من مشكاة النبوة (4) في مهنة أهله

                                 من مشكاة النبوة (4) في مهنة أهله   5 / 4 / 1442هـ 

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } ربنا لك الحمدُ ملءَ السماواتِ والأرضِ وملءَ ما شِئتَ من شيءٍ بعدُ ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  من اتبعه واقتدى به تطهّر قلبه و جَـمُل لفظه ، وسمتْ نفسه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم  الدين أما بعد : فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله  والتزود من الأعمال الصالحة {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }الأنبياء94  .

عباد الرحمن :  تعالوا إلى إطلالة على البيت النبوي ذلك البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا ، إطلالة مع كوّة فتحتها أمنا عائشة رضي الله عنها بسبب تساؤلٍ من بعض التابعين عن حالِ تلك الشخصية العامة التي تتحمل أعباء الأمة كيف تكونُ حاله إذا دخل بيته وأغلق بابه ؟!

أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن الأسود قال : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ.

وعند أحمد : سُئِلَتْ: ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعمَلُ في بَيتِه؟ قالَتْ: كان بَشَرًا مِن البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه. (صححه الألباني) وفي صحيح ابن حبان : "  يخصِفُ نعلَه ويَخيطُ ثوبَه ويرقَعُ دَلْوَه ".

أيها الأحبة تعالوا إلى بعض الوقفات  :

الوقفة الأولى : " كان بَشَرًا مِن البَشَرِ " فهو يدخل بيته ليس على أنه القائد أو الزعيم ولكن على أنه الزوج ، ليعيش حياة السكن الزوجي مع أهله ،  يعيش بساطةَ الحياةِ الأسريةِ وعفويتَها .

الوقفة الثانية :  قالت "كان يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ " وههنا تساؤل هل كانت أمُنا عائشة رضي الله عنها تشكو كثرةَ العملِ ومشقتَه ؟!حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم في معونتِها وخدمتِها ؟! أمَا كانت حجرتُها متقاربةَ الجُدُر صغيرةَ المساحةِ بحيث لم يتجاوز طولها عشرة أذرع وعرضها سبعة أذرع ؟! وهي بحسابات اليوم خمسة أمتار في ثلاثة أمتار ونصف ! تقريبا ، وهي اليوم مساحة غرفة من غرف بيوتنا والله المستعان !

ألم تخبر أنه يأتي الهلال ثم الهلال ثم الهلال و ما أُوقِد فيها نار لطعامٍ يُصنع ! يمر الشهران وربما أكثر ! لم تطبخ طعاما ، إنما طعامهم التمر والماء !

 ثم هي شابة لم تنشغل بذرية ! فهل ثَمَّت عملٌ يحتاج إلى جهدٍ ؟! فضلا عن عملٍ يحتاج إلى مساعدة ؟!

إنها المساعدة لمعنى أعمق وهو المواساة وإظهار الاهتمام بالمشاركة في الحياة الزوجية ، وتحقيق أحد معاني السكن إلى الزوجة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا }الروم21  ولم يقل سبحانه لتسكنوا معها .

الوقفة الثالثة : إننا نطلّ من هذه النافذة على البيتِ النبويِ الصغيرِ في مساحته ، البسيطِ في متاعه ، الكبيرِ بالانشراح و الحب والمودة والتعاون يتدفقُ فيه ينبوعُ السعادةِ والابتهاجِ والحياة الطيبة .

جاء في السيرة قولُها : " كان رجلا من رجالكم إلا أنه كان ضحَّاكًا بسَّامًا " فليس في بيت النبوة التواقر المتكلف ولا التجهم العابس بل جمال الروح وإيناس التبسم !

الوقفة الرابعة  :المبادرة من الزوج إلى المشاركة المعبرة والإيناس المبهج سوف يحتلُّ المساحة الأكبر من قلب زوجته ووجدانها ، وسيجعل لحضوره فرحة ، ولغيابه فقْدا ووحشة !

أيها الأحبة : من يعاني برودة الحياة الزوجية وجفافها عليه أن يستفيد من هذا الدرس النبوي لتتدفق الدماء حارّة في حياتهم بمثل هذه اللمسات الآسرة من مشاركة عملٍ ووجهٍ مبتسمٍ طليق !

نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة ، وبما فيهما من الآي والحكمة ، واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله القائل  {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أما بعد :

  فكم يبهرنا هذا التوازن في الحياة النبوية فقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الناس كثيرُ التبسم ، وفي بيته ضحوك بسَّام وكان مع الناس كالريح المرسلة بالخير وفي بيته في مهنة أهله وكان خير الناس للناس وخيرهم لأهله.

إن هذا التوازن قد يُفْتَقَد عند أناس يبذلون المجاملات الرقيقة في تعاملهم العام ولكن مع أهليهم التجهم والتضجر ! فصلى  الله وسلم على من وسع الناس بحسن خلقه وأسعدُهم بحسنِ خلقهِ أهلُه .

معشر الكرام : إن هذا الدرس النبوي رسالة مفتوحة إلى كل من أساء فَهْم القوامة واختزلها في التعالي الأجوف و بَسْط مظاهر التسلط بحيث لا يُرى إلا مُقطِّبا ولا يُسمع إلا آمرا أو محذرا .

ختاما : رضي الله عن أمِّنا عائشة التي كان من حكمة الله أن تبقى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من نصف قرن نافذةً مفتوحةً على بيت النبوة ترى أمة محمد صلى الله عليه وسلم منها هدي نبيها عليه الصلاة والسلام ، فرضي عنها وأرضاها وجزاها عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء وأوفاه .

ثم صلوا وسلموا ...

 

 

المرفقات

مهنة-أهله

مهنة-أهله

المشاهدات 788 | التعليقات 0