مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيا

الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، فصرف قلوبهم إلى طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار، ومن سار على نهجهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

إخوة الإيمان والعقيدة ... الصدقة شعار المتقين، ولواء الصالحين المصلحين، زكاة للنفوس، ونماء في المال، وطُهرة للبدن، مرضاة للرب، بها تُدفع عن الأمة البلايا والرزايا، تُطهر القلوب من أدران التعلق بهذه الدنيا وشهواتها وملذاتها؛ قال تعالى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

إن دفْع الصدقة وإخراجها من عُمق الإيمان، وصدق اليقين بالله، وإخلاص التوكل عليه، والشعور بجسد الأمة الواحد، وإلا ما الذي يدفع الصديق أن يخرج بماله كله، وعمر بنصف ماله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ – وذكر منها:- قالَ ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقةٍ)

فلا تبخل بحق الله في مالك، فهو الواهب، وهو المانح، فإن لله في كل نعمة حقًا، فمن أدَّاه زاده منها، ومن قصَّر عنه خاطر بزوال نعمته.

أين المتاجرون بالبذل والإنفاق؟ أين المتاجرون بدفع الزكوات؟ أين الذين يتاجرون في هذا كله مع الله؟ وهل يخسر تاجر يتاجر في تجارة مع الواسع العليم القائل ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

قال صلى الله عليه وسلم (ولَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أحَدُكُمْ يَومَ يَلْقَاهُ، وليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ له، فَلَيَقُولَنَّ له: ألَمْ أبْعَثْ إلَيْكَ رَسولًا فيُبَلِّغَكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فيَقولُ: ألَمْ أُعْطِكَ مَالًا وأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عن يَمِينِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ، ويَنْظُرُ عن يَسَارِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.

عباد الله: إن للصدقة فضائل وفوائد: إن صدقة السر تُطفئ غضب الرب، والصدقة تُطفئ الخطيئة كما تُطفئ الماءُ النار، وأنها وقاية من النار (ولو بشِقَّةِ تَمْرَةٍ) إن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة (حَتَّى يُقْضَى بيْنَ النَّاسِ) وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ).

عباد الله .. إن في الصدقة دواءً للأمراض البدنية، كما قال صلى الله عليه وسلم (دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ) و(إنْ أردْتَ تَلْيِينَ قلبِكَ، فَأَطْعِمْ المِسْكِينَ، وامْسَحْ رَأْسَ اليَتِيمِ) فإن الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء.

واعلموا .. أن المنفق يدعو له الملَك كل يوم بخلاف الممسك، قال صلى الله عليه وسلم (مَا مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).

إن صاحب الصدقة يُبارَك له في ماله، فـ (ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ).

واعلموا .. أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ وفي حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّهم ذبحوا شاةً فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ (ما بقيَ منْها؟) قلت: ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها. قالَ (بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها).

إن صاحب الصدقة يُدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة.

أسأل الله أن يقوي إيماننا وأن يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

معاشر المؤمنين .. اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن أفضل أنواع الإنفاق المشروع، الإنفاق على المحتاجين والمعسرين ممن ابتلوا بقضايا ديون، وثبت أنهم يحتاجون المساعدة والمساندة، فهؤلاء ينبغي الوقوف معهم ومد يد العون لهم، وقد أوصانا الرسول ﷺ بكل ما يقوي العلاقة بين المؤمنين، ويعمق التكافل بينهم، ويربي فيهم الرحمة والرفق بالفقراء والضعفاء والتيسير على المعسرين، والستر على ذوي الأخطاء، قال صلى الله عليه وسلم (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، وَمَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، واللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ) وقال (مَن كانَ له فَضْلٌ مِن زادٍ، فَلْيَعُدْ به على مَن لا زادَ له) فتنفيس كروب المؤمنين وإزالة همومهم، والتيسير على المعسرين وتوسيع مواردهم والستر على الناس وإظهار محاسنهم، والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع هي من أفضل أنواع البر والإحسان.

عباد الله: وقد أطلقت المنصة الوطنية للعمل الخيري (إحسان) خدمة (تيسرت) لفتح باب التبرع لفك كرب المعسرين الذين صدر بحقهم أمر تنفيذ قضائي وتنطبق عليهم شروط الاستحقاق، وقد وضعت هذه الخدمة لدعم جميع المجالات الخيرية بناء على دراسة واقع الاحتياج، وبالتكامل مع الجهات الرسمية ذات العلاقة، وتتيح هذه الخدمة للمتبرعين مساعدة المعسرين على سداد المطالبات المالية، وهذا طريق رسمي عبر الجهات الرسمية، وهو مأمون ومضمون.

وهناك منصات أخرى معتمدة رسمية موثوقة، كمنصة جود للإسكان، ومنصة زكاتي، ومنصة فرجب، والتي تساهم في إطلاق سراح المسجونين والموقوفين بسبب الديون، وغيرها مما يكون تحت إشراف الجهات الرسمية.

فبادروا أيها المؤمنون إلى التجارة مع الله تعالى، فهو سبحانه صاحب العطايا، وهو الذي سخر لنا هذا المال لنتاجر به معه، ووعدنا بجزيل الأجر والثواب.

أسأل الله تعالى أن يفرج كرب المكروبين، وأن ييسر على كل معسر ابتلي بالدين، وأن يوفق الجميع وخصوصا الأغنياء للبذل والعطاء في وجوه الخير والبر المختلفة.

وصلى الله على نبينا محمد ....

المرفقات

1710489818_مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيا.pdf

1710489824_مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيا.docx

المشاهدات 510 | التعليقات 0