من فضائل الاستغفار

مبارك العشوان
1436/04/30 - 2015/02/19 22:49PM
الحمد لله ... أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: ذِكرُ الله تعالى من أفضل الأعمال وأزكاها، و أحبها إلى الله وأعظمها جزاء، وحديث اليوم رحمكم الله عن نوع من أنواع الذكر، جاءت بفضله نصوص الكتاب والسنة، وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم يكثره، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالى عن الأبوين آدم وحواء عليهما السلام: { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف23 وقال نوح عليه السلام:{ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ }هود47 وقال موسى عليه السلام :{ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِـي }القصص16 وقال تعالى عن داود عليه الســـلام :{ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }ص24 وذكره تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام: { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }ص35 أمر الله تعالى بالاستغفار خاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام فقال: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }محمد 19 وأمر الله تعالى بالاستغفار سائر عباده فقال: { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ }فصلت 6
ووصف الله تعالى وسمى نفسه بالغفار وغافر الذنب وذي المغفرة. كل هذا عباد الله مما يؤكد أهمية الاستغفار وفضله وحاجتنا الماسة إليه .
في الاستغفار رحمكم الله محو الذنوب وتكفير السيئات، جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: ( يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ) رواه الترمذي وصححه الألباني وفي الحديث الآخر: ( يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ). رواه مسلم وفي الاستغفار عباد الله طهارة القلب وصلاحه، والقلب هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كله وبفسادها يفسد الجسد كله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وقال الألباني( حسن )
قال ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء فإذا ترك الذكر صدأ، فإذا ذكره جلاه وصدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر .
وفي الاستغفار جلب خيرات السماء والأرض، هو سبب لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين، جاء رجلُ إلى الحسن البصري رحمه الله يشكو إليه الجذب والقحط ، فقال له: ( استغفر الله ) ثم جاءه آخر يشكو الحاجة والفقر فقال له: ( استغفر الله ) ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد فقال له : ( استغفر الله ) فعجب القوم من إجابته فتلا عليهم قول الله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } نوح 10 ـ 12 .
وقال ابن كثير رحمه الله في الآية : ( أي : إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وَأَدَرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي : أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها ) أ هـ .
وفي الاستغفار عباد الله: أمان من العذاب قال الله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفــِرُونَ } الأنفال 33 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار ) قال شعيب الأرنؤوط إسناده حسن
بارك الله ...
















الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد فاعلموا رحمكم الله أن الاستغفار مطلوب من كل أحد؛ فهذا خير البشر وأتقاهم وأخشاهم ومن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير الاستغفار، حتى قال ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني فأين نحن من هذا وقد أثقلتنا الذنوب ؟ !
ثم اعلموا رحمكم الله أن الاستغفار مشروع كل وقت، وهناك أوقات وأحوال يكون للاستغفار فيها مزيد فضل، ومن ذلك : الاستغفار بعد الفراغ من العبادات؛ ليكون كفارة لما وقع فيها من خلل أو تقصير، فيشرع الاستغفار ثلاثا بعد الفراغ من الصلوات الخمس ، و يشرع الاستغفار بعد الإفاضة من عرفة والفراغ من الوقوف بها، قال تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة 199 ويشرع الاستغفار في وقت السحر: قال تعالى عن عباده: { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }آل عمران17 وقال سبحانه : { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الذاريات 18
ويشرع الاستغفار في ختم المجالس فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهم وصححه الألباني فإن كان مجلس خير كان كالطابع عليه ، وإن كان غير ذلك كان كفارة له .
عباد الله : الاستغفار طلب المغفرة من الله ، ولا بد أن يصحبه إقلاع عن الذنوب والمعاصي. قال تعالى عن عباده: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُـونَ }آل عمران 135 قال أهل العلم في قوله: { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ } فيه دليلَ على أن الاستغفار المقبول هو الذي يقع به الإقلاع عن الذنب مع استحضار الندم في القلب والاستغفار باللسان .
وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين، ثم اعلموا رحمكم الله: أن هناك ألفاظا للاستغفار وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: قوله : (( رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
ومنها سيد الاستغفار وهو : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري . ومنها : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) رواه مسلم
عباد الله: يا من أثقلتكم الذنوب وكلنا ذلك الرجل، يا من أصابتكم الهموم، ويا من قل دخلكم وأثقلتكم الديون، يا من أجدبت أرضكم .
دونكم الاستغفار فالزموه وأبشروا عند ذلك بكل خير. أكثروا رحمكم الله ذكر ربكم كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، اذكروه يذكركم ، واستغفروه يغفر لكم .
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء ...
اللهم صل على محمد ...
عباد الله : اذكروا الله ...
المشاهدات 1853 | التعليقات 0