مواعظ برد الشتاء
عايد القزلان التميمي
1444/06/20 - 2023/01/13 08:44AM
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
ثم أما بعد:
ثم أما بعد:
ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ:
نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُو أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ)).
فعلى المسلم أن يستدفع أذى الحر والبرد؛ فإن الحر والبرد شِدَّتُها من أعداء بني آدم، وعلى المسلم أن يتذكر في شدة البرد جهنمَ فيستعيذ منها؛ لأن أشدَّ ما تجدون من البرد هو من جهنم وكان عمر بن الخطاب إذا حضر الشتاء تعاهَدَهُم وكتب لهم بالوصية: (إن الشتاء قد حَضَر، وهو عَدُوٌّ لكم؛ فتأهَّبُوا له أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ والخِفافِ والجوارِب، واتَّخِذُوا الصُّوفَ شعارًا ودثارًا؛ فإن البردَ عدوٌّ سريعٌ دخولُهُ، بَعِيدٌ خُرُوجُهُ).
فعلى المسلم أن يأخذ بوصية الفاروق ، وأن يخاف من البرد، وأن يَسْتَعِدَّ لَهُ استِعدادًا كاملاً، لا سيَّما في أوَّلِ وقته؛ فإنه أضَرُّ ما يكونُ على المسلمِ كمثل هذه الأوقات.
أيها المؤمنون، في فصل الشتاء يلبس أكثر الناس الجوارب، ولم يهتم بعضهم بأحكام لبسها، وهذا الأمر اهتمّ به شرعنا المطهر، فأجاز المسح على الجوارب، وحدَّد أوقاتاً معينه وبين لنا كيفيته
أما بداية مدة المسح على الخفين أو الجوربين فإنها تكون مِن أول مسحةٍ بعد الحَدَث وليس من أول لبس الخف وجعل للمقيم يومًا وليلة أي: أربعًا وعشرين ساعة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن أي: اثنتان وسبعون ساعة،
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ((أن الذي يُمسح هو أعلى الخف، فيُمرّ يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة، كما تمسح الأذنان، لأن هذا هو ظاهر السنة، لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "فمسح عليهما"، ولم يقل بدأ باليمنى بل قال: مسح عليهما، فظاهر السنة هو هذا. نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى، وكثير من الناس يمسح بكلتا يديه على اليمنى وكلتا يديه على اليسرى، وهذا لا أصل له فيما أعلم....وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل.
((انتهى كلامه رحمه الله
عباد الله إن فصل الشتاء هو أمنية أهل السلف؛ لأنه كما قال ابن عمر: (أمنية العابدين)،
وقد قال ابن مسعود: (مرحبًا بالشتاء، تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام).
هذه أخبار من قبلنا مع فصل الشتاء،.
فيا عباد الله ، لنترك التوسع في المباحات، ونجدّ في طلب مرضاة الرحمن في ليالي الشتاء الطوال وفي غيرها، وندرب أرواحنا مع القيام والصيام، فالرسول يقول كما في الحديث الذي صححه الألباني: ((الصوم في الشتاء الغنيمةُ الباردة)).
ويُحْيِي الشتاء فينا ـ أيها المسلمون ـ اتباع إرشاد الرسول بعدم إبقاء النار وما شابهها مشتعلة حال النوم؛ لما في ذلك من خطر الاحتراق أو الاختناق، فقد جاء في البخاري ومسلم أن النبي قال: ((إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم)).
وهنا بشرى لمن أصابته الحمى بتكفير الخطايا والذنوب، وكثيرا ما يصاب بها الناس في هذه الأيام، وهذا توجيه نبوي من رسول الهدى لأم السائب حينما قال لها: ((ما لك يا أمَّ السائب؟)) قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: ((لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب خبث الحديد)) رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا،
أما بعد فيا عباد الله :
ينبغي للمسلم أن يتعظ بمواعظ الشتاء وهي كثيرة: منها الصبر على الطاعات وتحمل الأذى في سبيل الله، فبالصبر على الطاعة يمحو الله الخطايا ويرفع الدرجات، يقول : ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟! إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)).
ونستفيد هذا من قوله: ((إسباغ الوضوء على المكاره)) أي: على البرد وتحمل ذلك في سبيل الله.
ومن المواعظ معرفة حقيقة الدنيا من أنها قصيرة، لأنها متاع زائل ومتاع الغرور، ولأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وليس للإنسان فيها إلا ما أكل فأفنى ولبس فأبلى وتصدق فأبقى، ولذا قال الله تعالى: فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
ومن المواعظ تذكُّرَ الآخرة والاستعداد لها، فإنها الدار الباقية، يقول الله تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا .
ومن المواعظ أن نستفيد من فقر الناس وحاجتهم إلى المسكن وإلى الأطعمة وإلى الألبسة وإلى الأدوية، فيتصدق المسلم ويدخل السرور عليهم، ورضي الله عن معاذ الذي بكى عند موته وقال: (أبكي على أربع: أيام الصيف الحارة كنت أصومها، وليالي الشتاء البارة كنت أقومها، ومجالسة العلماء، ومصاحبة الصالحين)
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات
1673588675_مواعظ برد الشتاء.docx