من فضائل مكة
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتَّقوا الله – عباد الله – حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروة الوُثقى.
إخوة الإيمان والعقيدة ... تَفرّد اللهُ بالخلقِ والتدبيرِ والاصطِفاء، واختيارُه دالٌّ على ربوبيَّته تعالى ووحدانيتِه، وكمالِ حكمتِه وعلمِه وقُدرتِه، وقد فاضَل – سبحانه – بين الأمكِنة والذواتِ والأعمالِ والشهورِ والليالِي والأيام.
فخيرُ الخلقِ محمدٌ – صلى الله عليه وسلم -، وأفضلُ الأعمالِ توحيدُ الله وإفرادُه بالعبادة، وأشرفُ الشهورِ شهرُ رمضان، وأعزُّ الليالي ليلةُ القدر، وأفضلُ الأيامِ يومُ النَّحر، وخيرُ البِقاعِ عندَ اللهِ وأحبُّها إليه مكَّة، قال عليه الصلاة والسلام (واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى الله، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خَرجتُ).
مكة ... هي أمُّ القُرى، وما سِواهَا تبعٌ لها، أقسَم الله بها إشارةً لعظَمَتِها فقال (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) ومع القَسَمِ سمّاها البلدَ الأمين، فقالَ: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ).
مكة ... مسجِدُها أشرفُ المساجِد، وهو أولُ بيتٍ وُضع في الأرضِ مُباركًا وهدايةً للناس (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه: يا رسول الله! أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّل؟ قال (المسجدُ الحرام) قُلتُ: ثم أيٌّ؟ قال (المسجدُ الأقصَى).
هدَى الله إبراهيمَ لبناءِ البيتِ فيها (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) فرفَعَه مع ابنه إسماعيل، ودعا الخليلُ بمحبَّةِ قلوبِ الناسِ لمكةَ، وفرحهِم بالقُدُومِ إليها، فقال (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).
مكة ... اختارَها الله لأكرمِ رُسُلِه، ففيها وُلد نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وفيها نشَأ ومنها بُعِث، وبدأَ نُزُولُ الوحي والقرآن عليهِ فيها، وعاشَ عليه الصلاة والسلام فيها أكثرَ من خمسين عامًا، ومنها انطلَقت الدعوة، وفيها نشأَ خيرُ رجالٍ وهم الصحابة بعد الأنبياء، ومنها أُسرِيَ عليه الصلاة والسلام إلى المسجدِ الأقصى.
مكة ... أحبَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبًّا جَمًّا وأُخرِجَ منها مُكرَهًا، ولما نَزلَ المدينةِ كان يدعو (اللهمَّ حَبِّبْ إلينَا المدينةَ كما حَبَّبتَ مكةَ أو أَشَدَّ).
مكة ... بلدٌ آمِنٌ دعا إبراهيمُ له بالأمنِ فقال (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) فامتَنَّ الله بذلك وقال (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) فإن مكَّةَ لم تزَل حرَمًا آمنًا من الجبابرةِ، ومن الزلازل، وسائرِ المثُلات التي تحُلُّ بالبلاد. والداخِلُ إلى مسجدِها يشعُرُ بأمنِها، كما قال سبحانه (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا).
مكة ... حرَّمها الله منذ خلق السمواتِ والأرض، كما قال عليه الصلاة والسلام (فهي حرامٌ بحرام اللهِ إلى يومِ القيامةِ) وقال عليه الصلاة والسلام (إنَّ إِبراهيمَ حرَّم مكّةَ) فلا يُسفكَ الدم فيها بغير حقٍّ، ولا يُخافُ أهلُها بحملِ سلاحٍ فيها. والحيواناتُ آمنةٌ بأمان الله في العَرَاء، والطيورُ سابِحةٌ في الفَضاء، وأشجارهُا تُرفرِفُ بالأمنِ فلا تُقطَع، والأمْوالُ المفقودةُ لا تُلتقَطُ كسائرِ البُلدان (إلا لمُعَرِّفٍ) كما قال عليه الصلاة والسلام.
ومن همّ بسوءٍ فيها عذَّبَه الله، قال سبحانه (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) فلو أنَّ رجُلاً همَّ فيه بإلحادٍ وهو بعَدَن أبيَنَ، لأذاقَه الله عذابًا أليما. وقال عليه الصلاة والسلام (أبغضُ الناس إلى اللهِ: مُلحِدٌ في الحرمِ).
ولعظيم حُرمَة مكة لا يطَأُ أرضَها مُشرِكٌ، قال سبحانه (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) والدجالُ كافرٌ بالله يفتِنُ الناسَ في دينِهم، فيمنَعُهُ الله من دخولِ مكَّةَ والمدينة، قال عليه الصلاة والسلام (ليس من بلدٍ إلا سيطؤُه الدَّجَّالُ، إلا مكةَ والمدينةَ).
حفِظَ اللهُ مكةَ، وستبقَى محفوظةً بحفظِ الله، ومن أرادَها بسُوءٍ أهلكَهُ الله، فأصحابُ الفيلِ أرادُوها بشرٍّ، فحبَسَهم الله عنها، وجعَلَهم عبرةً إلى يومِ الدين، (ويغزُو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببَيْدَاء من الأرض - أي: صحراء- يخسِفُ الله بأولهم وآخرهم).
وسنرى عذاب الله قريبًا على كل من يستهدف الحرمين بصواريخه وعدته.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... كما أحلَّ الله في مكة الأمنَ، فقد تكرَّمَ على أهلِها بالخيراتِ والثِّمار، مع أنها وادٍ بين جبَلَين غيرُ ذي زَرعٍ، والجبالُ مُحيطةٌ بها من كلِ جانبٍ، وأرضُها مظِنَّةٌ للمجاعة، فدعَا إبراهيمُ لأهلها أن يُرزَقُوا من الثَّمرات كما رزَقَ الله البُلدانَ ذوات الماء والزُّرُوع، فقال (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) فأجابَه الله وقال (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا).
ودعَا إبراهيمُ ربَّه بالبركةِ في صاعِها ومُدَّها – أي: في شرابِها وطعامِها -، وكان من دُعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعَلْ بالمدينةِ ضِعفَي ما جعَلْتَ بمكةَ من البرَكةِ).
وسقَى الله أهلَها ماءً لا يُوجدُ في الأرضِ مِثلُه، ويتمنَّى الناسُ قطَرَاتٍ منه؛ فماءُ زمزمَ مباركٌ وهو طعام، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّها مُبارَكةٌ، إنَّها طَعامُ طُعْمٍ).
وماء زمزم شفاءٌ من جميعِ الأسقام، قال عليه الصلاة والسلام (زَمزَمَ طعامُ طُعمٍ، وشِفاءُ سُقْمٍ).
عباد الله ... مكّةُ بلدةٌ مباركةٌ وخيرُها عَميم، ومن بركاتِها مُضاعفةُ الصلاةِ فيها، فـ(صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سِواهُ).
مكة ... قِبلةُ أهلِ الأرضِ جميعًا، يتوجَّهُ كلُّ مسلمٍ إلى جِهتِه كل يومٍ مرارًا (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
أيها المسلمون ... من خَدَمَ الحَرمين الشريفَين، والحُجَّاج والمعتمرين والزوُّار فأجرُه عند الله عظيمٌ، فكِلا المسجدَين بناهما نبيٌّ، وهما من شعائِرِ الله (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم من أرادَنا أو أرادَ ديارَنا أو أرادَ المُسلمين بسُوءٍ فأشغِله في نفسِه، واجعَل كيدَه في نَحرِه، وألقِ الرُّعبَ في قلبِه يا قويُّ يا عزيز.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرِين، اللهم اجعَل حَجَّهم مبرُورًا، وسَعيَهم مشكُورًا، وعمَلَهم مُتقبَّلاً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلِح لهم النيَّات والذريَّات، وأنزِل عليهم الطمأنينةَ والسَّكينةَ والخشوعَ يا رب العالمين. اللهم أمِّن حدُودَنَا، اللهم اربِط على قلوبِ جنودِنا، اللهم سدِّد رميَهم، اللهم انصُرهم نصرًا مُؤزَّرًا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك. اللهم وفِّق العامِلِين لخدمة الحرمَين الشريفَين، وارفَع أجورَهم، واجعلَهم من عبادِك المُحبَّبيِن إليك يا ذا الجلال والإكرام.
عبادَ الله ... (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكُروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكرُوه على آلائِه ونعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.