعظم قدر إبراهيم عليه السلام وفضله عنه الله لم يأمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة أحد من الأنبياء غير إبراهيم فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ) واعتبر الله تعالى من يرغب عن ملة إبراهيم سفيهاً لا عقل له وإن أوتى من الذكاء ما أوتي فقال تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلامن سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة من الصالحين ).
ولنقض دعاوى المشركين في انتسابهم إلى إبراهيم وملته ينفي الله تعالى ذلك كله وينسفه نفساً إذ يقول تعالى : (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ).
وهاهم في كل زمان يدّعون انتسابهم إلى إبراهيم مع بقائهم على الشرك بالله والكفر به فيرد الله دعواهم بقوله: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان المشركين ).
فأقرب الناس صلة بإبراهيم وأولاهم بمتابعته وموالاته هم نحن المسلمين الحنفاء , فكلما قرب الإنسان من عقيدة إبراهيم في الحب في الله والبعض في الله والموالاة في الله والمعاداة فيه كان أولى بإبراهيم من غيره قال تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين).
ولقوة تعلق إبراهيم بالله وتوجهه إليه وقطع علائقة بالبشر فكان مؤهلاً لأن يكون إماماً يقتدى به .
قال تعالى : (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً ) فلما أتم إبراهيم ما أمره الله به من واجبات الإسلام جعله إماماً للناس وفضّله واصطفاه على العالمين.
ولما تحلى به إبراهيم عليه السلام من الصفات المعنوية الجميلة استحق بها أن يكون إماماً ، فإن الناس من عادتهم أنهم يأتموا بالكريم الحليم الشجاع المقدام .
قال تعالى ( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) .
فكان إبراهيم قانتاً لله أي مديماً لطاعة ربه ، مخلصاً له الدين , حنيفاً أي مقبلاً على الله بالتوحيد مائلاً منصرفاً عن الشرك وأهله.
وكان عليه السلام حليماً أوّاهاً منيباً ، والحليم كثير الحلم ليس سريع الغضب ، والأواه قيل هو الرحيم بلسان الحبشة ، وقيل هو الخاشع المتضرع في الدعاء ، وكان إذا ذكرت النار قال : أواه من عذاب الله .
ومن أخلاقه الكريمه أنه لا يكذب فقال قال صلى الله عليه وسلم ( لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ) البخاري.
وفي رواية ( تنثين منهن في ذات الله , بل كلهن في ذات الله وهي قوله: بل فعل كبيرهم هذا وقوله : (إني سقيم) وقوله لسارة هي أختي يعني في الإسلام ) .
وهذه مؤهلات عظيمة للقدوة.
ولم يكن إبراهيم متعلقاً بالدنيا ، وكان إقباله على الله ، ثابتاً على ما هو عليه من الدين الحق والدعوة إلى الله ، رغبة في ما عند الله ، قال المفسرون : ( إن إبراهيم كان أمة ) لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين ( قانتا لله ) لا للملوك ولا للتجار المترفين ( حنيفاً ) لا يميل يميناً ولا شمالاً كفعل العلماء المفتونين ( ولم يك من المشركين ) خلافاً لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين.
وإبراهيم عليه السلام من كرماء العالم ومحبي الأضياف اشتهر بذلك وفاق أجواد العرب وغيرهم قال الله تعالى مثنياً عليه ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) فقوله تعالى ( فما لبث )أي ما أبطأ عن مجيئه بالطعام وقوله ( فراغ ) أي مال وحاد وذهب في سرعة لا يشعر بها الضيف حتى لا يزعجه ويقلقه , وهذا يدل على التمرّس في إكرام الضيف ووجود أدوات الطبخ والضيافة على كل حال.
وكان أضيافه هؤلاء ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرائيل ومع ذلك قدّم لهم عجلاً كاملاً إكراماً لهم .
فلما رأى أنهم لا يأكلون استنكر ذلك منهم , وكان مع جبريل عوداً ينكت به على اللحم ويقول : لا نأكل إلا بالثمن ، فقال إبراهيم : ثمنه أن تسموا الله قبل أن تأكلوا وأن تحمدوه بعد أن تأكلوا , فنظر الملائكة بعض إلى بعض وقالوا : حق لهذا أن يتخذه الله خليلاً .. فمسح جبريل على العجل فقام يمشي إلى أمه .
ويروى أن إبراهيم لكرمه بنى له قصراً وجعل له أربعة أبواب ليرى الأضياف من كل ناحية ، فمن فاته من هذا الباب لا يفوته من الباب الثاني ، ومن فاته من الثاني لا يفوته من الثالث ، وهكذا.. وفي بعض الآثار قال الله : أتدري يا إبراهيم لم اتخذتك خليلاً ؟ قال : لا يارب !! قال الله تعالى : لأني رأيت الإعطاء أحب إليك من الأخذ ..
ومن أعظم خصال إبراهيم عليه السلام قيامه في إنكار الشرك وتعظيم الأصنام ، ومحاجته لقومه في بطلان الشرك مما يحتاج ذلك إلى بسط أطول من هذا المقام .
فاشكروا الله أيها المسلمون أن جعل لكم من هؤلاء الأعلام من تقتدون وتأتمون بهم ، وجعل ذكرهم وأخبارهم باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،،، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ..

د.عبدالله بن سليمان آل مهنا
جامع الصفيان بالسويدي
المشاهدات 2940 | التعليقات 1

بارك الله فيك يادكتور على هذه الخطبة الجميلة ونفع بك

وننتظر منك المزيد من الإبداعات