من كان يؤمن!+حفظ الماء ( 1442/8/20هـ )

يوسف العوض
1442/08/18 - 2021/03/31 11:44AM
الخطبة الاولى
 
 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصْمُت، ومن كان يؤمن بالله  واليوم الآخر فليُكْرِم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضَيْفَه» متفق عليه ، حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- عَنْ النَّبِيِّ - عليه الصَّلَاةُ والسلامُ - بِأُصُولٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ جَامِعَةٍ ، فَقَال : "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ" هَذِهِ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ ، جَوَابُهَا : "فَليَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ" ، وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الْحَثُّ وَالْإِغْرَاءُ عَلَى قَوْلِ الْخَيْرِ أَوْ السُّكُوتِ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقُل الْخَيْرَ أَوْ أَسْكُتْ ، ومعنى "فَلَيَقُلْ خَيرَاً" كَأنَ يَقُولَ قولاً لَيْس خيراً فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى جُلَسَائِهِ ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْسِ وَإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ وَحُصُولِ الْأُلْفَة ، ومعنى "أو لِيَصْمُتْ" أَي يَسْكُتْ .

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وقولُه عليه الصَّلَاةُ والسلامُ "وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ" أَي جَارُهُ فِي الْبَيْتِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَشْمَلُ حَتَّى جَارُهُ فِي الْمُتَّجِرِ كجارك فِي الدُّكَّانِ مثلاً ، لَكِنْ هُوَ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ أَي الْجَارُ فِي الْبَيْتِ ، وَكُلَّمَا قَرُبَ الْجَار مِنْكَ كَانَ حَقُّهُ أَعْظَم ، وَأَطْلَق النَّبِيُّ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- الْإِكْرَامَ فَقَال : "فليُكْرِم جَارَهُ" وَلَمْ يَقُلْ مثلاً بِإِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ اللِّبَاسِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْتِي مُطلقاً فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، فالإكرامُ إذاً لَيْس مُعيناً بَلْ مَا عدَّه النَّاسُ إكراماً ، وَيَخْتَلِفُ مِنْ جَارٍ إلَى آخِرَ ، فجارُك الْفَقِيرُ رُبَّمَا يَكُونُ إكْرَامُه بِرَغِيفِ خُبْزِ ، وجارُك الْغَنِيُّ لَا يَكْفِي هَذَا فِي إِكْرَامِهِ ، وجارُك الْوَضِيعُ رُبَّمَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى شَيْءٍ فِي إِكْرَامِهِ ، وجارك الشَّرِيف يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرِ ، وَالْجَارُ : هَلْ هُوَ الْمُلَاصِقُ ، أَو الْمُشَارِكُ فِي السُّوقِ ، أَو الْمُقَابِلُ أَوْ مَاذَا ؟ هَذَا أيضاً يُرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ .

 

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ -عليه الصَّلَاة والسلام- : "وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُكرِمْ ضَيْفَهُ" فالضَّيْفُ هُوَ النَّازِلُ بِك ، كَرَجُلٍ مُسَافِرٍ نَزَلَ بِك ، فَهَذَا ضَيْفٌ يَجِب إكْرَامُه بِمَا يُعَدُّ إكراماً ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ -رحمهم الله- : إنَّمَا تَجِبُ الضِّيَافَةُ إذَا كَانَ فِي الْقُرَى أَي الْمُدُنُ الصَّغِيرَةُ ، وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ الْكَبِيرَةِ فَلَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ فِيهَا مَطَاعِمُ وفنادقُ يُذْهَبُ إلَيْهَا ، وَلَكِنَّ الْقُرَى الصَّغِيرَةَ يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَى مَكَان يُؤْوِيَه . وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَامٌّ : "فَليُكْرِمْ ضَيْفَهُ" .

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُؤْمَنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ حَقَّ الْإِيمَان يَارَبَّ الْعَالَمِين .
 

 

الخطبة الثانية

 


أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : إنَّ الحياةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ؛ حياةَ الإنسانِ ، وحياةَ الحيوانِ ، وحياةَ النباتِ ، قِوَامُهَا الماءُ ، فالماءُ هُو حياةُ الْكَائِن الحيِّ ، وَلَوْلَا الماءُ لَمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حياةٌ ، قال الله تعالى ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا  يُؤْمِنُونَ) رَوَى أَحْمَدُ وَابْن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْمُحْسِنِ الْعِبَاد حَفِظَهُ اللَّهُ : (أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ فِي شَاطِئِ الْبَحْرِ )، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِين رَحِمَهُ اللَّهُ : (ولنعلم أَنَّ الْإِكْثَار مِنْ اسْتِخْدَامِ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ المسرفين) وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ :( يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ وَلَوْ كَانَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ عَلَى مكائن تُسْتَخْرَج الْمَاء ؟ فَالْحَاصِل : أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْر الْوُضُوء مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْمُومَة ) .

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْمَسْؤُولِيَّةَ تُجَاه هَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِنْ يَشْكُرَهَا قَوْلًا وَعَمَلًا وَإِن يجْعَلَهَا ثَقَافَةً يورِّثها للأجيال مَنْ بَعْده وبالشُّكرِ تدومُ النِّعمُ  قَالَ تَعَالَى ( وَلَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

المشاهدات 814 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا