من هدايات القرآن ومع أحسن القصص
مريزيق بن فليح السواط
1435/01/11 - 2013/11/14 23:40PM
الحمد الله الذي أرسلَ رسوله بالهدى ودين الحق، وبيّن له من شعائر الشرائع كلَّ ما جلَّ ودق، أنزل عليه أظهرَ بيّنات وأبهرَ حُجَج، قرأنا عربيا غير ذي عوج، مُصدّقا لما بين يديه من الكتاب، ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب، واشهد أن لا إله إلّا الله وحدة لا شريك له، رب الأرباب، وخالق الخلْقِ من تراب، جعل كتابه ناطقا بكل أمر رشيد، هاديا إلى صراط العزيز الحميد، آمِرا بعبادة الصمد المعبود، كتابا متشابها مثانِيَ تقشعر منه الجلود، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى على حين فترة من الرُسُل، ليُرشدَ الأمة إلى أقوم السُبُل، فهداهم إلى الحق وهم في ضلال مبين، فاضمحلّ دُجَى الباطل وسطع نور اليقين، صلى الله عليه وعلى اله الأخيار، وصحبه الأبرار، ما تناوبت الأنواء، وتعاقبت الظُلَمُ والأضواء، وعلى من تبعهم بإحسان، مدى الدهور والأزمان.
أما بعد ....
أيها المسلمون:
إن الغاية القصوى، والحكمة الكبرى، التي خُلق الخلق من أجلها هي معرفة الله الحميد المجيد، وعبادة البارئ المُبدي المُعيد، ولا سبيل إلى ذلك المطلب الجليل، سوى الوقوف على مواقف التنزيل، قال تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربَّكُمُ الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون".
عباد الله:
القرآن الكريم مفخرةُ العلوم ومنبعُها، ودائرةُ شمسِها ومطلعِها، أودع الله فيه علمَ كل شيء، وأبانَ فيه كُل هُدى وغَيّ، فترى كلّ ذي فن منه يَسْتمد، وعليه يعتمد، به تُكتسبُ المَلَكات الفاخرة، وبه يُتوصلُ إلى سعادة الدنيا والآخرة "إن هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقومُ ويبشِّرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا".
القرآن الكريم منه تُستنبطُ الأحكام، ويُعرف الحلال والحرام، وعليه يدورُ فلك الأوامرِ والنواهي، وإليه تُستند معرفة الأشياء كما هي قال تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين".
القرآن الكريم فيه من القصص والأخبار، ما يذكر أولى الأبصار، ومن المواعظ والأمثال ما يزدجر به أولو الفكر والاعتبار، طُويت حقائقه الأبية عن العقول، وزُويت دقائقه الخفية عن أذهان الفحول، مع فصاحة لفظ، وبلاغة أسلوب تُبهر العقول، وتَسْلُب القلوب، وإعجازِ نظمٍ لا يقدرُ عليه إلا علام الغيوب، فلو اجتمعت الإنس والجن على معارضته ومباراته، لعجزوا عن الإتيان بمثل آيةٍ من آياته "قل لئن اجتمعت الإنسُ والجن على أن يأتُوا بمثل هذا القرآنِ لا يأتونَ بمثلِهِ ولو كان بعضُهُم لبعضٍ ظهيرا".
القرآن الكريم تكفّل الله لمن قرأه وعمل بما فيه أن لا يَضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة قال سبحانه: "فإما يأتينّكُم مني هدىً فمن اتّبَع هُدايَ فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. ونحشُرُه يوم القيامة أعمى. قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى".
قراءة القرآن وترديده ليست هي المقصودة من إنزاله وحفظة وبقائه، بل المقصود الأعظم، والغاية الأهم، فَهْمُ معانيه، وتدبُرِ آياته "كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب".
عباد الله:
قصة في كتاب الله عُرضت بأسلوبٍ شيق، وسيقت بطريقة بديعة، وقُدِّمت بمقدمات مُلفته "نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون".
إنها قصة نبي الله موسى عليه السلام، قصة ليست كسائر قصص القرآن، وفي كل خير، تميزت بين القصص القرآني، وفيها من العبر ما لا يوجد في غيرها، وفيها من المواقف المؤثرة ما لم يذكر إلا فيها، ولقد تضمنت من الأحوال العجيبة، والأحداث الغريبة، ما لن تراه في سواها، فكانت بحق درة قصص القرآن، فهي من أحسن ما قصه الله على عباده في كتابه، قال الإمام أحمد بن حنبل: أحسن أحاديث الأنبياء حديث تكليم الله لموسى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: قصة موسى هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن وهي أكبر من غيرها، وتبسط أكثر من غيرها. وقال الحافظ ابن كثير: وكثيرًا ما يذكر الله تعالى قصة موسى مع فرعون في كتابه العزيز لأنها من أعجب القصص.
هذه القصة التي بدأ فيها القرآن وأعاد، وكرر وأكد، ذكر حال بني إسرائيل وتسخير فرعون لهم، وشدة عذابه بهم، قلب ميلاد موسى عليه السلام، ثم ولادة ونشأته وتربيته في بيت فرعون،ثم شبابه وخروجه من مصر هاربا من فرعون بعد أن قتل رجلا من قومه، ومُكثه في مدين وزواجه، وعودته إلى مصر وتكليم الله له، وإرساله إلى فرعون بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة، وما جرى بينه وبين فرعون ومجادلته ودعوته، ونِزاله مع السحرة وبطلان سحرهم، ثم إيمانهم به، وبلاء فرعون لقومه بعد إتباعهم له، وتصديقهم به، حتى هلاك فرعون وملئِه، وما حصل بعدها من معالجته لبني إسرائيل وصبره عليهم، وشدة تعنتهم وكفرهم، وقد ذكر القرآن قصة بقرة بني إسرائيل والتي سميت بها أعظم سورة في القرآن، وخروج موسى ليتعلم من الخضر عليه السلام، وما رآى من العجائب والغرائب حتى لم يستطع الصبر معه، وذِكر قصة قارون وهو من قوم موسى وبغية واستكباره، واغتراره بكنوزه وماله، وكيف خسف الله به وبداره.
هذه القصة العظيمة التي تناولها القرآن في قرابة ثلاثين مرة، في أربعة وثلاثين سورة، فكانت بذلك أكثر قصة في القرآن ورودًا، وقد ذُكر موسى في القرآن ستًّا وثلاثين ومئة مرة، فكان أكثر الأنبياء ذكرًّا في القرآن على الإطلاق، حتى قال بعض أهل العلم: كاد موسى أن يذهب بالقرآن. هذه القصة المباركة فيها من الهدايات الربانية، والفوائد الدينية والأخروية ما يدعوا لتدبرها والتأمل فيها، "أن هذا القرآن يقصُّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون. وإنه لهدىً ورحمةٌ للمؤمنين".
الحمد لله على إحسانه....
عباد الله:
أن آيات الله وعبَره في الأمم السابقة، إنما يستفيد منها ويستنير بنورها المؤمنون، وفي قصة موسى من الدروس والفوائد ما يعزب عن الوصف، ويعجز عنه البيان، حتى ذُكر أن ابن العربي رحمه الله: استخرج من هذه القصة ثمانمائة مسئلة وفائدة!!! وذكر غيره من العلماء فوائد وفرائد يحسن بنا النظر إليها، والاستفادة منها:
نذكر من هذه الفوائد أن الأمة المستضعفة ولو بلغت من الضعف ما بلغت، لا ينبغي أن يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها، ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور، خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله بني إسرائيل على ضعفهم، واستعباد فرعون وملئه لهم، ومكنهم في الأرض، وملكهم بلادهم.
ومنها أن العبد وإن عرف أن القضاء والقدر حق، وأن قدر الله نافذ، فإنه لا يُهمل فعل الأسباب، فإن الله قد وعد أمَّ موسى أن يردّهُ عليها، ومع ذلك لما ألتقطه ألُ فرعون، سعت بالأسباب، وأرسلت أخته لتقص خبره، وتحذر من أن يطلع عليها أحد "فَبَصُرتْ به عن جُنُبٍ وهم لا يشعرون".
ومنها أن إخبار الغير بما قيل فيه على وجه التحذير لا يكون نميمة، بل قد يكون واجبا، كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى محذرا موسى من كيد فرعون وملئه وإرادتهم قتلَه.
ومنها أن الله كما يحب من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته، ونعمة العامة الخاصة، فإنه يحب منه أن يتوسل إليه بضعفه وعجزة وفقره، وعدم قدرته على تحصيل مصالحة، ودفع الأضرار عن نفسه، كما قال موسى: "ربي إني لما أنزلتَ إلى من خير فقير".
ومنها أنَّ نورَ اللهِ مهما حاولَ المجرمون طمسَ معالمه، وأنَّ الطغاةَ وإن أثّروا في عقولِ الدهماءِ فترةً من الزمنِ، واستمالوهم بالمنحِ والعطايا، فإنَّ القلوبَ بيدِ الله، يُصرفها كيف يشاء، وتأملوا في حالِ فرعون وسحرته، وكم وُعدوا لقاءَ مواجهتهم موسى""وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ، قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" ومع ذلك انقلبوا فجأة عليه، واستهانوا بما وعدهم به، حين أبصروا دلائل الإيمان، ولاذوا بحمى الملكِ الديَّان، فكانوا أولَّ النهار سحرة، وآخرهُ شُهداء بررة "قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ، قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ،رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ".
ومن فوائد قصةِ موسى- عليه السلام- مع فرعون وهو من أعظمها وحاجة كثير من المسلمين إليه في هذا الزمن شديدة أكيدة!!! فقد عاشَ المسلمون في أيامِ فرعون ظروفا عصيبةٍ ملؤها الخوفُ والأذى، ووصلَ بهم الأمرُ أن يُسرُّوا بصلاتهم، ويتخذوا المساجدَ في بيوتهم قال الله تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" قال مجاهد : لما خافَ بنو إسرائيل من فرعونَ أن يُقتلوا في الكنائس الجامعة، أُمروا أن يجعلوا بُيُوتهم مساجدَ مستقبلةً الكعبة، يُصلون فيها سراً. وفى ظلِّ هذه الظروف العصيبة، أُمر المسلمونَ بالصبرِ عليها، والاستعانةُ بالله على تجاوزها بالوسائل التالية:
أ) الصبرُ والصلاة ، قال الله تعالى لهم : "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ" " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا" وقال لهم ولغيرهم:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
فالصلاةُ سمةُ المسلمِ حين الرخاءِ وحين الشدةِ والضراء.
ب) والإيمانُ بالله والتوكلُ عليه، ضروري للمسلمِ في كلِّ حال، وهما في حالِ الشدةِ عدة "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ".
ج) وكذلك الدعاءُ وصدق اللجوءِ إلى الله، يصنعُ أملاً من الضيقِ، وفيه فرجٌ من الكروبِ، وخلاصٌ من فتنةِ الظالمين، ونجاةٌ من الكافرين "فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ".
ومع ذلك فلا بُدَّ من الاستقامةِ على الخيرِ، وعدمِ الاستعجال في حصولِ المطلوب، فذلك أمرٌ يُقدرهُ الله أنَّى شاءَ وكيف شاءَ "قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" قال ابن جريج: يقالُ : إنَّ فرعونَ مكثَ بعد هذهَ الدعوةِ أربعين سنة.
ومن الفوائد في قصةٌ حوار موسى- عليه السلام- والمؤمنين معه، وفرعونُ وملئه، فهو الخداعُ الذي يُمارسه المجرمون على رُعاع الناس وجُهالهم، وتأملوا في مقالةِ فرعون للسحرة – حين آمنوا – كما قال تعالى : "قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" وقال في الآية الأخرى : "إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ". قال ابن كثير: وفرعونَ يعلمُ وكلُّ من لهُ لبٌّ أنَّ هذا الذي قالهُ من أبطلِ الباطلِ، فإنَّ موسى- عليه السلام- بمجردِ مجيئهِ من مدين دعا فرعونَ إلى الله، وأظهرَ له من المعجزاتِ ما جعلهُ يبعثُ في مملكته لجمعِ السحرةِ، لإبطال سحرِ موسى كما زعم ، وموسى لا يعرفُ أحداً منهم، ولا رآه، ولا اجتمع به، إلى أن يقول ابنُ كثير: وفرعون يعلمُ ذلك وإنَّما قالهُ تستراً وتدليساً على رُعاعِ دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ".
ومنها ومع الخداعِ والتدليسِ على الدهماءِ، تُقلبُ الحقائق، واتهامُ الأبرياء، فلم يكتفِ فرعون وقومهُ بالقولِ عن المؤمنين الصادقين: "إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ".بل اتهم الملأ وجلساءُ السوءِ موسى والمؤمنين بالإفساد في الأرض: "وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون" هكذا المفسدون، وهذا ديدن أعداء الرسل في كل زمان ومكان، يصفون أنفسهم بالصلاح ويرمون غيرهم بالفساد "وقالَ فرعونُ ذَرُوني أَقْتُلْ موسى وليَدْعُ ربه إني أخافُ أن يُبَدِّل دينكُم أو أن يُظهرَ في الأرض الفساد". السننُ في الابتلاءِ تمضي في الأولين والآخرين،
ومنها أنَّ الصراعَ مهما امتد أجله والفتنةُ مهما استحكمت حلقاتها، فإنَّ العاقبةَ للمتقين، لكنَّ ذلك يحتاجُ إلى صبرٍ ومصابرةٍ واستعانةٍ بالله صادقة: "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" فلا ينبغي أن يُخالج قلوبَ المؤمنين أدنى شكٌ بوعد الله، ولا ينبغي أن يساورهم القلقُ وهم يصبرون على الضراء، ولا ينبغي أن يخدعهم أو يغُرهم تقلبُ الذين كفروا في البلاد، فيظنوه إلى الأبد، وما هو إلا متاعٌ قليل، ثُمَّ يكونُ الفرجُ والنصرُ المبين للمؤمنين.
أما بعد ....
أيها المسلمون:
إن الغاية القصوى، والحكمة الكبرى، التي خُلق الخلق من أجلها هي معرفة الله الحميد المجيد، وعبادة البارئ المُبدي المُعيد، ولا سبيل إلى ذلك المطلب الجليل، سوى الوقوف على مواقف التنزيل، قال تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربَّكُمُ الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون".
عباد الله:
القرآن الكريم مفخرةُ العلوم ومنبعُها، ودائرةُ شمسِها ومطلعِها، أودع الله فيه علمَ كل شيء، وأبانَ فيه كُل هُدى وغَيّ، فترى كلّ ذي فن منه يَسْتمد، وعليه يعتمد، به تُكتسبُ المَلَكات الفاخرة، وبه يُتوصلُ إلى سعادة الدنيا والآخرة "إن هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقومُ ويبشِّرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا".
القرآن الكريم منه تُستنبطُ الأحكام، ويُعرف الحلال والحرام، وعليه يدورُ فلك الأوامرِ والنواهي، وإليه تُستند معرفة الأشياء كما هي قال تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين".
القرآن الكريم فيه من القصص والأخبار، ما يذكر أولى الأبصار، ومن المواعظ والأمثال ما يزدجر به أولو الفكر والاعتبار، طُويت حقائقه الأبية عن العقول، وزُويت دقائقه الخفية عن أذهان الفحول، مع فصاحة لفظ، وبلاغة أسلوب تُبهر العقول، وتَسْلُب القلوب، وإعجازِ نظمٍ لا يقدرُ عليه إلا علام الغيوب، فلو اجتمعت الإنس والجن على معارضته ومباراته، لعجزوا عن الإتيان بمثل آيةٍ من آياته "قل لئن اجتمعت الإنسُ والجن على أن يأتُوا بمثل هذا القرآنِ لا يأتونَ بمثلِهِ ولو كان بعضُهُم لبعضٍ ظهيرا".
القرآن الكريم تكفّل الله لمن قرأه وعمل بما فيه أن لا يَضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة قال سبحانه: "فإما يأتينّكُم مني هدىً فمن اتّبَع هُدايَ فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. ونحشُرُه يوم القيامة أعمى. قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى".
قراءة القرآن وترديده ليست هي المقصودة من إنزاله وحفظة وبقائه، بل المقصود الأعظم، والغاية الأهم، فَهْمُ معانيه، وتدبُرِ آياته "كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب".
عباد الله:
قصة في كتاب الله عُرضت بأسلوبٍ شيق، وسيقت بطريقة بديعة، وقُدِّمت بمقدمات مُلفته "نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون".
إنها قصة نبي الله موسى عليه السلام، قصة ليست كسائر قصص القرآن، وفي كل خير، تميزت بين القصص القرآني، وفيها من العبر ما لا يوجد في غيرها، وفيها من المواقف المؤثرة ما لم يذكر إلا فيها، ولقد تضمنت من الأحوال العجيبة، والأحداث الغريبة، ما لن تراه في سواها، فكانت بحق درة قصص القرآن، فهي من أحسن ما قصه الله على عباده في كتابه، قال الإمام أحمد بن حنبل: أحسن أحاديث الأنبياء حديث تكليم الله لموسى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: قصة موسى هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن وهي أكبر من غيرها، وتبسط أكثر من غيرها. وقال الحافظ ابن كثير: وكثيرًا ما يذكر الله تعالى قصة موسى مع فرعون في كتابه العزيز لأنها من أعجب القصص.
هذه القصة التي بدأ فيها القرآن وأعاد، وكرر وأكد، ذكر حال بني إسرائيل وتسخير فرعون لهم، وشدة عذابه بهم، قلب ميلاد موسى عليه السلام، ثم ولادة ونشأته وتربيته في بيت فرعون،ثم شبابه وخروجه من مصر هاربا من فرعون بعد أن قتل رجلا من قومه، ومُكثه في مدين وزواجه، وعودته إلى مصر وتكليم الله له، وإرساله إلى فرعون بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة، وما جرى بينه وبين فرعون ومجادلته ودعوته، ونِزاله مع السحرة وبطلان سحرهم، ثم إيمانهم به، وبلاء فرعون لقومه بعد إتباعهم له، وتصديقهم به، حتى هلاك فرعون وملئِه، وما حصل بعدها من معالجته لبني إسرائيل وصبره عليهم، وشدة تعنتهم وكفرهم، وقد ذكر القرآن قصة بقرة بني إسرائيل والتي سميت بها أعظم سورة في القرآن، وخروج موسى ليتعلم من الخضر عليه السلام، وما رآى من العجائب والغرائب حتى لم يستطع الصبر معه، وذِكر قصة قارون وهو من قوم موسى وبغية واستكباره، واغتراره بكنوزه وماله، وكيف خسف الله به وبداره.
هذه القصة العظيمة التي تناولها القرآن في قرابة ثلاثين مرة، في أربعة وثلاثين سورة، فكانت بذلك أكثر قصة في القرآن ورودًا، وقد ذُكر موسى في القرآن ستًّا وثلاثين ومئة مرة، فكان أكثر الأنبياء ذكرًّا في القرآن على الإطلاق، حتى قال بعض أهل العلم: كاد موسى أن يذهب بالقرآن. هذه القصة المباركة فيها من الهدايات الربانية، والفوائد الدينية والأخروية ما يدعوا لتدبرها والتأمل فيها، "أن هذا القرآن يقصُّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون. وإنه لهدىً ورحمةٌ للمؤمنين".
الحمد لله على إحسانه....
عباد الله:
أن آيات الله وعبَره في الأمم السابقة، إنما يستفيد منها ويستنير بنورها المؤمنون، وفي قصة موسى من الدروس والفوائد ما يعزب عن الوصف، ويعجز عنه البيان، حتى ذُكر أن ابن العربي رحمه الله: استخرج من هذه القصة ثمانمائة مسئلة وفائدة!!! وذكر غيره من العلماء فوائد وفرائد يحسن بنا النظر إليها، والاستفادة منها:
نذكر من هذه الفوائد أن الأمة المستضعفة ولو بلغت من الضعف ما بلغت، لا ينبغي أن يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها، ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور، خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله بني إسرائيل على ضعفهم، واستعباد فرعون وملئه لهم، ومكنهم في الأرض، وملكهم بلادهم.
ومنها أن العبد وإن عرف أن القضاء والقدر حق، وأن قدر الله نافذ، فإنه لا يُهمل فعل الأسباب، فإن الله قد وعد أمَّ موسى أن يردّهُ عليها، ومع ذلك لما ألتقطه ألُ فرعون، سعت بالأسباب، وأرسلت أخته لتقص خبره، وتحذر من أن يطلع عليها أحد "فَبَصُرتْ به عن جُنُبٍ وهم لا يشعرون".
ومنها أن إخبار الغير بما قيل فيه على وجه التحذير لا يكون نميمة، بل قد يكون واجبا، كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى محذرا موسى من كيد فرعون وملئه وإرادتهم قتلَه.
ومنها أن الله كما يحب من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته، ونعمة العامة الخاصة، فإنه يحب منه أن يتوسل إليه بضعفه وعجزة وفقره، وعدم قدرته على تحصيل مصالحة، ودفع الأضرار عن نفسه، كما قال موسى: "ربي إني لما أنزلتَ إلى من خير فقير".
ومنها أنَّ نورَ اللهِ مهما حاولَ المجرمون طمسَ معالمه، وأنَّ الطغاةَ وإن أثّروا في عقولِ الدهماءِ فترةً من الزمنِ، واستمالوهم بالمنحِ والعطايا، فإنَّ القلوبَ بيدِ الله، يُصرفها كيف يشاء، وتأملوا في حالِ فرعون وسحرته، وكم وُعدوا لقاءَ مواجهتهم موسى""وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ، قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" ومع ذلك انقلبوا فجأة عليه، واستهانوا بما وعدهم به، حين أبصروا دلائل الإيمان، ولاذوا بحمى الملكِ الديَّان، فكانوا أولَّ النهار سحرة، وآخرهُ شُهداء بررة "قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ، قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ،رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ".
ومن فوائد قصةِ موسى- عليه السلام- مع فرعون وهو من أعظمها وحاجة كثير من المسلمين إليه في هذا الزمن شديدة أكيدة!!! فقد عاشَ المسلمون في أيامِ فرعون ظروفا عصيبةٍ ملؤها الخوفُ والأذى، ووصلَ بهم الأمرُ أن يُسرُّوا بصلاتهم، ويتخذوا المساجدَ في بيوتهم قال الله تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" قال مجاهد : لما خافَ بنو إسرائيل من فرعونَ أن يُقتلوا في الكنائس الجامعة، أُمروا أن يجعلوا بُيُوتهم مساجدَ مستقبلةً الكعبة، يُصلون فيها سراً. وفى ظلِّ هذه الظروف العصيبة، أُمر المسلمونَ بالصبرِ عليها، والاستعانةُ بالله على تجاوزها بالوسائل التالية:
أ) الصبرُ والصلاة ، قال الله تعالى لهم : "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ" " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا" وقال لهم ولغيرهم:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
فالصلاةُ سمةُ المسلمِ حين الرخاءِ وحين الشدةِ والضراء.
ب) والإيمانُ بالله والتوكلُ عليه، ضروري للمسلمِ في كلِّ حال، وهما في حالِ الشدةِ عدة "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ".
ج) وكذلك الدعاءُ وصدق اللجوءِ إلى الله، يصنعُ أملاً من الضيقِ، وفيه فرجٌ من الكروبِ، وخلاصٌ من فتنةِ الظالمين، ونجاةٌ من الكافرين "فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ".
ومع ذلك فلا بُدَّ من الاستقامةِ على الخيرِ، وعدمِ الاستعجال في حصولِ المطلوب، فذلك أمرٌ يُقدرهُ الله أنَّى شاءَ وكيف شاءَ "قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" قال ابن جريج: يقالُ : إنَّ فرعونَ مكثَ بعد هذهَ الدعوةِ أربعين سنة.
ومن الفوائد في قصةٌ حوار موسى- عليه السلام- والمؤمنين معه، وفرعونُ وملئه، فهو الخداعُ الذي يُمارسه المجرمون على رُعاع الناس وجُهالهم، وتأملوا في مقالةِ فرعون للسحرة – حين آمنوا – كما قال تعالى : "قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" وقال في الآية الأخرى : "إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ". قال ابن كثير: وفرعونَ يعلمُ وكلُّ من لهُ لبٌّ أنَّ هذا الذي قالهُ من أبطلِ الباطلِ، فإنَّ موسى- عليه السلام- بمجردِ مجيئهِ من مدين دعا فرعونَ إلى الله، وأظهرَ له من المعجزاتِ ما جعلهُ يبعثُ في مملكته لجمعِ السحرةِ، لإبطال سحرِ موسى كما زعم ، وموسى لا يعرفُ أحداً منهم، ولا رآه، ولا اجتمع به، إلى أن يقول ابنُ كثير: وفرعون يعلمُ ذلك وإنَّما قالهُ تستراً وتدليساً على رُعاعِ دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ".
ومنها ومع الخداعِ والتدليسِ على الدهماءِ، تُقلبُ الحقائق، واتهامُ الأبرياء، فلم يكتفِ فرعون وقومهُ بالقولِ عن المؤمنين الصادقين: "إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ".بل اتهم الملأ وجلساءُ السوءِ موسى والمؤمنين بالإفساد في الأرض: "وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون" هكذا المفسدون، وهذا ديدن أعداء الرسل في كل زمان ومكان، يصفون أنفسهم بالصلاح ويرمون غيرهم بالفساد "وقالَ فرعونُ ذَرُوني أَقْتُلْ موسى وليَدْعُ ربه إني أخافُ أن يُبَدِّل دينكُم أو أن يُظهرَ في الأرض الفساد". السننُ في الابتلاءِ تمضي في الأولين والآخرين،
ومنها أنَّ الصراعَ مهما امتد أجله والفتنةُ مهما استحكمت حلقاتها، فإنَّ العاقبةَ للمتقين، لكنَّ ذلك يحتاجُ إلى صبرٍ ومصابرةٍ واستعانةٍ بالله صادقة: "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" فلا ينبغي أن يُخالج قلوبَ المؤمنين أدنى شكٌ بوعد الله، ولا ينبغي أن يساورهم القلقُ وهم يصبرون على الضراء، ولا ينبغي أن يخدعهم أو يغُرهم تقلبُ الذين كفروا في البلاد، فيظنوه إلى الأبد، وما هو إلا متاعٌ قليل، ثُمَّ يكونُ الفرجُ والنصرُ المبين للمؤمنين.
المشاهدات 3156 | التعليقات 2
للرفع
لعل أن يجد فيها الخطيب بعض بغيته
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
ما شاء الله عليك أبا عمر ما أجملها وأروعها بارك الله فيك وجزيت خيرا على صياغتك المسددة والموفقة
تعديل التعليق