مِن صِوَرِ الرِبا..

نايف بن حمد الحربي
1436/11/15 - 2015/08/30 02:51AM
(مِن صِوَرِ الرِبا..) جامع العزيزية: 03/02/1435هـ

الحمدُ للهِ بهِ الاعتِصَامُ مِن الهَلَك, و الحمدُ للهِ بمِنَتِهِ النَجَاءُ مِن حَبَائِلِ الشَرَك, و الحمدُ للهِ برحمَتِهِ السلامَةُ مِن مُوغِلاتِ الدُرَك, مَن حَفِظَ أوامرَهُ ونواهيه, فللمَحَجَّةِ البيضاءِ قد سَلَك, ومَن اتَبَعَ الهَوى وأمانيه, فلنَفسِهِ قد رَضِيَ السَيرَ في مُظلِمَاتِ السِكَك, وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَّهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه, وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد :
فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، فهيَ إحسَاسٌ في القلبِ حَي, يَنأى بصاحِبِهِ عن سُبُلِ الغي, يُقِيمُهُ بينَ الخوفِ والرجاء, حتى يُورِدَهُ بَارِدَ الفئ.

معاشر المسلمين:
مُخَالَفةُ المرءِ لأوامرِ اللهِ ولو في جُزئيةٍ مِن الجُزئيات, بها يُعَرِّضُ المرءُ نَفسَهُ لخَطَرِ الزَيغ, فالذي جَرَّأكَ على هذه الـمُخالفة, ما الذي يُؤمِّنُكَ ألاَّ يُجَرِئَكَ على غيرها ؟! فإذا ما حَدَث: فما الذي يُؤمِّنُكَ ألاَّ تُسلَبَ الإيمان ؟!
كَذَا فَهِمَ السَلَفُ خَطَرَ الـمُخَالَفة, وعلى تأييدِ فَهمِهِم, تَظَافرت نصوصُ الكتابِ والسُنة, ففي الصحيحين مِن حديثِ عائشةَ -رضي الله عنها- أنَّ فاطمةَ بنتَ النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- سألَتْ أبا بَكرٍ ميراثَها مِن تَرِكَةِ أبيها, فقال لها أبوبكرٍ -رضي الله عنهما- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ... وإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ" قالَ اللهُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} والفتنةُ في الآيةِ: الإيغَالُ في الضَلال {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} وعندَ مُسلمٍ أنَّ الفِتَنَ تُعرَضُ على القلوب: "فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ" حتى تَكونَ عاقِبَةُ أمرِهِ "كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".
إذا كانَ للـمُخالَفَةِ هذهِ العَاقِبَةُ الـمَهُولَة, فتعالَوا ننظُرَهَا وقد تَحَقَقتْ كما حكى اللهُ, على إثرِ مُخالَفَةٍ واحدة!! فما هيَ هذهِ الـمُخالَفة؟ وماذا حَكَى اللهُ عنها؟
إنها مُخالفَةُ أكلُ الرِّبَا يا عِبادَ الله, التي أوجبَت لأهلها الزيغ, فهم {لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وهذا ليسَ في الآخرةِ فقط, وإنِّما هو مُشَاهَدٌ في الدنيا, فأهلُ الرِّبَا يَطِيشُ في أيديهِم, ثُمَّ لا يَلبِثُونَ حتى تَحِلَّ بهِمُ الخسَارة, فيُفَرِّقُ اللهُ ما جَمَعُوا, ومع هذا لا يَرعَوون, وإنِّما يُعَاوِدُنَ الـمُرَابَاةَ مَرةً أخرى, فكانوا بحَقٍّ كــ {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} لا يَدُومُ لَهُ قِيام, مالم يَسلَمْ مِن صَرَع.
بل بَلَغَ بهِمُ الزيغُ, أنْ انقَلَبتْ المفَاهِيمُ في أذهانِهم, فأضحى الحَقُّ باطِلا, والباطِلُ حَقَّا, فرَحُوا يَستَدِلونَ على حِلِّ الحلالِ بقياسِهِ على الحَرَام, فقالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وكان الصَوابُ أنْ يَقولوا: "إِنَّمَا الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعُ" لكنِّما هو الزَيغُ في أجلَى صِوَرِهِ.
فالرِّبَا يا مَن يَأكلُ الرِّبَا, مَلعُونٌ آكِلُهُ, ومُوكِلُهُ, وكَاتِبُهُ, وشَاهِدَاهُ, كما جاءَ عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ جَابِرٍ -رضي الله عنه- وهو مِن السبعِ الموبِقَات, كما في الصحيحينِ مِن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قد يَربُو في يَدَيك, لكنَّهُ لا يَربُو عندَ الله, قد كانَ سبباً لمقتِ الأُمَمِ مِن قَبلِنَا, ضَرَبَ اللهُ لنَا الأمثَالَ تَبشِيِّعاً لَهُ, وتَلَطَّفَ بِنَا في النَهيِّ زَجراً عنه, ثُمَّ أغلَظَ في نَهيهِ رَدعاً لـمُصِرٍّ عليه, فقالَ سُبحَانَهُ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ثُمَّ قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وقال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا}.
إذا تَقَرَّرَ هذا عبادَ الله, فالرِّبَا قِسمَان: رِبَا ديونٍ, ورِبَا بيوع..
أمَّا رِبَا البيوع فهو: كُلُّ زِيَادَةٍ أو تأجيلٍ في أموالٍ رِبَوِيَةٍ مَخصُوصَة, وهذه الأموالُ سِتةُ أصنَاف –وهي على قسمين-:
فالذّهَبُ, والفِضَةُ في جَانِب, والعِلَّةُ فيهما: الثَمَنِيَّةُ, فكُلُّ ما كانَ ثَمَنَاً للأشياءِ أُلحِقَ بِهِمَا, كالأوراقِ النقدِيَةِ اليوم.
والبُرُّ, والشَعِيرُ, والتَمرُ, والمِلْحُ في الجَانِبِ الآخر, والعِلَّةُ فيها: الكَيَّلُ أو الوَزنُ, مع الطُعْمِ, فكُلُّ ما كانَ طَعَاماً للنَّاسِ مع كَونِهِ يُكَالُ أو يُوزَنُ, فهو مُلحَقٌ بهذهِ الأصنَاف.
فإذا اِتَحَدَ الجِنسُ والعِلَّةُ, وجَبَ التَمَاثُلُ والتَقَابُضُ عندَ التَبَايُع, وإنْ اِتَحَدَتُ العِلَّةُ واختَلَفَ الجِنسُ, وجَبَ التَقَابُضُ دونَ التَمَاثُل, فإذا اختَلَفتْ العِلَّةُ, فليَبِعْ المرءُ كيفما شاء.
وهذا النَوعُ مِن الرِّبَا, لا يَجرِ في مُعَامَلاتِ البُنُوكِ اليوم, إلا في عَمليَاتِ الـمُصَارَفَةِ فَقط, وعليه: فالـمُتَاجَرَةُ في العُمُلاتِ عن طَريقِ البُنُوك, هي صُورةٌ مِن صِوَرِ رِبَا البيوع؛ لانعِدَامِ التَقَابُضِ فيها مع اِتِحَادِ العِلَّة.
أمَّا رِبَا الدُيون, فيَدخُلُ في جميعِ الأموال, ولا يَتَقَيَّدُ بأصنَافٍ مُحَدَّدَة -فلو بَعتَ سَاعَةً بمائةِ مِسوَاكٍ إلى الحَول, فتأخَرَ عليكَ الـمَدِيِّنُ بالسَدَاد, فَزِدْتَ عليهِ مِسوِاكاً واحِداً, نَظِيرَ أنْ تَزِيدَ لَهُ في الأجل, كانَ هذا مِن رِبَا الديونِ, الذي هو: كُلُّ زِيَادَةٍ على الدينِ بعدَ ثُبوتِهِ في الذِمَّة, وهو رِبَا الجاهليةِ الذي لا خِلافَ في تحريمِهِ, ومع هذا, فهو غالِبُ رِبَا الناسِ اليوم! وبهِ تُجرَى غالِبُ مُعَامَلاتِ البُنُوكِ اليوم, وإليكُم بَعضاً مِن صِوَرِه:
فأصحابُ الـمَعَارِضِ ومكاتبِ التقسيط, الذينَ يَبيعُونَ السلعَةَ على العميلِ بثمَنٍ مُؤجَّل, ثُمَّ يَشتَرونَهَا أو وكلائُهُم مِنهُ بثَمَنٍ حالٍّ أقَلَّ مِن الثَمَنِ الذي باعُوهَا بهِ, هؤلاءِ يُمَارسُونَ رِبَا الديون, سواءٌ شَرَطُوا عليه حال العقدِ ألا يبيعَ السلعةَ على غيرهم, أو لم يَشْرِطُوا.
ومِن صِوَرِ رِبَا الديونِ أيضا: التَوَّرُقُ الـمُنَظَّم, وهو: أنْ يذهبْ العميلُ إلى البنكِ, أو شركاتِ التمويل, فيَطلُبُ منهم تَمويلاً, فيَبِيعُونَهُ سِلعَةً, يُوكِلُهُم هو في شِرائِهَا وبيعِهَا, فما يَلبَثُ أنْ يَدخُلَ المبلَغُ في حِسابه, وما عليه إلا أنْ يُسَدِّدَهُ وزِيادَةً مَعلُومة, فالسِلعَةُ لا وجودَ لها في الحقيقة, وإنِّما هيَ حِبرٌ على وَرق؛ للتَحَايُلِ على الرِّبَا, وقد جُرِّبُوا في حَالاتٍ كثيرة, فإذا ما أصرَّ العميلُ على قبضِ السِلعَةِ, أبطَلُوا العقدَ, والـمَخرَجُ مِن هذا: بأنْ يَقبضَ المرءُ السِلعَةَ أيَّاً كانت -قَبضُ كُلِّ سِلعَةٍ بحَسَبِهَا - ثُمَّ يَتولَّى هو بيعَهَا بنَفسِهِ.
وكذا كُلُّ شَرطٍ جَزائيٍ على الدَيْنِ, أَدَّى لزيَادَةٍ فيه بعدَ ثُبُوتِهِ في الذِمَّة, هو مِن رِبَا الديون؛ إذْ أنَّ كُلَّ قَرضٍ جَرَّ نَفعاً للمُقرِضِ فهو رِبَا.
ومِثلُهُ تَماماً, ما يُسَمَّى بإعادةِ جَدوَلَةِ الدينِ -عندَ تَعَثُّرِ الـمَدِينِ في السَدَاد- فإذا تَضَمَّنتْ إعادَةُ الجدوَلَةِ زِيَادَةً على الدينِ الأصلي ولو ريالاً واحِداً, كانَ هذا مِن رِبَا الديون.
ومِن الصِوَرِ الـمُشتَهِرَةِ بينَ النَّاسِ: البطاقاتُ الائتِمَانِية, وهي بِطَاقَاتٌ تُخَوِّلُ حَامِلَهَا السحبَ أو الشِراءَ ولو لم يَكنْ لَهُ رَصِيد, على أنْ يُسَدِّدَ قِيمَتَهَا لـمُصْدِرِهَا خِلالَ مُدَةٍ مُعَيَّنَة, فأيُّ زِيادةٍ على قِيمَتِهَا الأصلية, عدا تَكالِيفِ الإصدَارِ الحقيقية, هي مِن رِبَا الديون؛ إذْ أنَّ حقيقةَ هذهِ البِطَاقَات: أنَّهَا قَرضٌ مِن الـمُصْدِرِ لحَامِلِهَا, فمَن الذي جَوَّزَ لَهُ الزِيَادةَ عندَ استِيفاءِ قَرضِهِ؟!
ومِن صِوَرِ القرضِ الذي جَرَّ نَفعاً: ما يُعرَفُ بإعادَةِ التَمويل, فإذا ما تَعَثَّرَ العميلُ في السَدَاد, فإنَّ البَنكَ يُعطِيهِ تَمويلاً جَديداً بشرط: أنْ يُعَاوِدَ تَسْدِيدَ التَمويلِ الأول, ثُمَّ يُواصِلُ تَسدِيدَ التمويلِ الثاني, فالتمويلُ الثاني في حقيقتِهِ إنِّمَا هو ثَمَرَةٌ مِن ثَمَرَاتِ التَمويلِ الأول.
ومِن صِورِ الرِّبَا التي قد تَخفَى على كثيرٍ مِن الناس: ما يُعرَفُ بالفوائدِ البنكِيةِ على الحِسَابَاتِ الجَارية, إذْ الحِسَابَاتُ في البُنُوكِ على قِسمين: حِسَابَاتٌ جارية, وأخرى استِثمَارِية.
فالحِسابَاتُ الاستِثمَارِية في حَقيقَتِها هي: عَقدُ وَكَالَةٍ مِن العميلِ للبَنكِ للـمُضَارَبَةِ بمالِهِ, العميلُ فيهِ مُعَرَّضٌ للربحِ والخَسَارة؛ ولذا فأخذُ ما نَتَجَ عن هذهِ الحِسَاباتِ مِن أرباح, جَائزٌ شَرعا.
أمَّا الحِسَابَاتُ الجارِية, فهي: الحسابَاتُ التي يُودِعُ فيها العميلُ ويَسحَبُ مِنها, وتَتَرَتَّبُ عليها الخَدَمَات, وهي في حَقِيقَتِهَا: قَرضٌ مِن العميلِ للبَنك؛ إذْ البَنكُ يُتَاجِرُ بأموالِ العُمَلاءِ لِحِسَابِ نَفْسِهِ, ويَرُدُّ بَدَلَهَا, وعليهِ ضَمَانُهَا ولو لم يَتَعَدَّ ولم يُفَرِّط, وبالتالي: فأيُّ فائدةٍ مَشرُوطَةٍ أو مُتَواطَئٍ عليها, تَعُودُ على العميلِ مِن هذهِ الحِسَاباتِ, هي صُورَةٌ مِن صِوَرِ رِبَا الديون.
ومِن هذا نَعرِفُ عِلَّةَ تَحريمِ فتحِ الحِسابَاتِ في البُنوكِ الرِبَوية -ولو لم يِأخذ المرءُ مِنهُم فوائد- لأنَّ المرءَ بفَتحِهِ الحِسَابَ يُقرِضُهُم ولا بُدَّ, وهم يُتَاجِرُونَ في الرِّبَا.
ومِنهُ نَعرِفُ أيضاً: عِلَّةَ تحريمِ الـمُسَاهَمَةِ في الشَرِكاتِ الرِبَويةِ والـمُختَلَطَةِ؛ إذْ أنَّ الـمُسَاهِمَ في الحقيقةِ شَريكٌ في رأسِ المال, والشَرِيكُ مأخوذٌ بِشَرَكِهِ.
ألا فليَحتَطْ كُلُّ امرئٍ لدينِهِ, وليَحذَر جُرأتَهُ على الآثَامِ, أنْ يُسلَبَ على إثْرِهَا الإيمانَ, فيَزِيغَ قَلبُهُ, فيَهلَك..

أقول هذا القول, واستغفر الله لي ولكم...

الحمدُ للهِ كما بالهُدَى بَعَث, و الحمدُ للهِ بِهُدَاهُ أحيَّا أُمَماً بعدَ سِنيِّ الجَدَث, فتَمَّتْ النِعمَةُ, وعَظُمَتْ المِنَّةُ, والخيرُ على الخَلقِ اندَلَث, فقامتْ الحُجَةُ, واستقامتْ الـمَحَجَةُ, وبعدَ الفُرقَةِ كانَ اِلتِئَامُ الشَعَث, وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ على عبدِهِ ورَسُولِهِ محمد, وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين, ما خَلَقَ رَبُّكَ خَلْقاً, ثُمَّ أَمَاتَهُ, ومِن بعدِ المَوتِ بَعَث.
أما بعد : أهلَّ الإسلام.. فلئن تَقَدَّمَ الحديثُ على شئٍ مِن صِوَرِ الرِّبَا, فثَّمَةَ صُوَرٌ قد يَظُنُّ البعضُ أنَّها مِن الرِّبَا, وهي ليست كذلك, فحَسُنَتْ الإشَارَةُ إليها هُنا, دَفعاً لِلَبسِ, ورَفْعاً للإشكَال:
الصُورَةُ الأولى: أخذُ البُنُوكِ غَرَامَاتٍ مالية, على الحساباتِ الجاريةِ التي يَقِلُّ فيها الرصِيدُ عن حَدٍّ مُعَيَّن, فهذا ليسَ مِن الرِّبَا؛ لأنَّ الفائدةَ هُنَا عَائِدَةٌ إلى الـمُقتَرِضِ -الذي هو البَنك- دونَ الـمُقرِضِ -الذي هو العميلُ صاحِبُ الحِسَاب- والرِّبَا إنِّما يكونُ هُنا-كما تَقَدَّم- إذا جَرَّ القرضُ نَفعَاً للـمُقرِض.
الصُورَةُ الثانية: رُسُومُ السَدادِ في مَكَاتِبِ الخَدَمَات, ومِثلُهَا رُسُومُ السَحبِ مِن صَرَّافَاتِ البُنُوكِ غَيرِ مُصْدِرَةِ البِطَاقة, كُلُّ هذهِ في حَقيقَتِهَا هيَ رُسُومٌ على الخِدمَةِ الـمُقَدَّمَة, لا تَتَغَيَّرُ بتَغَيُّرِ مِقدَارِ المبلَغِ الـمُسَدَّدِ, أو المسحُوب, فلا تَدخُلُ في الرِّبَا.
الصُورَة الثالثة: شِرَاءُ قَرضِ صُندُوق التَنميةِ العقَارِي, سواءٌ كانَ مع الأرض, أو مُجَرَّداً مِن دُونِ أرض, فشِرائَهُ في الحالينِ بنُقُودٍ أو غيرِها, لا يَدخُلُ في الرِّبَا, لأنَّ البائعَ للقَرضِ غيرَ الـمُستَوفِي لَهُ, فالذي يَبيعَهُ هو مَن استَحَقَّهُ, والذي يَستَوفيِهِ هو صُندُوقُ التنمية, فالجِهَتانِ مُنفَكَتَان, فلا رِبَا والحالَةُ هذه, والـمُشتَرِي إنِّما اشتَرى مكانَ البائعِ في سُلَمِ الاستحقاق, فلم يَظلِم مَن يأتي بعدَهُ بتأخيرِ أوانِ تَسَلُّمِهِ قَرضَهُ, وإنِّما هو بمنزلةِ نَقلِ القَدَم, وإنْ قِيلَ: بتحريمِهِ, فمِن جِهَةِ الامتِثَالِ لأمرِ وليِّ الأمرِ, وما يَرَاهُ مِن مَصلَحَةٍ في مَنعِ ذلك؛ إذْ الـمَسكَنُ استِقرَار, وقَرضُ صُندوقِ التنميةِ مِمَّا يُعِينُ على إيجادِه..

عَلَّمَنَا اللهُ ما يَنفَعُنَا, ونَفَعَنَا بما عَلَّمَنَا, وزادَنا مِن فَضلِهِ..
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين, ..

وكتب/ نايف بن حمد الحربي.
المرفقات

776.doc

المشاهدات 1693 | التعليقات 0