من وسائل زيادة الإيمان لفضيلة الشيخ صالح الجبري

منصور الفرشوطي
1436/05/21 - 2015/03/12 20:15PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من وسائل زيادة الإيمان
الخطبة الاولى
اما بعد :
أبدأ حديثي معكم اليوم بهذا السؤال : لماذا عندما يشعر أحدنا بأي عارض صحي يلجأ فورا لمراجعة الأطباء والمستشفيات ولا يتهاون في ذلك ؟ ومع أن ذلك من حق كل مريض، لكن لماذا نحن حريصون على صحتنا؟ ولا نحرص مثل هذا الحرص على إيماننا ؟".
الإيمان يضعف أيها الإخوة ، فعندما نؤدي العبادات أداء شكليا، عندما لا نصلي النوافل ، حينما نتكاسل عن تلاوة القرآن، حينما يزيغ البصر فينظر لما حرم الله، عندما نجلس في مجلس نتكلم فيه بلا قيد ولا شرط ، هذه من حالات ضعف الإيمان، الإنسان عندما يضعف إيمانه تقل رغبته في أداء العمل الصالح ، كلما كلف بعمل صالح تهرب من أدائه ، همه الدنيا على حساب الآخرة ، حتى أنه لا يفكر في استقامة ولا في توبة، هذه كلها حالات تؤدي إلى مزيد من ضعف الإيمان.
أيها الإخوة : لابد أن نعلم أن الإنسان في سيره إلى الله عز وجل في الدنيا هو في حركة دائمة ومستمرة فيما يخص الطاعات والمعاصي، ولا يقف عند نقطة معينة، فإذا بدأ بخطأ ولم يتب منه ؟ سيزداد هذا الخطأ، أو بدأ بطاعة فستقوده إلى طاعة أخرى، لذلك أحد الصحابة الكرام سأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار؟ قال إيمان بالله، فقال هذا الصحابي أمع الإيمان عمل ؟ قال: أن تعطي مما أعطاك الله (الإنفاق) ، قال: فإن كان لا يجد ما يعطي، قال: أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، قال: وإن كان لا يحسن؟ قال فليعن الأخرق، فقال: فإن لم يفعل؟ قال: ليمسك أذاه عن الناس، فجاء السؤال الكبير، أو إن فعل هذا دخل الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال، إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ) .
أي إذا كف أذاه عن الناس؟ بعد ذلك سيعين الأخرق، وإذا أعان الأخرق؟ بعد ذلك يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، وبعد ذلك سينفق مما أتاه الله عز وجل وهكذا، فالأعمال الصالحة تزداد، والأعمال السيئة تزداد وهذا هو معنى الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، إذن من وسائل تقوية الإيمان الاهتمام بالطاعات واجتناب المعاصي.
ومن وسائل تقوية الإيمان طلب العلم: لابد من طلب العلم لتقوية الإيمان، لأن الإنسان إذا أزداد علما ازداد تعلقا بالله ؟وبما عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : (وَقُل رَّبِّ زِدْنِيعِلْمًا)، فينبغي أن تزداد علما، وما من عطاء على وجه الأرض يناله إنسان كمعرفته بالله، كما قال تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) 113النساء أي أكبر فضل عليك أن تعرف الله ، إن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتتك معرفته فاتك كل شيء، لأنك ما وجدت شيئاً.
بطلب العلم تعرف حقوق الله عليك، وتعرف ما هو مطلوب منك، وتعرف كيف تسعد بعلاقتك مع الله .
غلاء الأسعار، ودخلك لا يكفي، وترى الدنيا أسودت في عينيك، لا وظيفة، لازواج ، مشاكل هنا وهناك، تذهب إلى المسجد، فتجلس في مجلس ذكر تستمع فيه إلى درس أو خطبة جمعة ،أوفي منزلك فتشاهد برنامجا فيه ندوة، أو محاضرة، فأنت أيضا في مجلس ذكر؟ فتتذكر أن كل شيء بيد الله .
رزقك بيده، صحتك بيده، ،مستقبل أولادك بيده، أمور الدنيا والآخرة بيده سبحانه فتتفائل وهو يقول لك: يا عبدي عليك أن تطيعني وانتهى الأمر (بَلْ اللَّه فَاعْبُدْ وَكُنْمِنْالشَّاكِرِينَ) 66الزمر.
تكون بحالة يأس وإحباط ؟ بهذه الآية تحيا من جديد ، ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97) وبهذه الآية تطمئن على المستقبل (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات: 22) أين تجد مثل ذلك؟ إلا في مجلس علم قال فيه صلى الله عليه وسلم (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
سكينة، ورحمة، وملائكة، وذكر في الملأ الأعلى، ماذا تريد أكثر من ذلك ؟ وأين هذا من مسلسلات أو أفلام أو برامج محرمة تستهلك رصيدك الإيماني و لا تزيدك إلا قلقا وحسرة وخبالاً.
ومع ذلك فبعض الناس في هذه الأيام لا يهرب من شيء؟ كهربه من حضور درس أو محاضرة أو خطبة أو برنامج ديني في إذاعة أو فضائية ولا يعلم المسكين أنه يضر نفسه بذلك ولا ينفعها، لأنه بجهله هذا وعدم اهتمامه بطلب العلم سيزداد بعداً عن الله يوما بعد يوم؟ بل وساعة بعد ساعة، وقد يخسر آخرته بسبب ذلك .
إن الإنسان إذا عاش جاهلاً لا يأمن أن يعبد الله على خطأ، أو على بدعة، أو على أمر معاكس لمراد الله ورسوله؟ فيعيش جاهلاً، ويموت جاهلا، ويبعث يوم القيامة جاهلا، وياله من موقف مخزي لإنسان أكرمه الله بالقرآن والسنة وما فيهما من علم لكنه خرج من ذلك كله بلا حظ أو نصيب، وصدق الله سبحانه وتعالى (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾. (المدّثر:49-50) .
أيها الإخوة : لذلك من أراد تقوية إيمانه فعليه لزوم دروس العلم، أو تعلم العلم الشرعي الضروري لدنياه وأخراه بالطريقة التي تتناسب مع وقته وظروفه بشرط أن يكون لذلك أولوية قصوى؟ هذا إذا أراد تقوية إيمانه، لأن الإيمان الضعيف لا يقوى إلا بطلب العلم، وأعظم العلم؟ قراءة القرآن الكريم بتدبر وبدون انقطاع، ومع القرآن لابد من تفسير يبين لك ما يخفى عليك من معاني الآيات والألفاظ ودلالاتها وأسباب النزول، إقرأ كل يوم لو بضع صفحات من القرآن الكريم تحل جميع مشكلاتك، لأنك وقتها ستبدأ الفهم والتركيز، واحصر جهدك وتركيزك في معرفة ما يريده الله منك؟ فيحقق الله لك ما تريد لأنك تعلقت به وحده ؟ وتركت التعلق بالدنيا والناس، قال الفضيل بن عياض رحمه الله ( والله لو يئست من الخلق حتى لا تريد منهم شيئا لأعطاك مولاك كل ما تريد .

ومن وسائل تقوية الإيمان: العمل الصالح، وهو من أهم عوامل تقوية الإيمان بل هو جزء لا يتجزأ من الإيمان (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف: 30) إذن فالعمل الصالح جزء لا يتجزأ من الإيمان، سواء في ذلك عمل اللسان كالدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، أو عمل الجوارح كالقيام، والصدقة والزكاة، والعمرة، والحج، وزيارة الأقارب في الله ، وغير ذلك من الأعمال الصالحة ، فهي من أهم وسائل تقوية الإيمان، ونقيضها الأعمال السيئة، والتي هي من أهم وسائل تضعيف الإيمان والقضاء عليه، ولذلك جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن، وزاد مسلم في صحيحه فإياكم وإياكم يعني: احذروا هذه الأعمال فإنها جديرة في سلب الإيمان من صاحبها ولذلك كان ابن عباس يقول لعبيده (اسمعوا : من أراد منكم الباءة زوجناه، فإن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه حتى يكون فوق رأسه كالظلة، كما أنزع قميصي هذا وقد يعود إليه وقد لا يعود)، فإذا خرج الإيمان من قلب الإنسان فلا يضمن أن يعود الإيمان إلى قلبه، وهذا فيه وعيد شديد لأصحاب المعاصي من بعض الرجال والنساء أهل الزنا والفواحش، وشرب الخمور والمخدرات وما يترتب على ذلك من انسلاخهم من الإيمان عند حال مواقعتهم لهذه المعاصي، فهل يأمن الواحد منهم أن ينسلخ الإيمان من قلبه، ويسلب هذه النعمة فلا تعود إليه مرة أخرى؟ ألم يسمع ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب في رؤياه الطويلة في البخاري ( أنه رأى قوماًفي تنور وهم يعذبون،ولهم ارتفاع وانحدار،فإذا ارتفعوا ضوضؤا ( صوّتوا وصاحوا ) فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني .) فأي خطر يتهدد الإنسان أعظم من ذلك!!.
ومن وسائل تقوية الإيمان: الذكر، قال تعالى (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال لسانك رطبا بذكر الله .) .
أخي المسلم : أذكر الله في كل مكان، أنت جالس في أي مكان، تنتظر، ومر عليك الوقت ثقيلا، في مستشفى، في سيارتك، في بيتك، تنتظر صديقك أو قريبك الذي تأخر وقد ضاق صدرك من ذلك، الناس قد جبلوا على ذلك، لكن من استغل وقته بذكر الله ، وأنس بالله جلا وعلا لن يضيق صدره بل سيتمنى لو طال وقت الانتظار، لأنه لو قال سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، والله أكبر، غرست له نخلة في الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم أو قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر كما قال صلى الله عليه وسلم ، أو قال قل هو الله أحد عشر مرات بني له بيتا في الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم وفضل الله عظيم، ويضاعفه لمن يشاء، وقد يقول إنسان هذه أجور لا يتخيلها عقل لكن فضل الله أعظم قالوا: إذا نكثر يارسول الله قال الله أكثر، وإذا كان آخر من يدخل الجنة له مثل الدنيا ،عشرة أمثالها، فكيف بالسابقين المسارعين إلى الخيرات. نسأل الله من فضله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴿41وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴿42هُوَ الَّذِي يُصَلِّيعَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُممِّنَالظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
اما بعد :
ومن وسائل تقوية الإيمان، الدعوة إلى هذا الإيمان لأن الإنسان إذا حصل على شيء بيسر وسهولة، أصبح هذا الشيء رخيصاً عنده، فالشاب الذي يرث من والده أموالاً طائلة لم يكدح في جمعها، من السهل عليه أن يفرط فيها، لكن لو كان قد تعب في جمعها، وسهر الليالي والأيام في سبيل ذلك وعرف قيمتها، وقل مثل ذلك في جميع الأمور الأخرى، فالإنسان الذي يضحي من أجل شيء، فإن هذا الشيء يصير غاليا وترتفع قيمته عنده، وكذلك هذا الذي بذل من أجل الإيمان، وفي سبيله وفي تحصيله وحمايته ؟ يصبح هذا الإيمان عزيزاً عليه ويعز عليه أن يفرط فيه ويستحق عندها رعاية الله له (... وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 143). لكن الإنسان الذي ورث الإيمان عن الآباء والأجداد، ولم يتعب من أجله، ولم يتعلم كيف يحافظ عليه، فمن السهل عليه أن يفرط فيه عند أول اختبار يمر به.
لذا على الإنسان أن يدرك أنه حين يدعو إلى الله عز وجل ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر ويعلم الناس؟ فإن أول مستفيد من هذا الجهد هو نفسه ثم الناس بعد ذلك، أما الإنسان الذي يزعم أنه مؤمن، ثم يبقى هذا الإيمان كامنا في قلبه لا يؤثر، فهذا إيمانه لا شك أنه ضعيف، ثم هو على خطر أن يتضاءل هذا الإيمان حتى ينتهي لذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل . )، وكم هم الذين يرون المنكرات كل يوم فلم يعودوا ينكرونها حتى بقلوبهم؟ فكيف يزيد إيمانهم بل كيف لاينقص وهم على هذه الحالة من الضعف الإيماني ؟ .
ومن وسائل تقوية الإيمان: الاجتماع على الخير (... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77). والإنسان مع الغير ومع الجماعة ينشط للعبادة، لذا شرع الله عز وجل الجماعة في كثير من العبادات كصلاة الجماعة والعيدين والكسوف، وكذلك الحج مع المسلمين جماعة، وكذلك الصيام صيام للجميع في وقت واحد وإفطار في وقت واحد، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقول بعضهم لبعض : تعال بنا نؤمن ساعة وربما جلسوا؟ فقرأ أحدهم على الآخر سورة العصر ثم انصرف .
وجاء عن أبي موسى الأشعري في خطبة خطبها في قوم فقال: (فانظروا رحمكم الله واعقلوا وأحكموا الصلاة، واتقوا الله فيها وتعاونوا عليها، وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض، والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان فإن الله عز وجل أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى، والصلاة أفضل البر . ) لذا حتى نقوي إيماننا؟ نحن نحتاج إلى أن نذكر بعضنا البعض، فنتعاون في حفظ القرآن مثلا ، أو الاستيقاظ لصلاة الفجر، أو قيام الليل، أو صيام التطوع، أو نفع الغير، أو نعلم بعضنا البعض أمور ديننا، وهكذا نحقق قول الله سبحانه وتعالى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
وهناك وسائل أخرى لزيادة الإيمان لا يتسع المجال للتفصيل فيها الآن؟ كقراءة السنة والسيرة النبوية بفهم ووعي، ومجالسة الصالحين، والدعاء، وزيارة القبور، والتفكر في خلق السموات والأرض، وفي مخلوقات الله .
ومن أهم وأقوى وسائل تقوية الإيمان: الصبر، ولله در أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه حين قال: ( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فقد الصبر فقد معه الإيمان . )، وفعلا فالصبر لابد منه للإيمان (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت: 35). ولو تأملنا جميع وسائل زيادة الإيمان السابقة، لوجدنا أنها تحتاج إلى الصبر، فالإنسان قد يتفكر في ملكوت السموات والأرض مرة أو مرتين، لكن إذا لم يكن لديه صبر وجلد وتوطين للنفس فما أسرع ما يترك هذا التفكر؟ وينشغل بالأمور العملية التي يعانيها في واقعه، والإنسان قد يذكر الله حينا من الدهر، أو يحافظ على الصلاة، أو على الدعاء، أو على أي عمل من الأعمال الصالحة التي تقوي الإيمان، وقد يسعى في تحصيل العلم فيجلس في مجلس علم، أو يقرأ شيئاً من الكتب، أو يستمع إلى محاضرة، فإذا لم يكن متحلياً بالصبر؟ فسرعان ما يدب إليه الملل والضجر والضيق وقد يترك هذه الأشياء جملة، وقس على ذلك مجالسة الصالحين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاصل أن الصبر لابد منه في كل هذه الأمور، لذا عد أهل العلم الصبر على الطاعات ركنا من أركان الصبر، وفيه جاء قول الله عز وجل مخاطبا رسوله (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65). وقوله أيضاً (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه: 132).
إذن لابد من الصبر حتى نداوم على الطاعات، وحتى يزيد إيماننا أيضا، لأن بلائنا أننا لا نصبر عن المعاصي ولا نصبر على الطاعات كما قال أحد السلف: وأعلم أن كثرة معاصي العباد في شيئين قلة الصبر عما يحبون، وقلة الصبر على ما يكرهون، فهل نصبر ونصطبر على أداء ما يقربنا إلى الله ، ونبتعد عما يبعدنا عنه، نرجو ذلك ونتمناه، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ، اللهم صل على من بلغ البلاغ المبين نبينا محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان ، والعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان، اللهم اختم لنا بخير وأجعل عواقب أمورنا إلى خير، وارزقنا وأهلينا وذريتنا تفقهاً في الدين، وقوة في اليقين، وبركة في الرزق، ولباساً من التقوى، وزهدا في الدنيا، ورغبة في الآخرة، وتوبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ومغفرة بعد الموت، والعفو عند الحساب، والفوز برضاك والجنة، والنجاة من سخطك والنار اللهم أعز الإسلام والمسلمين.

خطيب جامع ام الخير بجدة
صالح محمد الجبري
1651436 ه
المشاهدات 2150 | التعليقات 0