من مقامات النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ.
احمدوا الله – يا مسلمون – أن جعلكم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكي تدركوا هذا المعنى، فانظروا إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنزلته عند ربه، لتعلم أيها المسلم، كم هي نعمة عظمى، ومنحة وعطية كبرى، أن جعلك الله تعالى من أمة رسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، وأنك كنت ممن اصطفاهم الله على سائر خلقه، بالانتساب إلى أمة هذا الرسول الكريم، وكيف لا، وقد قال الله تعالى في شأن أتباعه وأمته (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) وقال الله تعالى أيضا في شأن أمته (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
فما هو مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند به ؟، وما هي منزلته عند خالقه؟، ففي كتاب ربنا يقول الله تعالى في وصف عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فهذه أعظم شهادة، لأعظم رسول، بأن كل أخلاقه عظيمة، وأن كل تصرفاته سديدة ،وأن كل أحكامه عادلة، ويقول الله سبحانه في وصف نبيه ومجتباه، ورسوله ومصطفاه (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) بل ويذكرنا المولى تبارك وتعالى بأن بعثته صلى الله عليه وسلم ،إنما هي منة ومنحة ،وعطية ونعمة من الله جل وعلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ويقول الله تعالى في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
ويوم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أعداؤه: إن رب محمد قد قلاه، فأنزل الله قرآنًا يتلى، دفاعًا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيانًا لمنزلته عند ربه ،فقال الله وقوله الحق (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) نعم، فهو صلى الله عليه وسلم الذي أظهر الله على يديه المعجزات، ففلق له القمر، وكلمته الحيوانات، وسبح الطعام بين يديه، وسلم عليه الحجر والشجر ،وتكاثر له الطعام، ونبع الماء من بين أصابعه، فهو صلى الله عليه وسلم قد رفع الله له ذكره، وأعلا شأنه فقال الله تعالى (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) يقول قتادة : رفع الله ذكره في الدنياـ فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة ،إلا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله ،وأشهد أن محمدا رسول الله.
أيها المسلمون ... ومن عظيم فضله صلى الله عليه وسلم عند ربه، أن جعل الله وجوده بين أصحابه أمنة من العذاب، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ومن عظيم فضله صلى الله عليه وسلم، أن أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء من قبله ،على الإيمان به ،ونصرته ،والبشارة به ،فقال وقوله الحق (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ).
ومن دلائل عظيم قدره عند ربه صلى الله عليه وسلم، أنه انفرد عن إخوانه من الأنبياء والرسل أجمعين ،بخصائص في الدنيا والآخرة لم تكن لغيره من الرسل ،وذلك كرامة وتشريفا له، قال صلى الله عليه وسلم (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي ،وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ،وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ،وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً) وهناك خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم وخصائص لأمته لم تدركه الأمم السابقة.
فاللهم ثبتنا على الدين، وألحقنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
معاشر المؤمنين ... كل الأنباء والرسل خاطبهم الله بأسمائهم مجردة، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خاطبه الله بوصف النبوة والرسالة، فقال الله تعالى (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ) (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ) ولكن عندما خاطب الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، خاطبه بوصف النبوة والرسالة، فقال سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
ومما خص الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم عن باقي الأنبياء والرسل: أن أعطاه القرآن، فقال صلى الله عليه وسلم (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُهُ وَحْياً أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فمعجزته باقية الى يوم القيامة، ولعظيم قدره ومنزلته عند ربه ،فقد أقسم الله بعمره ،فقال الله تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) كما خص الله رسوله بالإسراء والمعراج، حتى أدناه منه وقربه، وأراه من آياته الكبرى (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) ووعده بالمقام المحمود (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) ومقامه المحمود هو مقام الشفاعة عند ربه في يوم القيامة.
والحديث عن مقام ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه يطيل، وما ذكرته إلا لنعرف الشرف العظيم من انتسابنا إلى هذا النبي الكريم وإلى هذا الدين الذي أتى به من عند ربه.
المرفقات
1694746035_مقام النبي صلى الله عليه وسلم.pdf