من مظاهر ضعف التوكل خطبة للشيخ د/ خالد المصلح -وفقه الله-

أبو عبد الله 2
1437/01/24 - 2015/11/06 05:35AM

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه خطبة مختصرة لفضيلة الشيخ الدكتور / خالد بن عبد الله المصلح -وفقه الله-
أنقلها هنا بتصرف يسير .

إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ.
فيا أيها المؤمنون، عباد الله. اتقوا اللهَ واعبدُوه وحدَه لا شريكَ له، وأفرِدُوه سبحانه وتعالى بالرَّغبةِ والرَّهبةِ والخوفِ والرجاءِ والسؤالِ والتوكُّلِ، فإن التوكلَ جماعُ الإيمانِ، فإنه لا إيمانَ لمن لا توكُّلَ معه، قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، وقال سبحانه: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون
َ) . فاتقوا اللهَ عباد الله، وحقِّقوا إيمانَكم بصدقِ الاعتمادِ عليه جلَّ شأنُه في جلبِ كلِّ خيرٍ، واعلموا أيها المؤمنون، أنه لا يستقيم لكم إيمانٌ إلا بالتوكُّلِ على اللهِ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ؛ أي: لا يرجون سِواه، ولا يقصدون إلا إيَّاه، ولا يلوذون إلا بجَنابِه، ولا يطلبون حوائِجَهُم إلا منه، ولا يرغبُون إلا إليه، ما شاءَ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ، لا معقِّبَ لحكمِهِ، ولا رادَّ لقضائِهِ،
أيها المؤمنون. إن من أكبرِ الآفاتِ وأعظمِ الآثامِ التي بُلِيَ بها كثيرٌ من الناسِ ضعفَ التوكُّلِ على اللهِ، والتعلقَ بغيرِه، والاعتمادَ على سواه.
وإن علاماتِ ضعفِ التوكلِ على اللهِ تعالى كثيرةٌ في حياةِ الناسِ اليومَ، فمن تلك المظاهرِ:
أن كثيراً من الناسِ إذا نزلت بهم الأمراضُ، أو أصابتهم الأسقامُ ، تعلقَّت قلوبُهم بالأسبابِ الحِسيّةِ، وغَفلوا عن قوله عز وجل: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ، فتجد فريقاً ممن أُصيبوا بالأمراضِ علَّقوا قلوبَهم بالأطباءِ أو الأدويةِ، ورجوا منهم الشفاءَ وزوالَ الدَّاءِ، ومنهم فريقٌ جابَ الفيافيَ والقفارَ، وقطع الصحارِيَ والبحارَ، يلاحقُ السحرةَ والمشعوذين، يرجو منهم رفعَ البلاءِ، وكشفَ الضَّرَّاءِ، فخربوا قلوبَهم لإصلاحِ أبدانِهم، ففسدت قلوبُهم، ووَهِنَت أبدانُهم ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) .
ألا يعلم هؤلاء أن من أتى عرَّافاً أو ساحراً أو كاهناً فسأله فصدقه فقد كَفَرَ بما أنزلَ على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ،
فاتقوا الله عباد الله، وإياكم أن تأتوا هؤلاءِ الكهنةَ والمشعوذين تحتَ أيِّ ظرفٍ، فلأن تموتَ يا عبد الله، مريضاً موحِّداً مؤمناً خيرٌ لك من أن تموتَ صحيحاً معافىً مشرِكاً، فـ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .
أيها المؤمنون.
ومن مظاهرِ ضعفِ التوكلِ: أنهم إذا نزلت بهم المصائبُ، وأصابتهم النوائبُ فزِعُوا إلى غيرِ مفزعٍ، وفرُّوا إلى غيرِ مهرَبٍ، فتجِدُ الواحدَ من هؤلاء إذا نالتْه نائلةٌ توجَّه إلى مخلوقٍ مثلِه يطلبُ شفاعتَه وغوثَه وتحقيقَ طلبِه، ولو أنَّ هؤلاء صدَقُوا اللهَ لكانَ خيراً لهم، طرقوا كلَّ بابٍ، وسلكوا كلَّ سبيلِ، إلا أنهم غفلوا عن اللهِ، الذي إذا أرادَ شيئاً قال له كنْ فيكونُ، فإنه سبحانه قد قال: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ؛ أي: كافٍّ من يَثِقُ به في نوائبِهِ ومهماتِه، يكفيه ما أهمَّه وأقلقَه.
فاتقوا الله عباد الله، وأنزلوا حاجاتِكم بالذي ينادِي كلَّ ليلةٍ، فيقولُ: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألُني فأعطيه؟ من يستغفرُني فأغفر له؟
جاء رجلٌ إلى الربيع بن عبد الرحمن يسأله أن يكلِّمَ الأميرَ في حاجةٍ له، فبكى الربيعُ رحمه الله ،ثم قال: أيْ أخي، اقصُدْ إلى الله عزَّ وجلَّ في أمرِك تجدْه سريعاً قريباً، فإني ما طلبت المعونةَ من أحدٍ في أمرٍ أريدُه إلا اللهَ، فأجِدُه كريماً قريباً لمن قصدَه وتوكَّلَ عليه.
عباد الله، ومن مظاهرِ ضعفِ التوكُّلِ عند بعضِ الناسِ: التشاؤمَ، والتطيرَ ببعضِ الأسماءِ أو الأشخاصِ أو الأرقام أو الألوانِ أو الأيام أو الشهورِ وغير ذلك، فإن ذلك كله من الشِّركِ المحرَّمِ قال صلى الله عليه وسلم: «من رَدَّتْه الطِّيرةُ عن حاجتِه فقدْ أشرَكَ» .
ومن مظاهر ضعف التوكل: الخوف من المستقبل مع مايصاحب ذلك من الهموم والغموم
فاتقوا اللهَ عباد الله، واعلموا أنه لا يأتي بالحسناتِ إلا اللهُ جلَّ وعلا، ولا يدفعُ السيئاتِ إلا اللهُ سبحانه، فعلِّقوا قلوبَكم باللهِ يا عبادَ اللهِ، واعتقدوا قولَه جل وعلا: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
عباد الله:ومن مظاهر ضعف التوكل على الله التخوض في المال الحرام واكتسابه من طرق محرمة خشية خشية ان يصيبه العيلة أو الفقر ألم يبلغه قول الله سبحانه ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
بارك الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الذي لا إلهَ إلا هو، عليه توكَّلتُ وعليه فليتوكَّلُ المتوكِّلون، أحمدُه جل وعلا، فهو كافٍ من يتوكَّلُ عليه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمَّدا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله عباد الله.
أيها المؤمنون:أنتم أحقُّ من يتوكَّلُ على اللهِ، فإن أهلَ السماواتِ وأهلَ الأرضِ، إنسَهم وجِنَّهم محتاجون إلى التوكُّلِ على الله تعالى في تحصيلِ مُرادِهم، وتحقيقِ مُبتَغَياتِهم على اختلافِها وتنوُّعِها.
فتوكَّلُوا أيها المؤمنون، على من بيدِه الأمرُ وله الحكمُ، فإن التوكُّلَ على اللهِ -جلَّ وعلا- من أعظمِ أسبابِ حصولِ المطلوبِ، والأمنِ من المرهوبِ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّكم توكَّلتُم على اللهِ حقَّ توكُّلِه لرزقَكُم كما يرزُقُ الطيرَ تَغدُو خِماصاً –أي: تذهب في الصباحِ جائعةً- وترُوحُ بِطاناً؛ أي: ترجعُ في المساء شبعى» .
أيها المؤمنون.
إن من فضائلِ التوكُّلِ أن أهلَه هم أقوى الخلقِ إيماناً، وأصلبَهم ثباتاً، وأرسخَهُم يقِيناً، وهم أحِبَّاءُ اللهِ وأهلُ نُصرتِه وتأييدِه، إن اللهَ يحبُّ المتوكِّلين، ومن يكن اللهُ تعالى حسبَه وكافيَه ومراعيَه فقد فازَ الفوزَ الكبيرَ، فإن المحبوبَ لا يُعذِّبُ ولا يـُبعِدُ ولا يُحجِبُ.
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رعاكم الله – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال في محكم التنزيل:} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) اللّهم صَلّ وَسَلّم وبارك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة نبيك أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا،
اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك اللهم ووفقه ونائبيه لما تحب وترضى، وأصلح لهم البطانة ياسميع الدعاء وخذ بأيديهم لما فيه عز الإسلام والمسلمين
اللهم احفظ جنودنا الذين يجاهدون في سبيلك بحفظك وانصرهم بنصر من عندك، اللهم سدد رميهم وثبت أقدامهم وأصلح لهم نياتهم ولا تسلط عليهم عدواً ولا تشمت بهم حاسداً اللهم انصر اخواننا المسلمين في كل مكان يارب العالمين فرج همومهم ونفس كروبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يارب العالمين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم انت الله...
عباد الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

المشاهدات 2006 | التعليقات 0