مواسم التوبة-23-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/11/22 - 2024/05/30 05:38AM

مواسم التوبة-23-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

ماذا يُريدُ اللهُ-تعالى-مِنَّا؟ اسمعُوا إلى هذه الآيةَ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) اللهُ خالقُنا ورازقُنا صاحبُ الفضلِ كلِّه على العالَمينَ، يُريدُنا أن نتوبَ فيتوبَ علينا جميعًا، حتى نرجعَ إلى الجنَّةِ التي أُخْرِجْنا منها، ولذلكَ أرسلَ الرُّسلَ-عليهمُ السَّلامُ-، وأنزلَ الكُتبَ بواسطةِ الملائكةِ الكِرامِ، ليدلَّنا على طريقِ الجنَّةِ فندخلَها بِسلامٍ، قالَ-سُبحانَه-: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ).

تَأَمَّلُوا في الفُرصِ التي أَعطَانا إيَّاها لَنتُوبَ فَيَتُوبَ عَلينَا، وَنستَغفِرَ فَيَغفِرَ لَنا؟ يَنزلُ كلَّ ليلةٍ نزولًا يَلِيقُ به، ليسمعَ أنينَ التَّائبينَ، ويُجيبَ دُعاءَ الدَّاعينَ، ويغفرُ لعبادِه المُستغفرينَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ".

تُفتحُ أبوابُ الجنَّةِ مرتينَ في الأسبوعِ للمؤمنينَ، فيَغْفِرُ اللهُ للموَّحدينَ إلا المُتخاصِمِينَ، قالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ، أَنْظِرُوا-أَخِّروا-هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وهكذا تتكرَّرُ الفرصةُ مرتينِ أُسبوعيًا للفوزِ بمغفرةِ ربِّ العالمينَ، فإياكَ والخِصامَ مع إخوانِك المُسلمينَ.

ختمَ اللهُ الأسبوعَ بساعةٍ، لا يَسألُه عبدٌ مسلمٌ شيئًا إلا أجابَ دُعاهُ، ومن أعظمِ الدُّعاءِ هو التَّوبةُ من الذُّنوبِ، ورجاءُ المغفرةِ من علَّامِ الغُيوبِ، ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ-تَعَالَى-شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ"، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، والأرجحُ أنها آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

يا ربِّ إني قد أَتيتُك تَائبًا*

                            فاقبلْ بعفوكَ تَوبةَ النَّدمانِ

من لي سِواكَ يُجيرني ويُعيدُني*

                            من عَالمِ الأهواءِ والشَّيطانِ

سُدَّتْ بوجهي كُلُّ أبوابِ المُنى*

                           فأتيتُ بابَك طالبَ الغُفرانِ

جعلَ في السَّنةِ شهرًا فِيهِ عَظيمُ المَزَايا، هو شهرُ التَّوبةِ وغُفرانِ الخطايا، صومُه مغفرةٌ، وقيامُه مغفرةٌ، بل قيامُ ليلةٍ فيه من لياليهِ الأخيرةِ، مغفرةٌ لذنوبِ السَّنواتِ الكثيرةِ، المغفرةُ فيه أسهلُ من شُربِ الماءِ، قالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ"، فيه يتوبُ اللهُ على التَّائبينَ، ويغفرُ اللهُ ذنوبَ المُستغفرينَ.

ختمَ اللهُ-سُبحانَه-السَّنةَ بعشرةِ أيامٍ هي خيرُ أيامِ الدُّنيا، "الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ سَائرِ العَامِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وسِلَّمَ-: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"، ثُمَّ جعلَ في بدايةِ السَّنةِ يومًا، من صامَه غُفرَ له السَّنةُ الماضيةُ، حتى يبدأَ العامَ الجديدَ، بصفحةٍ بيضاءَ نقيَّةٍ، قالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".

فما معنى هذا أيُّها الأحبابُ؟ مَواسمٌ لِلطَّاعاتِ، ومَغفِرةٌ لِلخَطيئاتِ، وصومُ ساعاتٍ فيه تكفيرٌ لجبالِ السيِّئاتِ، فَليسَ لهذا معنى إلا أنَّه-سُبحانَه-يحبُ التَّوبةَ، ويحبُ من عبادِه أن يُقبلوا عليه بالقليلِ، ليُقبلَ عليهم بالجزيلِ، فأيُّ فضلٍ هذا؟ وأيُّ كرمٍ هذا؟ وأيُّ عفوٍّ هذا، وأيُّ رحمةٍ ومغفرةٍ هذه؟ فأينَ التَّائبونَ؟ أينَ المُستغفرونَ؟

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فاللهُ-سُبحَانَهُ-يفرحُ بتوبةِ عبدِه أشدَّ الفرحِ، قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ"، يقولُ ابنُ القيمِ-رحمَهُ اللهُ-: ولم يجيء هذا الفرحُ في شيءٍ من الطَّاعاتِ سِوى التَّوبةِ.

و جعلَ للتَّوبةِ بابًا عظيمًا جِهةَ المغربِ، قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ، لاَ يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ‏-:‏ ‏(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ‏)‏.

فيا أيُّها الحبيبُ: ضعْ يدَك بيدٍّ بُسطتْ لكَ باللَّيلِ والنَّهارِ، وأقبلْ على رحمةِ العزيزِ الغفَّارِ، يَدٍ بسطَها اللهُ-تعالى-لعبادِه حتى لا يقنطوا من رحمتِه، قالَ الرسولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِن الله-تَعَالَى-يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها"، فأدركْ البابَ قبلَ الإغلاقِ، في يومٍ عظيمٍ يكونُ مِن مغربِه الإشراقُ، فلا توبةً حينَها تُسمعُ، ولا ندمَ حينَها يَنفعُ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1717036735_مواسم التوبة-23-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1717036735_مواسم التوبة-23-11-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 807 | التعليقات 0