من فـقـه الصـيام (50 فتوى وفائدة)
احمد ابوبكر
1435/08/24 - 2014/06/22 14:48PM
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وبعد... استكمالاً لما سبق, هذه المجموعة الخامسة (خمسون فائدة) من سلسلة فوائد شيخنا سليمان العلوان, وهي خاصة في فقه الصيام, اسأل الله لي ولك العلم النافع والعمل الصالح, وإليك أخي القارئ ما سطرته من فوائد شيخنا:
1- الأكل والشرب والجماع وخروج الحيض من المرأة, هذه الأربع مجمع عليها كونها من المفطرات, وما سواها مختلف فيه.
2- الإمساك يبدأ من طلوع الفجر الثاني, ولا يصح الإمساك بعده وما جاء عن بعض السلف من الإمساك مع الإسفار اجتهاد لا دليل عليه, ومن فعله فعليه القضاء, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"
3- اختلف الفقهاء في حكم من ترك الصيام متعمداً هل يكفر؟ على قولين:
ذهبت طائفة: أنه كافر ولو لم يجحد وجوب الصيام, وهذا قول سعيد بن جبير وابن حبيب من فقهاء المالكية, ورواية عن أحمد.
وذهب جماهير العلماء إلى أنه لا يكفر؛ لأن الزكاة أعظم ومع ذلك لا يكفر تاركها, لما جاء في صحيح مسلم بعدما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تارك الزكاة, قال " ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار" ولو كان كافرا لم يكن له سبيل إلى الجنة, فإذا كان تارك الزكاة لا يكفر فتارك الصيام لا يكفر من باب أولى.
4- يجب الصيام برؤية الهلال وعليه لا عبرة بالحساب ولا بأقوال الفلكيين, وهذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحاح وتواترت عليه الأدلة, والقول بأن الحساب أضبط غير صحيح والواقع شاهد على اضطرابهم.
5- الصواب أن لكل أهل مطلع رؤيته وإن كان اليوم لكل أهل بلد يحكمها حاكم رؤيتهم وهذا لا بأس به, ولكن الصواب أن العبرة بالمطالع, وعليه لو اختلفت مطالع البلد الواحد وعملوا على ما اعتدت به حكومة البلد فلا بأس به كما يعمل به في بلادنا ففي بلادنا تتعدد المطالع ومع ذلك نعمل بحكم الحاكم في المطلع والذي وصله وهذا لا بأس به.
6- من ليس لهم رؤية فإنهم يعتبرون أقرب بلد على مطلعهم, وكذلك الذين يصومون في بلاد الكفار, وكذلك السجين في بلاد الكفار فإنه يسأل عن أقرب بلد على مطلعه, وهذا القول هو أقوى الأقوال وهو الذي نصره ابن تيمية وهو أن العبرة باختلاف المطالع وليس عليه عمل الناس في هذا العصر.
7- الهلال إذا رآه رجل واحد عدل يكفي ويعتد بقوله, والمقصود بالعدالة الصدق, ويدل على ذلك حديث ابن عمر حيث رأى الهلال فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته فأمر الناس بالصيام, والحديث رواه أبوداود وسنده قوي, وذهبت طائفة إلى أنه لابد من شاهدين واستدلوا بحديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه " فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" والحديث رواه النسائي وغيره وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف, وكل طريق لهذا الحديث من دون ذكر الحجاج فهو غلط ومعلول, أما خروج الشهر وبقية الشهور ودخولها فلابد من شاهدين, فيستثنى من ذلك فقط دخول رمضان يكفي فيه شاهد واحد وما سوى ذلك فلا بد من شاهدين.
8- هل تقبل شهادة المرأة؟ فيه قولان أصحهما الجواز, وأما خروج رمضان ففيه خلاف والجمهور أنها لا تقبل شهادتها, وذهبت طائفة إلى قبول شهادة امرأتين ورجل, وذهبت طائفة إلى قبول شهادة المرأة وحدها وهو مذهب ابن حزم.
9- حديث " لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله" خبر موضوع لا قيمة له, وأسماء الله توقيفية لا تقبل إلا بخبر صحيح, فلو جاءنا خبر ضعيف لم يقبل فيها فكيف بخبر موضوع؟
10- نسبة وجوب صيام يوم الشك للإمام أحمد غلط, ولا أصل لها, وكل من نسب ذلك إلى الإمام أحمد ومنهم صاحب الزاد وصاحب حاشية الروض وغيرهما وكثير من المتأخرين فقد أخطأ على الإمام أحمد, وهذا نتيجة عدم تحرير رواياته, والصواب نسبته لطائفة من أصحابه لا له.
11- اختلف في يوم الشك, فقيل: واجب وهو مذهب الحنابلة ومنسوب إلى الإمام أحمد وتقدم أن النسبة له غلط ولا يصح ذلك ولا في رواية عنه فلا بد من التنبه لهذا, وقيل: استحباب صومه, وقيل: أنه ينهى عن صومه سواء نهي تنزيه على قول طائفة أو نهي تحريم وهو الصواب, فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في أحاديث صحاح وليس في الإسلام صوم يوم الشك فهذا لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" ولما رواه البخاري في صحيحه معلقا ووصله الخمسة " من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" وهذا يحتمل أحد أمرين: إما أنه فهم من عمار بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم, ويحتمل أن يكون في ذلك نص عند عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا: فمن صام هذا اليوم فإن صيامه يعتبر تطوعاً, وذهبت طائفة أن هذا التطوع لايصح وهو قول قوي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين "لاتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين" والنهي في هذا الموضع يقتضي الفساد وهذا هو الصواب, فمن صام قبل رمضان احتياطاً فصيامه باطل, وإذا أتى التحريم على نفس العمل أو شرط من شروطه اقتضى الفساد.
12- الآثار الواردة في صيام يوم الشك عن الصحابة والسلف على قسمين: قسم ضعيف, وقسم صحيح وما صح في هذا ليس فيه أنهم يوجبونه وإنما كانوا يفعلون ذلك احتياطاً.
13- من صام يوم الشك احتياطاً, وبان من الغد أنه من رمضان فلا يجزئه ولا يقبل منه وعليه القضاء على الصحيح, لأنه عقد النية على صيام محرم.
14- الحديث الوارد في انتفاخ الأهلة " من أشراط الساعة أن يروا الهلال ابن ليلة يقولون ابن ليلتين..." الحديث وهو خبر معلول وإن كان معناه صحيح.
15- إذا صمنا برؤية واحد ثم في آخر الشهر لم نر الهلال وأكملنا ثلاثين يوماً فإننا نصوم واحدا وثلاثين؛ لأن هذا دليل على غلط الرائي بدخول الشهر؛ لأنه لا يمكن أن نفطر ولم يشهد شاهدان, بخلاف لو شهد شاهدان بدخول شهر رمضان فإننا لا نصوم واحدا وثلاثين؛ لأنه لا يوجد شهر 31 فيجب أن نفطر ولو لم نر الهلال.
16- إذا أسلم الشخص أثناء اليوم من رمضان فإنه يمسك بقية يومه, ويصوم ما يستقبل أجماعاً, وهل يقضي اليوم الذي أسلم فيه ولم يمسك من أوله؟ على قولين:
القول الأول: أنه يقضي هذا اليوم وهي رواية عن أحمد, واستدل هؤلاء بما جاء في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء" متفق عليه, وعند أبي داود "واقضوا يوما مكانه"
القول الثاني: أنه لا يقضي, لأنه أسلم في ذات اليوم ولم يكن مخاطباً, والشرائع تتبع العلم, وهذا هو الصواب, أما رواية أبي داود فهي منكرة, وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة " فليتم بقية يومه " ولم يقل (فليقض) دليل قوي على عدم وجوب القضاء.
17- ومن ذلك الصبي والجارية إذا حاضت أي بلغت أثناء النهار, فإنهم لا يقضون هذا اليوم, ومن الغد الحائض تقضي ما أفطرته حال حيضها؛ لأنها أصبحت مخاطبة.
18- من الأفضل أمر الصبي بالصيام ولو لم يكن واجبا عليه, وإنما من أجل تدريبه وتعليمه, وقد ورد ذلك عن طائفة من الصحابة, وحين رأى عمر بن الخطاب سكراناً في رمضان ضربه وقال: "وصبياننا صيام !!" فالأفضل تعويد الصبيان أن يصوموا ولو بعض النهار شيئاً فشيئا حتى يتعودوا.
19- الجنون مع الصيام مراتب:
الأولى: أن يكون الجنون لازماً له, فهذا لاصيام عليه بالإجماع.
الثانية: أن يكون الجنون طارئاً ثم لازمه, فهذا بمنزلة القسم الأول.
الثالثة: أن يكون الجنون طرأ عليه ولم يلازمه, وإنما يفيق تارة ويجن تارة, فهذا إذا أفاق في جميع اليوم في رمضان فإنه يؤمر بصيامه, وأما إذا كان يجن في بعض اليوم ويفيق في بعضه فقيل: يؤمر, وقيل لا يؤمر, وعليه من كان له أب أو مريض قد خرف فإنه يأمره حال إفاقته ويتركه إن أكل, ولعل الأول أرجح مادام أنه لم يفق كل اليوم فلا صيام عليه.
20- اختلف الفقهاء فيمن رأى رجلاً يفطر في نهار رمضان ناسياً هل ينكر عليه؟ قولان عند العلماء:
الأول: أن الإنكار واجب ولو كان يعلم أنه ناسياً؛ لأنه خالف في ظاهره.
الثاني: أنه لا ينكر عليه؛ لأن الله أطعمه وسقاه, وما دام أن الله عفا عنه فاعف عنه.
وفصَّل بعضهم فقال: إذا كان أما مرأى من الناس فإنه ينكر عليه؛ لئلا يظن أحداً به السوء ويحصل بذلك مفسده, وأما إذا كان وحده فإنه يدعه ولا ينكر وهذا قول قوي وهو الصواب؛ لأن الله أطعمه وسقاه.
21- إذا أصبح الناس مفطرين في اليوم الثلاثين من شعبان, وجاء خبر رمضان في نفس اليوم من النهار بأن الهلال رؤي البارحة ففي هذه الحالة يمسكون وجوباً, واختلفوا هل يقضون هذا اليوم؟
قيل: يجب القضاء عليهم وهو قول الأئمة الأربعة؛ لأنه أفطر يوماً من رمضان؛ ولأنه لو نقص رمضان صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ولا شهر دون تسعة وعشرين يوماً.
وقيل: لا يجب عليهم القضاء واختاره ابن تيمية, واستدل بحديث سلمة ابن الأكوع السابق في الصحيحين وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أكل يوم عاشوراء أن يتم صومه ولم يأمرهم بالقضاء, وهذا يدل على أن النية تتبع العلم.
وردَّ أصحاب القول الأول بأنه هناك فرق بين رجل جاهل بشرعية صيام اليوم, وبين من جهل دخول الصيام, وأجابوا عن حديث سلمة بأنهم ما كانوا يعلمون الوجوب أصلاً, ومذهب الجمهور أحوط, وقول ابن تيمية أقوى دليلاً؛ لأن صيام عاشوراء فرض وما أمرهم بالقضاء, فدل هذا على أن الشرائع لا تلزم إلا بالعلم.
22- من زال عذره أثناء النهار, كمريض شفي, وحائض طهرت, ومسافر وصل محل إقامته, الصواب من قولي أهل العلم أنه لا يلزمهم الإمساك بعد زوال العذر وهو المشهور عن ابن مسعود ورواية عن أحمد.
23- لا دليل على جواز الفطر قبل مفارقة البنيان لمن أراد السفر, والآثار الواردة عن أنس وغيره لا تصح لا مرفوعة ولا موقوفة, فهي آثار مضطربة لا يصح منها شيء.
24- الكبير الذي لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, وهذا ثابت عن جمع من الصحابة منهم أنس فحين كبر كان يطعم عن كل يوم مسكينا, وأفتى به ابن عباس, واختلف العلماء هل له أن يطعم مسكينا واحدا ثلاثين مرة عن الشهر, أو لابد من ثلاثين مسكين؟ والصواب لو أطعم مسكينا طعام ثلاثين مسكين فلا حرج, والأحوط ألا يفعل ذلك.
25- الصواب من قولي أهل العلم أنه لا يشترط في الإطعام التمليك, وإنما لو جمعهم وغداهم أو عشاهم يصح خلافا لمن اشترط ذلك من الفقهاء, والقدر المجزئ من ذلك هو قدر الإشباع, ولا يلزم أن يأكل حتى يشبع وإنما يعطيه قدر ما يشبعه.
26- المريض له حالتان:
الأولى: أن يكون ممن لا يرجى برؤه, فلا خلاف أنه لا قضاء عليه؛ لأنه غير قادر كالشيخ الكبير, وفي هذه الحالة يطعم عن كل يوم مسكينا.
الثانية: أن يكون ممن يرجى برؤه فإن هذا لا يطعم بل ينتظر حتى يبرأ.
27- اختلف الفقهاء في قدر المرض المسوِّغ للفطر, فقالت طائفة: كل مرض يجوز لصاحبه أن يفطر وفي هذا نظر, لأنه على هذا القول من أصابه وجع أصبع أو صداع أفطر وهذا غير صحيح, وقالت طائفة: المقصود هو المرض الذي يضره ويحتاج معه العلاج.
28- المسافر يقصر ويفطر ولو كان سفره لامشقة معه, هذا هو الصواب فالفطر والقصر ليس مربوطاً بالمشقة وإنما يقصر بمجرد الضرب في الأرض لقوله تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" جعل الله تعالى مجرد الضرب في الأرض مبيح للقصر.
29- الصوم في السفر له مراتب:
الأولى: أن يشق عليه الصوم في السفر دون ضرر, فالصواب أنه يستحب له الفطر؛ لأن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه.
الثانية: أن يلحقه ضرر فهذا يحرم معه الصوم.
الثالثة: أن يكون الضرر على غيره, كالصوم في الجهاد بحيث يضعفه أما العدو وحماية الثغور فهذا يكون آثماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أولئك العصاة أولئك العصاة" وقال: "ليس من البر الصوم في السفر"
الرابعة: أن يستوي عنده الطرفان الفطر والصيام, ففي هذا خلاف, فقالت طائفة أن الفطر أفضل لأن الله يحب أن تؤتى رخصه, وقالت طائفة: هذا يرجع لحال الشخص إن كان في المستقبل يشق عليه القضاء فإن الصوم أفضل, وقالت طائفة: إن لم يشق عليه فالصوم أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, أما حديث "إن الله يحب أن تؤتى رخصه" قالوا هي الرخصة التي تتعلق بالمشقة, وفرقوا بين الفطر والقصر فقالوا: إن القصر أصل في السفر وأيضاً لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم يتم في السفر لكنه ورد أنه يفطر في السفر, وهذه الأدلة كما هي ظاهرة قوية.
30- اختلف فيمن سافر لأجل أن يفطر:
قيل: له أن يفطر؛ لأن السفر هو المبيح للفطر, فإذا سافر بقصد الفطر أو الجماع فله ذلك.
وقيل: لا يجوز له أن يسافر ليفطر؛ لأن هذا احتيال ولا يجوز الاحتيال في الشرع, وهو قول الإمام أحمد وطائفة من الأئمة, فهو يعامل بنقيض قصده ولهذا نظائر في الشرع وهذا هو الصواب.
31- ذكر ابن القيم مسوغات الفطر وأنها أربعة: المرض, والسفر, والحيض, والخوف
32- "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" ورد مرفوعا وموقوفا, والصواب أن المرفوع لا يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم, والثابت هو الموقوف.
33- الصواب أن من جامع من نهار رمضان وجبت عليه الكفارة, وإذا جامع من الغد ولم يكفِّر عن الأولى تجب عليه كفارتين على الصواب, ولو جامع جميع الشهر وجبت عليه ثلاثين كفارة, خلافاً لمن قال تكفي كفارة واحدة مادام أنه لم يكفر عما سبق من جماعه, والصواب أن لكل يوم كفارة مطلقا؛ لأن لكل يوم حرمته؛ ولأنه أفسد أكثر من يوم فوجبت عليه أكثر من كفارة؛ ولأنه بمنزلة من قتل رجلين.
34- التلفظ بالنية كأن يقول اللهم إني نويت أن أصوم غدا أو أصوم شهر رمضان بدعة, فلا دليل على ذلك.
35- اختلف أهل العلم هل تصح نية صيام النفل من النهار على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن النفل كالفرض لا يصح إلا بالليل, وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد ونصر هذا القول ابن حزم.
القول الثاني: أن صيام النفل يصح بنية قبل الزوال ولا يصح بعده, وهؤلاء يعللون بأنه لو كان بعد الزوال لم ينو أكثر اليوم وهذا لا يصح.
القول الثالث: يصح بنية قبل الزوال وبعده, وهو مذهب أحمد وهو مروي عن جماعة من الصحابة ويستدلون بحديث عائشة عند مسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة فقال: هل عندكم شيء قالت: لا, قال فإني إذاً صائم"
ونوقش هذا الاستدلال بأنه ليس بصريح أنه أحدث النية من هذا الوقت, فلعله صائم من الأصل وعلق النية إن وجد طعاماً, ورُدَّت هذه المناقشة بأن هذا التخريج يستدعي أن نيته في الصيام لم تكن جازمة من الأصل, والصيام لابد له من نية جازمة, والأحوط للمسلم أن ينوي النفل من الليل قبل طلوع الفجر الثاني, لكن النفل المطلق الأمر فيه واسع وأنه يصح بنية من النهار وهو قول جمهور العلماء, أما النفل المقيد فلا يصح إلا بنية من الليل, ومن نوى المقيد من النهار كيوم عاشوراء أو يوم عرفة فلا يصدق عليه أنه صام يوم عرفة أو عاشوراء, لا يصح منه ذلك ولا يقبل.
36- الصحيح أن الاعتكاف لا يصح بأقل من يوم؛ لأنه أقل ما وردت به النصوص, وأقل من ذلك يسمى رباطاً لا اعتكافاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو به الله الخطايا ويرفع به الدرجات.......وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط" ولم يقل فذلكم الاعتكاف.
37- شخص عليه قضاء من رمضان ثم نوى الأكل والشرب ولم يفعل ثم قلب نيته إلى نفل صح ذلك؛ لأنه لم ينو الفطر؛ لأنه لو نوى الفطر أفطر بمجرد النية, لكنه نوى الأكل والشرب ولم يفعل فيصح أن ينويه نفلا.
38- الصواب في التحميلات التي توضع عن طريق الدبر أنها لا تفطر ولا تضر الصوم؛ لأنها ليست بمنزلة الأكل والشرب.
39- الكحل عند الحنابلة يفطر, والقول الثاني أنه لايفطر وهو رواية عن أحمد ونصره ابن تيمية, حتى لو أحس بطعم الكحل في حلقه هذا هو الصواب, فهذا لايلزم من كونه مفطرا, فإن الشري لو وطئه الشخص بقدمه أحس بمرارته, والكحل كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ويستعمله كثير من الناس ولو كان مفطرا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
40- المرأة إذا أجرت منظارا عن طريق الفرج الصواب أن هذا لا يفطر.
41- الطيب ليس مفطرا ولم يقل أحد من العلماء أنه مفطرا, بل ولا كراهة في ذلك بل هو محمود حتى حال الصيام, والخلاف في البخور فإن بخَّر ثيابه أو ملابسه فلا حرج من ذلك, والممنوع هو استنشاق البخور كما يمنع الصائم المبالغة في الاستنشاق حال الوضوء, أما البخور من دون استنشاق وتكبب له وإنما فقط لتبخير الثياب والملابس فلا حرج, والصحابة كانوا يطبخون في النهار على نار ذات دخان, فالممنوع هو تقصد الاستنشاق, أما من ابتلي بشرب الدخان فشربه يفطر لأنه هذا شرب له.
42- من استقاء رغماً عنه فلا يفسد صيامه, أما تعمد القيء فهذا يفطر في قول جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم لحديث "...ومن استقاء فليفطر" لكن هذا الخبر معلول وقد غلط فيه عيسى بن يونس, وأنكره أهل البصرة والبخاري, وكان أبوهريرة يرى أن القيء لا يفطر ولو تعمد, ولا يمكن أن يفتي أبوهريرة بخلاف ما روى, وهو قول ابن عباس وعكرمة وطائفة من التابعين والأئمة وهو الصواب؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القيء يفطر, وأما حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم (قاء فأفطر) فهذا الحديث فيه اختلاف على لفظه, فقد جاء أنه (قاء فتوضأ) وحتى لو قيل بثبوتها فإنه لا دلالة على أنه أفطر من أجل القيء, والخلاف في ترجيح اللفظين قوي والصواب أن القيء عمدا لا يفطر, وورد عن أبي هريرة وابن عباس أن الفطر مما دخل لا مما خرج.
43- جماهير العلماء أن استدعاء خروج المني مفطر, وقالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال, قال الله تعالى: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" والشهوة الجماع وخروج المني منه, وذهبت جماعة إلى أنه لايفطر استصحابا للبراءة الأصلية بعدم الدليل, وقول أبي هريرة وابن عباس أن الفطر مما دخل لا مما خرج, ولأن المقصود بالشهوة في الحديث الجماع, لأنه لو أريد به ما ذكروه لدخلت كل شهوة كالنظر المحرم ونحوه, وقول الجمهور أحوط وعليه من استفتى فإنه يؤمر بالقضاء لكن لا كفارة عليه, بخلاف المذي فعند أحمد روايتين فيه الفطر وعدمه, والصواب أنه لا يفطر؛ لأنه لا دليل على ذلك.
44- اختلف في الحجامة هل تفطر؟ ذهبت طائفة أنها تفطر لقوله صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم والمحجوم" وذهب إلى هذا إسحاق بن راهويه ونصره ابن تيمية وابن القيم, وحكى ابن تيمية هذا القول عن جمهور أهل الحديث, وذهبت جماعة أن الحجامة لا تفطر, وهؤلاء يضعفون أحاديث الفطر بالحجامة, ومنهم من قال هي منسوخة كالشافعي, ويقولون جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحجامة لا تفطر ومن ذلك: ما جاء عند أبي خزيمة عن أبي سعيد موقوفاً "رخص للصائم في القبلة والحجامة" ومعلوم أن الذي يرخص هو النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الأثر سنده صحيح, وما رواه البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم", وما رواه أبوداود بسند صحيح عن عبدالرحمن بن أبي ليلى "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه", وفي البخاري عن ثابت قيل لأنس: "أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ فقال لا إلا من أجل الضعف" , ولذلك كان ابن عمر والإسناد إليه صحيح يحتجم نهاراً فلما ضعف احتجم ليلا, وهذا يدل على أنه لا يرى الفطر بالحجامة, وهذا هو الصواب أن الحجامة لا تفطر ولكن من كانت تضعفه فإنه يتجنبها.
وعليه فالتبرع بالدم في نهار رمضان وأخذ التحليل ونحوه لا يفطر هذا هو الصحيح, وهذا الذي دلت عليه أكثر الأخبار وأكثر الأحاديث.
45- الصواب في البصاق وكذلك النخامة أنها لا تفطر؛ لأنه لم يستجلب شيئا خارجا عنه.
46- من استاك وابتلع طعم السواك فإنه لا يفطر, لكنه يتجنب السواك المضاف إليه نكهات كطعم الليمون ونحوه.
47- من بالغ في الاستنشاق حال الصيام فإنه خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم, لكن لو دخل شيء من غير قصده فإنه لا يفطر.
48- إذا أذن المؤذن وكان مخطئاً بالوقت ثم أكل شخص, ثم تبين له أن المؤذن أخطأ بالتوقيت فأمسك الصواب أن صيامه صحيح, وهذا الذي نصره ابن تيمية.
49- بالنسبة لتقويم أم القرى فإن الصائم يمسك على هذا التقويم احتياطاً, وأما الصلاة فإنه يتأخر احتياطاً لأن التقويم متقدم.
50- سئل عن حكم الشرب أثناء الأذان؟ فقال: إذا كان المؤذن يتقدم فلا بأس, أما إذا كان يؤذن على الوقت فينبغي أن يتعجل الإمساك, وإذا كان بيده شيء فليشربه, لقول أبي هريرة "إذا أذن المؤذن وفي يد أحدكم إناء فلا يضعه حتى يقضي نهمته" وهذا جاء مرفوعا وموقوفاً والصواب وقفه.
كتبها: عبدالله بن حمود الفريح
البريد الإلكتروني: [email protected]
1- الأكل والشرب والجماع وخروج الحيض من المرأة, هذه الأربع مجمع عليها كونها من المفطرات, وما سواها مختلف فيه.
2- الإمساك يبدأ من طلوع الفجر الثاني, ولا يصح الإمساك بعده وما جاء عن بعض السلف من الإمساك مع الإسفار اجتهاد لا دليل عليه, ومن فعله فعليه القضاء, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"
3- اختلف الفقهاء في حكم من ترك الصيام متعمداً هل يكفر؟ على قولين:
ذهبت طائفة: أنه كافر ولو لم يجحد وجوب الصيام, وهذا قول سعيد بن جبير وابن حبيب من فقهاء المالكية, ورواية عن أحمد.
وذهب جماهير العلماء إلى أنه لا يكفر؛ لأن الزكاة أعظم ومع ذلك لا يكفر تاركها, لما جاء في صحيح مسلم بعدما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تارك الزكاة, قال " ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار" ولو كان كافرا لم يكن له سبيل إلى الجنة, فإذا كان تارك الزكاة لا يكفر فتارك الصيام لا يكفر من باب أولى.
4- يجب الصيام برؤية الهلال وعليه لا عبرة بالحساب ولا بأقوال الفلكيين, وهذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحاح وتواترت عليه الأدلة, والقول بأن الحساب أضبط غير صحيح والواقع شاهد على اضطرابهم.
5- الصواب أن لكل أهل مطلع رؤيته وإن كان اليوم لكل أهل بلد يحكمها حاكم رؤيتهم وهذا لا بأس به, ولكن الصواب أن العبرة بالمطالع, وعليه لو اختلفت مطالع البلد الواحد وعملوا على ما اعتدت به حكومة البلد فلا بأس به كما يعمل به في بلادنا ففي بلادنا تتعدد المطالع ومع ذلك نعمل بحكم الحاكم في المطلع والذي وصله وهذا لا بأس به.
6- من ليس لهم رؤية فإنهم يعتبرون أقرب بلد على مطلعهم, وكذلك الذين يصومون في بلاد الكفار, وكذلك السجين في بلاد الكفار فإنه يسأل عن أقرب بلد على مطلعه, وهذا القول هو أقوى الأقوال وهو الذي نصره ابن تيمية وهو أن العبرة باختلاف المطالع وليس عليه عمل الناس في هذا العصر.
7- الهلال إذا رآه رجل واحد عدل يكفي ويعتد بقوله, والمقصود بالعدالة الصدق, ويدل على ذلك حديث ابن عمر حيث رأى الهلال فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته فأمر الناس بالصيام, والحديث رواه أبوداود وسنده قوي, وذهبت طائفة إلى أنه لابد من شاهدين واستدلوا بحديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه " فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" والحديث رواه النسائي وغيره وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف, وكل طريق لهذا الحديث من دون ذكر الحجاج فهو غلط ومعلول, أما خروج الشهر وبقية الشهور ودخولها فلابد من شاهدين, فيستثنى من ذلك فقط دخول رمضان يكفي فيه شاهد واحد وما سوى ذلك فلا بد من شاهدين.
8- هل تقبل شهادة المرأة؟ فيه قولان أصحهما الجواز, وأما خروج رمضان ففيه خلاف والجمهور أنها لا تقبل شهادتها, وذهبت طائفة إلى قبول شهادة امرأتين ورجل, وذهبت طائفة إلى قبول شهادة المرأة وحدها وهو مذهب ابن حزم.
9- حديث " لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله" خبر موضوع لا قيمة له, وأسماء الله توقيفية لا تقبل إلا بخبر صحيح, فلو جاءنا خبر ضعيف لم يقبل فيها فكيف بخبر موضوع؟
10- نسبة وجوب صيام يوم الشك للإمام أحمد غلط, ولا أصل لها, وكل من نسب ذلك إلى الإمام أحمد ومنهم صاحب الزاد وصاحب حاشية الروض وغيرهما وكثير من المتأخرين فقد أخطأ على الإمام أحمد, وهذا نتيجة عدم تحرير رواياته, والصواب نسبته لطائفة من أصحابه لا له.
11- اختلف في يوم الشك, فقيل: واجب وهو مذهب الحنابلة ومنسوب إلى الإمام أحمد وتقدم أن النسبة له غلط ولا يصح ذلك ولا في رواية عنه فلا بد من التنبه لهذا, وقيل: استحباب صومه, وقيل: أنه ينهى عن صومه سواء نهي تنزيه على قول طائفة أو نهي تحريم وهو الصواب, فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في أحاديث صحاح وليس في الإسلام صوم يوم الشك فهذا لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" ولما رواه البخاري في صحيحه معلقا ووصله الخمسة " من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" وهذا يحتمل أحد أمرين: إما أنه فهم من عمار بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم, ويحتمل أن يكون في ذلك نص عند عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا: فمن صام هذا اليوم فإن صيامه يعتبر تطوعاً, وذهبت طائفة أن هذا التطوع لايصح وهو قول قوي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين "لاتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين" والنهي في هذا الموضع يقتضي الفساد وهذا هو الصواب, فمن صام قبل رمضان احتياطاً فصيامه باطل, وإذا أتى التحريم على نفس العمل أو شرط من شروطه اقتضى الفساد.
12- الآثار الواردة في صيام يوم الشك عن الصحابة والسلف على قسمين: قسم ضعيف, وقسم صحيح وما صح في هذا ليس فيه أنهم يوجبونه وإنما كانوا يفعلون ذلك احتياطاً.
13- من صام يوم الشك احتياطاً, وبان من الغد أنه من رمضان فلا يجزئه ولا يقبل منه وعليه القضاء على الصحيح, لأنه عقد النية على صيام محرم.
14- الحديث الوارد في انتفاخ الأهلة " من أشراط الساعة أن يروا الهلال ابن ليلة يقولون ابن ليلتين..." الحديث وهو خبر معلول وإن كان معناه صحيح.
15- إذا صمنا برؤية واحد ثم في آخر الشهر لم نر الهلال وأكملنا ثلاثين يوماً فإننا نصوم واحدا وثلاثين؛ لأن هذا دليل على غلط الرائي بدخول الشهر؛ لأنه لا يمكن أن نفطر ولم يشهد شاهدان, بخلاف لو شهد شاهدان بدخول شهر رمضان فإننا لا نصوم واحدا وثلاثين؛ لأنه لا يوجد شهر 31 فيجب أن نفطر ولو لم نر الهلال.
16- إذا أسلم الشخص أثناء اليوم من رمضان فإنه يمسك بقية يومه, ويصوم ما يستقبل أجماعاً, وهل يقضي اليوم الذي أسلم فيه ولم يمسك من أوله؟ على قولين:
القول الأول: أنه يقضي هذا اليوم وهي رواية عن أحمد, واستدل هؤلاء بما جاء في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء" متفق عليه, وعند أبي داود "واقضوا يوما مكانه"
القول الثاني: أنه لا يقضي, لأنه أسلم في ذات اليوم ولم يكن مخاطباً, والشرائع تتبع العلم, وهذا هو الصواب, أما رواية أبي داود فهي منكرة, وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة " فليتم بقية يومه " ولم يقل (فليقض) دليل قوي على عدم وجوب القضاء.
17- ومن ذلك الصبي والجارية إذا حاضت أي بلغت أثناء النهار, فإنهم لا يقضون هذا اليوم, ومن الغد الحائض تقضي ما أفطرته حال حيضها؛ لأنها أصبحت مخاطبة.
18- من الأفضل أمر الصبي بالصيام ولو لم يكن واجبا عليه, وإنما من أجل تدريبه وتعليمه, وقد ورد ذلك عن طائفة من الصحابة, وحين رأى عمر بن الخطاب سكراناً في رمضان ضربه وقال: "وصبياننا صيام !!" فالأفضل تعويد الصبيان أن يصوموا ولو بعض النهار شيئاً فشيئا حتى يتعودوا.
19- الجنون مع الصيام مراتب:
الأولى: أن يكون الجنون لازماً له, فهذا لاصيام عليه بالإجماع.
الثانية: أن يكون الجنون طارئاً ثم لازمه, فهذا بمنزلة القسم الأول.
الثالثة: أن يكون الجنون طرأ عليه ولم يلازمه, وإنما يفيق تارة ويجن تارة, فهذا إذا أفاق في جميع اليوم في رمضان فإنه يؤمر بصيامه, وأما إذا كان يجن في بعض اليوم ويفيق في بعضه فقيل: يؤمر, وقيل لا يؤمر, وعليه من كان له أب أو مريض قد خرف فإنه يأمره حال إفاقته ويتركه إن أكل, ولعل الأول أرجح مادام أنه لم يفق كل اليوم فلا صيام عليه.
20- اختلف الفقهاء فيمن رأى رجلاً يفطر في نهار رمضان ناسياً هل ينكر عليه؟ قولان عند العلماء:
الأول: أن الإنكار واجب ولو كان يعلم أنه ناسياً؛ لأنه خالف في ظاهره.
الثاني: أنه لا ينكر عليه؛ لأن الله أطعمه وسقاه, وما دام أن الله عفا عنه فاعف عنه.
وفصَّل بعضهم فقال: إذا كان أما مرأى من الناس فإنه ينكر عليه؛ لئلا يظن أحداً به السوء ويحصل بذلك مفسده, وأما إذا كان وحده فإنه يدعه ولا ينكر وهذا قول قوي وهو الصواب؛ لأن الله أطعمه وسقاه.
21- إذا أصبح الناس مفطرين في اليوم الثلاثين من شعبان, وجاء خبر رمضان في نفس اليوم من النهار بأن الهلال رؤي البارحة ففي هذه الحالة يمسكون وجوباً, واختلفوا هل يقضون هذا اليوم؟
قيل: يجب القضاء عليهم وهو قول الأئمة الأربعة؛ لأنه أفطر يوماً من رمضان؛ ولأنه لو نقص رمضان صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ولا شهر دون تسعة وعشرين يوماً.
وقيل: لا يجب عليهم القضاء واختاره ابن تيمية, واستدل بحديث سلمة ابن الأكوع السابق في الصحيحين وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أكل يوم عاشوراء أن يتم صومه ولم يأمرهم بالقضاء, وهذا يدل على أن النية تتبع العلم.
وردَّ أصحاب القول الأول بأنه هناك فرق بين رجل جاهل بشرعية صيام اليوم, وبين من جهل دخول الصيام, وأجابوا عن حديث سلمة بأنهم ما كانوا يعلمون الوجوب أصلاً, ومذهب الجمهور أحوط, وقول ابن تيمية أقوى دليلاً؛ لأن صيام عاشوراء فرض وما أمرهم بالقضاء, فدل هذا على أن الشرائع لا تلزم إلا بالعلم.
22- من زال عذره أثناء النهار, كمريض شفي, وحائض طهرت, ومسافر وصل محل إقامته, الصواب من قولي أهل العلم أنه لا يلزمهم الإمساك بعد زوال العذر وهو المشهور عن ابن مسعود ورواية عن أحمد.
23- لا دليل على جواز الفطر قبل مفارقة البنيان لمن أراد السفر, والآثار الواردة عن أنس وغيره لا تصح لا مرفوعة ولا موقوفة, فهي آثار مضطربة لا يصح منها شيء.
24- الكبير الذي لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, وهذا ثابت عن جمع من الصحابة منهم أنس فحين كبر كان يطعم عن كل يوم مسكينا, وأفتى به ابن عباس, واختلف العلماء هل له أن يطعم مسكينا واحدا ثلاثين مرة عن الشهر, أو لابد من ثلاثين مسكين؟ والصواب لو أطعم مسكينا طعام ثلاثين مسكين فلا حرج, والأحوط ألا يفعل ذلك.
25- الصواب من قولي أهل العلم أنه لا يشترط في الإطعام التمليك, وإنما لو جمعهم وغداهم أو عشاهم يصح خلافا لمن اشترط ذلك من الفقهاء, والقدر المجزئ من ذلك هو قدر الإشباع, ولا يلزم أن يأكل حتى يشبع وإنما يعطيه قدر ما يشبعه.
26- المريض له حالتان:
الأولى: أن يكون ممن لا يرجى برؤه, فلا خلاف أنه لا قضاء عليه؛ لأنه غير قادر كالشيخ الكبير, وفي هذه الحالة يطعم عن كل يوم مسكينا.
الثانية: أن يكون ممن يرجى برؤه فإن هذا لا يطعم بل ينتظر حتى يبرأ.
27- اختلف الفقهاء في قدر المرض المسوِّغ للفطر, فقالت طائفة: كل مرض يجوز لصاحبه أن يفطر وفي هذا نظر, لأنه على هذا القول من أصابه وجع أصبع أو صداع أفطر وهذا غير صحيح, وقالت طائفة: المقصود هو المرض الذي يضره ويحتاج معه العلاج.
28- المسافر يقصر ويفطر ولو كان سفره لامشقة معه, هذا هو الصواب فالفطر والقصر ليس مربوطاً بالمشقة وإنما يقصر بمجرد الضرب في الأرض لقوله تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" جعل الله تعالى مجرد الضرب في الأرض مبيح للقصر.
29- الصوم في السفر له مراتب:
الأولى: أن يشق عليه الصوم في السفر دون ضرر, فالصواب أنه يستحب له الفطر؛ لأن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه.
الثانية: أن يلحقه ضرر فهذا يحرم معه الصوم.
الثالثة: أن يكون الضرر على غيره, كالصوم في الجهاد بحيث يضعفه أما العدو وحماية الثغور فهذا يكون آثماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أولئك العصاة أولئك العصاة" وقال: "ليس من البر الصوم في السفر"
الرابعة: أن يستوي عنده الطرفان الفطر والصيام, ففي هذا خلاف, فقالت طائفة أن الفطر أفضل لأن الله يحب أن تؤتى رخصه, وقالت طائفة: هذا يرجع لحال الشخص إن كان في المستقبل يشق عليه القضاء فإن الصوم أفضل, وقالت طائفة: إن لم يشق عليه فالصوم أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, أما حديث "إن الله يحب أن تؤتى رخصه" قالوا هي الرخصة التي تتعلق بالمشقة, وفرقوا بين الفطر والقصر فقالوا: إن القصر أصل في السفر وأيضاً لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم يتم في السفر لكنه ورد أنه يفطر في السفر, وهذه الأدلة كما هي ظاهرة قوية.
30- اختلف فيمن سافر لأجل أن يفطر:
قيل: له أن يفطر؛ لأن السفر هو المبيح للفطر, فإذا سافر بقصد الفطر أو الجماع فله ذلك.
وقيل: لا يجوز له أن يسافر ليفطر؛ لأن هذا احتيال ولا يجوز الاحتيال في الشرع, وهو قول الإمام أحمد وطائفة من الأئمة, فهو يعامل بنقيض قصده ولهذا نظائر في الشرع وهذا هو الصواب.
31- ذكر ابن القيم مسوغات الفطر وأنها أربعة: المرض, والسفر, والحيض, والخوف
32- "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" ورد مرفوعا وموقوفا, والصواب أن المرفوع لا يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم, والثابت هو الموقوف.
33- الصواب أن من جامع من نهار رمضان وجبت عليه الكفارة, وإذا جامع من الغد ولم يكفِّر عن الأولى تجب عليه كفارتين على الصواب, ولو جامع جميع الشهر وجبت عليه ثلاثين كفارة, خلافاً لمن قال تكفي كفارة واحدة مادام أنه لم يكفر عما سبق من جماعه, والصواب أن لكل يوم كفارة مطلقا؛ لأن لكل يوم حرمته؛ ولأنه أفسد أكثر من يوم فوجبت عليه أكثر من كفارة؛ ولأنه بمنزلة من قتل رجلين.
34- التلفظ بالنية كأن يقول اللهم إني نويت أن أصوم غدا أو أصوم شهر رمضان بدعة, فلا دليل على ذلك.
35- اختلف أهل العلم هل تصح نية صيام النفل من النهار على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن النفل كالفرض لا يصح إلا بالليل, وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد ونصر هذا القول ابن حزم.
القول الثاني: أن صيام النفل يصح بنية قبل الزوال ولا يصح بعده, وهؤلاء يعللون بأنه لو كان بعد الزوال لم ينو أكثر اليوم وهذا لا يصح.
القول الثالث: يصح بنية قبل الزوال وبعده, وهو مذهب أحمد وهو مروي عن جماعة من الصحابة ويستدلون بحديث عائشة عند مسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة فقال: هل عندكم شيء قالت: لا, قال فإني إذاً صائم"
ونوقش هذا الاستدلال بأنه ليس بصريح أنه أحدث النية من هذا الوقت, فلعله صائم من الأصل وعلق النية إن وجد طعاماً, ورُدَّت هذه المناقشة بأن هذا التخريج يستدعي أن نيته في الصيام لم تكن جازمة من الأصل, والصيام لابد له من نية جازمة, والأحوط للمسلم أن ينوي النفل من الليل قبل طلوع الفجر الثاني, لكن النفل المطلق الأمر فيه واسع وأنه يصح بنية من النهار وهو قول جمهور العلماء, أما النفل المقيد فلا يصح إلا بنية من الليل, ومن نوى المقيد من النهار كيوم عاشوراء أو يوم عرفة فلا يصدق عليه أنه صام يوم عرفة أو عاشوراء, لا يصح منه ذلك ولا يقبل.
36- الصحيح أن الاعتكاف لا يصح بأقل من يوم؛ لأنه أقل ما وردت به النصوص, وأقل من ذلك يسمى رباطاً لا اعتكافاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو به الله الخطايا ويرفع به الدرجات.......وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط" ولم يقل فذلكم الاعتكاف.
37- شخص عليه قضاء من رمضان ثم نوى الأكل والشرب ولم يفعل ثم قلب نيته إلى نفل صح ذلك؛ لأنه لم ينو الفطر؛ لأنه لو نوى الفطر أفطر بمجرد النية, لكنه نوى الأكل والشرب ولم يفعل فيصح أن ينويه نفلا.
38- الصواب في التحميلات التي توضع عن طريق الدبر أنها لا تفطر ولا تضر الصوم؛ لأنها ليست بمنزلة الأكل والشرب.
39- الكحل عند الحنابلة يفطر, والقول الثاني أنه لايفطر وهو رواية عن أحمد ونصره ابن تيمية, حتى لو أحس بطعم الكحل في حلقه هذا هو الصواب, فهذا لايلزم من كونه مفطرا, فإن الشري لو وطئه الشخص بقدمه أحس بمرارته, والكحل كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ويستعمله كثير من الناس ولو كان مفطرا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
40- المرأة إذا أجرت منظارا عن طريق الفرج الصواب أن هذا لا يفطر.
41- الطيب ليس مفطرا ولم يقل أحد من العلماء أنه مفطرا, بل ولا كراهة في ذلك بل هو محمود حتى حال الصيام, والخلاف في البخور فإن بخَّر ثيابه أو ملابسه فلا حرج من ذلك, والممنوع هو استنشاق البخور كما يمنع الصائم المبالغة في الاستنشاق حال الوضوء, أما البخور من دون استنشاق وتكبب له وإنما فقط لتبخير الثياب والملابس فلا حرج, والصحابة كانوا يطبخون في النهار على نار ذات دخان, فالممنوع هو تقصد الاستنشاق, أما من ابتلي بشرب الدخان فشربه يفطر لأنه هذا شرب له.
42- من استقاء رغماً عنه فلا يفسد صيامه, أما تعمد القيء فهذا يفطر في قول جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم لحديث "...ومن استقاء فليفطر" لكن هذا الخبر معلول وقد غلط فيه عيسى بن يونس, وأنكره أهل البصرة والبخاري, وكان أبوهريرة يرى أن القيء لا يفطر ولو تعمد, ولا يمكن أن يفتي أبوهريرة بخلاف ما روى, وهو قول ابن عباس وعكرمة وطائفة من التابعين والأئمة وهو الصواب؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القيء يفطر, وأما حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم (قاء فأفطر) فهذا الحديث فيه اختلاف على لفظه, فقد جاء أنه (قاء فتوضأ) وحتى لو قيل بثبوتها فإنه لا دلالة على أنه أفطر من أجل القيء, والخلاف في ترجيح اللفظين قوي والصواب أن القيء عمدا لا يفطر, وورد عن أبي هريرة وابن عباس أن الفطر مما دخل لا مما خرج.
43- جماهير العلماء أن استدعاء خروج المني مفطر, وقالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال, قال الله تعالى: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" والشهوة الجماع وخروج المني منه, وذهبت جماعة إلى أنه لايفطر استصحابا للبراءة الأصلية بعدم الدليل, وقول أبي هريرة وابن عباس أن الفطر مما دخل لا مما خرج, ولأن المقصود بالشهوة في الحديث الجماع, لأنه لو أريد به ما ذكروه لدخلت كل شهوة كالنظر المحرم ونحوه, وقول الجمهور أحوط وعليه من استفتى فإنه يؤمر بالقضاء لكن لا كفارة عليه, بخلاف المذي فعند أحمد روايتين فيه الفطر وعدمه, والصواب أنه لا يفطر؛ لأنه لا دليل على ذلك.
44- اختلف في الحجامة هل تفطر؟ ذهبت طائفة أنها تفطر لقوله صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم والمحجوم" وذهب إلى هذا إسحاق بن راهويه ونصره ابن تيمية وابن القيم, وحكى ابن تيمية هذا القول عن جمهور أهل الحديث, وذهبت جماعة أن الحجامة لا تفطر, وهؤلاء يضعفون أحاديث الفطر بالحجامة, ومنهم من قال هي منسوخة كالشافعي, ويقولون جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحجامة لا تفطر ومن ذلك: ما جاء عند أبي خزيمة عن أبي سعيد موقوفاً "رخص للصائم في القبلة والحجامة" ومعلوم أن الذي يرخص هو النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الأثر سنده صحيح, وما رواه البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم", وما رواه أبوداود بسند صحيح عن عبدالرحمن بن أبي ليلى "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه", وفي البخاري عن ثابت قيل لأنس: "أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ فقال لا إلا من أجل الضعف" , ولذلك كان ابن عمر والإسناد إليه صحيح يحتجم نهاراً فلما ضعف احتجم ليلا, وهذا يدل على أنه لا يرى الفطر بالحجامة, وهذا هو الصواب أن الحجامة لا تفطر ولكن من كانت تضعفه فإنه يتجنبها.
وعليه فالتبرع بالدم في نهار رمضان وأخذ التحليل ونحوه لا يفطر هذا هو الصحيح, وهذا الذي دلت عليه أكثر الأخبار وأكثر الأحاديث.
45- الصواب في البصاق وكذلك النخامة أنها لا تفطر؛ لأنه لم يستجلب شيئا خارجا عنه.
46- من استاك وابتلع طعم السواك فإنه لا يفطر, لكنه يتجنب السواك المضاف إليه نكهات كطعم الليمون ونحوه.
47- من بالغ في الاستنشاق حال الصيام فإنه خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم, لكن لو دخل شيء من غير قصده فإنه لا يفطر.
48- إذا أذن المؤذن وكان مخطئاً بالوقت ثم أكل شخص, ثم تبين له أن المؤذن أخطأ بالتوقيت فأمسك الصواب أن صيامه صحيح, وهذا الذي نصره ابن تيمية.
49- بالنسبة لتقويم أم القرى فإن الصائم يمسك على هذا التقويم احتياطاً, وأما الصلاة فإنه يتأخر احتياطاً لأن التقويم متقدم.
50- سئل عن حكم الشرب أثناء الأذان؟ فقال: إذا كان المؤذن يتقدم فلا بأس, أما إذا كان يؤذن على الوقت فينبغي أن يتعجل الإمساك, وإذا كان بيده شيء فليشربه, لقول أبي هريرة "إذا أذن المؤذن وفي يد أحدكم إناء فلا يضعه حتى يقضي نهمته" وهذا جاء مرفوعا وموقوفاً والصواب وقفه.
كتبها: عبدالله بن حمود الفريح
البريد الإلكتروني: [email protected]
المرفقات
481.doc