مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا

محمد البدر
1436/03/11 - 2015/01/02 01:53AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أما بعد : عباد الله قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
وعن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ » فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ». قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِى وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِى تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ». فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ « نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ». فَقُلْتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
عباد الله :ما كنا نعرفه عن الغش هو ما درج في الاوساط عن الغش الدراسي وكلنا يعرف هذا الغش واساليبه اليوم تعددت الطرق والغش واحد ، فلم نعد نهتم بهذا النوع من الغش بل قد نسيناه ومللنا من الحديث عنه على الاقل لانه لم يعالج فاصبح شيء طبيعي نمر عليه مرور الكرام ..
عباد الله :الا وإن من أنواع الغش المنتشرة في هذه الأيام الغش الديني وهو اخطر انواع الغش وله أثر خطير على عقيدتنا ومجتمعاتنا فاصبح الكل يتحدث باسم الدين ويفسر ويعلق حسب هواه ويفتي ويحرم ويحلل بلا دليل صحيح أو قول عالم جليل قال تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ }
ويقول صلى الله عليه وسلم : « مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ». رواه مسلم .
وأصناف الغش في الدين كثيرة؛ من ذلك :
1 - أصحاب الحيل الذين يبيحون ما حرم الله بالحيل، أو يخرجون من الحقوق الشرعية الواجبة عليهم بالحيل.
قال تعالى : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون} [الأعراف: 163]؛ وكما ثبت أن الله عندما حرم شحوم الميتة على اليهود أذابوها وجملوها ثم باعوها، كما عند البخاري من حديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ « إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ « لاَ هُوَ حَرَامٌ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ « قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ » متفق عليه.
2 – ومن اساليب الغش نشر الأحاديث المكذوبة والباطلة والتي لا أصل لها وينسبونها لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » متفق عليه .
وعن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبينَ) رواه مسلم .
فحذار حذار من نشر حديث لا تعلم أصله وفصله وهل قاله رسول الله أم لا .
وإياك أن تخدع؛ فيقال لك: الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال.
وتذكر قول الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك –رحمه الله-: «في الصحيح ما يغني عن الضعيف».
3- ومن أخطرهم أي الغشاشين القصاصون الذين يأتون بالقصص المكذوبة والروايات المنحولة؛ لترغيب الناس وترهيبهم، أو إرضاء للعوام، وكثير منهم يستخف بعقول الناس؛ لأن الناس لا يراجعون بعده، ولا يسألون.
4- من الغش أيضا الدعوة للتحزب وللطوائف وتزيين ذلك للناس بأنهم سائرون على منهج الكتاب والسنة وهم مخالفون للسنة ويعادون أهلها ويتعصبون ويوالون في شيخ الطائفة أو مؤسس الحزب قال تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) .أقول قولي ...


الخطب الثانية : أما بعد: أيَّام الاختِبارات من الأيَّام التي تحمل لها الأُسَر الهمَّ؛ لعدَّة أمور؛ منها ما يتعلَّق بِمستوى أوْلادهم الدِّراسي والأخلاقي .
فيا أيها الطالب: حذارِ حذار من الغشِّ، والوقْت الَّذي تضيِّعه قبل الاختبار في التَّحضير للغشِّ اصْرِفه في المذاكرة الجادَّة؛ لتنتفع بها، ولا تظنَّ أنَّ المسألة مجرَّد درجات أخذْتَها بغير حق.. لا؛ الأمر أعظم من ذلك؛ لأنَّك تتربَّى على الغشِّ، فتصبح في المستقبل خائنًا غشَّاشًا، ومن أعظم بلاء الأمَّة عقوق أوْلادِها الغشَّاشين، الَّذين يسيئون استِغلال السُّلطة وينهبون مقدَّرات الأمَّة، ويخونون الأمانة، ويغشُّون الأمَّة في مشاريعها الإنشائيَّة، مقابل السُّحت الذي يأخذونه من المقاولين، وبدايات هؤلاء الغشَّاشين ربَّما كانت على مقاعد الدِّراسة.
فكم من شخصٍ نَجح عن طريق الغشِّ واصبح طبيباً أو مهندس أو مدرساً إلخ فيثمر ذلك أخطاء في الطب وأخطاء في البناء واخطاء في العلم والله المستعان فتذكروا ياعباد الله قول النبي صلى الله عليه وسلم :
« مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا » رواه مسلم .
الا وصلوا ...
[/align]
المشاهدات 2410 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا