من هدي نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع حَر الصّيف

عايد القزلان التميمي
1445/12/16 - 2024/06/22 11:46AM
إنّ الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
أما بعد: فيا عباد الله هذا فصل الصيف حَطَّ رِحَاَله ،وَنَزَلَ بِحَرَارَتِه وأحْوَالِه.
وقد امتن الله على عِبَادِه بالوقاية مِن الحَـرِّ وهذا من نِعمة الله على عباده قال تعالى   {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَـناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً } أي: مَا يقِيكُم حَرّ الشّمْس، وهو كُلُّ شيءٍ له ظِل من حائط، وسقف، وشجر، وجبل، وغير ذلك .
 وَامْتَنَّ اللهُ تعَالى عَلينَا بِنِعْمَةِ البُيُوت والّتي جَعَلها سكنًا وراحةً لأهلها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾
عباد الله وفي زَمَانِنا هذا يَسّرَ اللهُ أجهزةً يَتَحَكَّمُ بها الإنسِان كَيفَمَا شَاء لِتبريد الجو وتَلْطِيفه ,في بُيوتِهم ومَكَاتِبِهم وسياراتهم، فلا يَشْعُرونَ معَهَا بِالصَّيف، ولا يَشْتَكُون الحَّر إلا في أوقاتٍ قليلةٍ جِداً هي أوقاتُ مَشْيِهِم من بُيوتهم إلى مَسَاجِدهم، ومن سَيَّاراتِهِم إلى مَكاتِبهم. ولولا ما أَنْعَمَ اللهُ تعالى عليهم به من وسائل التبريد لَكَدَّرَ الحرَّ عَيْشَهُم، ومَنَعَ نَومَهُم، وأَرْهَقَ أجْسَاَدُهم، ويَتَذَكّرُونَ ذلك إذا تَعَطَّلَتْ الكهرباء ساعةً من ليلٍ أو نهارٍ،
فَعلَيْنَا أنْ نَعْرِفَ قَدْرَ هذِه النِّعَمْ العَظِيَمة ونَشْكَرَ اللهَ عَلَيها .
عبادَ الله وقد حثّ النبي ﷺ على فِعْلِ بَعْضِ الأشْياء في شِدّةِ الحرِّ كَيْ يُخَفِّفَ مِن تَأثِيرِه على الإنسان، من ذلك: صَبُّ الماء البارد على الرأس في شِدَّة الحر والعَطَش خاصةً إن كانَ صَائِماً،
وكان من هديهِ صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الحر الحثُّ على الجلوس في الظِّلِ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: ” بينما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ إذا هو برجُلٍ قائمٍ في الشَّمْسِ، فسأَل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيلَ نذَر أن يقومَ ولا يقعُدَ ولا يستظِلَّ ولا يتكلَّمَ ويصومَ، قال: مُرُوهُ فليتكلَّمْ وليستظِلَّ وليقعُدْ وليُتِمَّ صومَهُ “.أخرجه البخاري
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الحر الإِبْرَادُ في صلاة الظهر لقول الرسول ﷺ كما في الصحيحين: ” أَبْرِدُوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فَيْحِ جَهَنَّم “ ويُقصد بالإبْرَادِ : تأخيرُ الظهر وذلك بحصول ظِلٍ يَمْشِي فيه المصلي .
والإبرادُ رُخْصَة ، وهو مُستحب في صلاة الظهر في شِدةِ الحر صيفاً في البلاد الحارَّة لمن قَصَدَ صَلاةَ الجماعَةِ في المسْجِد في المناطق الحارَّةِ جِداً، التي لا يَجِدُ النَّاس فيها ما يُخَفِّفُون شِدَّة الحر، أمَّا مَعَ وُجُودِ الأجْهَزةَ الحَدِيثَة كالمُكَيِّفَات ونحوها، فلا يَتَحَقق مَعْنى الإِبْرَاد المقصود في الحديث.
عباد الله ومن الوسائل الواردة في الهدي النبوي في التعامل مع حر الصيف الحث على أن يَغْتَسِل الإنسان، فَيُخَفِّف حدة الحر في جَسَدِه، ولا تَخْرُج مِنْهُ رِيحٌ تُؤذِي المسلمين.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الحر أنه ((كان يأكُلُ البطِّيخَ بالرُّطَبِ فيقولُ : نَكْسِرُ حرَّ هذا ببَردِ هذا ، وبَردَ هذا بِحَرِّ هذا)) أي: حرارةَ الرُّطَبِ وبُرودَةَ البِطِّيخِ،
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق كل شيء بِقَدر، وخلق عباده وأَمَر، فَمِنهُم من شَكَر، ومِنهُم من كَفَر، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما طلع الشَمْسُ والقَمَر.
أما بعدُ فيا أيها المؤمنون : ومما يؤمَر بالصبر عليه في شدة الحر: المشيُ إلى المساجد لصلاة الجُمَع والجماعات، وصَوْم التَطَوُّع فقد جَاء عن عَددٍ من الصَّحَابة والتابعين أنهم لم يَحْزَنُوا على شيءٍ مِنَ الدُّنيا إلا على خِصَالٍ من العِبَادة، منها: ظَمَأُ الهَواجِر، وذلك لا يَكُون إلا بالصِّيام في الصيف حيثُ شِدة الحر، وطُول النَّهار.
عباد الله ومن أفْضَلِ الصَّدَقَات التي حثَّ النبي صلى الله وسلم عليها سُقْيَا الماء حيثُ يُسْتَحَبُ سُقْيَا الماء في كل زمانٍ صيفاً وشتاء، ولكنَّه في وَقْتِ الحَرِّ آكدُ اسْتِحْبَاباً , فقد جاء في الحديث (( أن سعد بن عبادة أتى إلى النَّبيَّ صلى الله
عليه وسلم فقالَ : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أُمِّي تُوفِّيَت ولم تُوصِ ، أفينفَعُها أن أتصدَّقَ عنها ؟ قال : نعَم ، و عليكَ بالماءِ)) حسّنه الألباني.
ومُوسَى عليه الصلاة والسلام لما سَقَى لابنتي شُعيب ودَعا ربه، (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) فإذا به بين عَشِيَّةٍ وضُحَاها، يَتَحَولُ من إنسانٍ طَريدٍ شَرَيد، إلى إنسانٍ ناجٍ آمن, ومن شَابٍ
 
أَعْزَب، إلى شابٍ مُتَزَوج, ومن رجلٍ خَائِفٍ يَتَرَقَبْ، إلى رَجُلٍ واثقٍ مُطْمَئن, بَعْدَ أن قَام بهذا العملِ الصَّالح ودعا بِتلْكَ الدَّعوةِ المباركة.
فما أَعْظَمَ أن تَتَصَدق بِريالٍ أونصف ريال لتَشْتَرِي بِه مَاءً أو عصيراً بارداً تَسْقِيه لإنْسَانٍ يّعْمَلُ في أعمال الحفر والبناء أوغيرها من تلك الأعمال الشاقة في شدة حر الظهيرة والشمس, قد اشْتّدَّ به العطش , فَيَفْرَح بِتلْك الشَّرْبَة من الماء
البارد, وقد يدْعُوا لَكَ بعد هذه الشربة بِدعوة مُجَابة تَسْعَدُ بها في الدُّنيا والآخِرة,
فما أجمل أن نُعَوِّد أنفسنا ومن تحت أيدينا على مثل هذه الأعمال الخيرية في أيام شدة حرارة الشمس, ومن دل على خير فله مثل أجره ،
فَلْنَغْتَنِم صَيفنا بالطاعات، ولْنَسْتَزِد فيه مِن الحسَنَات .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله
....      
المرفقات

1719045921_من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع حرّ الصيف.doc

المشاهدات 396 | التعليقات 0