مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ صُور غَيْبِية يرويها خَيْرُ البريةِ 1442/12/20هـ
عبد الله بن علي الطريف
مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ صُور غَيْبِية يرويها خَيْرُ البريةِ 1442/12/20هـ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
أما بعد أيها الإخوة: الإيمان بالغيب هو أول إيمان يذكره الله تعالى في كتابه الكريم يقول سبحانه: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ. هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.. بل وعلى الإيمان بالغيب بُــنِيَ هذا الدين والأديان بعامة، والاستسلام للغيب أصلُ الدين الذي جاء من عند الله؛ فما الإيمانُ بالله وملائكتِه وكتبِه ورسله واليومِ الآخر وما فيه من الجنةِ والنارِ، وبالقدرِ خيره وشره إلا إيمان بالغيب.
والإيمان بالغيب أجلُ الأعمالِ وأفضَلُها يقول ابن القيم رحمه الله: "والإيمان بالغيب أجل المقامات على الإطلاق" ويقول في موضع آخر: "والإيمان بالغيب هو الإيمان النافع" ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَأَصْلُ الْإِيمَانِ هُوَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ. هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. ويقول أيضاً رحمه الله: وسُورَةُ الْبَقَرَةِ سَنَامُ الْقُرْآنِ؛ وَيُقَالُ: إنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ افْتَتَحَهَا اللَّهُ بِأَرْبَعِ آيَاتٍ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ أولِها إيمانهم بالغيب.. وقالَ الشيخُ السعديُ رحمه الله: في معنى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) حقيقة الإيمان: هو التصديقُ التام بما أخبرت به الرسلُ المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمانِ بالأشياءِ المشاهدةِ بالحسِّ، فإنه لا يتميزُ بها المسلم من الكافر، إنما الشأنُ في الإيمانِ بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به، لخبر الله وخبر رسولِه ﷺ فهذا الإيمان الذي يـُمَيْزُ به المسلم من الكافر؛ لأنه تصديق مجرد لله ورُسلِه، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به أو أخبر به رسولُه ﷺ سواء شاهده، أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه عقلُه وفهمه.. بخلاف الزنادقة المكذبين بالأمور الغيبية لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتدِ إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه؛ ففسدت عقولهم، ومرجت أحلامهم، وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله..
ويدخل في الإيمان بالغيب الإيمان بجميع ما أخبر الله به من الغيوبِ الماضيةِ والمستَقبَلةِ وأحوالِ الآخرة وحقائقِ أوصافِ الله وكيفيتِها، وما أخبرت به الرسلُ من ذلك، فيؤمنون بصفات الله ووجودِها، ويتيقنونها، وإن لم يفهموا كيفيتَها. أهـ
أيها الإخوة: وعلى هذا فالإيمان بالأمور الغيبية أوجب الواجبات وقد أثنى ربنا سبحانه على خاصة عباده بقوله: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. فجعله أخَصَّ صفاتهم.. وهي أَوْلَى وأُوْلَى خلالهم، ومن خالف في أمرٍ غيبي فقد خالف ما يجب معه عقد الإيمان.
أيها الأحبة: وقد ذكر شيخ الإسلام: أنه يجب على كل مؤمن الإيمان بكل ما صح عن الرسول ﷺ وأخبر به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف معناه؛ لأنه الصادق المصدوق... ومما كثر ذكره في صحيح السنة وتنوعت صفته ما حكاه رسولنا ﷺ عن بعض الحيوانات العجماوات، ويعد إخباره به من علم الغيب الذي أَطْلَعَ اللهُ عليه رسولَه ﷺ فأخبر به الأمة فوجب علينا الإيمان به وإن خالف المألوف وقد ذكر رسول الله ﷺ من ذلك العجب من ذلك: فَعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ؛ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجُّبًا وَفَزَعًا أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ.؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ.! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وفي رواية قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: "وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ" رواه البخاري ومسلم.
والمعنى: أن رسول الله ﷺ يؤمن بتكلمِ البقرة والذئب وإن كان الناس يستغربونه ويتعجبون منه. قال ابن الأثير ومعنى (مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي): أرادَ من لها عِنْدَ الفِتَن حينَ يتركُها الناسُ همَلا لاَ رَاعِي لَهاَ نُهْبُةً للذئاب والسِّبَاع فجعل السبُع لها راعياً إذ هُو مُنْفَردٌ بها وهذا إنْذارٌ بما يكونُ من الشَّدائِد والفِتَن التي يُهْملُ الناسُ فيها مواشِيهَم فتسْتَمْكن منها السِّباع بلا ماَنِع..
وعن عبدِالله بنِ جعفر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «أَردَفني رسولُ الله ﷺ خَلْفَهُ ذاتَ يومٍ، فدخل حائطاً لرَجُلٍ من الأنصار، فَإِذَا فيه جَمَلٌ، فلما رأى الجملُ النبيَّ ﷺ حَنَّ، وذَرَفَتْ عَيناهُ، فأتَاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فمسحَ ذِفْرَاهُ، فسكتَ، فقال: مَنْ رَبُّ هذا الجملِ.؟ لِمَن هذا الجَملُ.؟ فجاءَ فَتى مِن الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، فقال له: أَفلا تَتَّقي اللهَ في هذه البَهيمةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاها، فَإِنَّهُ شَكا إِليَّ: أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ». رواه أبو داود وأحمد وهو صحيح. قوله ذِفراه هما الموضعان اللذان يعرقان من البعير خلف الأذنين. وقوله تدئبه أي تتعبه..
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ سَفَرٍ حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ فِي بَنِي النَّجَّارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ لاَ يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلاَّ شَدَّ عَلَيْهِ (أي: حمل عليه كالوحشي) فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَأَتَاهُ فَدَعَاهُ، فَجَاءَ وَاضِعاً مِشْفَرَهُ فِي الأَرْضِ (كالشفَةِ من الإنسان) حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «هَاتُوا خِطَاماً». فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ يَعْلَمُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ عَاصِيَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ». رواه الدارمي وأحمد وهو حديث صحيح..
وبعد أيها الأحبة: لقد أبعد النجعة بعض شباب أمتنا واغتروا ببريق الضلال الغربي فجحدوا مسلمات من الدين هي من أمور الغيب، وهذه نتيجة حتمية للارتماء بأحضان هذه الحضارة المادية المفلسة.. فلا هم أحسنوا أمر الدنيا كما هي حال أولئك.! ولا هم حفظوا دينهم فَسَلْمُوا آخرتهم.! فأصبحوا عياذاً بالله من الخاسرين نعوذ بالله من حالهم.. ونسأله أن يعيدهم إلى دينهم القويم إنه جواد كريم... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً...
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الإخوة: حذوا حذركم من هذه المسالك، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281] ومما ورد في السنة من الغيبيات، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أن فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا، فسُئِلت: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا الرُّمْحِ.؟ قَالَتْ: هَذَا لِهَذِهِ الْأَوْزَاغِ نَقْتُلُهُنَّ بِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «حَدَّثَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَكُنْ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ النَّارَ عَنْهُ، غَيْرَ الْوَزَغِ كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِقَتْلِهِ». رواه أحمد وابن حبان في صحيحه وأصله في البخاري حسنه الألباني.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.. قال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله: كل ذلك تحريضاً للمسلمين على المبادرة لقتله وأن يكون قتلُه بقوة ليموت في أول مرة وسماه النبي ﷺ فاسقاً وأخبر أنه كان ينفخ النار على إبراهيم والعياذ بالله حين ألقاه أعداؤه في النار فجعل هذا الخبيث الوزغ ينفخ النار على إبراهيم من أجل أن يشتد لهبُها، مما يدل على عدواته التامة لأهل التوحيد والإخلاص، ولذلك ينبغي للإنسان أن يتتبع الأوزاغ في بيته في السوق في المسجد ويقتُلُها والله الموفق.. أ ه ومما أخبر به النَّبِيُّ ﷺ من أمور الغيب قَولُهُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلكًا وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا». رواه البخاري أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ونهى ﷺ عن سب الديك فقال: «لا تسبوا الديكَ، فإنه يُوقِظ للصلاة» أخرجه أبو داود. وهو صحيح عن زيد بن خالد رضي الله عنه
وبعد أيها الأحبة: هذا بعض ما صح من سنة المصطفى ﷺ ذكرناه.. لنعلمها ونؤمن بها حتى لا يأتي مشكك فيشكك بنا فيدعي عدم صحتها أو عدم صدقها لتأثره بلوثة فكرية مادية أودت بدينه.. نسأل الله مقلب القلوب أن يثبت قلوبنا على دينه...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق