من مظاهر تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ سعد الشهاوى

الدكتورسعد الشهاوى
1437/03/13 - 2015/12/24 16:00PM
من مظاهر تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ سعد الشهاوى
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع ويضر وينفع ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع . يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار ، ويقبل الأعذار ، وكل شئ عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائما ومن الذي تنسى ولا ينساكا
)أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (

من للعباد غيره يدبر الأمر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المذابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا. من أطعمنا وسقانا ..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله,,, هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل


وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أهل بدر والعقبة، وسائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

يا أيها الراجون خير شفاعةٍ من أحمدٍ صلُّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحرِمُ

أما بعد
إن الأقلام ليجف حبرها، وإن الكلمات ليعجز الإنسان عن سردها عندما يكون الحديث عن خير مخلوق عرفته الأرض؛ إنه محمد عليه الصلاة والسلام الذي حاز أعلى درجات الكمال البشري، وحاز على رضا ربه ومولاه، وتمكن حبه من كل قلوب أتباعه، فيجب علينا أن نسير على ما كان يسير عليه، وأن نقتفي أثره، ونتبع سنته.


العناصر
أولاً: من مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قبل الخلق وقبل خلق النبي صلى الله عليه وسلم
ثانياً: من مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته
ثالثاً: من مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وفى الآخرة

أولاً: من مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قبل الخلق وقبل خلق النبي صلى الله عليه وسلم
لقد كرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وبين الله تعالى مكانته للناس جميعا قبل أن يخلق الخلق وقبل خلق النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشياء

منها أن الله جعله صلى الله عليه وسلم نبيا قبل خلق الخلق
ولذلك وضح لنا منزلته قبل ان يوجد أول مخلوق على الاطلاق وهو ادم عليه السلام فقد كان رسول الله نبيا عند الله كما صحح الحاكم والذهبي وغيرهما من المحدثين قول سيد المرسلين (انى لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ عند الله مكتوب وادم منجدل فِي طِينَتِهِ) أي وآدم لم يخلق بعد لم تنفخ فيه الروح بعد وهو حديث صحيح
وعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ )قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي عِنْدَ اللهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي قَضَاءِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامِ

وقد رواه ابن شاهين في (دلائل النبوة ) من حديث أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى وجبت لك النبوة ؟! قال: " بين خلق آدم ونفخ الروح فيه " وفي رواية : " وآدم منجدل في طينته "(صحيح السيرة النبوية للألباني)
فهذه الأحاديث تبين لنا أن رسولنا كان في علم الله مكتوبا أنه خاتم النبيين والمرسلين لماذا ؟ من أجل أن تؤمن به الدنيا قاطبة يا مصطفى من قبل نشأة آدم يامن اصطفاك واختارك الله قبل ان يخلق آدم
يا مصطفى من قبل نشأة آدم *** والكون لم يفتح له اغلاق
أيروم مخلوق ثناءك بعدما *** أثنى على أخلاقك الخلاق
إذا كان هذا قبل أن يخلق ادم إذا كان هذا واردا في الحديث الصحيح قبل أن توجد الخليقة كلها وجد وذكر وكان مكتوبا عند الله فيجب علينا أن نؤمن به ونتبعه

ومنها أن الله بعد أن خلق الخلق أخذ العهد والميثاق على الأنبياء والرسل جميعا من لدن آدم إلى عيسى عليهم السّلام لما آتى اللّه أحدهم من كتاب وحكمة وبلغ أيّ مبلغ ثمّ بعث محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليؤمننّ به ولينصرنّه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنّبوّة من اتّباعه ونصرته، كما أمرهم أن يأخذوا هذا الميثاق على أممهم لئن بعث محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرّنّه وأقررهم رب العزة على ذلك فأقروا وأشهدهم على ذلك فشهدوا وشهد معهم رب العزة سبحانه وتعالى « تفسير ابن كثير (1/ 386) بتصرف.».

قال اللّه تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ « سورة آل عمران: الآية (81).».

قال عليّ بن أبي طالب وابن عبّاس- رضي اللّه عنهم-: «ما بعث اللّه نبيّا من الأنبياء إلّا أخذ عليه ميثاق لئن بعث اللّه محمّدا وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمّته لئن بعث محمّد وهم أحياء ليؤمننّ به ولينصرنّه». وقال هذا القول غير واحد من أئمّة التّفسير « انظر تفسير ابن جرير الطبري (2/ 236)، وتفسير ابن كثير (1/ 386)، وتفسير البغوي (1/ 322).».

ولذا بين صلى الله عليه وسلم أن نبى الله موسى لو كان حيا لاتبعه فعن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما-: «أنّ عمر بن الخطّاب أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فغضب فقال: «أمتهوّكون فيها يا ابن الخطّاب؟ والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به، والّذي نفسي بيده لو أنّ موسى صلّى اللّه عليه وسلّم كان حيّا ما وسعه إلّا أن يتّبعني» « رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 387)، والدارمي برقم (441)، وحسنه الألباني- انظر مشكاة المصابيح (1/ 63).».

« معنى أمتهوكون: التهوك كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية. والمتهوك: الذي يقع في كل أمر، وقيل: هو التحير. انظر النهاية في غريب الحديث لابن الاثير (5/ 282).»

بل وتمنى نبى الله موسى اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم قال قتادة في قوله تعالى: أَخَذَ الْأَلْواحَ من قوله تعالى (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.» « الآية من سورة الأعراف رقم (154) : قال « أي موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.»: «ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة خير أمّة أخرجت للنّاس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر اجعلهم أمّتي. قال: تلك أمّة أحمد. قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هم الآخرون أي الآخرون في الخلق سابقون في دخول الجنّة ربّ اجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة أنا جيلهم في صدورهم يقرءونها وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا حتّى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه وإنّ اللّه أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم، قال: ربّ اجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة يؤمنون بالكتاب الأوّل وبالكتاب الآخر ويقاتلون الضّلالة حتّى يقاتلون الأعور الكذّاب، فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد، قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم يؤجرون عليها وكان من قبلهم إذا تصدّق بصدقة فقبلت منه بعث اللّه نارا فأكلتها وإن ردّت عليه تركت فتأكلها السّباع والطّير وإنّ اللّه أخذ صدقاتهم من غنيّهم لفقيرهم، قال: ربّ فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة إذا همّ أحدهم بحسنة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة، ربّ اجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد، قال: ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هم المشفوعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد. قال قتادة فذكر لنا أنّ نبيّ اللّه موسى نبذ الألواح وقال: اللّهمّ اجعلني من أمّة أحمد» « الأثر أخرجه ابن جرير في التفسير (9/ 45)، وأورده ابن كثير في تفسيره (2/ 259).».

قال الحافظ ابن كثير- رحمه اللّه-: «فالرّسول محمّد خاتم الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليه دائما إلى يوم الدّين، هو الإمام الأعظم الّذي لو وجد في أيّ عصر لكان هو الواجب الطّاعة المقدّم على الأنبياء كلّهم، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لمّا اجتمعوا ببيت المقدس ...» « انظر تفسير ابن كثير (1/ 386).».

ومنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر به الرسل والأنبياء السابقين من قبله
فتلك كانت هي العقيدة التي جاء بها كل نبي من الأنبياء من أول سيدنا آدم ــ عليه السلام ــ إلى سيدنا عيسى ــ عليه السلام ــ وهذا الميثاق الغليظ الذي أخذه رب العالمين على جميع أنبياءه جعلت الكل يبشر أمته بهذا النبي المنتظر فجاءت تلك البشارات التي بشرت بالنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في الكتب السابقة
وتحدث القران ونبيناعن ذلك مبينا أنه دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام و بشارة أخيه عيسى وموسى ورؤيا أمه ولذا قال صلى الله عليه وسلم« أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ» وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ لَهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ)

وَأَمَّا دَعْوَةُ ابيه إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فها هو خليل الرحمن وابنه إسماعيل – عليهما الصلاة والسلام- بعدما فرغا من بناء البيت يتوجه خليل الرحمن إلى الله تعالى بتك الدعوة التي يسال الله فيها أن يرسل إليهم نبي فيقول: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } البقرة: 129
فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ فِي نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال ابن كثير عند هذه الآية: والمراد بذلك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد بعث فيهم كما قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم)


كما أَمَرَ الله تَعَالَى نبيه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَبَشَّرَ برسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم قَوْمَهُ فَعَرَّفَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ " قال تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ من التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي من بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6) وهذا دأب الكافرين،

وأحمد من أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب).

و من العناية الربانية بخير البرية انه بُشر به صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء السابقين
وقد ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أنزل البشارة بمبعث نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في التوارة و الانجيل فبشارة موسى وعيسى به صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل موجود ة حتى بعد التحريف فى التوراة والإنجيل قال تعالى: (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156-157].

وقال تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح 29 )
وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال : صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح به أعينا عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفا .

وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً.


وورد عندهم في التوراة في بعض الأسفار: لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده. وهذا فيه ذكر محمد صراحة دون أدنى تحريف ولا تأويل .وورد في إنجيل لوقا: الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض إسلام وللناس أحمد، وأحمد المقصود به هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم


وقد وقع التحريف في نسخ التوراة والإنجيل, وحذف منهما التصريح باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا توراة السامرة, وإنجيل برنابا الذي كان موجودًا قبل الإسلام, وحرمت الكنيسة تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي، وقد أيدته المخطوطات التي عثر عليها في منطقة البحر الميت حديثًا، فقد جاء في إنجيل برنابا العبارات المصرحة باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما جاء في الإصحاح الحادي والأربعين منه ونص العبارة: [29] فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس [30] فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب: لا إله إلا الله محمد رسول الله انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/118).
قال ابن تيمية: «والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم» ثم قال: «ثم العلم بأن الأنبياء قبله بشروا به يُعلم من وجوه: أحدهما: ما في الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب. الثاني: إخبار من وقف على تلك الكتب, ممن أسلم وممن لم يسلم, بما وجدوه من ذكره بها، وهذا مثل ما تواتر عن الأنصار, أن جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه، وأنه رسول الله, وأنه موجود عندهم، وكانوا ينتظرونه، وكان هذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به لما دعاهم إلى الإسلام حتى آمن الأنصار به وبايعوه» انظر: الجواب الصحيح لابن تيمية (1/340).
فمن حديث سلمة بن سلامة بن وقش t وكان من أصحاب بدر قال: «كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، فوقف على مجلس عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنًّا عليَّ بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي, فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقومٍ، وكانوا أهل شرك وأصحاب أوثان، لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنًا أن الناس يُبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، ويجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يُحلف به ولوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور( التنور: الفرن. ) في الدنيا يحمونه، ثم يدخلونه إياه، فيطبق به عليه
(يطبق عليه: يغلق عليه.) وأن ينجو من تلك النار غدا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد, وأشار بيده نحو مكة واليمن. قالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إليَّ –وأنا من أحدثهم سنًّا– فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: «فوالله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حيٌّ بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغيا وحسدا فقلنا: ويلك يا فلان: ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى: وليس به» صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي ص31
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله: «قد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم باسمه، ورأيت نسخة أخرى من الزبور فلم أر ذلك فيها، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس في أخرى» الجواب الصحيح (1/340).

وقد ذكر عبد الله بن عمرو t صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: «.. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وحرزًا للأميين (حرزا للأميين: حفاظا لهم )، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق(السخاب: رفع الصوت بالخصام.)، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء (العوجاء: ملة إبراهيم التي غيرتها العرب عن استقامتها.) ، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا» البخاري، كتاب التفسير رقم 4838.
ومن حديث كعب الأحبار قال: «إني أجد في التوراة مكتوبًا: محمد رسول الله، لا فظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبرونه على كل نجد، يأتزرون إلى أنصافهم، ويوضئون أطرافهم, صفُّهم في الصلاة، وصفُّهم في القتال سواء، مناديهم ينادي في جو السماء، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل، مولده بمكة، ومهجره بطابة، وملكه بالشام» صحيح السيرة النبوية ص30.


بشارات علماء أهل الكتاب بنبوته:
أخبر سلمان الفارسي t في قصة إسلامه المشهورة عن راهب عمورية حين حضرته المنية قال لسلمان: «إنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حَرَّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى, يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل» انظر: السيرة النبوية لابن كثير (1/300).
«ثم قصَّ سلمان خبر قدومه إلى المدينة واسترقاقه ولقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم حين الهجرة، وإهدائه له طعامًا على أنه صدقة, فلم يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم إهدائه له طعاما على أنه هدية وأكله منه، ثم رؤيته خاتم النبوة بين كتفيه، وإسلامه على أثر ذلك» انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/122).
ومن ذلك إخبار أحبار اليهود ورجالاتها بقرب مبعثه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قصة أبي التيهان الذي خرج من بلاد الشام ونزل في بني قريظة ثم توفي قبل البعثة النبوية بسنتين، فإنه لما حضرته الوفاة قال لبني قريظة: يا معشر يهود، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير –الشام– إلى أرض البؤس والجوع –يعني: الحجاز-؟ قالوا: أنت أعلم، قال: إني قدمت هذه البلدة أتوكف –أنتظر– خروج نبي قد أظل زمانه، وكنت أرجو أن يبعث فأتبعه.
وقد شاع حديث ذلك, وانتشر بين اليهود وغيرهم حتى بلغ درجة القطع عندهم، وبناء عليه كان اليهود يقولون لأهل المدينة المنورة: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم(انظر: دراسة تحليلية، د. محمد قلعجي ص107.)، وكان ذلك الحديث سببًا في إسلام رجال من الأنصار وقد قالوا: «إنما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال اليهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم» ابن هشام، بإسناد حسن (1/231).
وقد قال هرقل ملك الروم عندما استلم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم» انظر: صحيح السيرة النبوية، ص146.


قال تعالى { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) }
يخبر تعالى أنّ علماء أهل الكتاب يعرفون صِحّة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم [كما يعرفون أبناءهم] كما يعرف أحدُهم ولده، والعربُ كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير: "ابنك هذا؟" قال: نعم يا رسول الله، أشهد به. قال: "أما إنه لا يَجْنِي عليك ولا تجْنِي عليه".

[قال القرطبي: ويروى أن عمر قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدًا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك، قال: نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين، في الأرض بنعته فعرفته، وإني لا أدري ما كان من أمره. يعنى ولده قلت: وقد يكون المراد { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } من بين أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم] .
ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي { لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ } أي: ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم { وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

روى الطبراني عن عبد الله بن سلام بسند رجاله ثقات أن زيد بن سعنه -وهو الحبر الكبير من أحبار يهود - قال : ما من شىء من علامات النبوة إلا وقد عرفته فى وجه محمد حين نظرت إليه إلا إثنتين الأولى : يسبق حلمه جهله ، والثانية : لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً يقول زيد بن سعنه : فخرج رسول الله يوماً من الحجرات مع على بن أبى طالب وإذ برجل من الأعراب يقبل على النبى ويقول يا رسول الله إن قومى فى قرية بنى فلان قد دخلوا الإسلام ولكنهم دخلوا فى الإسلام طمعاً ، فلقد أخبرتهم أنهم إن دخلوا فى الإسلام أتاهم رزقهم رغداً وقد نزلت بهم اليوم شدة وقحط فأخشى أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فى الإسلام طمعاً فإن رأيت أن ترسل إليهم بشىء تغيثهم به فعلت يا رسول الله ، فالتفت الحبيب المصطفى صاحب الخلق إلى على بن أبى طالب وسأله (( هل عندنا شىءٌ من المال ؟)) .فقال على بن أبى طالب : لا والله يا رسول الله لقد نفذ المال كله .يقول زيد بن سعنه : فدنوت من محمد وقلت له : يا محمد هل تبيعُنى تمراً معلوماً فى حائط بنى فلان إلى أجلٍ معلوم ، فقال النبى (( نعم أبيعك تمراً معلوماً إلى أجلٍ معلوم لكن لا تسمى حائط بنى فلان )) فوافقت على ذلك ، وأعطيت النبى ثمانين مثقالا من الذهب ، يقول زيد بن سعنه : فأخذها النبى كلها وأعطاها لهذا الأعرابى وقال (( اذهب إلى قومك فأغثهم بهذا المال )) فانطلق الأعرابي بالمال كله ، ولم يمض غير قليل من الوقت، ورسول الله  مع أبى بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه بعد أن صلى جنازة على صاحب له وأتى إلى جدار ليجلس إليه في ظله فاقترب منه زيد بن سعنه ونظر إلى النبي بوجه غليظ وأخذ بقميص النبى  وردائه وهز الحبر اليهودي رسول الله  هزاً عنيفاً وهو يقول له : (( أَدِّ ما عليك من حق ومن دَيْنٍ يا محمد ! ، فوالله ما علمتكم يابنى عبد المطلب إلا مُطلاً فى أداء الحقوق وسداد الديون .فالتف إليه عمر بن الخطاب وعينه تدور وقال له : يا عدو الله أتقول لرسول الله  ما أسمع وتفعل برسول الله  ما أرى ؟!! والذى نفسى بيده لولا أنى أخشى فوته وغضبه لضربت رأسك بسيفي هذا .يقول زيد بن سعنه : وأنا أنظر إلى النبى  وإذا بالنبى ينظر إلى فى سكون وهدوء ، ثم التفت المصطفى إلى عمر بن الخطاب وقال له : (( يا عمر لقد كنت أنا وهو فى حاجة إلى غير ذلك ، يا عمر لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بحسن الأداء وأن تأمره بحسن الطلب .... )) فبهت الحبر أمام هذه الأخلاق السامية ، وأمام هذه الروح الوضيئة العالية من الحبيب المصطفى بأبى هو وأمى  .أتدرون ماذا قال الحبيب صاحب الأخلاق العظيمة ؟التفت الحبيب إلى عمر رضى الله عنه وقال :(( يا عمر خذه وأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمرٍ جزاء ما روعته !! ))يقول زيد بن سعنه : فأخذنى عمر بن الخطاب وأعطانى حقى وزادنى عشرين صاعاً من تمر . فقلت له : ما هذه الزيادة يا عمر ؟!فقال : أمرنى رسول الله  أن أزيدكها جزاء ما روعتك !!فالتفت الحبر اليهودى إلى عمر وقال : ألا تعرفنى ؟قال : لا ، قال : أنا زيد بن سعنه .قال عمر : حبر اليهود ؟! قال : نعم .فالتفت إليه عمر وقال : فما الذى حملك على أن تقول لرسول الله  ما قلت ؟ وعلى أن تفعل برسول الله  ما فعلت ؟فقال زيد : والله يا ابن الخطاب ما من شىء من علامات النبوة إلا وقد عرفته فى وجه رسول الله  حين نظرت إليه ولكننى لم أختبر فيه خصلتين من خصال النبوة .فقال عمر : وما هما ؟قال حبر اليهود : الأولى : يسبق حلمه جهله ، والثانية : لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً أمـا وقد عرفتها اليوم في رسول الله فأشهدك يا عمر أنى : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله  .
وأخرجه ابن سعد عن الزهري . « أن يهودياً قال : ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم ، وإني أسلفته ثلاثين ديناراً في ثمر إلى أجل معلوم ، فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت : يا محمد ، اقضني حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل . فقال عمر : يا يهودي الخبيث ، أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم » غفر الله لك يا أبا حفص ، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما عليّ ، وهو إلى أن تكون أعنته على قضاء حقه أحوج فلم يزده جهلي عليه إلا حلماً . قال : يا يهودي ، إنما يحل حقك غداً ، ثم قال : يا أبا حفص ، أذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أوّل يوم ، فإن رضيه فاعطه كذا وكذا صاعاً وزده لما قلت له كذا وكذا صاعاً وزده ، فإن لم يرض فاعط ذلك من حائط كذا وكذا ، فأتى بي الحائط فرضي تمره فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة ، فلما قبض اليهودي تمره قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ، وأنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم ، فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة ، وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين . فقال عمر : فقلت : أو بعضهم؟ فقال : أو بعضهم . قال : وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخ كان بان مائة سنة فعسا على الكفر.

واليهود قبل مجيء النبي ــ صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون للناس سيأتي نبي آخر الزمان وسنقتلكم قتل
عاد وإرم ولكن ماذا صنع أهل المدينة لما سمعوا بمقدم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم كانوا من السابقين إلى الإسلام وبايعوا النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ في بيعة العقبة الأولى والثانية ولما أخبرهم أهل المدينة المسلمين بمقدم نبي آخر الزمان والنبي المنتظر الذي بشروا به لم يتبعوا وتكبروا ولم يؤمنوا به ــ صلى الله عليه وسلم ــ وصدق ربنا سبحانه وتعالى حين قال في القرآن الكريم { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (
حينما تتأمل الأمة في الحياة التي كان يعيشها الناس قبل مجيء النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ سيجد الإنسان هذا الفساد المنتشر وتلك الشحناء الضغناء والخصومات والفتن التي كانت منتشرة قبل مجيء النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقد كانت تقوم بينهم الحروب المتتالية والتي تستمر أعواما وأعواما على أبسط الأشياء وأتفه الأمور , عاش الناس يظنون أنهم يحسنون حينما يئدون البنات عاش الناس يأكل الغني مال الفقير ويعتدي القوي على الضعيف ,تلك الحياة التي كان فيها الفساد وتلك الأمور التي كانت منتشرة كان لابد من مجيء نبي وهو النبي المنتظر الذي سيكون آخر الأنبياء الذين يرسلهم الحق سبحانه وتعالى لهداية الناس إلى طريق رب العالمين سبحانه وتعالى .

ومنها اختيار الله له أشرف الأنساب وأطهرها
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتقلب في أصلاب الأطهار الأشراف؛ فمعدن النبي صلى الله عليه وسلم طيب ونفيس، فهو من نسل الأنبياء قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين }( الشعراء: 219)؛ من صلب نبيّ إلى صلب نبي حتى صرت نبياً." ( تفسير ابن كثير )؛ وعن عطاء قال: «ما زال نبي الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه» (تفسير ابن أبي حاتم)

فهومن نسل إسماعيل الذبيح, وإبراهيم خليل الله، وفى الحديث وصف ابراهيم بأنه أبيه عليه السلام، وعيسى أخيه عليه السلام كما تحدث هو عن نفسه، فقال: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى»( انظر: الحاكم (2/600).
وقال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وَاصْطَفَى قرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»( رواه مسلم، باب فضل نسب النبي (4/1782) رقم 2276).

وولد من نكاح صحيح فقبل مولده صلى الله عليه وسلم كانت تنتشر في الناس أنواع من الأنكحة الفاسدة والنظم التى فيها نظام السفاح والأخدان ونظام الاستبضاع ونظام الشغار والزنا أنساب مختلطة علاقات مسفه الى جوارها كان يوجد نظام شريف عفيف نظيف على ما عليه المسلمون اليوم من ولى وشهود من هذا الطريق العفيف الشريف كانت نطفته تتقلب في الساجدين فصان الله نطفة حبيبه من لدن ادم الى ان خرج الى الوجود ولذلك تحدث صلى الله عليه وسلم عن فضل الله عليه وقال ((خرجت من نكاح (يعنى من زواج )ولم أخرج من سفاح؛ من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء)). وهذا رواه ابن عدي عن علي بن أبي طالب، وسند المرسل جيد.
من عهد آدم لم يزل تحمي له........... في نسلها الأصلاب والأرحام
حتى تنقل في نكاح طاهر................ما ضم مجتمعين فيه حرام

وولد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب، وأزكاها نسبا وأعلاها مكانة، وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا» (رواه الترمذي بسند صحيح).

ولمكانة هذا النسب الكريم في قريش نجدها لم تطعن في نسبه صلى الله عليه وسلم لوضوح نسبه بينهم، رغم أنها طعنت فيه بأشياء كثيرة مفتراة إلا هذا الأمر.

وكما اختار الله له نسبه فقد كرمه الله باختيار اسمه ( محمد ) ليكون محمودا في الأرض وفي السماء؛ وحسبك أن الأسماء في ذلك الوقت كانت عبد الكعبة؛ وعبد ياغوث؛ وصخر؛ وحرب؛ ومرة ؛ وغير ذلك ؛ وتخيل لو نزلت عليه الرسالة وهو يحمل اسما من تلك الأسماء !!
وتأملوا قول الشاعر الحكيم وهو يتحدث عن نبينا الأمين – صلى الله عليه وسلم – ويبن طهارة نسبه واسمه فيقول:
حفظ الإله كرامة لمحمد..............آباءه الأمجاد صوناً لاسمه
تركوا السفاح فلم يصبهم عاره.............من آدم وإلى أبيه وأمه


ثانياً: تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته
كرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم في حياته بصور عديدة ومكارم جليلة:

منها: تزكيته صلى الله عليه وسلم في جميع صفاته وشئون حياته:
فقد زكاه ربه في كل شيء؛ زكاه في عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم:2] وزكاه في صدقه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] وزكاه في علمه فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5] وزكاه في فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] وزكاه في بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] وزكاه في صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] وزكاه في ذكره فقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]، وزكاه كله فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم:4].

ومنها: أن الله جعل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل المرسلين
فالنبي محمد هو أعظم الرسل مكانة عند ربه جل وعلا، فهو خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وقدوة الصالحين، وسيد الملائكة المبشرين، أعظم الرسل قدراً، وأشرفهم مكاناً، وأعلاهم شأناً، فقد أجمعت الأمة على أن رسل الله جل في علاه هم أفضل الخلق على الإطلاق، والرسل بعد ذلك يتفاضلون فيما بينهم قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253].وقد فضل الله أولي العزم من الرسل على البقية، وأولي العزم هم: محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، نسأل الله جل وعلا ألا يفضحنا أمامه يوم القيامة، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، قال الله تعالى:( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )[الأحقاف:35]، وقال جل من قائل: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى:13].وذكرهم بالتصريح في آية أخرى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )[الأحزاب:7]، (ومنك) أي: من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل هؤلاء الخلق على الإطلاق بلا منازع هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أكرمهم على ربه جل في علاه.

ومنها: أن الله لم يناده باسمه الا مقرونا بالنبوة والرسالة
فقد ذكر الله في كتابه الكريم كل نبي باسمه دون لقبه، إلا رسول الله مبيناً شرف ومكانة هذا النبي العظيم عند ربه جل في علاه،

فخُوطِبَ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فِي القُرْآنِ بِأَسْمَائِهِمْ؛ قال تعالى -( يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ* « سورة البقرة: الآية (35).».، (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ) « سورة هود: الآية (48).». [يَا يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا )« سورة الصافات: الآية (104- 105).».] ، [قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ] {هود:81}، [يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا] {يوسف:29}، [قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي] {الأعراف:144}، [يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى] {مريم:7} [يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ )... « سورة المائدة: الآية (110).» في آيات كثيرة ...}، إلى غير ذلك من الآيات

وَلَكِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَاطَبْه اللّه- عزّ وجلّ- باسْمِهِ مُجَرَّدًا فِي القُرْآنِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؛ قال اللّه تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ )« سورة المائدة: الآية (41).».
وقال اللّه تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) « سورة المائدة: الآية (67).».وقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )« سورة الأنفال: الآية (64).».وقال تعالى [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ] {الأحزاب:1}.

وينادي عليه بصفته: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } [المزمل:1-2]، { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } [المدثر:1-2].وما ذكر الله اسم النبي مجرداً قط إلا مقترناً بصفة النبوة والرسالة: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } [الفتح:29]. { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ } [آل عمران:144].


قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه اللّه-: «ولا يخفى على أحد أنّ السّيّد إذا دعي أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العليّة والأخلاق السّنيّة، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق، أنّ منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعزّ عليه وأقرب إليه ممّن دعاه باسمه العلم.
وهذا معلوم بالعرف أنّ من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه» « بداية السول (ص 38).».

قال ابن الجوزيّ- رحمه اللّه- «ولمّا ذكر اسمه للتّعريف قرنه بذكر الرّسالة، فقال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ « سورة آل عمران: الآية (144).». مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ « سورة الفتح: الآية (29).». وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ « سورة محمد: الآية (2).».
ولمّا ذكره مع الخليل، ذكر الخليل باسمه وذكره باللّقب، فقال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ « سورة آل عمران: الآية (68).». « انظر الوفا في أحوال المصطفى ص (363).»


ومنها: أن الله تعالى نهي المؤمنين عن مناداته باسمه:
فلقد أدّب اللّه- عزّ وجلّ- عباده المؤمنين في مخاطبة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والكلام معه تشريفا وتعظيما وتقديرا له، فأمرهم أن لا يخاطبوه باسمه بل يخاطبوه: يا رسول اللّه، يا نبيّ اللّه، وإذا كان اللّه تبارك وتعالى خاطبه في كتابه العزيز بالنّبوّة والرّسالة ولم يناده باسمه زيادة في التّشريف والتّكريم كما مرّ ذكره. فمن باب أولى وأحرى أهل الإيمان.
قال اللّه- جلّ ذكره-: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «(سورة النور: الآية (63).».

قال ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير: «كانوا يقولون: يا محمّد، يا أبا القاسم، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك إعظاما لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمرهم أن يقولوا: يا نبيّ اللّه، يا رسول اللّه»».
وقال قتادة- في تفسير الآية السّابقة-: أمر اللّه تعالى أن يهاب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأن يبجّل وأن يعظّم وأن يسوّد « اخرجه ابن جرير وغيره. انظر تفسير ابن جرير (18/ 134)، وتفسير ابن كثير (3/ 318).».

واختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك بخلاف سائر الأنبياء والمرسلين وبخلاف ما خاطبت به الأمم السّابقة أنبياءها، فإنّ أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم فقال تعالى- حكاية عنهم-:
- قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ ... « سورة الأعراف: الآية (134).».
- قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ « سورة الأعراف: الآية (138).».
- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ ... « سورة المائدة: الآية (112).».

ومنها: مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند الصحابة وتكريم وتوقير الصحابة له صلى الله عليه وسلم. مما أثار عجب الكثيرين0
انظروا كيف كان الصحابة الكرام يضحي كل واحد منهم بنفسه وحياته وماله فداءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. إليكم نبأ هؤلاء الأخيار ماذا فعلوا مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، والصحابة هم أفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين، وأحسن الناس خلقاً، وأكثرهم علماً، وأبرهم قلوباً، ومن عظيم فضلهم رؤيتهم لسيد المرسلين، وأهم مناقبهم رؤية وجه النبي الكريم. فكان أحدهم من شدة تعظيمه له لا يستطيع أن يديم بصره إلى وجه النبي الكريم، مع أن النظر إلى وجه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من أعظم المناقب. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه واصفاً إسلامه: أتيت النبي وكان أبغض الناس إلي، فلما أسلمت كان النبي صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليّ، وكان من شدة تعظيمه له لا يستطيع أن يرفع بصره إليه، ولو طُلب منه أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فما كان يستطيع النظر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً وتشريفاً وتكريماً للنبي صلى الله عليه وسلم، ومهابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يحبونه من كل قلوبهم، ويفدونه بكل غالٍ وثمين، ويقدمون النبي صلى الله عليه وسلم على كل شيء، ويضعون نصب أعينهم قول ربهم جل في علاه: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، ويقدمون قول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].وصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) وهذا الحديث يتوقف عنده كل واحد منا ويخلو بربه ويخلو بنفسه، بعدما سمع ورأى الحرب الضروس على نبينا، والاستهتار بجلاله والخفض من مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل نف
المرفقات

خطبة من مظاهر تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ سعد الشهاوى ‏.doc

خطبة من مظاهر تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ سعد الشهاوى ‏.doc

المشاهدات 10502 | التعليقات 0