من مشكاة النبوة (5) يا أم خالد هذا سنا

                                                      " يا أم خالد هذا سنا " 19 / 4 / 1442هـ

الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من فضله سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، بعثه إلى الناس كافة عذرا ونذرا ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35

عباد الرحمن : مطالعةُ السيرةِ النبويةِ يقوي الإيمان ويغذي محاسن الأخلاق و يشرح الصدر ، وحديثنا اليوم عن موقف نبوي وَقَع مع طفلةٍ سنذكر بعض تفاصيل نشأتِها قبل رواية الحديث ، أما اسمها  : فأمة بنت خالد بن سعيد بن العاص ، كنّاها أبوها وهي طفلة أم خالد ، وُلِدت في الحبشة وتفتّح وعْيُها على أبيها وأمها مهاجرين في أرض الغربة هجرة لله ورسوله .

أخرج البخاري عن أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنها قالت :  أُتِيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثِيابٍ فيها خَمِيصَةٌ سَوْداءُ، قالَ: مَن تَرَوْنَ نَكْسُوها هذِه الخَمِيصَةَ فَأُسْكِتَ القَوْمُ، قالَ: ائْتُونِي بأُمِّ خالِدٍ فَأُتِيَ بي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فألْبَسَنِيها بيَدِهِ، وقالَ: أبْلِي وأَخْلِقِي مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلى عَلَمِ الخَمِيصَةِ ويُشِيرُ بيَدِهِ إلَيَّ ويقولُ: يا أُمَّ خالِدٍ هذا سَنا ويا أُمَّ خالِدٍ هذا سَنا والسَّنا بلِسانِ الحَبَشِيَّةِ الحَسَنُ قالَ إسْحاقُ: حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِن أهْلِي: أنَّها رَأَتْهُ علَى أُمِّ خالِدٍ.  وفي رواية للبخاري : فَذَهَبْتُ ألْعَبُ بخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أبِي، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعْهَا ثُمَّ قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أبْلِي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أبْلِي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أبْلِي وأَخْلِقِي . قَالَ عبدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حتَّى ذَكَرَ، يَعْنِي مِن بَقَائِهَا.

إخوة الإيمان: تعالوا بنا إلى بعض الوقفات لهذا المشهد الجميل :

  1. كيف اتسع وقت النبي صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ ليهتمّ بشؤون أصحابه الخاصة جدا ، حتى صار من هَمِّه إبهاج أطفالهِم وإدخال السرور على نفوسهم ومشاركة الأطفال فرحهم الغامر بأشيائهم الصغيرة في عيوننا ، الكبيرة في عيونهم ! فها هو يُلْبِسُها بنفسه ثم ينظر إلى أعلامِ ثوبها وهي الخطوط فيشير إليه ويقول لها : سنا سنا ، ومعناها : جميل بلسان الحبشة التي نشأتها بها أم خالد .

إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعيش فراغا في الوقت و لا قلة في الأعباء فهو المتصدي لأعظم مسؤولية والمتحمل لأثقل أمانة ؛ ولكن هذه الأشياء لها أهميتها في مقياس عظمة الأخلاق المحمدية ، فهو المبعوث لإسعاد البشرية في دنياهم وأخراهم وهو الذي دلّ أمته على أن من العمل المبرور " سرور تُدْخِله على قلب مسلم " ( حسنه الألباني).  

  1. البراعة النبوية في تحويل الفعل الجميل إلى باقةٍ من الأفعال الجميلة المعبرة بَدَأَها صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ بطرح التساؤل لمن يعطى الكساء ، مما يوحي بالأهمية والانتقاء ، ولذا تحول الكساء إلى وسام شرف . ثم طلبها صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ لتحظى باستلامه منه ولم يرسله إليها مع أنها صغيرة ! ؛ ففي رواية للبخاري " قالَ: ائْتُونِي بأُمِّ خالِدٍ فَأُتِيَ بها تُحْمَلُ ".

ثم تولى  صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ بنفسه إلباسها الكساء .

ثم اتْبَعَ ذلك بملاطفتِها ومشاركتها فرحتها الطفولية .

ثم الدعاء لها وتكرار الدعاء . ثم تقريبها حتى صارت تلعب بخاتم النبوة بين كتفيه الذي لفت نظرها .

ثم تقريره لذلك وقولهُ لأبيها حين زجرها : دَعْها .

إنه درس نبوي يبين أن صنائع المعروف كما هي كرم فهي فن وحسن أداء !

فأي أخلاقٍ كريمةٍ وأي أريحيةٍ كانت تغمر تلك المجالس جمعنا الله بأهلها في دار كرامته ومستقر رحمته .

نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة وبما فيهما من الهدى والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله ...

أما بعد : فثالث الوقفات مع الموقف الجميل :

  1. كان يمكن أن يكتفي النبي صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ بإرسال الخميصة إلى أم خالد ، ولكنه باشر الأمر بنفسه وبكل تفاصيله ليكون إسعاد الناس سنّة نبوية تُقتفى وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيرا ، ولذا فإنك واجد لهذه اللفتة الجميلة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أخواتٍ كثرا تشببها توالي تأكيد هذه الفضيلة وتعيد معاني هذا المشهد .
  2. المنهج النبوي الكريم في التعامل مع الأطفال في مظاهر فمن ذلك:

أ.الحفاوة والإيناس والملاطفة .

ب. و من ذلك : التقرب والتآلف مع الطفولة ،بحيث تدنو وتقرب ؛ حتى تلاعب اليد الصغيرة خاتم النبوة .

ح.ومن ذلك : الرفق والبعد عن الجفاء والنْهر.

وخامس  الوقفات: إكرام الصغار نوع إكرام لآبائهم ، فيا ترى كيف كانت مشاعر أبيها وهو يرى رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ يكسُوها ويلاطفُها ويدعو لها وينهى عن نهْرها !

ومن الوقفات: معجزة نبوية ، حيث ظهر أثر دعوة النبي صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّمَ " أبْلِي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أبْلِي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أبْلِي وأَخْلِقِي " وهي دعوة بطول العمر ، فعُمِّرت أم خالد رضي الله عنها حتى كانت آخر من مات من الصحابيات رضي الله عنهن .

الوقفة الأخيرة: البِرُ لا يُنسى ، فكما عايشت فرحتها وهي طفلة فإنها قد بقيت الحادثة محفورة في ذاكرتها حاضرة في وجدانها ترويها للناس ، بل وبقي عندها الكساء محتفظة به وقد دكن لونه .

 

صلى الإلهُ على الحبيب بفضله *** وحَبَـاه قدْرا في الأنام عظيمـا

يـا أيها الراجون منه شفاعـة *** صلوا عليه وسلموا تسليمـا

 

 

 

المرفقات

هذا-سنا-يا-أم-خالد

هذا-سنا-يا-أم-خالد

المشاهدات 744 | التعليقات 0