مواسم الخيرات في العشر واستحكام الغفلة وأحكام الأضحية
سليمان بن خالد الحربي
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ حَقَّ التَّقْوَى، فَاللهُ -جَلَّ وَعلَا- يَقُولُ: {وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197].
مَعْشَرَ النَّاسِ! وَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي أَيَّامٍ فَاضِلَةٍ شَرِيفَةٍ طَالَـمَا تَنَافَسَ فِيهَا الصَّالِـحُونَ، وَتَزَوَّدَ مِنْهَا الرَّابِحُونَ إِلَّا أَنَّ الغَفْلَةَ فِي زَمَانِنَا اسْتَحْكَمَتْ عَلَى الكَثِير مِنَّا!
وَقَدْ أَخْبَرَنَا الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي "صَحِيحِ البُخَارِيِّ" أَنَّ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ مَا كَانَ فِي هَذِهِ العَشْرِ، فَمَنْ عَجَزَ عَنِ الحَجِّ فِي عَامِهِ وَقَدَرَ فِي هَذِهِ العَشْرِ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فِي بَيْتِه يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الجِهَادِ وَثَوَابِهِ، وَمَعَ هَذَا نَجِدُ مِنْ أَنْفُسِنَا غَفْلَةً مُسْتَحْكَمَةً فِي التَّفْرِيطِ فِيهَا، وَكَأَنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنَ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ!
شَرَعَ اللهُ لَنَا فِي هَذِهِ العَشْرِ الذِّكْرَ وَالتَّكْبِيرَ، وَأَيُّ جَهْدٍ فِي عَمْلِ اللِّسانِ حَيْثُ لَا تَعَبَ وَلَا كَلَلَ؟! وَلَكِنَّ الحَقِيقَةَ أَنَّ البَدَنَ لَا يَشْكُو مِنَ الجَهْدِ بِقَدْرِ مَا يَشْكُو القَلْبُ مِنَ الغَفْلَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205]، {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 97].
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي:
يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}[مريم:39]».
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: «خَرَابُ القَلْبِ مِنَ الأَمْنِ وَالغَفْلَةِ، وَعَمَارَتُهُ مِنَ الخَشْيَةِ وَالذِّكْرِ».
أَيُّ جَوَابِ لِـمَنْ لَا زَالَ فِي غَيِّهِ وَانْصِرَافِهِ، وَهُوَ فِي أَعْظَمِ أَيَّامِ السَّنَةِ لَا زَالَ مُضِيِّعًا لِلصَّلَوَاتِ، مُؤْذِيًا لِعَبَادِ اللهِ، هَاجِرًا كِتَابَ اللهِ، قَاطِعًا مَا أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يَصِلَهُ؟! مَتَى تَتَحَرَّكُ مَشَاعِرُ الإِيمَانِ إِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ فِي هَذَا الزَّمَانِ؟! مَتَى يَفِيقُ وَاعِظُ القَلْبِ وَهُوَ يَرَى الحُجَّاجَ يَنْصَرِفُونَ إِلَى الدِّيَارِ الـمُقَدَّسَةِ ترَكوا الأَوْطَانَ وَالأَوْلَادَ إِلَى مَجْمَعٍ عَظِيمٍ لَا تَعْرِفُ الدُّنْيَا مِثْلَهُ؟!
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «جِمَاعُ الشَّرِّ الْغَفْلَةُ وَالشَّهْوَةُ، فَالْغَفْلَةُ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ تَسُدُّ بَابَ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ الذِّكْرُ، وَالشَّهْوَةُ تَفْتَحُ بَابَ الشَّرِّ وَالسَّهْوِ وَالْخَوْفِ، فَيَبْقَى الْقَلْبُ مَغْمُورًا فِيمَا يَهْوَاهُ وَيَخْشَاهُ، غَافِلًا عَنِ اللهِ، رَائِدًا غَيْرَ اللهِ، سَاهِيًا عَنْ ذِكْرِهِ، قَدْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ اللهِ، قَدْ انْفَرَطَ أَمْرُهُ».
إِنَّ عِنْوَانَ سَعَادَةِ الـمَرْءِ وَدَلَائِلَ تَوْفِيقِهِ إِنَّـمَا يَكُونُ فِي إِنَابَتِهِ لِرَبِّهِ، وَاسْتِقَامَتِهِ عَلَى شَرْعِ اللهِ وَدِينِهِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالَاتِهِ، وَإِقْبَالِهِ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وَعُبُودِيَّةٍ صَادِقَةٍ، لَاسِيَّمَا فِي الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ، وَأَنْ لَا تَشْغَلُهُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا، وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِ مَا يُؤَمَّلُ مِنْهَا عَنِ الاسْتِعْدَادِ لِلْحَيَاةِ البَاقِيَةِ، وَالتَّزَوُّدِ لِلدَّارِ الآخِرَةِ، فَذَلِكَ سَبِيلُ الصَّالِـحِين، وَنَهْجُ الـمُتَّقِين مَمَّنْ وَصَفَهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيل بِقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَارُ} [النور:37].
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الصَّالِحِينَ عَلَى الرَّغْمِ مِنِ اشْتِغَالِهِمْ بِالبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمَا يَحْتَاجُونَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَائِلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ اللهِ -جَلَّ جَلَالُهُ- اسْتِحْضَارًا يَحْمِلُ عَلَى تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَشْيَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالقِيَامِ بِعِبُودِيَّتِهِ حَقَّ القِيَامِ.
وَهَكَذَا شَأْنُ الـمُؤْمِنِ حَقًّا، يَغْتَنِمُ أَيَّامَ العُمرِ وَأَوْقَاتِ الحَيَاةِ بِجَلَائِلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَبْتَغِي فِيمَا آتَاهُ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ؛ لِعْلِمِهِ أَنَّ هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا مَا هِيَ إِلَّا وَسِيلَةٌ لِلْفَوْزِ بِالحَيَاةِ البَاقِيَةِ، وَالظَّفَرِ بِالسَّعَادَةِ الدَّائِمَةِ، لَا أَنَّهَا غَايَةٌ تُبْتَغَى، وَلَا نِهَايَةٌ تُرْتَجَى، بَلْ إِنَّـمَا هِيَ عَرَضٌ زَائِلُ، وَظِلٌّ آفِلٌ، يَأْكُلُ مِنْهَا البَرُّ وَالفَاجِرُ، وَأَنَّهُ مَهْمَا طَالَ فِيهَا العُمرُ، وَفُسْحَ فِيهَا لِلْمَرْءِ الأَجَلُ، فَسَرْعَانِ مَا تَبْلَى، وَعَمَّا قَرِيبٍ تَفْنَى، وَلَيْسَ لَـهَا عِنْدَ اللهِ شَأْنٌ وَلَا اعْتِبَارٌ، وَإِنَّـمَا هِيَ قَنْطَرَةٌ إِلَى الجَنَّةِ أَوِ النَّارِ!
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِـمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إليهِ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهْ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَيمِ فَضِلِهِ وَامْتِنَانِهْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى جَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَعْوَانِهِ، أمَّا بَعْد:
عِبَادَ اللهِ! وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِكُمْ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، يَوْمُ الـمُبَاهَاةِ، وَهُوَ يَوْمُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ»، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:1 - 3]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الشَّفْعُ يَوْمُ الأَضْحَى، وَالوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ»، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرَمَةَ وَالضَّحَاكِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}-: الشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَالـمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَجَاءَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ لَا وَهُوَ يَوْمٌ يُبَاهِي اللهُ بِعِبَادِهِ، وَفِيهِ يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الـمَفْرُوضَاتِ، وَتَبْدَأُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟! فَهَذِهِ ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ فَرِيضَةً، تُكَبِّرُونَ بَعْدَهُا وَتَقُولُونَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
وَيُشْرَعُ فِيهِ الذِّكْرُ وَشَهَادَةُ التَّوْحِيدِ؛ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
وَمِنْ أَعْظَمِ العِبَادَاتِ صِيَامُهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ قَالَ: «أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الـمَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ»، وَيَوْمُ عَرَفَةَ لَيْسَ خَاصًّا فَضْلُهُ لِلْحُجَّاجِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ لِكُلِّ الـمُوَحِدِّينَ، فَفَضِيلَةُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ وَالجَوَائِزُ يَنَالُـهَا كُلُّ مَنْ تَوفَّرْتْ فِيهِ أَسْبَابُ النَّجَاحِ، فَلَا تَزْهَدُوا بِيَوْمِكُمْ، وَلَا يُخَذِّلَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ بِالتَّقَاعُسِ وَالتَّكَاسُلِ فِي هَذَا اليّوْمِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الأَعْمَالِ الأُضْحِيَةُ، وَمِنْ أَحْكَامِهَا: أَنَّهُ لَا يُضَحَّى إِلَّا بِالثَّنِيِّ مِنَ الإِبِلِ وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَالثَّنِيِّ مِنَ البَقَرِ وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَالثَّنِيِّ مِنَ الـمَعِزِ وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَالجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ نِصْفُ سَنَةٍ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ.
فَعَلَيْكُمُ -أَيَّهَا البَاعَةُ- أَنْ تَتَّقُوا اللهِ فِي أَسْنَانِ مَا تَجْلِبُونَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ السِّنَّ، وَإِنَّـمَا يَكِلُ الأَمْرَ إِلَى ذِمَـمِكُمْ.
وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ النَّاسِ: أَنَّ أَيَّ عَيْبٍ فِي الأُضْحِيةِ يَظُنُّهُ لَا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا، وَهَذَا فَهْمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَهُنَاكَ مِنَ العُيُوبِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ كَالعَرَجِ البَيِّنِ وَالـمَرَضِ البَيِّنِ، وَهُنَاكَ مِنَ العُيُوبِ الَّتِي تُجْزِئُ مَعَهَا الأُضْحِيَةُ، وَلَكِنْ غَيْرُهَا أَوْلَى مِنْهَا؛ كَمَشْقُوقَةِ الأُذُنِ، وَمَكْسُورَةِ القَرْنِ، وَهُنَاكَ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ كَالخِصَاءِ مَثَلًا.
وَمِنْ أَعْظَمِ الأَعْمَالِ فِي هَذِهِ العَشْرِ حُضُورِ صَلَاةِ العِيدِ، وَشُهُودِ الخَيْرِ وَدَعْوَةِ الـمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: «أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُخْرِجَ فِي العِيدَيْنِ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ الـمُسْلِمِينَ».
المرفقات
1656343173_مواسم الخيرات في العشر واستحكام الغفلة وأحكام الاضحية.docx