من عظّمَ اللهَ لا يرجو غيره

د عبدالعزيز التويجري
1443/01/24 - 2021/09/01 20:32PM
الخطبة الأولى : من عظّمَ اللهَ لا يرجو غيره ..     26/1/1443ه
الحمد لله ذي العزة والجلال، غافر الذنب وقابلِ التوب شديد المِحال، وأشهد أن لا إله إلا الله أولاً وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فاتقوا الله واعملوا بوصية الله { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
الله جل جلاله هو العظيم وحده ، وهو المعبود وحده ومنه النفع والضر ..
     الله أعظم مما جـال في الفكــرِ    **   وحكمُه في البرايا حكمَ مقتدرِ
    مولى عظيمُ حكيمُ واحدُ صمدُ  **    حيُ قديمُ مريدُ فاطرُ الفطـرِ
لا شيء أعظمُ من الله ، وكلُ عظيمٍ غيرُ اللهِ فهو عظيم وهمي.. تزيله نسمة هواء ، وتميته شرقةُ ماء ، و تقهره حَشَرَةُ دهماء {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }.
من عظّمَ اللهَ أذل اللهُ له عظماءَ خلقه .. وما من شرك يكون في البشر وكفر إلا وسببه الجهل بعظمة الله، وجعلِ هذه العظمة لغير الله .
 إذا عُظِّمتِ الأسبابُ والماديات والشخصيات رُجيَ غيرُ الله، وتعلقت القلوبُ بغيرِ الله، وبُذلت المحبةُ والطاعةُ والخضوع لغيرِ الله { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}
أخرج أبوداود في سننه عن جبير بن مطعم t، قال: أتى رسولَ الله r أعرابىٌّ، فقال: يا رسول الله، جَهِدَتِ الأنفُسُ، وضَاعَتِ العيالُ، ونُهِكَتِ الأموالُ، وهَلَكت الأنعامُ، فاسْتَسْقِ الله عَزَّ وَجَلَّ لنا، فإنا نستشفِعُ بكَ على الله، ونستشفع بالله عليكَ، قال رسولُ الله r "ويحَكَ! أتدري ما تقول؟ " وسبَّحَ رسولُ الله r، فما زال يُسَبِّحُ حتى عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: "ويْحَكَ! إنه لا يُستشفَعُ بالله على أحدٍ مِن خلقه، شأنُ الله أعظمُ من ذلك، ويْحَكَ! أتدري ما الله، إن الله عَزَّ وَجَلَّ فوقَ عرشِه، وعَرشُه فوقَ سماواته ، وأنَّه ليَئِطُّ به أطِيطَ الرّحْلِ بالراكب ".
      سبحانَ منْ عنتِ الوجوهُ لوجههِ   **   ولهُ سجدت أوجهٌ وجباهُ  
      طوعـــاً وكرهـاً خاضعــــينَ لعـــــــــــزهِ   **   فلهُ عليها الطوعُ والإكراهُ
      سلْ عنهُ ذراتِ الوجودِ فإنهـــــــــا    **    تدعـــوهُ معبوداً لها ربـــــــــــاه
      ما كانَ يُعبدُ منْ إلـــهٍ غـــــــــــيرهُ      **    والكلُّ تحتَ القهِرِ وهوَ إلهُ
     شهدتْ غرائبُ صنعهِ بوجودهِ     **    لولاهُ ما شهدتْ بهِ لولاهُ
في سنن الترمذي قَالَ عليه الصلاة والسلام : إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ.
من رحمت الله أن الله عز وجل لا يُظهر عظمته كلها للبشرية لضعفهم عن استيعابها، وإنما جعلهم في دائرة ضيقة من العلم ويظنون أن ما عداها عدم ، ولهذا يُعرِّف الله نفسه لعباده بسعة مخلوقاته يأمرهم بالتأمل والتفكر  ..
فمن عَرَفَ قدْرَ اللهِ فإنه لا يوحدُ ولا يعبدُ إلا الله، ولا يخافُ ولا يرجوا إلا الله، ولا يذلُ ولا يركعُ إلا لله، ولا يحبُ أحدًا كحبِ الله ، وأي عبادةٍ يأتي بها لا يغترُ بها لأن الله عز وجل أعظم من ضعف عبوديته ..  
ما يعانيه العالم اليوم من تدهور في الاخلاق وانكباب على الرذائل, وانتشار للجرائم, انما هو ثمرة غفلة بعضِ البشر عن استحضار عظمة الله جل جلاله التي تورث الرهبة وتحجز عن الميل الى الشر والظلم .
         تهوي لعزّتهِ الرؤسُ مهابةً    **   ولوجههِ تعنو الوجوهُ وتخضعُ
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}.
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية : الحمد لله وكفى وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المجتبى وآله وصحبه ومن اقتفى أما بعد:
أخرج أبوداود في سننه عن عبد الله بن مسعود t قال: سمعتُ رسولَ اللهِ r يقولُ: "إنَّ الرُّقَى والتَمائِمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ"
التمائم ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وغيرها أو تعليق الأساور لدفع العين، لأنه لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وأسمائه وصفاته.
والتولة ": شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته. وهو ضرب من السحر، وإنما كان ذلك من الشرك، لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله.
والرقى الموصوفة بكونها شركا هي التي يستعان فيها بغير الله، مِن دُعاءِ غيرِ الله، وأما الرقى بالقرآن وأسماء الله وصفاته وما أُثرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حسنٌ جائز، وفي صحيح مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ».
والتوكل على الله أعظم الأسباب في جلب المنافع، ودفع المضار {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض ، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزًا، ولا عجزه توكلاً، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها.
{ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}.
المرفقات

1630528364_من عظّمَ الله لا يرجو غيره.docx

1630528369_من عظّمَ الله لا يرجو غيره.pdf

المشاهدات 1537 | التعليقات 0