من علامات الساعة 6 المسيح الدجال
عبد الله بن علي الطريف
سلسلة أركان الإيمان خامسًا: الإيمان باليوم الآخر. من علامات الساعة رقم 6. الدجال 1446/5/13هـ
أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الله قد أخفى عن الناسِ وقتَ قيامِ الساعة، لكنه أخبر بأمارات وعلامات تدل عليها، ففي آخر الزمان تقع علاماتُها الكبرى، وستقعُ في وقتٍ قصيرٍ جدًّا مَثَلُها كمَثلِ العقدِ الّذي انفرطَ نظامُهُ، وقد أخبرَ بذلك النَّبِيُّ ﷺ بقولِه: «خُرُوجُ الْآيَاتِ بَعْضُهَا عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ، يَتَتَابَعْنَ كَمَا تَتَابَعُ الْخَرَزُ فِي النِّظَامِ» رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه صححه الألباني.. وقد ذكر النَّبِيُّ ﷺ أنَّ السَّاعَةَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى يرى الناسُ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «اطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ: فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﷺ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ: نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ.» رواه مسلم.
أيها الإخوة: أول آيات الساعة الكبرى وقوعًا كما ذكر ذلك جمع من أهل العلم المحققين خروج المسيح الدجال، وفتنتُهُ أعظمُ الفتنِ منذ خلقَ اللهُ آدمَ إلى قيامِ الساعةِ، وذلك بسببِ ما يَخْلُقُ اللهُ معه من الخوارقِ العظيمةِ التي تَبْهَرُ العقول، وتحير الألباب، ولذلك أمرَ النَّبِيُّ ﷺ بالاستعاذةِ من فتنته دون غيره من الفتن حين استعاذ من عمومها، ولحرصه الشديد على أمته كان يعلمهم هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. يَقُولُ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ، إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ».. رواه مسلم.
وَفِتْنَتُهُ أعظمُ فتنه، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ» رواه مسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وفي رواية: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.» كما في مسند أحمد والطبراني وابن أبي شيبة عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ وصححه الأرناؤوط.. ولكبرِها حذَّرَ منها جميعُ الأنبياء عليهم السلام قومَهم، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «وَمَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ».. رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.. ولقد أنذرنا النَّبِيُّ ﷺ فتنتَه وبين صفاتَه وجعلَ كُلَّ امْرِئٍ حجيجَ نفسِه فَقَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ..» رواه مسلم عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ..
أيها الإخوة: وسُمِّي الدَّجّال مسيحًا؛ لأنَّ إحدى عينيِه ممسوحة.. قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ. يَقْرَأُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ» رواه مسلم. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ومعنى الدَّجّال: الـمُموِّهُ الكذّابُ الـمُمَخْرِقُ، كَثِرُ الكَذِبِ والتَّلْبِيسِ، وسمي الدَّجَّالُ دَجَّالًا: لأنّه يُغطِي الحقَ بالباطلِ، أو لأنَّهُ يُغَطِي على النَّاسِ كُفرَه، بكَذِبِه وتَمْويِهِ وتَلْبِيْسِهِ عليهم.. ولفظة (الدَّجّال): أصبحت علمًا على المسيح الأعور الكذَّاب، فإذا قيل: الدَّجّال؛ فلا يتبادر إلى الذهنِ غيره..
والدَّجّالُ: رجلٌ من بني آدم، له صفاتٌ كثيرةٌ أخبرَ بها الصادقُ المصدوقُ ﷺ في الأحاديث الصحيحة؛ لتعريف النَّاس به، وتحذيرِهم من شره، ومجملها: أنّه رَجُلٌ شَابٌّ، من بني آدَمَ كأعظَمِهم وأجسَرِهم، جَسِيمٌ قَصيرٌ بَطِينٌ عَظيمُ الخِلْقةِ، شَديدُ البَياضِ، مُشْرَبٌ بحُمرةٍ، أفحجُ، [مُتَباعُدُ ما بينَ السَّاقينِ تَتَباعُدُ رِجْلَيه عن بعضِها إذا مَشى] جُفَالُ الشَّعَرِ [كَثِيرُ الشَّعَرِ] وشَعرُ رَأسِه مَعَ كثرَتِهِ جَعْدٌ قَطَطٌ، وهو الشَّديدُ الجُعُودةِ، الذي لا يَمتَدُّ إلَّا باليَدِ، وَقَالَ النَّبيُّ ﷺ فِي وَصْفِ شَعْرِهِ: «حُبُكٌ حُبُكٌ حُبُكٌ» أي: شَعرُ رَأسِه مُتَكَسِّرٌ مِنَ الجُعودةِ، مِثلَ الْماءِ السَّاكِنِ، أوِ الرَّملِ إذا هَبَّت عليهما الرِّيحُ، فيَتَجَعَّدانِ، ويَصيرانِ طَرائِقَ.. أَجْلَى الْجَبْهَةِ [أي: مُنْحَسِرُ الشَّعْرِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأسِهِ، أَوْ وَاسِعُ الْجَبْهَة.] عريضُ النَّحْرِ [أي مكان رقبته عريض] ممسوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، وهذه العين ليست بناتئِةٍ، ولا جَحْرَاء [أي: ليست غائرة مُنْجَحِرَةٌ في نُقْرَتِها] كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، وعينُه اليسرى عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيْظَةٌ، [والظفرةُ: هي جلدة تخرج من العين من الجانب الذي يلي الأنف لا تواري الحدقة بأسرِها لتعميها] وَقامَتُه فِيها دَفَأٌ أيِ: انحِناءٌ.. ومكتوبٌ بين عينيه (كافر) بالحروف المقَطعة أو بدون تقطيع، يقرؤها كلُّ مسلمٍ كاتبٌ وغيرُ كاتبٍ، ومن صفاته أنَّه عقيمٌ لا يولد له. قال الْمُناويُّ: "الدَّجَّالُ آدَميٌّ يَخرُجُ آخِرَ الزَّمانِ يَبتَلِي اللهُ عِبادَهُ بِهِ، ويُقْدِرُه اللهُ على أشياءَ تُدهِشُ العُقولَ وتُحَيِّرُ الألبابَ يَغتَرُّ بها الرَّعاعُ، ويُثَبِّتُ اللهُ من سَبَقَت لَه السَّعادةُ".
ومكان خروجه كَمَا قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «يَخرُجُ الدَّجَّالُ من أرضٍ بالمَشرِقِ يُقالُ لَها: خُراسانُ» رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني وأحمد شاكر والأرناؤوط عَن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ الله عَنه. وَقَالَ النَّبيُّ ﷺ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهودِ أصْبَهانَ سَبْعُونَ ألفًا عَلَيْهم الطَّيَالِسَةُ» رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنه. وهو نوعٌ من الأَوْشِحَةِ يُلبَسُ على الكتفِ، أو يحيطُ بالبدنِ. وأصبهان: مدينة في شمال غرب إيران، تقع بين طهران وشيراز.. ثم يسير في الأرض فلا يترك بلدًا إلا دخله، إلا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما لأن الملائكة تحرسهما.. وأتْباع الدجال أكثرهم من اليهودِ والعجمِ والتركِ، وأخلاطٌ من الناسِ أغلبهم من الأعرابِ والنساءِ.
ويُعطيهِ اللهُ من الخَوَارِقِ ما يحيرُ من لقيه، قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهَرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهَرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغْمِضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ.» وقال ﷺ: «وَمَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ». رواهما مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وجاء في حديث النَّواسِ بنِ سَمعانَ رَضِيَ اللهُ عَنه في ذكر الدجال: أنَّ الصحابةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم قالوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟" قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» "قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فذلك اليَومُ الذي كسَنةٍ أتَكْفِينا فيه صَلاةُ يَومٍ؟" قال: «لا، اقدُروا لُه قَدْرَه».. قالوا: "وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟" قَالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ. فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ [ماشيتهم] أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا [الأعالي والأسنمة] وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ [كناية عن الامتلاء وكثرة الأكل].. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ» رواه مسلم أَيْ يقطعه قِطْعَتَيْنِ، ويجعل بينهما مسافة رمية. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ فَقَالَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا: «يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِهِمْ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً فِيكَ مِنِّي الْآنَ، قَالَ: فَيُرِيدُ قَتْلَهُ الثَّانِيَةَ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ» رواه البخاري. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الإخوة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] ثم اعلموا أنَّ هلاكَ الدجالِ يكون على يدي المسيحِ عيسى بنِ مريم عليه الصلاة السلام، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فبعد ظهورِ الدجالِ، وكثرة أتباعه ومضي المدة التي قدرها الله لبقائه، وعموم فتنته التي لا ينجو منها إلا قلة من المؤمنين.. في هذه الوقت ينزل عيسى عليه السلام عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، ويَلْتَفُ حولَه المؤمنون، فيسيرُ بهم قاصدًا المسيحَ الدجال.. وقد توجه الدجال لبيت المقدس، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِفِلَسْطِينَ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ [وهيَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِس] فَحِينَ يَرَاه الْكَذَّابُ يَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا فَيَمْشِي إِلَيْهِ عيسى عليه السلام فَيَقْتُلُهُ.. ثم ينهزم أتباعُ الدجالِ ويقتلُهم المؤمنون فلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ، إِلَّا أَنْطَقَ اللهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، لَا حَجَرَ، وَلَا شَجَرَ، وَلَا حَائِطَ، وَلَا دَابَّةً إِلَّا قَالَ يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ يَخْتَبِئُ وَرَائِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ لَا تَنْطِقُ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ فَلَا يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ..
وبعد أيها الإخوة: ما ذكرت عن المسيح الدجال بعضَ ما ورد فيه، ولعل فيه الكفاية للحذر من خطر فتنه، ومما يعين على السلامة من فتنته بعد توفيق الله تعالى: الفرارُ من الدجال والابتعاد عنه إذا خرج وذلك لما معه من الشبهات والخوارق العظيمة التي يجريها الله على يديه فِتْنَةً للناس، ذلك أن الرجلَ يأتيِهِ وهو يظنُ في نفسِهِ الإيمان والثبات ثم يفتنُهُ ويتبعُهُ، ولذلك قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ مِنْهُ [يبتعد] فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَتَّبِعُهُ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ». رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم قال الأرناؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم.
ومنها: التعرف على أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، والعلم بأن الدجال بشر يأكل ويشرب، وأن الله تعالى منزه عن ذلك، وأن الدجال أعور والله ليس بأعور، وأنه لا أحد يرى ربه في الدنيا، والدجال يراه الناس عند خروجه مؤمنهم وكافرهم.. ومنها حفظ آيات من سورة الكهف، فقد أمر النبي ﷺ بقراءة فواتح سورة الكهف على الدجال، قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ».. رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفي رواية له من حديث أبي الدرداء: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ.» أي: من فتنته.. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ..